ترجمة:نوريهان محمد البهي
نشرت صحيفة آرمان ملي، الأحد 29 ديسمبر /كانون الأول 2024، حوارا أجرته مع الناشط السياسي الإيراني غلام علي دهقان، تحدث فيه عن سياسات الحكومة الإيرانية الحالية بقيادة مسعود بزشكيان، خاصة في ما يتعلق بالقضايا الاقتصادية والسياسية، كما تطرق إلي القرارات الأخيرة مثل رفع الحجب وتأثير ذلك علي القاعدة الشعبية، إضافة إلى رؤيته للمستقبل السياسي والاقتصادي لإيران، وفي ما يلي نص الحوار:
في سياق وعوده التي أثارت اهتماما واسعا، كان رفع الحجب أحد أبرز التعهدات التي قطعها مسعود بزشكيان، وقد تم تحقيق المرحلة الأولى من هذا الوعد بالفعل. إلا أن هذا النجاح الأوَّلي لم يمر دون تحديات، حيث قام معارضو الحكومة بتوجيه رسائل احتجاجية وشن هجمات واسعة ضد الحكومة، مما جعل الطريق أمام استمرار هذا التوجه أكثر صعوبة. في ظل هذه الظروف، يبقى السؤال الأهم: إلى أي مدى يمكن أن يعزز تحقيق هذا الوعد القاعدة الاجتماعية لبزشكيان؟
أعتقد أنه يجب أن نتحلى بالصبر وننتظر ما سيحدث. تدريجيا، بدأت وعود بزشكيان الانتخابية تتحقق، وآخر هذه الوعود كان رفع الحجب عن واتساب وجوجل بلاي. من بين 16 فصلا من فترة حكومته التي تمتد لأربع سنوات، مر فصل ونصف تقريبا. في هذه الظروف، يمكننا إجراء تحليل مختصر في عدة مجالات، مثل الاجتماعي، والثقافي، والسياسي، والاقتصادي.
ففي المجال الاجتماعي، أرى أنه يمكننا منح حكومة بزشكيان تقييما إيجابيا. على سبيل المثال، كان اختيار العديد من المحافظين بناءً على معايير جديدة من أبرز إنجازات الحكومة. حتى مولوي عبد الحميد، إمام الجمعة لأهل السنة في زاهدان، الذي كان قد تبنى نهجا نقديا في السنتين الأخيرتين، لم يكن أمامه سوى أن يثني على هذه الخطوة.
ومن ثم تم اختيار محافظين يتناسبون مع الأغلبية القومية والدينية في مناطق مثل سيستان وبلوشستان وكردستان وخوزستان، وهو أمر يعكس التوازن والتنوع.
إضافة إلى ذلك، كان هناك تعزيز لدور النساء في المناصب الحكومية، سواء في الوزارات أو المعاونين أو المتحدثين الرسميين، وهو ما يعد سابقة في تاريخ الحكومة الإيرانية.
وفي ما يتعلق بقانون الحجاب، أرى أنه في هذا السياق، أظهر بزشكيان فهما عميقا للأوضاع الاجتماعية، ونجح في منع تنفيذ هذا القانون من خلال التنسيق مع القوى السياسية المؤثرة، وهو إنجاز مهم.
وأخيرا، يمكنني القول إن بزشكيان نجح في إلغاء الحجب عن واتساب وجوجل بلاي من خلال تعاملاته مع المجلس الأعلى للفضاء الإلكتروني، ما يعكس التحول من النهج السلبي إلى الروح الإيجابية في التعامل مع القضايا الاجتماعية.
هل كانت هذه الحالة موجودة أيضا في المجال الثقافي؟
سأشرح لك، ففي الحكومة الرابعة عشرة، أعتقد أن أداء حكومة بزشكيان كان جيدا في الجانب الثقافي.
كما تعتبر زيارة الرئيس مسعود بزشكيان لشخصيات مرموقة مثل محمد علي موحد، أحد الأساتذة البارزين، وكذلك لقاؤه مع الدكتور رضا داوري، الفيلسوف الشهير، فضلا عن زيارة وزير التعليم العالي للأستاذ شفيعي كدكني، الذي يعد من الأسماء البارزة في الأدب الإيراني، هي إشارات واضحة على اهتمام الحكومة بالعلم والحكمة.
وعلى الرغم من أن هذه اللقاءات لم تقتصر على هذه الأسماء فقط، فإن التوجه الصحيح للحكومة بتكريم العلماء وأهل الفكر أصبح جليا.
وفي هذا السياق، من المهم أيضا الإشارة إلى عودة العديد من الطلاب والأساتذة إلى البلاد، مما يعكس روح المرونة التي تتسم بها هذه الحكومة.
من المعروف أن حكومة بزشكيان واجهت تحديات كبيرة في المجال السياسي، حيث تعرضت لانتقادات مستمرة من المعارضين الذين شككوا في أدائها. برأيك، هل نجح بزشكيان في تجاوز هذه التحديات وتحقيق الاستقرار السياسي؟
في الجانب السياسي، أعتقد أن اللقاءات التي أجراها بزشكيان مع شخصيات من مختلف التيارات السياسية، من جبهة بايداري الأصولية إلى جبهة الإصلاح، تعكس روحه التوافقية واستعداده للتعامل مع كافة الأطراف السياسية.
وعلاوة على ذلك، المجال الخارجي، فقد كانت السياسة الخارجية دائما في مقدمة أولويات الحكومة.
وعلى سبيل المثال، كانت زيارة بزشكيان الأولى لأربيل والسليمانية في العراق خطوة هامة نحو تعزيز العلاقات مع جيراننا.
اهتمام خاص كما أن زيارته الأخيرة لمصر كانت مثيرة للاهتمام، حيث سعت الحكومة من خلالها إلى تقوية العلاقات مع الدول العربية.
وهذه الزيارات تشير إلى نهج الحكومة المتوازن في تعزيز التعاون الإقليمي والدولي، وهو ما يعكس قدرة بزشكيان على تحقيق توازن في العلاقات السياسية.
إضافة إلى ذلك، تعكس الزيارات التي قام بها وزير الخارجية الإيراني الحالي عباس عراقجي، في هذه الفترة، اهتمام الحكومة الكبير بتعزيز الدبلوماسية جنبا إلى جنب مع تعزيز القوة الميدانية.
ومن خلال هذه التحركات، أصبح من الواضح أكثر من أي وقت مضى، أن الدبلوماسية تلعب دورا كبيرا في السياسة الخارجية الإيرانية.
علاوة على ذلك، تمكن محمد جواد ظريف، نائب الرئيس الإيراني للشؤون الاستراتيجية، من الاستفادة من تجاربه القيمة في السياسة الخارجية، واتباع سياسة الدبلوماسية العامة التي أسهمت في تحقيق خطوات إيجابية في تعزيز العلاقات مع شعوب الدول الأخرى.
أما في ما يتعلق بموقف المعارضين تجاه الحكومة، يجب أن أشير إلى أن التيار الأصولي في إيران تيار فكري يمتد من طرف إلى طرف آخر، حيث يمثل أحد أطرافه عبد الحسين الله كرم، أحد القادة في الحرس الثوري سابقا، في حين يمثل الطرف الآخر علي لاريجاني، رئيس البرلمان السابق.
وبين هذين الطرفين، هناك شخصيات مثل محمد باقر قاليباف رئيس البرلمان، ومحسن رضائي، الأمين العام لمجمع تشخيص مصلحة النظام الإيراني، إضافة إلى حزب موتلفه، الذين يشكلون جزءا كبيرا من هذا التيار الفكري.
كما أقول لك إن سعيد جلیلی، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي، كان يشير في مناظراته الانتخابية إلى استيائه من التشبيه بين قراءته للإسلام وقراءة طالبان، وأنا أعتقد أنه كان محقا في شعوره هذا.
ففي تلك الفترة، انتشرت صور له وهو يوجد مع نساء يرتدين ملابس لا تتوافق مع المعايير التقليدية للحجاب، ولم يُبدِ أي اعتراض على ذلك.
ورغم أنني لا أؤيد تلك المقارنات، فإنني أرى أن هناك بعض التوجهات في فكر بعض الأصوليين التي تقترب من الفكر الطالباني.
لكننا يجب أن نكون مدركين أن تصريحات الأصوليين الراديكاليين لا تعكس بالضرورة الموقف العام لجميع الأصوليين.
كما أن هذه التصرفات والأقوال من الأصوليين الراديكاليين تتحول في الساحة السياسية إلى نوع من الاستقطاب السياسي، مما يزيد من حدتها.
وفي المقابل، نجد الظاهرة نفسها في التيار الإصلاحي، حيث يرى بعض الأصوليين أن الإصلاحيين امتداد للفكر الذي طرحه تقیزاده وزير الخارجية الإيراني الأسبق، الذي كان يدعو إلى تحول إيران بالكامل إلى النموذج الغربي.
فنحن بحاجة إلى خلق بيئة حوارية تتيح لجميع التيارات الفكرية الفرصة للنقاش والتفاهم. ففي الوقت الراهن، يواجه مجتمعنا حاجة مُلحة للحوار أكثر من أي وقت مضى، ولا يوجد بديل لذلك سوى التواصل المباشر والاحترام.
أحد أبرز الانتقادات التي يوجهها المواطنون لحكومة بزشكيان يتعلق بالوضع الاقتصادي، حيث يشعر كثيرون بعدم وجود تحسن ملموس في مستوى معيشتهم. وفي ظل ذلك، يبدو أن تحسين وضع المواطنين المعيشي يعد من العوامل الأساسية في حكم الرأي العام على الحكومة. كيف ترى تأثير هذا الأمر على الحكومة في الفترة الحالية؟
منذ بداية فرض العقوبات، يبدو أن كل حكومة تعاقَب، تعاني من ارتفاع أسعار العملة والذهب. على سبيل المثال، في بداية حكومة الرئيس الأسبق إبراهيم رئیسی، كان سعر غرام الذهب مليون ريال إيراني، بينما وصل إلى 3.4 مليون ريال بنهاية الحكومة في يونيو/حزيران 2024.
وبناءً علي ذلك، فإن هذه الزيادات في الأسعار تعكس تأثيرات العوامل الاقتصادية الداخلية والخارجية التي واجهتها الحكومات المتعاقبة، وما زال من المبكر تحديد كيف ستتمكن حكومة بزشكيان من التعامل مع هذه التحديات.
لكن مع استمرار الضغوط الاقتصادية، يبقى الأمل في تحقيق تقدم من خلال الدبلوماسية الحكيمة ورفع العقوبات الاقتصادية.
أما الآن، فأسعار الذهب ما زالت في ارتفاع. ويجب أن ننتظر المستقبل لنرى ما إذا كان بإمكان حكومة بزشكيان، من خلال الدبلوماسية الحكيمة، خصوصا رفع العقوبات الاقتصادية، أن تحقق نتائج ملموسة في المجال الاقتصادي.
كما أنني شخصيا، متفائل بمستقبل حكومة بزشكيان، وأعتقد أن خطابه السياسي يتسم بعدة خصائص.
أولا، هو حلقة وصل بين التقليدية والحداثة.
ثانيا، يمثل خطاب بزشكيان حلقة وصل بين مختلف القوميات الإيرانية.
ومن ناحية أخرى، يعتبر بزشكيان من خلال خطابه السياسي حلقة وصل بين ولاية الفقيه وعموم الشعب الإيراني.
كما أنني أعتقد أن الـ16 مليون شخص الذين صوتوا لبزشكيان في الانتخابات قد يكون عددهم أقل، مقارنة برؤساء الحكومات الآخرين، ولكن من الناحية النوعية، فإن هذه الأصوات ذات قيمة أكبر، وفاز بزشكيان في الانتخابات على الرغم من أن القوى المحافظة كانت تهيمن على مفاصل الدولة في السنوات الأخيرة، مما يثبت مدى فطنته السياسية وإنجازاته.
إضافة إلى ذلك، يعتبر بزشكيان حلقة وصل بين مطالبات أولئك الذين لم يشاركوا في الانتخابات أو الذين شاركوا فيها بتردد.
وأخيرا، وفي ختام حديثي أؤكد أن كل هذه العوامل تساهم في خلق أجواء من التفاؤل بشأن المستقبل، مما يجعلنا نأمل أن يفي بزشكيان بوعده للشعب طالما أن الظروف تسمح له بذلك.