ترجمة: شروق السيد
وفقا لتقرير نشرته الصحيفة الإيرانية “فرهیختكان” يوم الثلاثاء 7 يناير/كانون الثاني 2025، أدى سقوط الحكومة السورية وسيطرة هيئة تحرير الشام، التي تمت بدعم ومساندة من تركيا، إلى تعزيز دور ونفوذ تركيا في سوريا.
ونتيجة لهذا التغيير، وكما كانت تركيا تشكل مسار التحولات في سوريا، فإن التطورات السورية بدورها أصبحت تساهم في تحريك السياسة الداخلية والإقليمية لتركيا.
وتابعت الصحيفة: “وقد أتاح ذلك وضعا فريدا لحكومة أردوغان للتأثير على مستقبل سوريا، مع وجود حدود مشتركة تبلغ 822 كيلومترا مع سوريا واستضافة نحو 3.6 مليون لاجئ سوري، تسعى تركيا إلى تغيير النموذج في سياساتها تجاه سوريا، وفي هذا السياق، ستتابع تركيا أولوياتها السياسية-الأمنية والإقليمية والاقتصادية في ضوء التطورات الجديدة بسوريا.

الأولويات السياسية-الأمنية
ذكرت الصحيفة أنه قبل سقوط حكومة الأسد، كانت الأولويات السياسية-الأمنية لتركيا تركز على محاربة وإضعاف وحدات حماية الشعب (الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني)، وتأمين الحدود، وإنشاء منطقة عازلة، وتسهيل عودة اللاجئين السوريين، وتطبيع العلاقات مع الحكومة السورية.
ولكن بعد سيطرة هيئة تحرير الشام على البلاد، أعادت تركيا النظر في بعض هذه الأولويات وسعت إلى رسم إطار استراتيجي جديد للتعامل مع التحولات في سوريا .
وواصلت الصحيفة: “تسعى تركيا إلى لعب دور بارز في تحديد المستقبل السياسي لسوريا، وهو ما يتطلب التفاوض مع الجهات الإقليمية والدولية الأخرى لإيجاد حل للأزمة السورية”.
وأوضحت أن هذا الدور يشكل ورقة ضغط مهمة تتيح لتركيا تعزيز مصالحها الإقليمية ومتابعة أولوياتها وسياساتها بما يخدم مصالحها الاستراتيجية.
وأشارت إلى أن تركيا تسعى لوضع استراتيجية شاملة تهدف إلى تحقيق الاستقرار في جميع أنحاء سوريا، فمنذ سقوط الحكومة السورية، أكدت السلطات التركية مرارا التزامها بالحفاظ على وحدة الأراضي السورية، إذ يُعتبر تقسيم سوريا تهديدا خطيرا لتركيا، خاصةً من قبل الأكراد في المنطقة.
عودة اللاجئين السوريين
وأضافت الصحيفة: “تستضيف تركيا نحو أربعة ملايين لاجئ ونازح سوري، وكان نهجها قبل وبعد سقوط الأسد هو تأمين عودة طوعية لهؤلاء إلى وطنهم، ومع توافق القادة الجدد في سوريا مع الحكومة التركية، أصبحت أولوية تركيا الآن ترتكز بشكل أكبر على خلق الظروف المناسبة والتمهيد اللازم لعودة هؤلاء الأشخاص إلى بلادهم”.
وتابعت الصحيفة: “تركز تركيا أيضا على استقرار الحدود كأولوية، ويتطلب ذلك إنشاء منطقة آمنة على الحدود السورية ومنع تسلل الجماعات الإرهابية إلى الأراضي التركية، إضافةً إلى ذلك، فإن وجود حدود آمنة يحد من التهديدات الأمنية ويتيح للسكان العودة إلى بلادهم بحرية وأمان”.
الأولوية الإقليمية
وأضافت: “أدى سقوط حكومة الأسد، وتراجع نفوذ روسيا وإيران في سوريا، والدور البارز لتركيا في دعم وتجهيز الجماعات المسلحة المتمثلة بهيئة تحرير الشام، إلى إعادة تعريف العلاقات الإقليمية لتركيا، وقد أتاح هذا الوضع فرصة تاريخية لأنقرة لزيادة وزنها الإقليمي ودفع مصالحها الجيوستراتيجية”.
وأردفت الصحيفة: “في هذا السياق، تعمل تركيا على تحقيق ميزة استراتيجية إقليمية من خلال تعزيز المحور التركي-العربي، ويهدف ذلك إلى زيادة قوتها الإقليمية وترسيخ موقعها لمواجهة المنافسين الإقليميين، وفي الوقت نفسه، تسعى تركيا للحصول على دعم وتعاون الدول العربية لتعزيز دبلوماسيتها الإقليمية والدولية المتعلقة بالتطورات السورية”.
الأولويات الاقتصادية
وتابعت الصحيفة: “تتمتع تركيا بإمكانية لعب دور رئيسي في إعادة إعمار الاقتصاد السوري، فمع نزوح نصف السكان، وتضرر نحو 20% من المباني السكنية، وانهيار قيمة الليرة السورية، تحتاج سوريا إلى استراتيجية شاملة لإعادة الإعمار”.
وبالنظر إلى وقوع سوريا الجديدة ضمن نطاق النفوذ التركي، يمكن لتركيا أن تساهم بشكل كبير في إعادة بناء البنية التحتية، هذا الجهد لا يقتصر فقط على المساهمة في انتعاش الاقتصاد السوري، بل يفتح أيضا فرصا اقتصادية للشركات التركية.
وأردفت: “تسعى تركيا إلى الاستثمار في قطاعات متعددة من الاقتصاد السوري، وضمن ذلك الزراعة، والصناعة، والسياحة، والطاقة، ستساعد هذه الاستثمارات في خلق فرص عمل وزيادة الناتج المحلي الإجمالي السوري، كما أن سوريا، بفضل موقعها الجيوسياسي، يمكن أن تصبح جزءا من ممر تجاري يربط الشرق بالغرب عبر العراق والأردن وصولا إلى تركيا ومن ثم أوروبا”.
إضافة إلى ذلك، في قطاع الطاقة، تجد تركيا فرصة لتعزيز دورها كمحور لنقل الغاز الطبيعي في المنطقة وشرق البحر المتوسط، وأشار معهد “تشاتام هاوس” البريطاني في تحديده أولويات تركيا الاقتصادية في سوريا الجديدة إلى أن:
“إعطاء الأولوية للطاقة المستدامة عبر شبكات الغاز التقليدية هو أفضل وسيلة يمكن لتركيا من خلالها تحويل مزاياها الاستراتيجية المؤقتة إلى نفوذ إقليمي مستدام”.
أضافت الصحيفة: “بلغت واردات تركيا من سوريا في عام 2023 نحو 363.5 مليون دولار، في حين وصلت صادراتها لسوريا إلى نحو ملياري دولار، تسعى تركيا إلى زيادة تجارتها وصادراتها إلى سوريا، حيث يسهم ذلك في تعزيز الاقتصاد التركي وخلق فرص اقتصادية جديدة للشركات التركية، وفتح الحدود وتسهيل التجارة يعدان من الأولويات الرئيسية لتركيا في هذا السياق”.
وتابعت: “لجذب الاستثمارات الأجنبية إلى سوريا، تحتاج تركيا إلى خلق بيئة آمنة ومستقرة، وهذا يتطلب تحقيق الاستقرار في المشهد السياسي والاقتصادي السوري، إضافةً إلى ذلك، فإن فكرة إنشاء منطقة تجارة حرة جديدة في إدلب قد تتيح للمستثمرين الأجانب والأتراك فرصة تأسيس شركات بملكية كاملة في بعض المناطق الصناعية المنظمة”.
واختتمت الصحيفة مبينةً أنه في سوريا ما بعد الأسد، لدى تركيا أولويات سياسية-أمنية وإقليمية واقتصادية متعددة، ويتطلب تحقيق هذه الأولويات تعاونا مع الجهات الإقليمية والدولية الأخرى وإيجاد حل للأزمة السورية، بينما عدم تحقيق هذه الأولويات قد يؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار في المنطقة وتهديد الأمن القومي التركي.
وأضافت الصحيفة في ختام تقريرها: “ستعمل تركيا من خلال دبلوماسية متعددة الأطراف مع الدول خارج المنطقة والمنظمات الدولية، على تعزيز دورها الإقليمي، وإضعاف منافسيها الإقليميين، واتخاذ إجراءات أمنية لحماية مصالحها في سوريا، كل ذلك يهدف إلى تحقيق أهدافها وأولوياتها الاستراتيجية في المنطقة”.