ترجمة: علي زين العابدين برهام
في ظل الهجمات التي يتعرض لها نائب الرئيس الإيراني للشؤون الاستراتيجية محمد جواد ظريف من قِبل المتشددين، يعتقد بعض المحللين السياسيين أن الهدف من هذه الهجمات هو التهرب من المساءلة بشأن سعيد جليلي، مستشار المرشد الإيراني، الذي يرى، بحسب تعبير بيجن نامدار زنكنه، السياسي ووزير النفط السابق، أن مسؤوليته تكمن في وقف ملفات المفاوضات النووية، وFATF، وملف كريسينت.
تأتي هذه الهجمات على الحكومة تحت ذريعة التفاوض مع الغرب في وقت اعترف فيه مسؤولو الحكومة مرارا بأن القرار النهائي بشأن المفاوضات يعود للمرشد الأعلى علي خامنئي، وأنهم لن يتخذوا أي خطوة دون التنسيق معه.
نشرت وكالة أنباء “خبر أونلاين” 28 يناير/كانون الثاني 2025 حواراً مع علي شكوري راد، الناشط السياسي الإصلاحي وعضو حزب “اتحاد ملت”، حول هذا الملف الشائك.
وفي ما يلي نص الحوار:
في الأيام الأخيرة، شهدنا هجمات من قبل مجموعات متشددة ضد ظريف، حيث نزل “المكفّنون” إلى الشوارع، ورفع التيار المتشدد في الساحة السياسية شعارات تهديدية ضده.. ما تحليلكم لهذه التطورات؟
يمكن تحليل هذا الموضوع على مستويين: الأول سياسي، حيث يُهاجم ظريف وتُوجَّه إليه انتقادات سياسية، والثاني من خلال التجمعات التي نُظمت، والتي شهدت هتافات ضد ظريف والرئيس، بالإضافة إلى بعض الألفاظ المسيئة.
على المستوى السياسي، من الواضح أن جبهة “بايداري” الأصولية تقف وراء هذه الحملة، فهؤلاء المعارضون لتوجهات حكومة الدكتور بزشكيان يعارضون بشكل خاص تصريحاته التي أكد فيها أن الحكومة تسعى إلى تجنب الصراعات الداخلية والخارجية، وأن هدفها هو تحقيق المصالح الوطنية من خلال الحوار والتعاون.
لكن هذا التيار المتشدد، الذي يحمل رؤى “نهاية الزمان”، لا يهتم بمصالح الشعب أو الوطن، وبالتالي لا يمكنه تقبل نهج بزشكيان الذي يركز على مصلحة الناس والتنمية الوطنية. كما أن انتقاداتهم تتجاهل أن بزشكيان يتعاون بشكل مستمر مع الجهات المعنية في اتخاذ قراراته.
هذا صراع فكري بين رؤية جبهة “بايداري” المتشددة ورؤية الرئيس بزشكيان التي تسعى إلى إدارة البلاد بشكل علمي ومتزن.
فيما يتعلق بالتحركات التي تتم في الشوارع والتجمعات، يمكن القول إنها تشمل عناصر موجهة تفتقر إلى الرؤية الفكرية، ويتم توجيهها من قبل التيارات السياسية. من الضروري أن تكون هناك خطط واضحة لتوجيه هذه العناصر، وإلا فإنها ستصبح بلا جدوى. ولهذا، تسعى هذه التيارات السياسية إلى تحريكهم في كل مناسبة والاستفادة منهم لأغراض سياسية. يجب ألا تنجر الحكومة أو تيارها السياسي إلى هذه التجمعات أو تنخرط مع من يسعون لتحقيق أهدافهم من خلال الشعارات والشتائم. من الأفضل ألا ترد الحكومة أو حلفاؤها عليهم أو يظهروا أي تفاعل.
وعلى المستوى السياسي، يجب على الحكومة الدفاع عن سياساتها بوضوح، كما أن المجتمع يساند الحكومة في مواقفها، بما في ذلك مواقف جواد ظريف الذي يعكس سياسات الحكومة. في الواقع، يشعر المتشددون أن ظريف شخصية دولية معروفة، وإذا تحدث فإن صوته سيُسمع في الساحة الدولية، لذلك، يسعون إلى تشويه هذه الصورة، الهجوم على ظريف في الواقع هو محاولة لتقويض الصورة التي تقدمها الحكومة على المستوى الدولي.
لقد ذكرت أن الحكومة قد أجرت التنسيق اللازم. كما أشار الرئيس بزشكيان في مقابلة مع شبكة NBC إلى أن المرشد الأعلى من يتخذ القرار النهائي بشأن المفاوضات. وفي الأسبوع الماضي، لاحظنا إشارات تفيد بأن بزشكيان لن يدخل في المفاوضات دون الحصول على إذن منه.. فما المنطق وراء هجوم المتشددين؟
في الواقع، يسعى المتطرفون إلى الضغط على المرشد الأعلى ليتخذ قرارات تتماشى مع مطالبهم. ومن وجهة نظري، سيصلون في النهاية إلى نقطة الصدام مع المرشد، فالمسار الذي يسيرون فيه حالياً هو مسار المواجهة، إلا أن المرشد لن يتأثر بهذه الضغوط وسيتخذ قراراته استناداً إلى المصالح الوطنية. وأعتقد أنهم في النهاية سيصلون إلى مرحلة يُنظر فيها إليهم كعناصر تعرقل مصالح إيران.
هل تعني بتوقعك هذا أولئك الذين يعتقدون اليوم أنهم أبرز داعمي النظام وأشد الناس تمسكاً بالثورة وولاية الفقيه؟
لقد شهدنا تجربة مماثلة في الانتخابات الماضية، ففي انتخابات البرلمان، قامت الجبهة التي تضم “جبهة بایداری” بتدبير ما يشبه “انقلاباً انتخابياً” ضد حلفائها، مما أدى إلى فقدان ثقة القيادة بهم، وقد تجسد ذلك بوضوح في نتائج انتخابات الرئاسة.
في الحقيقة، تم تنظيم الانتخابات بطريقة أدت إلى فوز بزشكيان بدلاً من جليلي. وأعتقد أن نتائج تلك الانتخابات كانت تعبيرًا عن فقدان النظام للثقة في “جبهة بايداري” والقوى المتشددة. هؤلاء يسعون لاستغلال تصريحات المرشد الأعلى السابقة حول المفاوضات لخلق ضغوط سياسية، وفي النهاية، أرى أنهم سيصلون إلى نقطة الصدام مع النظام، وستتجلى تداعيات فقدان الثقة بهم بشكل أكبر في المستقبل.
هل تعتقد أنه إذا منح النظام في المستقبل القريب إذناً للمفاوضات وأعلن دعم الحكومة رسمياً، سيتوقف المتشددون عن التصعيد؟
المتطرفون، من أجل الحفاظ على مواقعهم، قد يلتزمون بالصمت المؤقت في حال كان المرشد خامنئي حازماً في خطابه. ومع ذلك، سيستمرون في أساليبهم، وفي حال شعروا بأن المرشد أصبح أكثر وضوحاً وصراحة، قد يخففون من هجماتهم مؤقتاً.
صرح بيجن نامدار زنكنه، السياسي والوزير السابق، مؤخراً في خطاب موجه إلى سعيد جليلي: “أنتم تعتبرون مهمتكم هي إيقاف كل شيء، مثلما حدث في ملف الاتفاق النووي، قضية كريسينت، والمفاوضات وغيرها”. بالنظر إلى أن المسؤولية عن الكثير من هذه الملفات تقع على عاتق سعيد جليلي، وهو من تسبب في الوضع الراهن، فإن مؤيديه يثيرون ضجة كبيرة.. هل يمكن اعتبار هذا تكتيكاً للهروب من المسؤولية؟
يجب محاكمة سعيد جليلي بسبب الأضرار الكبيرة التي ألحقها بإيران. بعد أحمدي نجاد، الرئيس الأسبق، أعتقد أن جليلي هو الشخص الذي وجه النظام إلى هذا المسار، وأدى إلى انحرافه عن مساره الصحيح، لقد ألحق أضراراً جسيمة بالمصالح الوطنية، ويجب أن يتحمل مسؤولية ذلك.
أعتقد أن الرسالة التي وجهها أحد القضاة إلى رئيس السلطة القضائية يجب أن تكون الأساس لفتح تحقيق، ويجب محاكمة جليلي لمعرفة الأسباب التي دفعته لإلحاق هذه الأضرار بالبلاد والأهداف التي كان يسعى لتحقيقها، وأعتقد أن ما قاله زنكنه صحيح؛ فسعيد جليلي ألحق أضراراً جسيمة في قضية كريسينت، وما تلاها من أحكام قد أضرّت بإيران. هذه الأحكام تسببت في خسائر إيران لعشرات المليارات من الدولارات، وربما أكثر.
من يجب أن يتخذ الخطوة لفتح تحقيق ضد سعيد جليلي؟
أعتقد أن السلطة القضائية هي الجهة المختصة التي يجب أن تتحرك لفتح قضية ضد جليلي، وينبغي على الحكومة أيضاً أن تقدم شكوى رسمية ضده، وكذلك يجب أن يقوم زنكنه بتقديم شكوى. رغم أنني أعتقد أن زنكنه قد قدم شكوى بالفعل، إلا أنه من الضروري أن تتدخل السلطة القضائية والمدّعون العامون فوراً عندما يتبين لهم أن شخصاً ما متهم بارتكاب أضرار جسيمة بحق البلاد.
ليس من الضروري أن تأتي الشكوى من الأفراد، فالسلطة القضائية قادرة على فتح تحقيق من تلقاء نفسها. كما يحدث في حالات عديدة، حينما يُكتب مقال في صحيفة أو موقع إلكتروني، فإن المدعي العام عندما يلاحظ وجود مخالفات قانونية، يتخذ الإجراءات القانونية اللازمة على الفور. إذن، كيف لم تتحرك السلطة القضائية حتى الآن لاتخاذ إجراء ضد شخص ألحق أضراراً جسيمة بالبلاد، في الوقت الذي أعلنت فيه شخصيات اعتبارية عن هذه الأضرار؟
تمت مقارنة سعيد جليلي مع أحمدي نجاد، وفي سياق الانتخابات، قال نامدار زنكنه إن أحمدي نجاد كان في بعض الفترات موافق على تنفيذ مشروع كريسينت.. كيف تقيمون ذلك؟
بالنسبة لتفاصيل مشروع كريسنيت، لا أرغب في التعليق بشكل دقيق عليه، لكن المقارنة بين جليلي وأحمدي نجاد تأتي بسبب الأضرار الكبيرة التي تسببا بها لإيران.
من وجهة نظرك، من منهما ألحق أضراراً أكبر بالبلاد؟
أعتقد أن أحمدي نجاد ألحق أضراراً أكبر، لكن جليلي، بالتوازي مع أحمدي نجاد، كان له دور كبير في الأضرار التي نتجت عن سياسات نجاد. كما أنني أعتقد أن الأشخاص الذين دعموا جليلي في تنفيذ هذه السياسات مسؤولون عن هذه الأضرار أيضاً.