كتب: محمد بركات
في سياق الأحداث المتسارعة التي تشهدها المنطقة، والتي تخللتها توترات بين إسرائيل وإيران عقب قيام الأخيرة باستهداف مواقع عسكرية ومطارات في عملية سمتها “الوعد الصادق 2″، ردا منها على اغتيال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، وحسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، والعميد عباس نيلفروشان، أحد قادة الحرس الثوري، يقوم وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، بجولة دبلوماسية تشمل عدة دولة في المنطقة. تأتي هذه الزيارات في وقت حسّاس تسعى فيه طهران إلى تعزيز تحالفاتها الإقليمية واستعراض موقفها الراسخ في مواجهة التحديات الخارجية، كذلك فقد جمع عراقجي عددا من المكالمات الهاتفية مع نظرائه من مختلف بلدان العالم؛ لتوضيح سبب الرد العسكري الإيراني وللتحذير من مغبة قيام إسرائيل بضربة انتقامية. خطوات دبلوماسية صنفها البعض على أنها تكملة للعمل العسكري الذي قامت به إيران.
محادثات عراقجي مع وزراء الخارجية:
في اليوم التالي لعمليات “الوعد الصادق 2″، أجرى عراقجي اتصالات هاتفية مع وزراء خارجية إنجلترا وفرنسا وألمانيا وهولندا حول العملية الصاروخية التي نفذتها إيران، وتناول خلال تلك المحادثات التوترات في غزة ولبنان، وذلك وفقا لتقرير موقع همشهري أونلاين الإخباري الإيراني بتاريخ 2 أكتوبر/تشرين الأول.
ووفقا للتقرير، فقد أشار عراقجي في محادثاته، إلى أن إيران قد مارست ضبط النفس لأكثر من شهرين بعد الهجوم الإرهابي الذي شنته إسرائيل والذي أدى إلى استشهاد إسماعيل هنية في طهران، وأن الكيان الصهيوني مستمر في عملية تصعيد العنف بغزة، وأنه قد وسَّع دائرة الحرب حتى شملت لبنان، الأمر الذي أسفر عن مقتل أكثر من 42 ألف شخص من سكان غزة ولبنان حتى الآن، مؤكدا أن إيران، بتنفيذها عملية “الوعد الصادق “2، تستخدم فقط حقها في الدفاع المشروع وفقا للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، وأنها قد استهدفت حصرا القواعد العسكرية والأمنية للنظام الصهيوني.
كما شدد عراقجي على أنه إذا ما حاول النظام الصهيوني القيام بأي إجراء انتقامي، فإنَّ رد إيران سيكون أقوى، مطالبا بالضغط على الكيان الصهيوني؛ لإرساء الهدنة ووقف التصعيد في المنطقة، خصوصا في غزة ولبنان.
كذلك فقد جمع اتصال هاتفي عراقجي مع بدر عبد العاطي، وزير الخارجية المصري؛ لبحث التطورات في المنطقة، وقد أكد الطرفان خلال هذا الاتصال، ضرورة تكثيف الجهود الدبلوماسية لوقف عدوان النظام الصهيوني على لبنان وغزة، وإرسال المساعدات الإنسانية للنازحين، وذلك وفقا لتقرير وكالة إيسنا الإخبارية الإيرانية بتاريخ 7 أكتوبر/تشرين الأول.
وخلال هذا الاتصال شدد عراقجي على أن إيران لا تسعى لزيادة التوتر والحرب في المنطقة، لكنها لا تخشى الحرب، وسترد بشكل حازم ومناسب على أي عمل أو مغامرة جديدة من قبل النظام الصهيوني.
رحلات عراقجي إلى بيروت ودمشق:
افتتح عراقجي رحلاته الإقليمية بسفره إلى بيروت مع وفد مرافق، يوم الجمعة 4 أكتوبر/تشرين الأول، وذلك رغم الظروف الأمنية الصعبة التي يعانيها لبنان، حيث شهد مطار رفيق الحريري في المدينة خلال الأيام الأخيرة، أوضاعا أمنية سيئة، من جراء الهجمات المكثفة التي شنها الجيش الإسرائيلي على محيط المطار، وذلك وفقا لتقرير وكالة أنباء إيرنا الإخبارية بتاريخ 4 أكتوبر/تشرين الأول. ووفقا للتقرير، فقد التقى عراقجي عددا من المسؤولين اللبنانيين رفيعي المستوى، وأكد خلال زيارته أن إيران لن تترك لبنان وحيدا، مضيفا: “نحن واثقون بأن جرائم الكيان الإسرائيلي ستفشل وأن الشعب اللبناني سيخرج منتصرا، ونحن ندعم المساعي اللبنانية للتصدي لجرائم إسرائيل”، كذلك أشار عراقجي إلى أن بلاده تدعم أي هدنة يعقدها لبنان شريطة أن تقبلها المقاومة اللبنانية، وأن تحفظ حقوق الشعب اللبناني، وتضمن وقفا كاملا لإطلاق النار في قطاع غزة.
في اليوم التالي غادر عراقجي متوجها إلى العاصمة السورية دمشق، حيث التقى هناك كبار المسؤولين السوريين؛ لمناقشة آخر التطورات في المنطقة وكذلك العلاقات الثنائية. وكان على رأس من التقاهم عراقجي، بشار الأسد، الرئيس السوري، الذي بحث مع عراقجي سبل وقف العدوان الإسرائيلي على لبنان، وأهمية تقديم الدعم والمساعدة لشعب لبنان في ضوء النزوح الكبير الذي تسبب به العدوان الإسرائيلي، وذلك وفقا لتقرير وكالة تسنيم الإخبارية الإيرانية.
وقد شدد بشار الأسد على العلاقة الاستراتيجية التي تربط سوريا وإيران وأهمية تلك العلاقة في مواجهة التحديات والأخطار التي تهدد المنطقة وشعوبها، وفي مقدمتها استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية وارتكابه اليومي لجرائم القتل والتدمير بحق المدنيين في لبنان وفلسطين وسوريا، مؤكدا أن “المقاومة ضد كل أشكال الاحتلال والعدوان والقتل الجماعي حق مشروع، وهي قوية في ظل الاحتضان الشعبي لها والإيمان بها”، معتبرا أن الردّ الإيراني على ما قام به الكيان الإسرائيلي من انتهاكات واعتداءات متكررة على شعوب المنطقة وسيادة دولها، كان ردا قويا، وأعطى درسا لهذا الكيان الصهيوني بأن محور المقاومة قادر على ردع العدو، وإفشال مخططاته، وأنه سيبقى قويا ثابتا بفضل إرادة وتكاتف شعوبه”.
وخلال زيارته أيضا، التقى عراقجي مع محمد غازي الجلالي، رئيس وزراء سوريا، وناقشا القضايا الإقليمية، العلاقات الثنائية وآخر مستجدات تنفيذ الاتفاقيات ومذكرات التفاهم المتعلقة بالتعاون في المجالات الاقتصادية والتجارية. وقد أكد الجانبان خلال هذا اللقاء، أهمية الاستفادة من قدرات القطاع الخاص في كل من إيران وسوريا؛ لتعزيز وتوسيع التعاون الاقتصادي والصناعي والتجاري بين البلدين.
دلالات زيارة عراقجي إلى لبنان وسوريا:
إن زيارة وزير الخارجية الإيراني للبنان وسوريا تحمل دلالات خاصة من عدة جوانب، تلك الدلالات لم تغب عن أنظار الأوساط السياسية والإعلامية في المنطقة، وتتمثل أهمها في:
استعراض القوة الدبلوماسية لإيران:
ففي ظل استمرار هجمات جيش الاحتلال الإسرائيلي على أهداف في لبنان وسوريا خلال الأيام الأخيرة، والتي زادت من المخاطر الأمنية لزيارة الوفد الإيراني، حيث كان من النادر أن يقدم دبلوماسي على زيارة رسمية معلنة مسبقا في مثل هذه الظروف، جاء وجود وزير الخارجية الإيراني في بيروت ودمشق ليعكس قبل كل شيء، قوة الدبلوماسية لإيران، وفقا لتقرير وكالة نادي الشبان الإخبارية الإيرانية.
دحض مزاعم الاحتلال الإسرائيلي:
ويضيف التقرير: “خلال الأسابيع الماضية، وبعد اغتيال حسن نصر الله وعدد من قادة المقاومة، حاول الصهاينة ووسائل الإعلام التابعة لهم تصوير أن تل أبيب هي المسيطرة على التطورات الإقليمية وتحقق أهدافها. لذلك، جاء وجود وزير الخارجية الإيراني في بيروت ودمشق، وفي ظل هذه الظروف، ليشكل هزة قوية لمحاولات الترويج لمثل هذه المزاعم من جانب تل أبيب”، وذلك وفقا لتقرير وكالة نادي الشبان الإخبارية الإيرانية.
إعلان التضامن مع الشعب والحكومة اللبنانية:
من أبرز رسائل زيارة عراقجي لبيروت، إعلان تضامن إيران مع الحكومة والشعب اللبناني، وكذلك حزب الله الذي تعرض لكثير من الضربات في الآونة الأخيرة وما زال يتعرض، وذلك وفقا لتقرير وكالة إيسنا الإخبارية الإيرانية.
التنسيق بين الدبلوماسية وميدان الحرب:
في وقت الذي ضربت فيه إيران ضربتها للاحتلال الإسرائيلي من خلال عملية “الوعد الصادق 2″، فإن الدبلوماسية الإيرانية عكست قبل كل شيء، التنسيق بين جناحي الدبلوماسية وميدان الحرب، وهو الموضوع الذي ركزت عليه وسائل الإعلام المعادية لإيران في الأسابيع الأخيرة، محاولين إثارة الشكوك حول وضعه في الحكومة الرابعة عشرة، حكومة بزشكيان.
تأكيد دعم إيران للمقاومة:
لى الرغم من أن بعض وسائل الإعلام التابعة للمحور العبري-الغربي كانت تحاول بشدة، عقب اغتيال حسن نصر الله، ترويج فكرة وجود انقسام بين إيران ومحور المقاومة، فإن زيارة وزير الخارجية الإيراني للبنان وسوريا وتأكيده دعم إيران لمحور المقاومة، كانا بمثابة تكذيب لهذه الدعاية الإعلامية الغربية-الصهيونية، وذلك وفقا لتقرير وكالة تسنيم الإخبارية الإيرانية.
تحذير لتل أبيب من مكان أقرب:
في ظل التصعيد المستمر من جانب الاحتلال الإسرائيلي خلال الأيام الماضية، تأتي إيران ليس من داخلها، بل من على مقربة من تل أبيب، ومن قلب بيروت، لتؤكد أنه إذا ارتكبت إسرائيل أي خطأ، فعليها انتظار ضربات أشد إيلاما من إيران، وذلك وفقا لتقرير وكالة نادي الشبان الإخبارية الإيرانية.