كتب: محمد بركات
25 عاما قد مضت على بدء إيران مسيرتها في القضاء على شلل الأطفال، لتصبح الآن من بين الدول الرائدة في هذا المجال، حيث تمكنت من تحقيق إنجاز كبير في خفض نسبة الإصابة بالفيروس الذي كان يشكل تهديدا للأطفال في البلاد. في دولة تعاني من أزمة في معدل المواليد وعزوف عام عن الزواج، ومع ذلك، وعلى الرغم من التغطية الشاملة للتطعيمات التي تصل إلى حوالي 100% في بعض المناطق، فلا تزال هناك مخاوف جادة تتعلق بالتهديدات المحتملة لدخول الفيروس إلى البلاد من خلال البلدان المجاورة التي لم تنجح بعد في القضاء على المرض بشكل كامل.
فمنذ بداية التسعينيات، تضافرت جهود الحكومة الإيرانية والمنظمات الصحية لتحقيق هدف القضاء على شلل الأطفال داخل إيران، حيث بدأ العمل على هذا الهدف تحديدا في العام 1994، وشهدت إيران تقدما ملحوظا في تطبيق حملات التطعيم الشاملة التي غطت معظم المناطق الإيرانية. وفي العام 2000، تم الإعلان عن خلو البلاد من شلل الأطفال الناتج عن الفيروس البري.
وفي السنوات الأخيرة، ظل معدل التغطية بالتطعيمات مرتفعا، حيث وصلت نسبة التطعيمات إلى حوالي 99% من الأطفال في كل إيران، ما يجعل الوضع الصحي في البلاد مستقرا، إلا أن الوضع في البلدان المجاورة لإيران، مثل أفغانستان وباكستان، لا يزال يثير القلق بالنسبة لإيران.
المخاوف من انتقال الفيروس عبر الحدود
بهذا الشأن، حذر علي رضا رئيسي، نائب وزير الصحة الإيراني، في تصريحات أدلى بها الإثنين 17 فبراير/ شباط 2025 من تزايد خطر انتقال شلل الأطفال إلى إيران عبر الحدود مع جيرانها الشرقيين، حيث أوضح أنه وفقا لبيانات وزارة الصحة، فلا تزال أفغانستان وباكستان تواجهان مشاكل كبيرة في مكافحة الفيروس، مما يخلق تهديدا مستمرا لإيران.
كما أشار رئيسي إلى أن حالات الإصابة في هذين البلدين قد شهدت زيادة ملحوظة، ما يرفع من احتمالية انتقال الفيروس إلى إيران عبر المسافرين أو المهاجرين الذين قد لا يكونون قد خضعوا للتطعيم اللازم، موضحا أن هذا التهديد يتمثل في سلالات غير محلية من الفيروس، والتي قد تكون شديدة العدوى وتسبب التفشي في مناطق لم تكن قد تأثرت سابقا، وهذه السلالات يمكن أن تدخل إلى إيران عن طريق الأشخاص الذين يعبرون الحدود، مما يجعل من الضروري فرض رقابة صارمة على حركة الأشخاص عبر النقاط الحدودية.
التحديات المتعلقة بالفيروسات غير المحلية
في هذا السياق، شدد العديد من الخبراء على أهمية مراقبة السلالات غير المحلية للفيروس، حيث أشار علي رضا ناجي، رئيس مركز أبحاث الفيروسات في جامعة شهيد بهشتي، خلال تصريحات له الثلاثاء 18 فبراير/ شباط 2025 إلى أن الفيروس البري لشلل الأطفال قد تم القضاء عليه في إيران، ولكن المشكلة تكمن في احتمال دخول سلالات جديدة عبر الحدود، موضحا أن التطعيمات التي تم تنفيذها في إيران ساعدت بشكل كبير في تقليص حركة الفيروس، إلا أن مراقبة السلالات غير المحلية التي قد تنتقل من البلدان المجاورة تظل ضرورية، وذلك حفاظا على نجاح برنامج القضاء على شلل الأطفال في البلاد.
وأضاف ناجي أنه على الرغم من التقدم الكبير في تنفيذ التطعيمات في إيران، إلا أن وجود سلالات غير محلية قد يؤدي إلى إعادة انتشار الفيروس، وهو ما يتطلب تنفيذ عمليات تطعيم إضافية في المناطق الحدودية والقيام بحملات تطعيم إقليمية لتجنب انتقال الفيروس عبر الحدود.
التطعيم المكمل في مناطق المخاطر العالية
في إطار خطة إيران لمنع دخول الفيروس من الدول المجاورة، كان قد أعلن علي رضا رئيسي أنه قد تم تنفيذ المرحلة الأولى من التطعيم في 22 جامعة للعلوم الطبية في محافظات سيستان وبلوشستان، وهرمزغان، خراسان الجنوبية، بوشهر، يزد، جنوب كرمان، فارس، وخوزستان، وذلك في الفترة من 4 إلى 6 يناير/ كانون الثاني 2025، كما تم تنفيذ المرحلة الثانية في الفترة من 15 إلى 17 فبراير/ شباط 2025، مشيرا أنه خلال المرحلة الأولى، تم إعطاء حوالي 840 ألف طفل جرعات من اللقاح الفموي لشلل الأطفال، وكان أكبر عدد من التطعيمات في محافظات سيستان وبلوشستان، وهرمزغان، وكرمان.
بهذا الصدد، قالت شهره شاه محمودي، رئيسة مختبر شلل الأطفال في جامعة علوم طبية طهران، في تصريحات لها الثلاثاء 18 فبراير/ شباط 2025 بإن الحفاظ على الوضع الحالي في إيران يتطلب استمرار تطعيم الأطفال في المناطق الحدودية والمناطق ذات المخاطر العالية. وأكدت أنه بالرغم من أن بعض الدول المجاورة قد لا تتمكن من تطعيم جميع أطفالها بشكل كامل، إلا أن التطعيم في إيران يظل أحد أقوى الإجراءات الوقائية ضد الفيروس.
وأشارت شاه محمودي إلى أن فيروس شلل الأطفال البري لا يزال ينتشر في بعض مناطق باكستان وأفغانستان، ما يستدعي المزيد من التدابير الوقائية في إيران. وعلى الرغم من أن التغطية بالتطعيمات في إيران تعتبر عالية جدًا، إلا أن التنقل المستمر للأشخاص بين إيران وهذه الدول المجاورة قد يؤدي إلى إدخال الفيروس إلى البلاد.
من جهة أخرى، أوضحت شاه محمودي إن الأطفال الذين يعانون من نقص المناعة الأولي يعتبرون أكثر عرضة لخطر الإصابة بشلل الأطفال إذا تعرضوا للفيروس المستورد، ورغم أن التطعيمات تقلل من خطر الإصابة، فإن هؤلاء الأطفال قد لا يستجيبون بشكل جيد للقاحات، ما يجعلهم أكثر عرضة للإصابة بالفيروس.
كذلك فقد أضافت بأنه في الوقت الحالي، لا يزال الوضع في إيران مستقرا، حيث لا توجد حالات إصابة بشلل الأطفال بسبب الفيروس البري في البلاد، وتستمر فرق الصحة في إجراء فحوصات دورية في حال وجود أي حالة شلل في الأطفال، للتأكد من أن الإصابة ليست ناتجة عن الفيروس البري.
التدابير الوقائية والنصائح للمجتمع
وحول التدابير الوقائية، نوهت شاه محمودي أنه من المهم أن تبقى المجتمعات في حالة استعداد لمكافحة أي تهديدات محتملة، وينبغي على الآباء أن يتأكدوا من تطعيم أطفالهم بشكل كامل وفقا للبرنامج الوطني، وذلك من خلال المراكز الصحية المنتشرة في أنحاء البلاد، مشيرة إلى أن الالتزام بالنظافة الشخصية والاجتماعية يلعب دورا هاما في الوقاية من انتقال الفيروس.
وأضافت “من المهم جدا أن يتم غسل اليدين بانتظام، وأن يتجنب الناس تناول الطعام أو الماء الملوث. في المناطق التي توجد بها أنهار، يجب منع الأطفال من السباحة في المياه التي قد تكون ملوثة”، كما ذكرت أن فيروس شلل الأطفال لا ينتقل عبر الهواء كما يحدث مع الفيروسات التنفسية مثل كورونا، بل يتم انتقاله عبر الطعام والماء الملوث.