كتبت: لمياء شرف
“رسم شرق أوسط جديد”.. عبارة تكررت مؤخرا على لسان عدد من المسؤولين الإسرائيليين، أبرزهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
تسعى إسرائيل لإعادة رسم الخريطة السياسية للمنطقة العربية وتشكيل موازين القوى، بينما إيران تسعى لوقف هذا التوسع لضمان مصالحها في المنطقة العربية، لذا دخلت في حرب واسعة، معلنةً نفسها “محور المقاومة” هي وأذرعها العسكرية في المنطقة، من بعد هجوم حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
خرائط إسرائيلية مثيرة للجدل
تكرر مشهد ظهور خرائط لإسرائيل، تضم مساحات شاسعة من الأراضي، من الدول المجاورة لفلسطين، وضمن ذلك الأردن ولبنان وأجزاء من سوريا والعراق ومصر.
وآخر ظهور رسمي لمثل هذه الخريطة الشهر الماضي (سبتمبر/أيلول)، حيث عرضها رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، خلال كلمته الأخيرة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وظهر حاملا خريطتين شملت الأولى مناطق تكتسي باللون الأخضر للدول التي تربطها اتفاقات سلام مع إسرائيل أو تخوض مفاوضات لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، وضمت مصر والسودان والإمارات والسعودية والبحرين والأردن.
والخريطة الثانية شملت مناطق صبغت باللون الأسود، وسماها نتنياهو “الملعونة”، وضمت إيران وحلفاءها في المنطقة؛ سوريا والعراق واليمن وكذلك لبنان.
التطلعات التوسعية نحو ما يُعرف بإسرائيل الكبرى، أصبحت متجذرة داخل العقيدة العسكرية الإسرائيلية، فقد ظهر جندي خلال العمليات في غزة وعلى زيه العسكري خريطة لـ”إسرائيل الكبرى”. مثل هذه الصور تعكس الأجندة التوسعية لدى إسرائيل، وتؤكد تجذر بعض التفسيرات الأيديولوجية الصهيونية، التي تؤكد أن الأرض الموعودة في الكتاب المقدس تمتد من نهر النيل في مصر إلى نهر الفرات في العراق.

وحذر الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في كلمة سابقة له، مما سماه الطموحات التوسعية الإسرائيلية، وقال: “سيطمعون في أراضي وطننا بين دجلة والفرات ويعلنون صراحة من خلال خرائط يلتقطون الصور أمامها، أنهم لن يكتفوا بغزة”.
ويستبعد يزيد الصايغ، الباحث الرئيسي بمركز كارنيغي للشرق الأوسط، أن تكون تلك التطلعات التوسعية العابرة للحدود على الأجندة الآنية لنتنياهو.
وقال حسب الـ”بي بي سي”: “إن الصورة التي يرسمها نتنياهو للشرق الأوسط الجديد في الوقت الحالي، حول تمكين إسرائيل من استيطان ما تبقى من الأراضي الفلسطينية”.
وأكد أن إسرائيل لا تخفي نواياها بشأن تمديد مشروعها الاستيطاني، خاصة في الضفة الغربية، وأعلنت وبشكل صريح عن نيتها مضاعفة عدد المستوطنين إلى مليون، رغم ما يلقاه ذلك من انتقادات عربية ودولية.
والجدير بالذكر، أن إسرائيل الآن تخوض حربا واسعة على جبهات متفرقة منذ عام، أولى الجبهات غزة مع حركة حماس، وفي لبنان مع حزب الله، وفي اليمن مع جماعة الحوثي، فضلا عن حرب مرتقبة مع إيران بعد استهدافها قيادات إيرانية عسكرية واغتيال قيادات حزب الله في لبنان.
وتعتبر إيران إسرائيل عدوا تاريخيا، في المقابل تتهم إسرائيل الجمهورية الإسلامية الإيرانية بزعزعة استقرار المنطقة عبر نشر العنف وتصدير الأسلحة للمنطقة.
ويرى ديفيد شينكر، مدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن، والذي كان يعمل في السابق مساعدا لوزير الدفاع الأمريكي لشؤون دول المشرق، أن المنظور الإسرائيلي للشرق الأوسط الجديد، هو منطقة خالية من التهديدات الإيرانية.
ويرى مساعد وزير الدفاع الأمريكي لشؤون المشرق، أنه ربما أحرزت إسرائيل تقدما في سبيل شل “وكلاء” إيران في المنطقة، لكنها لن تستطيع أن تشكل واقعا جديدا دون الدول العربية.
وتتفق معه ميري آيسين الخبيرة الأمنية والضابطة المتقاعدة في الاستخبارات الإسرائيلية، قائلة لـ”بي بي سي”: “لا تسعى إسرائيل لرسم شرق أوسط جديد، ولكنها تحرص على ألا يحدد نظام الملالي في إيران شكل المنطقة”.
وتقول آيسين: “إن التحرك العسكري الإسرائيلي يأتي لمواجهة تصدير الأسلحة الإيرانية والأيديولوجية لأذنابها في المنطقة والتي تهدد إسرائيل ودولا أخرى، ويهدف إلى تقويض قدراتها العسكرية”.
أكد الباحث السياسي، خليل العناني، أن الصراع بين إسرائيل وإيران وصل إلى مستوى صراع وجودي ومعادلة صفرية، معتقدا أن الحرب انتقلت من مرحلة الردع إلى مرحلة الحسم.
وأضاف العناني في تصريحاته لـ”زاد إيران”، أنه “لن تقبل إسرائيل بوجود تهديدات لها من طهران سواء من خلال حلفائها بالمنطقة أو من خلال العمل في برنامجها النووي”.
وأشار إلى أنه يوجد اعتقاد إسرائيلي بأن هذا هو الوقت المناسب لضرب إيران بشكل قوي، بحيث يتم شل قدراتها الصاروخية والنووية، مؤكدا أنه في المقابل فإنّ تراجع إيران سوف يؤدي إلى خلل كبير في توازن القوى بالمنطقة لصالح إسرائيل، لذلك فالمستقبل يحمل كثيرا من المفاجآت لكلا الطرفين.
وعن الدعم الأمريكي لإسرائيل، أكد العناني، أنه لن يتأثر بتغير القيادات فإن ذهاب جو بايدن وحضور غيره للرئاسة الأمريكية لن يغير المشهد، مشيرا إلى أن الدعم الأمريكي لإسرائيل يتجاوز الأفراد، فالدولة الصهيونية العميقة المتجذرة بأمريكا تلعب لصالح الكيان؛ ومن ثم فإن تغيير القيادة لن يؤدي إلى تغيير السياسات بالضرورة.
وتقدم الولايات المتحدة دعما كبيرا لإسرائيل لتضمن تفوقها الاستراتيجي، ودعمت وجودها العسكري في المنطقة العربية، ولكن ذلك الدعم محدد بخطوط أمريكية لا تتعداها إسرائيل، وتتمثل في استهداف المشروع النووي الإيراني، ومشروع إقامة الدولتين.
مشروع التطبيع
وعلى مدار السنوات الماضية قادت واشنطن مشروع التطبيع في المنطقة، مقدمةً إغراءات اقتصادية وعسكرية، كما روجت لفكرة أن إسرائيل ليست تهديدا إقليميا للعرب، بل العكس هي شريك استراتيجي في مواجهة إيران.
وطبّعت العديد من الدول العربية مع دولة الكيان الصهيوني، حيث وقع كل من المغرب والإمارات والبحرين اتفاقيات أبراهام مع إسرائيل، لتنهي تلك الدول المقاطعة الممتدة لعقود من الزمن، فيما تسعى إسرائيل الآن للتطبيع مع السعودية.
وتعتبر دولة الإمارات أبرز دولة خليجية طبعت مع إسرائيل، فالعلاقات الثنائية بين البلدين في تصاعد من بعد توقيع اتفاقيات أبراهام. وعلى الجانب الآخر، فإن العلاقات الإماراتية الإيرانية حساسة للغاية.
وتعتبر المملكة العربية السعودية هي الهدف الحالي لإسرائيل للتطبيع معها، إلا أن الحرب الحالية أجلت تنفيذ هذا المخطط، إضافة إلى أن إيران تعمل على تحسين العلاقات السعودية الإيرانية، من بعد الصلح بين البلدين والذي أشرفت عليه الصين.
وذكرت وسائل الإعلام، أنه بعد اغتيال إسماعيل هنية في إيران، اتفق كلا الجانبين السعودي والإيراني على عدم تأزيم علاقتهما مجددا في حال اندلاع أي هجوم إيراني على إسرائيل.
ونشرت جريدة فايننشيال تايمز البريطانية، على لسان وزير خارجية السعودية، أن “بلاده لن تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل قبل قيام دولة فلسطينية”.
وقال مدير مركز مرصاد للأبحاث الإيراني، حميد عظيمي، لـ”زاد إيران”، إن طهران تسعى في ظل التحولات الجيوسياسية بالمنطقة لاستعادة علاقاتها مع دول الخليج سواء تلك المطبّعة مع إسرائيل أو غيرها، مؤكدا أن المصالح المشتركة بين الدول الخليجية وطهران مثل الأمن الإقليمي والتبادل الاقتصادي، يمكن أن تكون جسرا للتقارب مجددا.
وأضاف عظيمي، أن إيران بالفعل تسعى جاهدة للتقارب مع دول الخليج، وذلك ليس الآن فقط، بل من قبل “طوفان الأقصى”، سعت إيران لخلق مساحة واسعة من التواصل.
وأشار إلى أن إيران ستظل تعمل على التقارب لو وصل قطار التطبيع الرسمي إلى محطة السعودية، موضحا أن علاقات التطبيع الرسمية مع الكيان الصهيوني ودول أخرى مثل عمان تركيا، لم يمنع إيران من متابعة مصالحها المشتركة معهما.