ترجمة: أسماء رشوان
نشرت صحيفة “فرهيختكان” الأصولية تقريرا، الاثنين 17 فبراير/شباط 2025، حول اللامركزية وتفويض السلطات للمحافظات، والتحديات التي تواجهها.
ذكرت الصحيفة أنه تمت إعادة البحث في مسألة اللامركزية وتفويض الصلاحيات إلى المحافظات مرة أخرى، بعد تأكيد الرئيس ضرورة زيادة صلاحيات المحافظين. ورغم أن هذه الفكرة طُرحت مرارا منذ الثورة الدستورية، فإنها كانت تواجه دائما تحديات كبيرة. فاللامركزية الكاملة، خاصة في المجالات الاقتصادية والسياسية، لم تحل مشكلات البلاد فحسب، بل قد تؤدي أيضا إلى عدم التنسيق التنفيذي، وتصاعد الخلافات الإقليمية، وتقليل التماسك الوطني.
وأضافت أنه في المقابل، أدى النظام المركزي الصارم الحالي إلى بطء عملية اتخاذ القرار وزيادة البيروقراطية، لدرجة أن المحافظين يحتاجون إلى الحكومة المركزية حتى في التعديلات البسيطة. لذا، فإن تفويض بعض الصلاحيات إلى المحافظين، ضمن إطار قانوني ورقابة فعالة، قد يكون حلا وسطا وفعالا.
قالت إن بعض المحافظات تواجه مشكلات خاصة، مثل أزمة المياه، والتنمية الصناعية، والقضايا الأمنية، مما يستدعي اتخاذ قرارات سريعة تتناسب مع الظروف المحلية. في هذه الحالات، يمكن أن يؤدي تعزيز صلاحيات المحافظين إلى تسريع حل المشكلات وتقليل الاعتماد المفرط على الحكومة المركزية. ومع ذلك، لا ينبغي أن يعني ذلك اللامركزية المطلقة، لأن غياب سياسة وطنية موحدة قد يؤدي إلى خلافات بين الأقاليم ويقلل من قدرة الدولة على إدارة الموارد والسياسات العامة.
أردفت أنه في ظل التحديات التي تواجهها البلاد في المجالات الاقتصادية، البيئية والإدارية، من الضروري تحقيق توازن بين الكفاءة الإدارية والتماسك الوطني. لا يكمن الحل العملي في اللامركزية المطلقة، بل في تفويض الصلاحيات بشكل ذكي وتدريجي للمسؤولين الإقليميين، بحيث يتم تحسين الإنتاجية وتجنب الانقسامات المناطقية. ويبقى السؤال الأهم: هل ستستطيع الحكومة الحفاظ على هذا التوازن، أم أنها ستتبع نهجا متسرعا وشعبويا كما حدث مع فكرة نقل العاصمة إلى مكران، التي تراجعت عنها سريعا؟
تحديات اللامركزية
وذكرت أنه رغم تاريخه الطويل، كان البحث في الفيدرالية الاقتصادية بإيران دائما مصحوبا بتحديات جدية. تقوم فكرة الفيدرالية الاقتصادية على منح كل محافظة القدرة على إدارة إيراداتها بشكل مستقل، مما يمنحها استقلالية اقتصادية أكبر. يروّج البعض لهذه الفكرة باعتبارها وسيلة لتعزيز التنمية، في حين يرى المنتقدون أنها قد تؤدي إلى عدم التنسيق الاقتصادي، وخلق حالة من عدم الاستقرار، وإضعاف التماسك الوطني.
وأشارت إلى أنه في المقابل، تتطلب هذه الفكرة مراجعات دستورية، حيث تنص المادة 45 من الدستور الإيراني على أن “الثروات العامة، وضمن ذلك الموارد الطبيعية، تقع تحت إدارة الحكومة الإسلامية، ليتم استخدامها وفقا للمصلحة العامة واحتياجات البلاد”. في ظل النظام الفيدرالي، إذا حصلت كل محافظة على حرية التصرف في مواردها، فقد يتعارض ذلك مع سياسة التوزيع العادل للثروة على المستوى الوطني.
ذكرت أن تطبيق الفيدرالية الاقتصادية لا يقتصر على إجراء تعديلات قانونية فحسب، بل يتطلب أيضا إصلاحات جوهرية في هيكل الاقتصاد، ونظام الحكم، والتقسيمات الإدارية، والسياسات المالية.
مسيرة فكرة اللامركزية
وأضافت أنه في انتخابات عام 2009، كان محسن رضائي من أبرز المؤيدين لهذه الفكرة، حيث اقترح تقسيم إيران إلى 9 مناطق اقتصادية، يتولى إدارتها 9 مسؤولين بمستوى نائب رئيس الجمهورية. استند هذا المقترح إلى مبدأ تقليل المركزية، بحيث تتمكن كل منطقة من النمو بما يتناسب مع إمكانياتها، مما يؤدي إلى تحقيق تنمية أكثر توازنا. لكن الفكرة واجهت انتقادات كبيرة منذ البداية.
وأردفت أنه خلال المناظرات الانتخابية عام 2009، وجّه الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد انتقادات حادة لهذا الطرح، مشيرا إلى التحديات السياسية والأمنية والاجتماعية التي قد تنشأ عن تطبيقه، كما تساءل عن كيفية تنسيق الإدارة الاقتصادية الإقليمية مع السياسات الوطنية.
قالت إن من أكبر العقبات التي تواجه الفيدرالية الاقتصادية مسألة توزيع الموارد والعلاقات الاقتصادية بين المحافظات. إذا تولت كل محافظة إدارة إيراداتها، فمن يضمن تحقيق تنمية متوازنة. فقد تشهد المحافظات الغنية بالموارد طفرة اقتصادية، بينما تتخلف المحافظات الفقيرة عن الركب، مما قد يؤدي إلى زيادة الفجوة الاقتصادية والإقليمية، ويؤثر سلبا على التلاحم الوطني.
وأضافت أن التحديات الأخرى التي تعيق تنفيذ الفيدرالية الاقتصادية، تتمثل في افتقار بعض المناطق إلى البنية التحتية الكافية. فالعديد من المحافظات تعاني من ضعف القدرة على جذب الاستثمارات، أو نقص الكفاءات البشرية المؤهلة، أو الاعتماد الكبير على الميزانية الحكومية.
في مثل هذه الظروف، قد يؤدي الاستقلال المالي لبعض المحافظات إلى تعميق الفجوة الاقتصادية بدلا من تقليصها.
وذكرت أنه رغم أن الفيدرالية الاقتصادية تبدو فكرة مغرية من الناحية النظرية، فإن تطبيقها في بلد مثل إيران، الذي يعتمد على نظام إداري وسياسي مركزي، يواجه تعقيدات كبيرة. فبدون إصلاحات في البنية التحتية، وتحديد واضح للعلاقة بين المحافظات والحكومة المركزية، والاستعداد لمعالجة التحديات المحتملة، قد تؤدي هذه الفكرة إلى زيادة عدم الاستقرار الاقتصادي والإداري بدلا من تعزيز التنمية.
قضايا لا تتخطي الشعارات
قالت إن إحدى النقاط الأساسية التي يجب أخذها في الاعتبار في هذا النقاش هي غياب رؤية واضحة على المستوى الوطني. فإذا كانت الحكومة المركزية غير قادرة على وضع استراتيجية شاملة للحكم، فإن منح المحافظات صلاحيات أوسع، والاتجاه نحو اللامركزية، قد يؤدي إلى نتائج غير مدروسة وغير فعالة. حتى في القضايا التي تؤكد الحكومة على أهميتها، مثل العدالة التعليمية، التي لم تقدم لها رؤية متماسكة، فما بالك بالمشاريع الأخرى التي لم تتجاوز كونها مجرد شعارات!
أضافت أنه عندما تفتقر أعلى سلطة في البلاد، مثل الرئيس، إلى رؤية واضحة وقابلة للتطبيق في إدارة الدولة، فمن غير الواقعي توقع نجاح اللامركزية على المستوى المحلي والإقليمي.
إيران دولة متعددة الأعراق والمذاهب، وهذا التنوع يشكل تحديا كبيرا في مسألة توزيع الموارد واتخاذ القرارات المحلية. كما قد تؤدي الفجوات الثقافية والدينية إلى تعقيد عملية اللامركزية، مما يزيد من حالات النزاع والتوتر بين المحافظات. على سبيل المثال، تُظهر الصراعات المتعلقة بتوزيع المياه بين المحافظات بوضوحٍ التحديات التي قد تواجه أي محاولة لمنح استقلالية أكبر للإدارات المحلية.
وأردفت أن عدم تقديم حلول واضحة وخطط مدروسة لجعل اللامركزية عملية قابلة للتطبيق، يجعلها مجرد شعار لا أكثر. فإذا لم تأخذ هذه المشاريع بعين الاعتبار التفاصيل التنفيذية والآليات القائمة في الدولة والمحافظات، فسيكون مصيرها الفشل، كما حدث مع بعض الأفكار، مثل نقل العاصمة، التي لم تتجاوز كونها مجرد اقتراح بدون خطة تنفيذية حقيقية.
واختتمت أنه في بعض الحالات، يمكن أن يساعد تفويض مزيد من الصلاحيات إلى المحافظين في تسريع حل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية. لكن لتحقيق ذلك، لا بد من توافر تخطيط دقيق، وتنسيق مع السياسات الوطنية، وبنية تحتية مناسبة.
بدون هذه العوامل، لن تحقق اللامركزية النجاح المنشود فحسب، بل قد تؤدي إلى زيادة الفجوات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. لذلك، يجب أن تكون أي قرارات في هذا الشأن مدروسة بعناية، وألا تتحول إلى شعارات جوفاء لا تجد طريقها إلى التنفيذ.