ترجمة: علي زين العابدين برهام
التقى رئيسا إيران وروسيا في 17 يناير/كانون الثاني 2024 في موسكو لتوقيع “معاهدة شراكة استراتيجية لمدة 20 عاما”. تركز هذه الاتفاقية بشكل أساسي على تعزيز التعاون التجاري والأمني بين البلدين، وذلك في ظل توتر العلاقات غير المباشرة لكلا الدولتين مع الولايات المتحدة.
نشرت صحيفة “هم ميهن” الثلاثاء 18 فبراير/شباط 2025 تقريرا أفادت فيه أن التوقيع النهائي للاتفاقية بين إيران وروسيا خلال الأيام الثلاثة التي سبقت تنصيب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لم يكن على الأرجح أمرا عشوائيا. بالنسبة للجمهور الأمريكي، عزز توقيع هذه الوثيقة فكرة تشكيل تحالف جديد لتحدي الولايات المتحدة. بل إن فريدريك كيمب، رئيس مجلس الأطلسي في واشنطن، وصف هذه الاتفاقية بأنها “هدية افتتاحية” من إيران وروسيا لترامب.
وذكرت أن تداعيات هذه الاتفاقية تتجاوز بكثير السردية السائدة في واشنطن، فبينما تسعى إيران للتعافي من الضربات العسكرية التي تعرضت لها عام 2024، يمكن أن يؤدي التقارب المتزايد بين موسكو وطهران إلى تشكيل مسار جديد يحمل تداعيات كبيرة على الشرق الأوسط، وخاصة في شبه الجزيرة العربية، فضلا عن تأثيره المحتمل على انتشار الأسلحة النووية.
وجهة النظر الأمريكية
تابعت “هم ميهن” أنه في واشنطن، يُنظر إلى التقارب المتزايد بين إيران وروسيا كجزء من تحالف ناشئ بين ما يُعرف بـ”الدول الأربع المراجعة”، والتي تضم كوريا الشمالية، الصين، روسيا، وإيران. تتمحور هذه السردية حول دعم هذه الدول للحرب الروسية في أوكرانيا.
وأشارت إلى أن العلاقات الدافئة بين إيران وروسيا بدأت تأخذ شكلا ملموسا في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، مع اندلاع الصراع السوري، حيث نشرت الدولتان قواتهما لدعم نظام بشار الأسد خلال أكثر من عقد من الحرب الأهلية، وطوال هذه الفترة، قامت الأطراف الروسية والإيرانية بتنسيق جهودهما وعمّقت نفوذهما في دمشق بشكل متزايد.
وأضافت أنه على مدى العامين الماضيين، أدت الحرب في أوكرانيا إلى تسريع وتعميق العلاقات بين إيران وروسيا، فبينما قدمت كوريا الشمالية الدعم المدفعي والقوات لروسيا، لعبت إيران دورا محوريا في تعزيز القدرات العسكرية الروسية من خلال تزويدها بالطائرات بدون طيار.
وأوضحت أن طبيعة هذه العلاقات تكشف عن حجم المخزون الكبير الذي تمتلكه إيران – وخاصة الحرس الثوري الإيراني – من الطائرات بدون طيار والصواريخ، والذي قد يكون أقل فقط مما تمتلكه إسرائيل وتركيا في الشرق الأوسط. ولكن الأهم من ذلك هو أن اعتماد روسيا على المساعدة الإيرانية يُبرز أوجه القصور العملياتية في الجيش الروسي.
وتابعت بأنه تم توقيع الاتفاق الأخير بين إيران وروسيا بهدف وضع إطار للتعاون خلال العقدين المقبلين. ووفقا للتقارير المنشورة، يشمل الجانب العسكري من هذا الاتفاق مشاورات استراتيجية حول التهديدات الأمنية المشتركة، تدريبات عسكرية مشتركة، وتعاون في مجال الصناعات الدفاعية.
وذكرت أنه على الرغم من أن الوثائق الرسمية والبيانات لم تكشف عن تفاصيل هذه المبادرات، إلا أن الاتفاق يُظهر بوضوح أن التقارب بين روسيا وإيران يتجاوز مجرد علاقة ظرفية تقتصر على سوريا وأوكرانيا، بل يعكس التزاما جديا من كلا البلدين بتنسيق سياساتهما الأمنية معا، ولهذا السبب وصف عباس عراقجي، وزير الخارجية الإيراني، هذه المعاهدة بأنها “ليست مجرد اتفاق سياسي”، بل “خارطة طريق للمستقبل”.
تصاعد التوتر في البحر الأحمر
تابعت الصحيفة بأن العلاقات بين إيران والحوثيين في اليمن شهدت تطورا ملحوظا خلال العام الماضي، حيث تعزز التنسيق بينهما بشكل أكبر، فمنذ اندلاع أزمة غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، صعّد الحوثيون هجماتهم الصاروخية وعمليات الطائرات المسيّرة ضد السفن العابرة للبحر الأحمر. ورغم ادعائهم استهداف الشحنات المرتبطة بإسرائيل فقط، إلا أن العديد من السفن المتضررة كانت تابعة لدول آسيوية وغربية تمر عبر المنطقة، وقد أضافت هذه الأزمة بُعدا جديدا للصراع، مما عقّد جهود دول الخليج، وخاصة السعودية والإمارات، في مساعيها لإنهاء الحرب في اليمن.
وذكرت أن أبوظبي والرياض تبنّتا نهجا حذرا ومتوازنا؛ فبينما أدانتا الهجمات البحرية الحوثية، امتنعتا عن الانضمام إلى التحالف البحري الذي تقوده الولايات المتحدة ضد الحوثيين. ويعود ذلك إلى رغبتهما في تجنّب التعاون مع واشنطن، ومن ثمّ مع إسرائيل، في ظل تقديم الحوثيين عملياتهم على أنها دعم للفلسطينيين. وفي الوقت نفسه، خلصت القيادات في السعودية والإمارات إلى أن التدخل الأمريكي في البحر الأحمر قد يؤدي إلى تفاقم التوتر داخل اليمن بدلاً من تهدئته.
دور إيران وروسيا في الأزمة
تابعت الصحيفة بأنه على عكس الحذر الذي أبدته السعودية والإمارات، لم تتردد طهران وموسكو في اتخاذ مواقف أكثر جرأة، فقد دعمت إيران الحوثيين في اليمن لسنوات طويلة، ولا تزال مستمرة في تقديم هذا الدعم دون تراجع. أما روسيا، فترى في تصاعد الأزمة في البحر الأحمر فرصة لإضعاف خصومها الغربيين. من جانبهم، أعلن الحوثيون دعمهم لموسكو، وتشير تقارير عدة إلى احتمال إرسالهم مقاتلين للمشاركة في الحرب في أوكرانيا.
وأشارت إلى أنه في المقابل، تُقدّر وكالات الاستخبارات الأمريكية أن روسيا قد تكون قدّمت للحوثيين بيانات استخباراتية لاستهداف السفن الغربية في البحر الأحمر، وربما تكون قد نقلت إليهم أسلحة أيضا.
وأضافت بأنه من منظور دول الخليج، فإن هذا التطور قد يؤدي إلى إطالة أمد الصراع في اليمن، فتعزيز موسكو لعلاقاتها مع الحوثيين قد يجعلهم أكثر جرأة في مطالبهم السياسية، مما يمنحهم نفوذا أوسع ليس فقط داخل اليمن، بل ربما في المنطقة بأسرها. بعبارة أخرى، فإن التقارب الروسي-الإيراني يزيد من تعقيد الملف اليمني، ويهدد المصالح الأمنية لدول الخليج.
التعاون النووي
ذكرت “هم ميهن” أنه في الوقت نفسه، يمكن أن يؤدي تدخل روسيا في الأنشطة النووية الإيرانية إلى تفاقم التوترات الإقليمية، فقد حافظت موسكو رسميا على موقفها المزدوج تجاه البرنامج النووي الإيراني، وذلك في ظل المخاوف الدولية المتعلقة بأهداف طهران النووية. ومع ذلك، قدمت روسيا مساعدات لإيران في بناء مفاعلات نووية في موقع بوشهر، مؤكدة أن هذا المشروع لا ينتهك التزامات منع الانتشار. وبالنظر إلى أن كلا البلدين يواجهان عقوبات غربية شديدة، فإن روسيا تدرس علنا دعم البرنامج النووي الإيراني.
وأشارت إلى أنه خلال زيارة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إلى موسكو في يناير/كانون الثاني 2024 لتوقيع المعاهدة، أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن بلاده تدرس بناء وحدات نووية جديدة في إيران، وقد أثار هذا الإعلان مخاوف من أن إيران تعمل على توسيع نطاق أهدافها النووية، وأن روسيا قد تساهم في دعم هذا التوجه.
وأضافت أن لموسكو يمكنها أن تعيد رسم التوازن العسكري في المنطقة من خلال تزويد طهران بأنظمة دفاع جوي متطورة، مثل نظام إس-400. وإسرائيل، التي تعتقد أنها تتمتع بميزة عسكرية بعد الهجمات الجوية التي نفذتها ضد أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية في أكتوبر/تشرين الأول 2024، قد تفكر في تنفيذ هجمات استباقية على المنشآت النووية الإيرانية قبل تعزيز إجراءات الحماية فيها، ومع قدوم إدارة جديدة في واشنطن، قد تظهر الولايات المتحدة استعدادا أكبر للمشاركة في عمليات عسكرية ضد إيران.
وأوضحت أنه في كل الأحوال، فإن هذا الوضع يضع دول الخليج العربي في موقف حرج كمراقبين معرضين للخطر، ورغم أن أيا من هذه الدول لا تدعم أهداف البرنامج النووي الإيراني، إلا أن أي تصعيد عسكري قد يحدث بين الأطراف المعنية لن يقتصر تأثيره على إيران فحسب، بل سيؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة بأكملها.
الخسائر الجانبية
تابعت الصحيفة بأنه يجب الاعتراف بأن العلاقة بين إيران وروسيا لها حدودها، فاتفاقية الشراكة الاستراتيجية الموقعة في موسكو تخلو من بند التضامن المتبادل؛ أي الالتزام الذي يقضي بدفع الحلفاء للدفاع عن بعضهم البعض في حالة تعرض أحدهم لهجوم.
وأوضحت أن هذا على عكس ما تم توقيعه بين روسيا وكوريا الشمالية.، فموسكو وطهران لا تتشاركان وجهات نظر متطابقة حول جميع القضايا الأمنية الإقليمية أو كيفية التعامل معها. على سبيل المثال، في سوريا، يبدو أن روسيا تسعى لإيجاد طريقة للتفاعل مع القيادة الجديدة في دمشق، بينما تواجه إيران صعوبة في القيام بذلك. في الواقع، وصفت دمشق مؤخرا وجود القوات الإيرانية على أراضيها بأنه “تهديد استراتيجي للمنطقة بأكملها”.
واختتمت التقرير بالإشارة إلى أن تعزيز العلاقات بين روسيا وإيران يحمل تداعيات خطيرة للاعبين الإقليميين الآخرين، خاصة في منطقة الخليج العربي. في حين أن الرغبة في تقارب موسكو وطهران نابعة بشكل رئيسي من الحاجة لمواجهة الضغوط الغربية، فإن مجالات التعاون الرئيسية بين البلدين، مثل ملف اليمن والتكنولوجيا النووية، قد تؤدي في النهاية إلى خسائر جانبية تمس أمن الخليج العربي.