ترجمة: أسماء رشوان
نشرت وكالة “خبر أونلاين” الإيرانية المحسوبة على مكتب علي لاريجاني، مستشار المرشد الإيراني علي خامنئي، تقريرا لها يوم الأحد 16 فبراير/شباط 2025، تناولت فيه نهج الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع، في إعادة تشكيل الهيكل الداخلي لسوريا ورسم علاقاتها مع الدول الأخرى.
قالت الصحيفة إنه مع “ولادة سوريا الجديدة” وإعادة تعريف معادلات القوة بعد الإطاحة ببشار الأسد وتولي الحكومة الانتقالية بقيادة أحمد الشرع، دخلت المعادلات الجيوسياسية لسوريا فصلا جديدا. لم يؤثر هذا التحول فقط على الهيكل الداخلي للبلاد، بل أعاد تشكيل علاقاتها مع اللاعبين الرئيسيين مثل إيران، وروسيا، وتركيا، والغرب. فما هي هذه التحولات؟ وكيف سيقوم أحمد الشرع بإعادة ضبط علاقاته مع إيران وروسيا؟ وما هي الدول المتدخلة في هذا الترتيب وما مصالحها؟
أضافت أن أحمد الشرع، رئيس سوريا المؤقت، صرّح في مقابلة مع قناة العربية في ديسمبر/كانون الأول 2024، داعيا إيران إلى “إعادة النظر في سياساتها التدخلية في المنطقة”، مضيفا: “ننتظر تصريحات إيجابية من طهران. على إيران أن تكون متناغمة مع الشعب السوري”. يأتي هذا الموقف في وقت كانت فيه إيران أقرب حليف لسوريا بعد هجوم تنظيم الدولة عليها، بينما يحاول الحكام الجدد الحفاظ على مسافة نسبية مع طهران. ومع ذلك، يؤكد أحمد الشرع أن “المصالح الاستراتيجية” بين سوريا وإيران لا تزال قائمة.
وأشارت إلى تصريح أسعد حسن الشيباني، وزير الخارجية السوري، خلال قمة دبي في فبراير/شباط 2025، بأن “الشعب السوري لا يزال يعاني من الجروح التي تسببت بها إيران وروسيا. من أجل إعادة إحياء هذه العلاقات، يجب أن يشعر الشعب السوري بالارتياح تجاهها”. تصريحاته تعكس أن هناك إرادة لدى القيادة الجديدة للتواصل مع إيران وروسيا، ولكن العقبات الداخلية تعيق ذلك في الوقت الحالي.
وتتساءل الصحيفة حول الهدف الحقيقي لسوريا من التقارب مع إيران، وقالت إنه في مقابلة مع قناة العربية، أشار أحمد الشرع إلى أن سوريا لا تريد أن تكون “قاعدة للتدخلات الأجنبية”، لكنها تسعى إلى “تحقيق توازن في العلاقات مع جميع القوى”. يحاول الحكام الجدد الحفاظ على علاقاتهم مع إيران بهدف خلق توازن سياسي بين الغرب والشرق. ومن جهة أخرى، ورغم الانتقادات، لا تزال سوريا تدرك دور إيران في “محور المقاومة”.
وأضافت أنه في حديثه مع “يورونيوز” بالفارسية، أكد أسعد حسن شيباني أن دمشق تسعى إلى “الحفاظ على الاستقرار الإقليمي”، موضحا أن ذلك لا يعني بالضرورة استمرار التعاون مع إيران، لكن القيادة الجديدة تحاول، عبر اتفاق غير رسمي مع إيران وروسيا، الحد من العوامل التي قد تؤثر على سيادة البلاد.
في هذا السياق، أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، اتصالا هاتفيا مع أحمد الشرع في فبراير/شباط 2025، أكد خلاله دعم موسكو لـ”سيادة سوريا ووحدة أراضيها”، ووعد بالمساعدة في “تحسين الوضع الاجتماعي والاقتصادي” في البلاد. كان هذا الاتصال هو أول تواصل رسمي بين روسيا والحكومة السورية الجديدة بعد سقوط الأسد.
أهداف روسيا داخل سوريا
وأردفت أنه وفقا لتقارير إعلامية غربية، فإن موسكو تسعى للحفاظ على قواعدها البحرية والجوية على سواحل البحر المتوسط، حيث تعتبرها حيوية لنفوذ روسيا في الشرق الأوسط. في الوقت نفسه، شدد بوتين خلال حديثه مع الشرع على التعاون التجاري والتعليمي، في خطوة تعكس محاولة روسيا لاستبدال النفوذ الغربي بشراكة اقتصادية مع سوريا.
وذكرت أن الشرع حذر في مقابلته مع “العربية” قائلا: “الحكومة الجديدة لا تريد أن تغادر روسيا سوريا بطريقة لا تليق بعلاقاتهما طويلة الأمد”. وهذا يشير إلى أن دمشق تسعى لإعادة تعريف علاقتها بموسكو دون تكرار نمط التبعية الذي كان قائما في عهد الأسد.
وأضافت أنه في هذه الأثناء تسعى أنقرة، التي كانت من أبرز داعمي المعارضة للأسد، إلى ترسيخ وجودها في شمال سوريا عبر السيطرة على منبج وإنشاء منطقة عازلة. هذه التحركات، إلى جانب محاولات أحمد الشرع للتفاوض مع الأكراد، قد تؤثر بشكل مباشر على مستقبل العلاقات بين أنقرة ودمشق.
وأشارت إلى أن السعودية وقطر، مع إعادة فتح سفارتيهما في سوريا وتعهدهما بتقديم مساعدات مالية، تسعيان إلى تقليص نفوذ إيران وروسيا في البلاد. وفي مقابلة مع “العربية”، قال الشرع: “السعودية سيكون لها دور رئيسي في مستقبل سوريا، ونحن نعتز بكل ما قدمته لنا الرياض”. كما دعا أمير قطر، خلال لقائه مع الشرع، إلى تشكيل حكومة “تمثل جميع أطياف المجتمع السوري”.
آمال الشرع في رفع العقوبات
أردفت أنه برغم أن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة رحّبا بسقوط الأسد، فإنهما أعربا عن قلقهما من ارتباط الحكومة الجديدة بجماعات مثل “هيئة تحرير الشام” (التي لها تاريخ من العلاقات مع تنظيم القاعدة). ويخشى المراقبون السياسيون من أن تقارب سوريا مع إيران قد يعيق جهود إعادة الإعمار ويؤدي إلى استمرار العقوبات المفروضة على البلاد.
وقالت إنه في مقابلة مع “العربية”، أعرب أحمد الشرع عن أمله في أن تقوم إدارة ترامب برفع العقوبات المفروضة على سوريا. ومع ذلك، يرى المسؤولون الأوروبيون أن القرب الجغرافي لدمشق من طهران قد يكون العقبة الرئيسية أمام إلغاء العقوبات. ويعتقد الخبراء الغربيون أن العقوبات لن تُرفع إلا إذا أثبتت سوريا أنها تسعى إلى تحقيق توازن في علاقاتها الإقليمية.
وفي الوقت نفسه، صرّح مسؤول أمريكي لوكالة “الأناضول” التركية قائلا: “أي تعاون بين سوريا وإيران في نقل الأسلحة إلى حزب الله اللبناني سيكون غير مقبول تماما”.
وأضافت أن الشرع يحاول الموازنة بين علاقاته المحدودة مع إيران وروسيا والاستفادة من الدعم المالي السعودي والغربي. وخلال كلمته في قمة دبي، شدد على أن “هدفنا هو التنمية الاقتصادية وإعادة إعمار سوريا، وليس التورط في الخلافات السياسية”. وفي ظل هذا الوضع، يرى المراقبون السياسيون أنه إذا لم تقم طهران بمراجعة سياساتها، فقد تتصاعد التوترات بين البلدين. كما حذّر الشرع في مقابلته مع “العربية” قائلا: “اللجان القانونية ستبحث مسألة التعويض عن الدمار الذي لحق بسوريا”.
الخروج من ظل الأسد
ذكرت أن موسكو تسعى إلى استغلال الفراغ الذي قد يتركه تراجع النفوذ الإيراني في سوريا الجديدة، وذلك عبر الاستثمار في إعادة إعمار البلاد. وفي هذا السياق، وعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال مكالمة مع الشرع، بزيادة المساعدات الإنسانية لسوريا.
بناءً على ذلك، تسعى الحكومة الانتقالية السورية بقيادة أحمد الشرع إلى الخروج من ظل الأسد وإعادة تعريف هوية سياسية واقتصادية جديدة للبلاد. ورغم أن العلاقات بين سوريا الجديدة وكل من إيران وروسيا لا تزال كـ”جرح مفتوح”، فإن دمشق تطمح إلى أن تصبح لاعبا مستقلا في المنطقة. ويعتمد نجاح هذه الحكومة على قدرتها في موازنة الضغوط الخارجية، وجذب الدعم المالي من السعودية، والتعافي من تبعات الحرب الأهلية.
واختتمت متسائلة: هل يمكن لهذه الشعارات التي يتبناها الشرع حول تحقيق هدفه في التنمية وتحسين الاقتصاد أن تتحقق دون التكيف مع الواقع الجيوسياسي المعقد؟ واقع يتمثل في مجاورة سوريا لكل من إسرائيل والعراق، فضلا عن استضافتها لبعض الجماعات التي لا تزال خامدة لكنها لم تختفِ تماما.
وذلك نظرا إلى أن الإجابة عن هذا السؤال ستحدد مستقبل الشرق الأوسط.