كتب: محمد بركات
لا تزال تصريحات الخارجية الروسية التي أدلت بها عقب الهجوم الجوي الذي شنته إسرائيل على بعض المناطق العسكرية في إيران ليلة السبت 26 أكتوبر/تشرين الأول، تثير غضبا وجدلا في الشارع والصحافة الإيرانية، فقد قالت ماريا زاخاروفا، المتحدثة باسم الخارجية الروسية، إن “روسيا قلقة حيال التوتر المتزايد في منطقة الشرق الأوسط، وذلك دون أن تدين بشكل واضحٍ الهجوم الإسرائيلي، مضيفةً أن “موسكو، إضافة إلى دعوتها جميع الأطراف المعنية لضبط النفس ووقف العنف، تعرب عن استعدادها للتعاون مع كافة الأطراف لخفض مستوى الصراع. ومن الضروري وقف الاستفزازات التي توجه إلى إيران والتي تجبرها على اتخاذ إجراءات انتقامية، فتلك ظروف قد تؤدي إلى خروج التوترات عن السيطرة”، وذلك وفقا لتقرير صحيفة جام جم بتاريخ 26 أكتوبر/تشرين الأول.
وكانت لهجة الاستهجان لدى الصحافة الإيرانية قد بدأت خلال المؤتمر الصحفي الثاني للمتحدث باسم الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، والذي عقد في 28 أكتوبر/تشرين الأول، عندما وجه له صحفي من صحيفة كار وكارجر سؤالا جاء فيه: “شئنا أم أبينا، فإن الولايات المتحدة وقفت إلى جانب إسرائيل في الحرب ضد إيران، أما إيران فكانت وحيدة في ليلة هجوم إسرائيل عليها، على الرغم من أن روسيا تدعي صداقتنا وتقول إنها ستبرم اتفاقيات استراتيجية معنا، وعلى العكس تماما، فلم تقدم روسيا لإيران منظومة (إس-400) أو طائرات (سوخو-35)، السؤال هنا: ما موقف حكومة السيد بزشكيان من هذا التصرف المُشين لفلاديمير بوتين، رئيس روسيا المعتدي؟”، وذلك وفقا لتقرير موفع رويداد 24 الإخباري بتاريخ 28 أكتوبر/تشرين الأول.
ليردَّ بقائي على الصحفي قائلا: “أولا أود أن أقول إن هذا المكان مخصص لطرح الأسئلة وليس لإلقاء البيانات، ونحن الآن ضمن مجموعة من نخبة الصحفيين، وينبغي أن نحافظ جميعا على اللباقة المعتادة، أما في ما يخص سؤالك فإن إحدى مفاخر إيران، التي تحققت بدماء آلاف الشهداء وصمود الشعب الإيراني، هي الاعتماد على قوتها الذاتية، فلقد عاشت إيران خلال الأعوام الـ45 الماضية تحت أقسى العقوبات، لكننا نفتخر بأننا نعتمد على قدراتنا وعلى قواتنا المسلحة الشجاعة من أجل أمننا”. وأضاف: “نحن لا نشتري أمننا من أي جهة، وما يضمن أمننا وأمان شعبنا هو اعتمادنا على إمكانياتنا الذاتية”.
بعدها نشرت صحيفة هم ميهن تقريرا تحت عنوان “أين الصين وروسيا مما يحدث؟”، عرضت فيه تحليلا للموقف الرسمي للصين وروسيا إزاء الهجوم الإسرائيلي على إيران، فتقول الصحيفة: “بالنظر إلى الدعاية الكبيرة حول العلاقات الاستراتيجية بين طهران وموسكو وبكين، فقد كان من المتوقع أن تقوم روسيا والصين، باعتبارهما عضوين محوريين في مجموعة بريكس التي تعد إيران جزءا منها، بإدانة الهجوم على إيران في موقف رسمي، ولكن ما رأيناه كان عكس ذلك، فلم تُدن لا بكين ولا موسكو هجوم إسرائيل واكتفتا بإصداربيانات تدعو إلى التهدئة وخفض التوتر، فلم يكن موقف الصين وروسيا مختلفا عن موقف بعض الدول الأوروبية التي توترت علاقاتها مع إيران لأسباب مختلفة. وبطبيعة الحال، لم يتوقع أي سياسي في إيران، ولا عامة الشعب، أن تقوم الولايات المتحدة، كحليف استراتيجي لإسرائيل، بإدانة هذا الهجوم أو التعبير عن قلقها من تصاعد التوتر في الشرق الأوسط على غرار دول أخرى، لأن أمريكا جزء من هذا الصراع، ولكن العكس تماما كان متوقعا من الصين وروسيا، خاصة أن إيران قد وقعت اتفاقية تعاون لمدة 25 عاما مع الصين، وهي على وشك توقيع اتفاق استراتيجي مع روسيا”، وذلك وفقا لتقرير صحيفة هم ميهن بتاريخ 29 أكتوبر/تشرين الأول.
يضيف التقرير أن محمود شورى، المحلل في الشؤون الروسية، صرح معلقا على موقف موسكو تجاه هجوم إسرائيل على إيران، قائلا: “من الطبيعي أن التوقعات التي ربما كانت لدى إيران، كدولة ذات علاقة وثيقة مع روسيا، وكذلك التوقعات التي كانت لدى الشعب الإيراني، كانت أعلى من هذا الموقف، فقد كان هناك توقع بأن تقوم روسيا بإدانة الهجوم الإسرائيلي على إيران، ولكن الروس يتصرفون بناءً على طبيعة علاقتهم مع إسرائيل والسياسة التي وضعوها لأنفسهم تجاه دول منطقة الشرق الأوسط. فدائما ما تكون توقعات الشعب الإيراني وما يتبعه الساسة الروس غير متطابقة”. أضاف قائلا: “كان موقف روسيا تجاه الهجوم الإسرائيلي على إيران موقفا متساهلا للغاية، فبالنظر إلى أن الأراضي الإيرانية قد تعرضت للهجوم، كان بإمكان الروس اتخاذ موقف أكثر جدية، لكن هناك دائما نقطة هامة؛ فعندما تكون إيران طرفا في قضية ويكون الطرف الآخر دولة من دول الشرق الأوسط، سواء كانت دولة عربية أو الكيان الإسرائيلي، فإن روسيا تميل إلى الجانب الآخر. ربما لأن تصورهم هو أن علاقتهم مع إيران لن تتأثر، بينما يمكن أن تتأثر علاقتهم بالطرف الآخر. لهذا السبب، في مثل هذه الحالات، يقف الروس دائما في موقف لا يلقى ترحيبا لدى إيران”.
وفي هذا الإطار كتبت صحيفة جمهوري إسلامي مقالا تنتقض فيه روسيا على تصرفها تجاه إيران، فتقول: “إن وزارة الخارجية الروسية، بإصدار بيان تقليدي، لم تتوانَ عن إدانة التجاوز العسكري الإسرائيلي على أراضي إيران، خلافا للعديد من الدول في المنطقة وحتى الدول الأوروبية، واقتصرت فقط على العبارات الإعلامية المألوفة، معبّرة عن قلقها بشأن العواقب التي قد تترتب على ذلك بالنسبة لاستقرار وأمن المنطقة. نقطة مهمة أخرى هي أن البيان الرسمي لوزارة الخارجية الروسية، دون الإشارة إلى حق السيادة الوطنية الإيرانية وحقها في الرد على شروع هذا العدوان من قبل الكيان الصهيوني، دعا إلى ضبط النفس من الطرفين ووقف أعمال العنف بهدف تقليل مستوى الصراع. فعلى ما يبدو أن وزارة الخارجية الروسية لم ترغب في بذل جهد كبير في إعداد هذا البيان، بل اكتفت بتكرار تصريحات لويد أوستن، وزير الدفاع الأمريكي، من خلال إعادة صياغة بعض جملها وكلماتها”، وذلك وفقا لتقرير الصحيفة الصادر في 31 أكتوبر/تشرين الأول.
ويضيف التقرير أنه من المدهش أن روسيا، من جهة، تُعرف إيران بأنها “شريك استراتيجي لموسكو”، وتسعى للاستفادة من مصالح هذه العلاقة، ولكن في الواقع العملي تتخذ في العديد من الحالات سلوكا يتناقض تماما مع هذه العلاقات كشريك استراتيجي. فلا يمكن تجاهل الحقيقة المؤلمة التي تقول إن روسيا، رغم ادعائها الصداقة والتعاون الاستراتيجي مع إيران، قد شككت في سيادة إيران على الجزر الثلاث، وقد كان هذا الموقف غير الأساسي وغير المقبول بشدة من موسكو هو الذي استمر لاحقا مع موقف الاتحاد الأوروبي.
ويكمل التقرير أن المواقف الخفية والعلنية لموسكو تجاه عملية المفاوضات المتعلقة بتقسيم مصالح الدول المطلة على بحر قزوين تثير التساؤلات، وهناك نقاط مهمة تتناقض مع السلوك المتوقع من موسكو، كما أن المشاكل الناتجة عن روسيا لإيران في قضية الحرب الأوكرانية أيضا غير مبررة ومضرة. لا بد من القول إن المصالح الوطنية للدول لا ينبغي أن تكون أبدا موضوع مساومة في العلاقات مع الآخرين، وحق السيادة الوطنية الإيرانية على الجزر الثلاث وموضوع حصة إيران من بحر قزوين ليست مستثناة من هذه القاعدة، ومع المواقف المراوغة من الآخرين، لن يتغير شيء في الواقع العملي. لكن يجب أن يُسأل قادة الكرملين: أي من هذه السلوكيات غير الأساسية يتماشى مع نوع الدبلوماسية المتوقع من موسكو كشريك استراتيجي مزعوم؟ يجدر بوزارة الخارجية أن تذكّر روسيا، في إطار مصالح وعلاقات التعاون القائمة بينهما، وبالطبع بوضوح، بأن هذا السلوك من موسكو غير مقبول ويجب إعادة النظر فيه بجدية.