ترجمة: أسماء رشوان
نشرت صحيفة “هم ميهن” الايرانية الإصلاحية تقريرا، يوم الأحد 23 فبراير/شباط 2025، حول سيناريوهات استجواب وزير الاقتصاد عبد الناصر همتي أو إقصائه من الحكومة.
قالت الصحيفة في صباح يوم الأربعاء، 19 فبراير/شباط 2025، وبعد ساعات قليلة من تقديم طلب استجواب عبد الناصر همتي، وزير الاقتصاد والمالية، قام الرئيس مسعود بزشكيان بزيارة مفاجئة لمقر الوزارة، حيث صرّح بشكل واضح:
“جميع القرارات والسياسات الاقتصادية تُتخذ في اجتماع المجلس الأعلى للتنسيق الاقتصادي بين رؤساء السلطات الثلاث، وإلقاء اللوم على شخص واحد فقط أمر غير منصف”.
وذكرت أنه من المثير للاهتمام أن نص طلب الاستجواب الحالي يكاد يكون نسخة طبق الأصل من طلب استجواب وزير الاقتصاد في حكومة إبراهيم رئيسي عام 2023، حيث تتكررت فيه العبارات نفسها، مع التركيز على كلمة “عدم” مثل: عدم الاستقرار في الإدارة، وعدم فصل أسعار السلع الأساسية عن تقلبات سعر الصرف، وعدم توجيه السيولة نحو الإنتاج، وعدم تنفيذ أحكام توزيع “أسهم العدالة” على المستحقين، وعدم إصلاح النظام الجمركي والقطاع المصرفي، وعدم تحسين كفاءة المناطق الحرة، إضافةً إلى تهم سوء الإدارة.
لكن اللافت أن هذا النص لم يأخذ في الاعتبار التطورات الأخيرة في قطاع الجمارك، مما يعكس أنه قد يكون مجرد استنساخ سياسي أكثر منه استجوابا حقيقيا.
وكما قال الفيلسوف الراحل أبو القاسم ميرفندرسكي: “الظاهر ليس كل شيء، فهناك ما هو مخفي تحته!”.
وأضافت: “لذا، لا ينبغي النظر إلى نص الاستجواب على أنه مجرد قائمة من الاتهامات، بل يجب البحث في الدوافع الخفية وراء هذه الخطوة. وقد يكون هناك 10 سيناريوهات محتملة تفسّر لماذا يحاول بعض النواب إبعاد همتي عن الحكومة الحالية. ومع ذلك، لا يمكن اعتبار جميع موقعي طلب الاستجواب على رأيٍ واحد، فبعضهم قد يسحب توقيعه لاحقا، كما أن دوافع معارضي همتي ليست موحدة، فقد يتفقون في بعض القضايا ويختلفون في أخرى”.
الاهتمام بالظروف المعيشية للشعب
واجه البرلمان اتهامات بالانشغال بقضايا ثانوية بدلا من هموم المواطنين، والآن يحاول عبر استجواب عبد الناصر همتي إظهار اهتمامه بالاقتصاد. في الواقع، مسؤولية توزيع السلع وحماية المستهلك تقع على وزارتي الصناعة والجهاد الزراعي، بينما تركز وزارة الاقتصاد على الضرائب والشؤون الاقتصادية الكلية. ارتباط الوزارة والبنك المركزي بسعر الدولار جعل حياة الناس تتأثر به، لذا يُقدم الوزير ككبش فداء؛ لإرضاء المواطنين وإبراز البرلمان كمدافع عن معيشتهم. وهمتي، كظريف، من الوزراء القلائل أصحاب النفوذ الحقيقي، خلافا للوزراء المطيعين الذين لا يثيرون انتقادات.
ففي الحكومات، هناك نوعان من الوزراء:
النوع الأول: وزراء يركزون بشكل أساسي على إدارة الشؤون الداخلية للوزارة، مما يجعلهم أشبه بمديرين تنفيذيين أكثر من كونهم سياسيين استراتيجيين، حيث ينشغلون بالتفاصيل الإدارية، وهو أمر يمكن لمساعديهم القيام به.
والنوع الثاني: وزراء يضعون تركيزهم على عدد قليل من القضايا الرئيسية ويسعون لتحقيق إصلاحات كبيرة، مما يمنحهم لقب “الجنرالات”.
وأردفت أنه بالنسبة لعبد الناصر همتي، فقد ركّز على القضايا التالية كالانضمام إلى مجموعة العمل المالي (FATF)، وتوحيد سعر الصرف، ورفع العقوبات الاقتصادية عن إيران.
الخلافات القديمة
وأشارت إلى أنه في الانتخابات الرئاسية لعام 2021، كان همتي أحد المرشحين القلائل الذين حصلوا على تأييد رسمي، رغم أنه كان واضحا منذ البداية أنه لا يملك فرصة كبيرة للفوز، وأن إبراهيم رئيسي هو المرشح الأوفر حظا. ومع ذلك، تعامل همتي بجدية كبيرة مع المناظرات التلفزيونية، حيث دخل في مواجهة مباشرة مع منافسيه، وبعد الانتخابات استمر في انتقاد السياسات الاقتصادية للحكومة السابقة، وغالبا ما كان يعبر عن آرائه بجرأة عبر تغريداته.
وأردفت الصحيفة أنه بناءً على هذا يمكن النظر إلى استجوابه الحالي على أنه فرصة لأنصار الحكومة السابقة للرد عليه، وربما الانتقام السياسي منه.
وقد يتساءل البعض: لماذا لم يتم استجوابه خلال جلسة منح الثقة للحكومة قبل 6 أشهر؟
والسبب المحتمل هو أنه في ذلك الوقت، كان هناك توجيه أو توصية بمنح الثقة لجميع الوزراء المقترحين، كما أن معارضة همتي حينها لم تكن مقبولة شعبيا.
أما الآن، فقد أصبح من السهل ربط استجوابه بارتفاع سعر الدولار، مما يسمح للبرلمانيين بتقديم أنفسهم على أنهم يقفون إلى جانب الشعب الذي يعاني من أزمة اقتصادية خانقة، بدلا من أن يُنظر إليهم على أنهم معارضون لإرادة الجماهير. وكما قال أمير حسین ثابتي: “الوضع الاقتصادي جعل الناس يبكون”.
وأضافت أن هناك احتمالا بأن يؤدي استجواب عبد الناصر همتي، في حال حصوله على الأصوات الكافية وإقالته من منصبه، إلى فتح الباب أمام سلسلة استجوابات أخرى. فقد يكون الهدف التالي أحمد میدري، وزير العمل والتعاون أو محمدرضا ظفر قندي وزير الصحة، أو فرزانه صادق وزيرة الطرق، وربما حتى سيمايى صراف، وزير العلوم.
لكن المشكلة التي تواجه المستجوبين هي أن أيديهم ليست بالقوة نفسها ضد هؤلاء الوزراء كما كانت ضد همتي، أو بالأحرى لا يملكون مبررات كافية لاستجوابهم. أما في حالة همتي، فالقضايا المتعلقة بسعر الصرف والذهب جعلت من السهل كسب التأييد العام لاستجوابه، في حين أن الوزراء الآخرين لا توجد ضدهم ذرائع قوية حتى الآن.
ترتبط الاستجوابات البرلمانية غالبا بالسعي لتحقيق مكاسب، سواء إيجابية أو سلبية. فقد تكون المطالب إيجابية، كخدمة الدوائر الانتخابية رغم تأثيرها الوطني، مثل توصيل الغاز للمناطق النائية بدلا من توجيهه لمحطات الطاقة. في المقابل، قد تخفي بعض الاستجوابات مصالح شخصية، رغم عدم اتهام أحدٍ مباشرة. إلى جانب المطالب الفردية، هناك قضايا سياسية واقتصادية كبرى، مثل اتهام همتي، بسبب إصراره على بيع أصول الدولة بأسعار السوق الحالية، رغم رغبة بعض الجهات في تثبيت أسعار 2023، أو بسبب قرارات تعيينات إدارية في البنوك.
التشكيك في إنجازات الحكومة واستخدام همتي ككبش فداء
وأشارت الى أنه مهما حاول مؤيدو مسعود بزشكیان الإشارة إلى إنجازات حكومته مثل منع اندلاع مواجهة عسكرية مباشرة بين إيران وإسرائيل، أو إحالة قانون الحجاب إلى جهة أخرى بدلا من فرضه بشكل صارم، أو إعادة توظيف آلاف المعلمين الذين تم استبعادهم من التعيين، فإن الناس لا ينظرون إلى هذه الأمور، بل يركزون على سعر الدولار.
وأضافت أن النسبة الأكبر من المواطنين لا يهتمون كثيرا بنسبة التضخم، أو معدلات البطالة، أو معدل النمو الاقتصادي، حتى لو أعلنتها مصادر رسمية، لأنهم يرون أن سعر الدولار هو المرآة الحقيقية للاقتصاد.
لهذا، فإن استجواب وزير الاقتصاد كمسؤول عن الأزمات الاقتصادية سيعطي الفرصة لمعارضي الحكومة لإنكار تأثير السياسات الخارجية والأحداث الدولية على الاقتصاد الإيراني، أو التقليل من شأنها.
وذكرت أنه في النهاية سيتم تقديم همتي ككبش فداء على الطريقة التي وردت في سِفر اللاويين في العهد القديم.
وقالت إن وزير الاقتصاد، ورئيس البنك المركزي، ورئيس منظمة التخطيط والميزانية يشكلون ثالوث السياسة الاقتصادية في الحكومة. لكن البرلمان لا يملك سوى سلطة على الوزير، بينما الآخران يشغلان مناصب نائبي رئيس الجمهورية، مما يجعل مساءلتهما أكثر صعوبة. صحيحٌ أنه يمكن توجيه أسئلة إلى رئيس الجمهورية بشأنهما، لكن مكانته الرفيعة كأعلى مسؤول في الدولة بعد القائد الأعلى وفقا للمادة الدستور، تجعل مساءلته أمرا نادرا جدا.
وأضافت أنه بهذا المنطق، يصبح همتي هو الهدف المباشر بدلا من محمد رضا فرزين، رئيس البنك المركزي، رغم أن الأخير تم تعيينه في حكومة رئيسي وتم الإبقاء عليه في حكومة بزشكیان. ولو تمت الإطاحة بهمتي بينما يبقى فرزين في منصبه، فقد يشعر الرئيس بنوع من الخيانة، رغم أن الشواهد تشير إلى التنسيق بينهما في الأشهر الأخيرة.
وأردفت أن بعض المصادر تشير إلى أن التغييرات الأخيرة في إدارة شركة “إيران خودرو” رغم أنها لم تكن خصخصة بالمعنى الحرفي، فإنها لم ترُق لبعض الجهات النافذة. وقد أدت هذه القضية إلى نزاعات قانونية وصلت إلى النيابة العامة، وديوان العدالة الإدارية، وحتى مراكز الشرطة. وربما يُنظر إلى همتي على أنه المسؤول الرئيسي عن هذه القرارات، مما يزيد من الضغوط عليه.
وهْم تكرار سيناريو 1995
وذكرت أن هناك تكهنات بأن بعض الأطراف المعارضة لتوحيد سعر الصرف تسعى لتكرار سيناريو 1995، حينما تم استبعاد الدكتور نوربخش من وزارة الاقتصاد بحكومة هاشمي رفسنجاني، ليحل محله محمد خان، مما أدى إلى تطبيق سياسة زيادة المعروض النقدي وفرض قيود على التزامات الصادرات. ورغم أن هذا الإجراء خفّض سعر الصرف مؤقتا، فإنه تسبب لاحقا في الفساد والتمييز الاقتصادي، مما دفع حكومة خاتمي إلى إعادة توحيد السعر.
ولكن وصف هذه الفكرة بـ”الوهم” يرجع إلى اختلاف الظروف اليوم، كما يظهر في سحب مليار دولار من صندوق التنمية الوطنية لتأمين السلع الأساسية، وطلب المرشد الأعلى من أمير قطر الإفراج عن 6-7 مليارات دولار من الأموال الإيرانية المجمدة، مما يؤكد أن هذه الأموال لم تكن متاحة كما زُعم سابقا.
وأضافت أن تهديد ترامب للمشترين القلائل للنفط الإيراني يعكس واقعا اقتصاديا غير مستقر، مما يجعل من المستحيل على وزير الاقتصاد المخاطرة بضخ العملات الصعبة في السوق لمجرد خفض مؤقت لسعر الدولار، إذ ستكون هذه الأموال ضرورية لتأمين الاحتياجات الأساسية.
وقالت إن المعارضين للاستجواب يرون أنه من غير المنطقي استجواب وزير الاقتصاد قبل أسابيع قليلة من نهاية العام، خاصةً أن عطلة النوروز وشهر رمضان الطويلة ستجعل من تعيين وزير جديد بسرعة أمرا مستحيلا. وهذا يعني أن أهم وزارة اقتصادية في البلاد ستبقى بدون قيادة لعدة أشهر.
وأضافت أن ذلك بالنسبة لبعض المعارضين للحكومة، سبب إضافي للمضي قدما في الإطاحة بهمتي. فبما أن الفترة القادمة تتسم بالفراغ السياسي والإداري، فإنهم يرون أن هذه فرصة مثالية لضرب الحكومة.
كما أن الأمر يشبه موقف مشجع كرة قدم يحضر المباراة بهدف الصراخ وليس الاستمتاع.
واختتمت أن هذا هو حال بعض السياسيين مع همتي، فبالنسبة لهم، مجرد الإطاحة به هدف كاف، بصرف النظر عن عواقب ذلك على الاقتصاد، وسعر الصرف، وأسواق الذهب.