ترجمة: علي زين العابدين برهام
سعيد حجاريان مفكر سياسي وإصلاحي إيراني بارز، لعب دورا محوريا في صياغة سياسات حكومة محمد خاتمي (1997-2005). تعرض عام 2000 لمحاولة اغتيال أصابته بشلل جزئي، لكنه واصل تحليلاته النقدية، وكتاباته وآراءه.
نشرت صحيفة “هم ميهن” الثلاثاء 11 مارس/آذار 2025 تقريرا عن السياسي الإصلاحي البارز سعيد حجاريان، موضحة آراءه في قراءة لمقال كان قد كتبه بعنوان “الحركات المناهضة للنظام”.
ذكرت “هم ميهن” أن الأربعاء 12 مارس/آذار 2025 يصادف ذكرى محاولة اغتيال سعيد حجاريان، الذي كان آنذاك المستشار السياسي للرئيس محمد خاتمي وعضوًا بارزا في مجلس بلدية طهران. في الأيام الأخيرة من شتاء عام 2000 تعرض حجاريان لإطلاق نار مباشر، وهو الحدث الذي وصفته الصحف حينها بـ “رصاصة في رأس الإصلاحات”.
وأضافت أنه قد نجا من تلك الرصاصة بمعجزة، لكنها لم تفشل في إسقاط الإصلاحات، تماما كما أراد منفذوها وداعموها. ورغم أنه لم يكن يرى نفسه رمزا أو “عقل” الإصلاحات كما كان يُقال، فإن مرور 25 عاما على ذلك اليوم الدامي يؤكد أن الإصلاحات لم تعد أبدًا إلى ما كانت عليه قبل 12 مارس/آذار 2000.
حجاريان بعد 25 عاما.. أفكار معزولة وسلطة بلا قيود
ذكرت الصحيفة أنه بعد مرور ربع قرن على محاولة اغتياله، لا يزال سعيد حجاريان يتمتع بعقل متقد وأفكار إبداعية، لكنه، كحال العديد من النخب والمفكرين والمحللين، يرى أن أفكاره لا تجد طريقها إلى دوائر السلطة، ولا تساهم في حل أزمات البلاد.
وأضافت أنه في المقابل، فإن القوى والتيارات التي دعمت أو بررت محاولة اغتياله ازدادت سطوة ونفوذا، حتى أنها عندما تخسر الانتخابات، تظل ممسكة بزمام الشارع، والبرلمان، والمشهد السياسي. وخلال أقل من سبعة أشهر، استطاعت إضعاف الحكومة القائمة وإقصاء قادتها الواحد تلو الآخر.
وأشارت إلى أن حجاريان كان قد نشر ، قبل يومين فقط من ذكرى محاولة اغتياله، مقالا بعنوان “الحركات المناهضة للنظام”. ورغم أن المقال لا يرتبط بشكل مباشر بهذه الذكرى، فإن قراءته في سياق أشمل تكشف عن مسار امتد على مدى 25 عاما، حيث تحوّل التيار المتشدد من كونه حركة “مناهضة للنظام” ضد الحكومة والصحفيين والإصلاحيين، إلى “حركة مناهضة للنظام” على مستوى دولي.
حجاريان يحذّر من العزلة الدولية.. هل من يستمع؟
ذكرت “هم ميهن” أن ذكرى محاولة اغتيال حجاريان تحلّ في وقت أثارت فيه تصريحات محسن رفيق دوست، وزير الحرس الثوري الأسبق، حول العمليات الخارجية واغتيال المعارضين والمفكرين، ضجة عالمية ودهشة واسعة بين المراقبين. هذه المقابلة، التي كشفت عن حجم نفوذ القوى المناهضة للنظام العالمي، تبدو وكأنها تصعيد متعمد يهدف إلى تأزيم السياسة الخارجية للحكومة، في وقت تواجه فيه إيران ضغوطًا دولية غير مسبوقة.
وأضافت أنه وسط هذا المشهد، يعبّر حجاريان في مقاله الأخير، “الحركات المناهضة للنظام”، عن قلقه العميق من استمرار النهج الذي يضع إيران في مواجهة المنظومة العالمية، سواء كان ذلك بسبب خيارات داخلية متشددة أو نتيجة لصورة تروج لها القوى الدولية. ومن خلال استعراضه لتجارب الدول اليسارية التي تبنت نهجا معاديا للنظام العالمي، يلمّح إلى أن لا مفر من قبول قواعد اللعبة الدولية. ففي حين أن الصين انخرطت في المنظومة العالمية وحصدت المكاسب، انتهى الاتحاد السوفييتي إلى التفكك بفعل العزلة والمواجهة المباشرة مع الغرب.
وأشارن إلى أنه اليوم، بعد 25 عاما من تعرضه لرصاصة كادت أن تودي بحياته يحذّر حجاريان من أن الإصرار على السير في طريق المواجهة الدولية سيؤدي إلى تآكل قدرة إيران على التفاوض والمناورة السياسية. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل ستلقى هذه التحذيرات آذانا صاغية في ظل تصاعد التهديدات الخارجية وهيمنة التوجهات الراديكالية داخليا؟ أم أن العزلة ستترسخ أكثر، دون اكتراث بالعواقب؟
ملخص مقال حجاريان: مواجهة النظام العالمي أو الاندماج فيه؟
تابعت الصحيفة بأن حجاريان يرى أنه بعد عقود من التحولات في السياسة والعلاقات الدولية والقانون الدولي والاقتصاد العالمي، بات هناك إجماع بين معظم الدول على وجود نظام عالمي مترابط. هذا النظام، الذي يقوم على أسس رأسمالية، يتمتع بديناميكية خاصة، حيث تتكامل أجزاؤه بدلا من أن تكون متنافرة، ويخضع لمنطق داخلي متماسك.
وأشارت إلى قوله إنه يمكن اعتبار التحول الذي شهدته الصين دليلا واضحا على قوة هذا النظام العالمي. في البداية، كانت الملكية والأسواق تحت سيطرة الدولة بالكامل. لكن تدريجيا، بدأت بعض أشكال الملكية الخاصة بالظهور، وبدأت المنافسة في نطاق محدود. ومع مرور الوقت، توسع هذا الاتجاه وأدى إلى نشوء مفهوم “الاشتراكية القائمة على السوق”، وهو نهج أبقى الملكية تحت سيطرة الدولة، لكنه سمح للسوق بتحديد الأسعار وحرية التبادل التجاري.
وأضافت توضيحه لمسار اندماج الصين في النظام الرأسمالي العالمي، مشيرا إلى أن هذا التحول بلغ ذروته عندما تم الاعتراف بالملكية الخاصة وتكريسها قانونيا، مما أدى إلى الإبقاء على القشرة الشيوعية للصين، بينما تسلل جوهر رأسمالي إلى بنيتها الاقتصادية.
وذكرت أنه استعرض السمات الأساسية للنظام الرأسمالي، مؤكدا أنه يقوم على احترام الملكية الخاصة إلى جانب مجموعة من الخصائص الجوهرية، من أبرزها:
– “الجدارة والاستحقاق”، حيث يتم ترقية الأفراد بناء على مهاراتهم وكفاءتهم وإنتاجيتهم، لا وفقًا للاعتبارات الأيديولوجية أو الانتماءات السياسية.
– “حكومة صغيرة ومرنة”، تتدخل فقط في المجالات التي يعجز القطاع الخاص عن إدارتها، مثل الرعاية الصحية، والأمن، والسجون، والصناعات المتقدمة كاستكشاف الفضاء والصناعات العسكرية.
وتابعت بإشارته إلى أن مفهوم “الدولة الصغيرة” لم يبق ثابتا، بل شهد تحولات جوهرية عبر الزمن، حيث تخلت بعض الحكومات عن العديد من الخدمات الاجتماعية، وهو ما تجلى في سياسات إدارة ترامب، التي اعتمدت نموذجا قائما على تعظيم الأرباح، وتقليص “المستفيدين غير المنتجين” من برامج الدعم الاجتماعي.
واستطردت بأنه في هذا السياق، يلفت حجاريان إلى أن النظام الرأسمالي العالمي لم يكن خاليا من التحديات والانقسامات، إذ برزت داخله حركات اجتماعية مناهضة لمنطقه الربحي المحض، من أبرزها:
– الحركات البيئية التي تتصادم مع نهج تعظيم الأرباح على حساب الاستدامة البيئية وحقوق الأجيال القادمة.
– مطالب تتعلق بـ الهجرة، الصحة، السياسات الاجتماعية، والتعليم، وهي قضايا غالبا ما تُهمش إما بسبب طبيعة الرأسمالية التي تعلي من شأن الربحية، أو نتيجة لتبدل الحكومات والأحزاب الحاكمة.
وأفادت بأنه يخلص إلى أن هذه التوترات داخل النظام العالمي تكشف عن الصراع المستمر بين منطق السوق الحر ومتطلبات العدالة الاجتماعية، وهو ما يفتح الباب أمام تساؤلات حول قدرة الرأسمالية على تحقيق التوازن بين الربح والمسؤولية الاجتماعية في المستقبل.
وذكرت أنه تساءل عن كيفية تعامل النظام العالمي مع خصومه المناهضين له، معتبرا أن دراسة هذا الصراع تستوجب العودة إلى أكثر النماذج الراديكالية في الحركات المناهضة للنظام، مثل حركات التمرد المسلح. ويستشهد بتجربة تشي جيفارا قائلا:
“حين انطلق جيفارا إلى بوليفيا لمحاربة الرأسمالية، قُمِع بسرعة من قِبل النظام العالمي. لكن هذا القمع لم يكن نهاية المواجهة معه، بل قام النظام الرأسمالي بتفعيل منطقه الربحي، وحوّل اسمه وصورته إلى سلعة استهلاكية مربحة، حيث أُنتجت القمصان والقبعات المزينة بصورته وسُوِّقت عالميا، محوّلة بذلك رمزه الثوري إلى أداة لتعظيم الأرباح.”
وأضافت أن حجاريان انتقل في تحليله إلى الاتحاد السوفييتي، معتبرا أنه عجز عن التكيف مع النظام العالمي، حيث افتقر إلى الركائز الأساسية التي يقوم عليها هذا النظام، وقدم نماذج مشوهة من عناصره. ويوضح ذلك قائلا:
“في الاتحاد السوفييتي، لم تكن هناك أي قيمة حقيقية لـ “المنافسة”، إذ لم يكن الاقتصاد السوقي موجودا، رغم أن النخب الحاكمة كانت تسعى لتحقيق أقصى الأرباح عبر شبكات السلطة والفساد. كما أن معايير الجدارة والكفاءة لم تكن ذات أهمية، بل كان “الولاء”’ وإعادة إنتاج الأيديولوجيا الحاكمة هما الأساس في الترقي السياسي والإداري.”
وتابعت: يصف حجاريان هذه الظاهرة بمفهوم “النومنكلاتورا”، وهو نظام مغلق احتكر النخبة الحاكمة وسدّ أي مجال لتداول السلطة، حيث لم يكن للأفراد أي فرصة للصعود إلا بموافقة الحزب الشيوعي. ويرى أن انهيار رأس المال الاجتماعي وانفصال الدولة عن المجتمع كانا دليلًا على عدم قدرة الاتحاد السوفييتي على مواكبة النظام العالمي.
وأردفت أنه اختتم تحليله بالإشارة إلى أن تفكك الاتحاد السوفييتي لم يكن مجرد نتيجة لحدث طارئ، بل جاء في لحظة ظنّ فيها النظام أنه لا يزال قادرا على البقاء، لكنه انهار فجأة تحت وطأة تناقضاته الداخلية وعجزه عن التكيف مع العالم.
إيران بين المواجهة والتكيف مع النظام العالمي
ذكرت الصحيفة أنه بعد استعراضه للتجارب الدولية، تناول سعيد حجاريان كيفية تعامل إيران مع النظام العالمي، مشيرا إلى أن موقعها الجغرافي فرض عليها الارتباط بالمنظومة الدولية، سواء شاءت أم أبت.
وأضافت منظوره أن هذه التجربة التاريخية تؤكد استحالة أن تبقى إيران محايدة أو غير متأثرة بالنظام العالمي. حتى في عهد الأسرة البهلوية، ورغم التماشي الظاهري مع المنظومة الدولية، كانت السياسات الداخلية القائمة على المحسوبية، وسوء إدارة الموارد الوطنية، وغياب الاستقرار الطبقي، وانخفاض كفاءة المؤسسات الحكومية عوامل جعلت النظام البهلوي فعليًا مناهضًا للنظام العالمي.
وأشارت إلى أنه مع انتصار الثورة الإسلامية، دخلت إيران مرحلة جديدة، حيث يصف حجاريان الثورة بأنها لم تكن نتيجة مؤامرة خارجية ولا ثمرة اتفاق سياسي، بل كانت حركة مناهضة للنظام العالمي، لم تتماشى مع الخطاب السائد لدى القوى الكبرى. ويشير إلى أن النظام الإيراني بعد الثورة واجه خيارين رئيسيين:
- الاستمرار كحركة مناهضة للنظام العالمي.
- التكيف والاندماج مع المنظومة الدولية.
وذكرت قوله أنه باستثناء بعض الفترات القصيرة، كان الخيار المتبع هو الاستمرار في النهج الحركي المواجه للنظام العالمي، حيث تعزز هذا التوجه عبر سياسات إقليمية ونهضوية ارتبطت بخطاب معادٍ للمنظومة الدولية.”
وأضافت توضيحه أن هذا النهج لم يعزز مكانة إيران على الساحة الدولية كما كان مأمولا، بل على العكس، حرمها بسرعة من مزايا الانخراط في النظام العالمي، فالانفصال عن المنظومة الدولية أضعف قدرة إيران على التفاوض والمساومة، وقلص دورها إلى الحد الأدنى في سلاسل القيمة الإقليمية والعالمية، وكذلك في الاتفاقيات التجارية والاقتصادية الكبرى.
واختتمت التقرير بقوله أن تبعات هذا الانفصال لا تقتصر على العزلة الاقتصادية، بل امتد تأثيره إلى الداخل، حيث أدى إلى تآكل أسس رئيسية مثل التنافسية، واحترام الملكية، والجدارة والاستحقاق، وكفاءة الدولة، ما ساهم في تفاقم الأزمات الداخلية وتعميق الخسائر على مختلف الأصعدة.