كتب: وحيد اخوت
ترجمة: علي زين العابدين برهام
أفادت تقارير إعلامية مؤخرا بأن إدارة ترامب طلبت من بعض الدول العربية، مثل السعودية ومصر والأردن، استقبال سكان غزة على أراضيها، وقد قوبل هذا الطلب بمعارضة شديدة من هذه الدول، لكن، هل هذا هو المخطط النهائي لترامب، أم أن الولايات المتحدة تعمل على استراتيجية دبلوماسية أكثر تعقيدا؟
مقترح ترامب: توطين فلسطينيي غزة في الدول المجاورة
في يناير 2025، طرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مقترحا يقضي بنقل الفلسطينيين المقيمين في غزة إلى دول مجاورة مثل السعودية والأردن ومصر. وبحسب تقارير إعلامية، فقد صرح ترامب للصحفيين أن عليه طرح هذه الفكرة على العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، وعلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
صرح ترامب قائلا: “غزة أصبحت منطقة مدمرة بالفعل، حيث يفقد الناس هناك حياتهم. أفضل أن نتعاون مع بعض الدول العربية لبناء مساكن لهم في أماكن أخرى، ليتمكن الفلسطينيون من العيش في سلام وهدوء.”
الدول العربية: رفض قاطع
قوبل هذا المقترح برفض حاسم من معظم الدول العربية، لا سيما مصر، التي أعلنت رفضها القاطع لاستقبال الفلسطينيين على أراضيها. كما أعربت السعودية عن معارضتها، مشيرة إلى تداعياته الأمنية والسياسية المحتملة.
من جانبها، رفضت الأردن المقترح باعتباره غير واقعي وقد يؤدي إلى اضطرابات إقليمية. إضافة إلى ذلك، شددت كل من قطر وتركيا على أن هذا المخطط يشكل تهديدا لاستقرار المنطقة، محذرتين من العواقب المترتبة على أي خطوة قد تؤثر على حقوق الفلسطينيين وتقوض فرص التوصل إلى حل شامل وفقا للقرارات الدولية.
لعبت مصر دورا رئيسيا في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ومع ذلك، فإن الأزمات الاقتصادية لدى مصر، تجعلها غير راغبة في تحمل أعباء إضافية.
كما أن معارضة الأردن، كواحد من الدول المشاركة في خطة تجهيز سكان غزة، تشير إلى أن هذا البلد لا يرغب في تحمل أعباء إضافية أيضا. بالإضافة إلى ذلك، يسعى الأردن إلى الحفاظ على استقرار الوضع الداخلي، ولا يرغب في تعريض هذا الاستقرار للخطر من خلال استقبال المزيد من اللاجئين الفلسطينيين.
أما معارضة المملكة العربية السعودية للخطة، فتشير إلى أن المملكة لا ترغب في التورط في المزيد من القضايا الأمنية والسياسية. من ناحية أخرى، تسعى السعودية ودولتان أخريان إلى الحفاظ على علاقاتهما مع الولايات المتحدة وإدارتها خلال فترة ترامب، ولا ترغبان في تعريض هذه العلاقات للخطر من خلال معارضة صريحة للخطة.
لذلك، تواجه جميع الدول العربية صعوبات وعقبات كبيرة في مواكبة مطالب ترامب، ولدى ترامب عقبات وتحديات كبيرة في جلب مشاركة حقيقية من هذه الدول، كما أن تنفيذ هذه الخطة سيكون مكلفا للغاية.
تحليل خطة ترامب: ما هو الهدف النهائي؟
يمكن، من خلال النظر في الأساليب التي يستخدمها ترامب في التفاوض مع الدول، طرح بعض الاحتمالات في هذا السياق. هل “تجهيز” سكان غزة ونقلهم إلى دول عربية قريبة من الولايات المتحدة هو الخطة النهائية والأساسية لترامب لهذه الأزمة؟ هل التكلفة الباهظة لتنفيذ هذه الخطة وطموحها الكبير يشيران إلى نوع من الخداع وراء هذه المطالب؟
ربما يمكن الافتراض أن اقتراح إعادة توطين الفلسطينيين في الدول المجاورة ليس الخطة النهائية لترامب. ربما يكون الهدف الرئيسي، كما كان هذا الخيار مطروحا منذ بداية عملية “طوفان الأقصى”، هو تسليم إدارة غزة إلى محمد دحلان، السياسي الفلسطيني المقرب من الإمارات العربية المتحدة والرئيس السابق لحركة فتح في غزة، وتحويل هذه المنطقة إلى مركز سياحي واقتصادي من خلال استثمارات إماراتية.
إنها خطة تهدف على المدى الطويل إلى تقديم حل اقتصادي-اجتماعي لأزمة غزة الأمنية، وفي النهاية تقليل التهديدات ضد إسرائيل من خلال السيطرة على الوضع الأمني.
استراتيجية ترامب: “خذهم إلى الموت حتى يرضوا بالحمى”
إذا كان التنفيذ المباشر لخطة تسليم إدارة غزة إلى محمد دحلان ممثلا للإمارات، سيُواجه حتما بمعارضة من مصر والأردن والمملكة العربية السعودية، فلماذا يتم اختيار مثل هذه الاستراتيجية؟
من البداية، إذا كان ترامب يريد أن تلعب الإمارات دورا رائدا في غزة، فلن يكون ذلك ممكنا بسبب معارضة هذه الدول. لذلك، إذا ذهب ترامب مباشرة إلى هذه الخطة، فسيتحمل تكلفة كبيرة لتنفيذها. ولكن إذا تم طرح خطة “ترحيل” الفلسطينيين من غزة أولا، فإن الدول مثل مصر والمملكة العربية السعودية والأردن ستكون أكثر تقبلا للخطة الرئيسية لترامب بتكلفة أقل، وستتقبل في النهاية دور الإمارات في غزة. بعبارة أخرى، “خذهم إلى الموت حتى يرضوا بالحمى”.
بالطبع، هذا لا يعني أن الترحيل ليس مرغوبا لترامب وأنه لن يحدث على الإطلاق. الهدف الرئيسي ليس الترحيل؛ وإذا نظرنا إلى المسألة على نطاق واسع، فإن كمية صغيرة ومحدودة من الترحيل ستحدث، ولكن العملية الرئيسية ستكون من خلال إعادة الإعمار الاقتصادي والاجتماعي لغزة تحت إشراف الإمارات وبالتنسيق مع الولايات المتحدة.
ولكن ما هو سبب تقديم مثل هذا التخمين؟
السبب الأول، كما ذكرنا سابقا، هو التكلفة العالية والطموح الكبير لخطة الترحيل، فترحيل مليوني إنسان من منازلهم ليس أمرا يمكن تنفيذه دون مشاكل وعقبات كبيرة، خاصة في منطقة حساسة مثل غزة. تحمل هذه التكلفة لا يتوافق مع سياسات الولايات المتحدة في عهد ترامب، التي تركز على القضايا الداخلية وخاصة القضايا الاقتصادية والإنتاجية.
السبب الثاني هو استخدام استراتيجية تفاوضية حادة. خلال فترة رئاسته الثانية، تم تقديم اقتراحات أكثر حدة في البداية لتقليل المعارضة تجاه خطة بديلة. كما أن إدارة ملفات مثل التوتر مع إيران وإدارة الحرب في أوكرانيا والعلاقات مع أوروبا وروسيا، تشير إلى أن سياسة الضغط القصوى قد تم إحياؤها مرة أخرى، مع تركيز على الحوار والتفاهم السلمي مع إيران.
مصير مشابه لسكان غزة
المشكلة الرئيسية في سكان غزة ليس أهل غزة فقط، بل وجود حماس. إذا كان سكان غزة يرتضون العيش تحت حكم إسرائيل مثل عرب 48، فلن تكون هناك حاجة لترحيلهم، لكن العقبة الرئيسية في طريق تحويل غزة إلى مركز سياحي واقتصادي تحت إشراف الإمارات هي وجود كيانات مؤسسية وهياكل مقاومة مثل حماس، هذه الهياكل تمنع التغييرات الثقافية والاجتماعية التدريجية في النسيج الاجتماعي لغزة.
في الواقع، عندما يتم هندسة الحياة اليومية للناس من قبل قوى مسيطرة تتماشى مع نظام حكم مرغوب فيه، فإنهم يظهرون مقاومة أكبر. لذلك، فإن الحل لإزالة التهديد الأمني لغزة بالنسبة للاحتلال الإسرائيلي ليس إجبار الناس على ترك أراضيهم، ولكن إذا أمكن استبدال حكومة حماس بحكومة موالية، وتوجيه المنطقة نحو التجارة والسياحة، فلن تكون هناك حاجة لترحيل السكان قسرا.
إشارات حديثة حول الخطة
في الأيام الأخيرة، تم الاستماع إلى إشارات أكثر من قبل حول هذه الخطة، فأنور قرقاش، مستشار السياسة الخارجية لمحمد بن زايد، أشار إلى ضرورة إبعاد حماس عن إدارة غزة، كما أن تصريحات أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، جنبا إلى جنب مع الأخبار الأخيرة حول تقارب بين إسرائيل والإمارات، تؤكد أن إدارة غزة قد تم تسليمها لصالح الاحتلال الإسرائيلي.
من وجهة نظر الكاتب، لا يتوافق هذا التقدير مع الواقع، فشعب غزة، عبر تاريخ مقاومته الطويل، أثبت أنه في طليعة الصمود والمقاومة ضد الاحتلال، ولا يمكن مقارنته بأي شعب آخر في العالم، حتى بين الفلسطينيين أنفسهم.
حماس ليست مجرد إضافة غير متناسقة في النسيج الاجتماعي لغزة يمكن فصلها بسهولة، بل هي حركة نشأت من قلب هذا المجتمع الذي يعتبر كالشجرة الراسخة في هذه الأرض، ولا يقبل التفريط في هذه الروابط. لذلك، فإن مشروع تهجير هذا الشعب المقاوم من غزة لن ينجح، وكذلك لن تنجح محاولات القضاء على حكومة حماس. في النهاية، ستصب التدخلات الخارجية في صالح قضية فلسطين والمقاومة.