كتب: محمد بركات
تواجه العاصمة الإيرانية طهران، واحدة من أكثر الأزمات البيئية صعوبة، فأزمة نقص الموارد المائية تستمر بمرور الوقت وتؤثر سلبا على العديد من جوانب الحياة اليومية لسكان المدينة، ومع تزايد عدد السكان وتوسع النشاطات الاقتصادية والصناعية، باتت الحاجة إلى المياه أكثر إلحاحا من أي وقت مضى، أزمة تضاف لسجل أزمات طويل تعاني من طهران، في ظل دراسة الحكومة فكرة نقل العاصمة.
فقد أبدى العديد من الخبراء والمسؤولين مخاوفهم حول الوضع المائي في طهران، حيث أوضح حسام خسروي، الخبير في استغلال الموارد المائية، في تصريحات له مع صحيفة همدلي في عددها 2 مارس/آذار 2025، أن طهران تمرّ حاليا بمرحلة حرجة من حيث إمدادات المياه بسبب انخفاض هطول الأمطار وتراجع معدلات التغذية المائية، مشيرا إلى أن كمية الأمطار التي هطلت في طهران حتى الآن تقلّ بنسبة 6% عن معدلها السنوي المعتاد، وهو ما يعكس انخفاضا بنسبة 46% مقارنة بالعام الماضي، مضيفا أن موارد المياه الجوفية في طهران تشهد أزمة حادة بسبب الانخفاض المستمر في معدلات هطول الأمطار وتراجع نسبة تخزين المياه.
وبالشأن نفسه، كان مهدي بير هادي، رئيس لجنة الصحة والبيئة في مجلس مدينة طهران، قد قلل في تصريحات له في يناير/كانون الثاني 2025، من خطورة الوضع قائلا: “إن نقص المياه مسألة حيوية يجب التعامل معها على وجه السرعة”، وقد أشار كذلك إلى أن كميات هطول الأمطار في طهران قد انخفضت بشكل ملحوظ، وأنه يجب اتخاذ تدابير فورية لحل المشكلة قبل أن تتفاقم.
كذلك، فقد أكد بهزاد پارسا، المدير العام لشركة المياه الإقليمية في طهران، خلال تصريحات في فبراير شباط 2025، أن أزمة المياه ليست مجرد مسألة موسمية، بل هي مشكلة تتطلب حلولا، جذرية ومستدامة، موضحا أن هناك نقصا حادا في مياه السدود الرئيسية بطهران، مثل سد كرج الذي يحتوي على 14% فقط من طاقته الاستيعابية، مما يعوق توفير المياه للاستخدامات الزراعية والبلدية.
جدير بالذكر أن محمد صادق معتمديان، محافظ طهران، كان قد أعلن في الأول من 29 يناير/كانون الثاني 2025، أن الموارد المائية في المحافظة تمرّ بوضع حرج، حيث إن 15% فقط من سعة السدود الخمسة المخصصة لتأمين مياه الشرب لطهران ممتلئة، في حين أن 85% منها فارغة.
كما أشار معتمديان إلى حدوث تغييرات في أنماط تأمين المياه لطهران، موضحا أنه قبل عقد من الزمن، كان 70% من مياه الشرب في المحافظة تُستمد من الآبار والسدود، بينما كانت المصادر الجوفية توفر 30% المتبقية، إلا أن هذا التوازن قد انعكس، حيث أصبح الاعتماد على المياه الجوفية أكبر، لا سيما في جنوب طهران، مما أدى إلى تفاقم الأزمة.
أسباب الأزمة
هناك أسباب عدة لأزمة نقص الموارد المائية في طهران، تأتي على رأسها التغيرات المناخية وانخفاض معدل هطول الأمطار، فالتغير المناخي الذي تسبب في انخفاض هطول الأمطار بشكل ملحوظ، والذي بلغ متوسطا أقل من 291 ملم هذا العام، وهو أقل بنسبة كبيرة مقارنة بالمعدل السنوي الطبيعي، كان سببا رئيسا في نقص الموارد، حيث يؤثر هذا الانخفاض في كمية الأمطار على تغذية مصادر المياه الطبيعية مثل الأنهار والآبار الجوفية، مما يقلل من كميات المياه المتاحة للاستهلاك.
كذلك، الاستخدام غير المستدام للموارد المائية، حيث تشير الأرقام إلى أن استهلاك المياه في طهران يتجاوز المعدلات المقبولة، سواء على مستوى الأسر أو في القطاعين الصناعي والزراعي، فعلى الرغم من وجود تدابير للتخفيف من استهلاك المياه، فإن الضغط الكبير على الموارد المائية، سواء من خلال الزراعة المفرطة أو الاستخدام المنزلي المفرط، أدى إلى استنزاف الموارد الطبيعية، مما زاد من تعقيد الأزمة.
أيضا، يرجع أحد أسباب هذه الأزمة إلى الاستغلال المفرط للمياه الجوفية، فقد تم استخراج كميات هائلة من المياه الجوفية عن طريق حفر الآبار العميقة لتلبية احتياجات المدن الكبيرة مثل طهران، إلا أن هذا الاستغلال أدى إلى انخفاض مستوى المياه الجوفية بشكل خطير، كما أن الاستغلال المفرط لهذه المياه دون إعادة تغذية كافية للطبقات الجوفية يهدد بتفاقم مشكلة الهبوط الأرضي، وهو ما يشكل خطرا كبيرا على البنية التحتية للمدينة.
وفي الأخير، يأتي العنصر البشري كأحد أسباب الأزمة والذي يتضح في الإدارة غير الكفؤة للموارد المائية، حيث يشير الخبراء إلى أن هناك تقصيرا في الإدارة الفعالة للموارد المائية في طهران، وعلى الرغم من تخصيص ميزانيات ضخمة لمشاريع البنية التحتية المتعلقة بالمياه، فإن بعض المشاريع تأخرت، وبعض القرارات لم تُنفذ بفاعلية. فضلا عن ذلك، فإن عدم التنسيق بين الوزارات المختلفة مثل وزارة الطاقة ووزارة الصحة في ما يتعلق باستخدام المياه المعالجة، زاد من حدة الأزمة.
كيف يمكن لطهران مواجهة أزمتها المائية؟
أمام طهران عدد من الحلول للتغلب على أزمها المائية، أهمها ما أشار إليه مهدي بير هادي، وهو تطبيق حلول ذكية لإدارة الموارد المائية، فقد دعا بير هادي، إلى ضرورة تبني حلول ذكية لمنع هدر المياه، تشمل هذه الحلول تركيب تقنيات حديثة للكشف عن تسريبات المياه في شبكة التوزيع وتحسين إدارة الاستهلاك المنزلي والصناعي.
هذه التقنيات ستعتمد على استخدام الذكاء الاصطناعي وأجهزة الاستشعار لقياس استهلاك المياه وتحديد النقاط التي يتم فيها هدر المياه، مما يساهم في تقليل الفاقد وتحسين كفاءة الاستخدام.
كذلك، فتتبلور أحد الحلول في زيادة الاعتماد على المياه المعالجة؛ وذلك لتقليل الضغط على الموارد المائية الطبيعية في قطاعات مثل الزراعة والري، حيث تشير الإحصائيات إلى أن كمية المياه المعالجة في طهران تصل إلى نحو 784 مليون متر مكعب سنويا، وهي كمية كبيرة يمكن استخدامها بشكل أفضل. ومع ذلك، يجب أن تكون هذه المياه مطابقة للمعايير الصحية، إذ إن المياه المعالجة حاليا لا تلبي المعايير المطلوبة، مما يشكل خطرا على الصحة العامة.
أيضا فيمكن للعاصمة إعادة تغذية المياه الجوفية، حيث يتم ضخ المياه المعالجة أو مياه الأمطار المخزنة إلى الطبقات الجوفية لتعويض الاستهلاك الكبير للمياه الجوفية، كذلك، فهذه الخطوة ضرورية للحفاظ على استقرار مستويات المياه الجوفية ومنع حدوث الهبوط الأرضي.
من جهة أخرى، فإن تحسين كفاءة استخدام المياه في الزراعة سيعد أحد الحلول الفعالة في تلك الأزمة، حيث يمثل قطاع الزراعة أحد أكبر المستهلكين للمياه في طهران والمناطق المحيطة بها. من هنا، يقترح الخبراء تحسين أنظمة الري الزراعي وتبني تقنيات الري بالتنقيط التي تستهلك كميات أقل من المياه مقارنة بالأنظمة التقليدية. إضافة إلى ذلك، يمكن إعادة استخدام المياه المعالجة في الري الزراعي بدلا من الاعتماد على المياه العذبة.
ومن الناحية المجتمعية، فلا بد من تعزيز التوعية لأسباب وتبعات تلك الأزمة، فيجب أن تتبنى الحكومة ووسائل الإعلام حملات توعية لزيادة فهم الناس لأهمية ترشيد استهلاك المياه، ويجب أيضا تثقيف المجتمع حول السلوكيات الخاطئة التي تؤدي إلى هدر المياه، مثل الاستخدام المفرط للمياه في الأنشطة اليومية، شأن ذلك شأن الحملة التي أطلقها الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، في ديسمبر/كانون الأول 2024، لترشيد استهلاك الكهرباء والتي أتت تحت عنوان “درجتين أقل، كلنا فائزون”.