ترجمة: هاجر كرارة
لا شك في أن قضية الحجاب قضية شائكة في المجتمع الإيراني ، وليس الأمر مستحدثا بل إنه قديم، ولطالما شكلت قضية الحجاب محورا للاحتجاجات الشعبية الكبيرة ضد الحكومة الإيرانية، ومؤخراً قامت السلطات الإيرانية بتأسيس عيادة لمكافحة عدم ارتداء الحجاب في طهران.
وحول هذا الموضوع كتب “محمد علي دستمالي” الكاتب الصحفي بوكالة أنباء “خبر أونلاين”، مقالا نُشر الأربعاء 13 نوفمبر/تشرين الثاني، قال فيه:
بعض المؤسسات والمسؤولين في الجمهورية الإسلامية الإيرانية لديهم نظرة غريبة للعلم والأخلاق والمبادئ العلمية، نظرة لا تبشر بآفاق جديدة، بل تستند إلى “الفساد” و”التجربة والخطأ”.
تابع “دستمالي”: إذا كنتَ مثلي مندهشا ومتعجبا من خبر تأسيس “عيادة مكافحة عدم ارتداء الحجاب” في طهران، فإنني أوجه لك تحية!
لنقف معا أنا وأنت وأليس في بلاد العجائب ولنُجمع عقولنا لنرى ما الرؤى الغريبة التي رسمها نخبة النظام الحاكم لنا هذه المرة.
أضاف “دستمالي”: لقد استمعت إلى تصريحات سيدة تتولى منصب رئاسة إدارة “المرأة والأسرة “في “هيئة الأمر بالمعروف” بمحافظة طهران، حول عيادة لعلاج مكافحة عدم ارتداء الحجاب، فكانت تصريحاتها تحمل الطابع الروتيني الطبي نفسه لدرجة أنني شككت لبضع لحظات في عقلي وقدرتي على التمييز. ظننت أن الخبر الأصلي يتحدث عن افتتاح عيادة أسنان لتقديم خدمات مجانية للنساء والفتيات في المناطق المحرومة، واعتقدت أنني وصلت إلى هذا الاستنتاج المضحك بسبب التعب والجوع الذي أصابني.
وأضاف “دستمالي”: بحثت على الإنترنت وتحققت من الخبر في عدة مواقع أخرى. اكتشفتُ أن الأمر ليس كذلك… بل إننا نشهد مرة أخرى نهجاً فلسفياً ومعرفياً غريباً في حُكم الجمهورية الإسلامية، نهجاً أطلقُ عليه اسم “السقوط في وحل الخلط بين الواقعي والمثالي”. أي التعامل مع الأمور المادية والعينية من منظور مثالي وميتافيزيقي، والتعامل مع المفاهيم الذهنية والأخلاقية والمعرفية بمنطق تجريبي ومادي.
هل أذكر مثالا؟
في حين نجد أن المؤسسات المعنية تغض الطرف عن قضايا ملموسة ومعيشية كالزراعة والأمن الغذائي وبطالة الشباب المتعلم واستهلاك المياه والحفاظ على البيئة، نجد من جانب آخر أطرافاً أخرى لا علاقة لها بهذه القضايا مباشرة تقوم بالترويج لأفكار مبنية على الزهد والتعبّد والتقشف كحلول أساسية وعلمية لهذه المشكلات. فمثلا، يدعو عالم دين إلى الامتناع عن تناول الدجاج لفترة معينة، وآخر يقدم أفكارا غريبة لحل مشكلة بطالة الشباب، وثالث يربط بين الكوارث الطبيعية كالفيضانات والزلازل وذنوب العباد.
وأضاف “دستمالي”: ومع ذلك، عندما يتعلق الأمر بقضايا عقلية ودينية نجد هذه الأطراف نفسها تتبنى نهجاً إحصائياً واقعياً وتشتكي من نقص الميزانيات المخصصة للشؤون الثقافية والدينية، مدعيةً أن زيادة هذه الميزانيات عشرة أضعاف ستؤدي إلى تقليل المشكلات والخسائر بنسبة 10%. هذا منطق غريب حقاً!
وبناءً على هذا المنطق، يتم استخدام المفهوم العسكري والدفاعي للمة “معسكر” في كثير من الأحيان في موضوعات كالسياسات السكانية، مما يؤدي إلى نتائج مثل تخصيص أراضٍ وسيارات للمتزوجين حديثا، وهكذا.
تابع “دستمالي”: سؤالنا البسيط والمباشر هو: هل يعتبر موضوع حجاب النساء والفتيات في مجتمعنا مسألة طبية تستدعي إنشاء مراكز صحية خاصة بها، كما هو الحال مع مشاكل الأسنان والكبد والجراحة العظمية؟
لماذا يمنح الأشخاص غير المؤهلين وغير الخبراء الفرصة للتحدث في الأمور الهامة وخلط الحقائق بالأكاذيب!
خلط الأهمية الحيوية لمفاهيم مثل “العين” و”الذهن” إنجاز عظيم لا يمكن أن يتخيله إلا المسؤولون والحكام الذين يستفيدون من عوائد النفط والموارد الطبيعية.
وتابع “دستمالي”: أخبرني أحد الأصدقاء بنكتة مريرة. طبيبة عامة، مثل العديد من الأطباء الآخرين، تركت عملها في الطب الباطني وفتحت عيادة تجميل. استأجرت شقة كبيرة لعيادتها، وجاء بعض زملائها وجلبوا لها الزهور والحلويات. وكانت الجملة السائدة بينهم: “مبارك يا دكتورة نتمنى لكِ كثيرا من المرضى!”، لا أعرف ماذا نقول لصاحبة عيادة مكافحة ترك الحجاب وما الدعاء الذي نقدمه لها؟ هل نقول لها: “نتمنى لكِ التوفيق”؟ لا يبدو هذا التعبير مناسبا، إلا إذا كانت العيادة ستصبح متنقلة في المستقبل!
أضاف “دستمالي”: تخيلوا أن لدينا في هذه الدولة مؤسسة تسمى “اللجنة المكلفة بالأمر بالمعروف”. (دعونا نتجاهل التفاصيل الجانبية والتاريخية لهذه المؤسسة حاليا). داخل هذه اللجنة، توجد إدارة خاصة بـ”المرأة والأسرة”. وقد أعلنت رئيسة هذه الإدارة أنهم تلقوا “عددا كبيرا من الشكاوى من قبل الأسر والنساء والفتيات في طهران” حول تأثير الضغوط الاجتماعية والعوامل الأخرى التي تؤدي إلى عدم ارتداء الحجاب. وبعد إجراء دراسات متخصصة واجتماعات استشارية، قررت هذه اللجنة المجتهدة والحكيمة إطلاق أول عيادة متخصصة للاستشارة والدعم للعودة إلى ارتداء الحجاب في طهران!
تابع “دستمالي”: وقد استخدمت هذه السيدة المبدعة والمجتهدة في خطابها مصطلحات أخرى مثل “خطة استراتيجية شاملة لبناء بيئة أخلاقية قائمة على الحياء والعفة والحجاب”، و”نهج ثقافي جديد”، و”تقديم خدمات نفسية وإرشادية واجتماعية”.
وقد تطرقت في حديثها، إلى مجموعة من الحلول العملية، من بينها: تقديم خدمات استشارية فردية، وتنظيم دورات تدريبية يشارك فيها أساتذة متخصصون في فلسفة الحجاب وقيمه، وإجراء جلسات استشارية ودعم نفسي بصفة سرية، وعقد اجتماعات جماعية، وإقامة ورش عمل لتعزيز مهارات اكتشاف الذات وتقوية الهوية الإنسانية وإدارة الضغوط الاجتماعية، إضافة إلى تقديم التوعية والدعم الفكري.
تابع “دستمالي”: وقد حدث كل هذا في الوقت الذي اعترفت فيه السلطات بأن أكثر من خمسين جهة ومؤسسة حكومية ورسمية تتولى مسؤولية ملف الحجاب بشكل مباشر أو غير مباشر. والأهم من ذلك، أن قضية لباس المرأة ليست قضية طبية تتطلب إنشاء عيادة طبية! وإضافة إلى هذه الجهات الخمسين، فإن الفرد نفسه والأسرة والمدرسة والمسجد والإعلام والمجتمع والجامعة، جميعها تؤثر بشكل كبير في تحديد مسار حياة الفرد واختياره لأسلوب حياته، ولا نفهم لماذا نشأت الحاجة إلى إنشاء مؤسسة جديدة!
نحن نشهد في إيران هذه الإنجازات المميزة والمبتكرة في الوقت الذي قرر فيه دونالد ترامب إنشاء هيئة رفيعة المستوى، أو حتى وزارة، تسمى “وزارة كفاءة الحكومة” في إدارته الجديدة، ويسند مسؤوليتها إلى إيلون ماسك وفيفيك راماسوامي.
أضاف “دستمالي”: علينا أن ننتبه إلى حقيقة أن الولايات المتحدة، بصفتها القوة الاقتصادية والعسكرية الأولى في العالم، قد أدركت وجود ما يسمى بـ”الضعف” و”اللاكفاءة” في بعض قرارات وإجراءات وأنشطة مؤسساتها وهيئاتها الحكومية، وأن هذه المشكلة يجب حلها.
إذن، ما تصورنا للمفهوم الهام “الكفاءة” (Efficiency) جنبا إلى جنب مع مفاهيم أخرى كـ”الإنتاجية” (Productivity) و”الفعالية” (Effectiveness) في سياق متكامل، فإننا نُذكَّر مرة أخرى بحقيقة مؤلمة تتمثل في غياب أبرز سمات وخصائص “الحوكمة الرشيدة” (Good governance) عن نظامنا الحاكم. فكثير من القرارات والأهداف والبرامج والمشاريع والمؤسسات والإدارات والجماعات تبعد مسافات شاسعة عن هذه المفاهيم الحيوية.