ترجمة: علي زين العابدين برهام
بدأت حركة طالبان ملء سدها الجديد الذي يحمل اسم “باشدان”. وقد أدى ملء هذا السد على نهر هري إلى تعريض مياه الشرب لـ2 مليون إيراني مقيم في محافظة خراسان رضوي للخطر. لكن سرعان ما صرح المسؤولون الإيرانيون بضرورة إيجاد حل لهذه القضية.
نشرت صحيفة “هم ميهن” تقريرا الخميس 23 يناير/كانون الثاني 2025، حول هذه الأزمة المائية بين جارتين تربطهما علاقات قوية، ومن المتوقع أن يصل حجم التبادلات التجارية بينهما إلى 5 مليارات دولار خلال العامين القادمين، وإلى 10 مليارات دولار خلال 3 إلى 5 سنوات قادمة.
اعتراض إيران بشأن الحصص المائية
ذكرت الصحيفة أن إسماعيل بقائي، المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، أكد الروابط العميقة للهوية والثقافة والعرق والدين والحضارة بين الشعبين الإيراني والأفغاني، مشيرا إلى وجود ملايين الأفغان في إيران على مدى ما يقرب من خمسة عقود. وأوضح أن الحفاظ على تعميق العلاقات بين البلدين في مختلف المجالات يتطلب احترام المصالح المتبادلة وتجنب الإجراءات الأحادية الضارة.
وأضافت الصحيفة تأكيد بقائي أهمية الاتفاقيات الثنائية، ومبادئ القانون الدولي العرفي والمعاهدات، وحقوق الشعوب الواقعة في مجاري الأنهار المشتركة، وكذلك مبدأ حسن الجوار في الاستخدام العادل للموارد المائية من الأنهار التي تتدفق من أفغانستان إلى إيران منذ قرون بسبب الجغرافيا الطبيعية للمنطقة.
وأشارت إلى قوله في ما يتعلق ببناء أو ملء السدود الجديدة في أفغانستان وتأثيرها على كمية المياه المتدفقة إلى إيران بأن إيران أكدت مرارا وتكرارا، أن استخدام الموارد والحوض المائي لا يمكن أن يتم دون مراعاة حقوق إيران وفقا للاتفاقيات الثنائية أو المبادئ والقواعد العرفية القابلة للتطبيق، وكذلك مبدأ حسن الجوار والاعتبارات البيئية.
وأوضحت أن وزارة الخارجية الإيرانية قد أبلغت السلطات الأفغانية المعنية عن احتجاجها الشديد وقلقها إزاء التقييد غير المتناسب للمياه المتدفقة إلى إيران أو تحويل مسار الأنهار الطبيعية التي كانت مصدرا لازدهار وتشكيل الخصائص البيئية الطبيعية لكلا الجانبين من الحدود المشتركة.
نهر مشترك بين إيران وأفغانستان
بينت الصحيفة أن نهر هري هو نهر يبلغ طوله 1100 كيلومتر، ينبع من المناطق المرتفعة في منطقة لعل وسر جنكل في أفغانستان، ويجتاز ولايتي غور وهراة الأفغانيتين ليصل إلى الحدود المشتركة بين أفغانستان وإيران. يمكن اعتبار هذا النهر أحد أهم العناصر لتوفير المياه في إيران وأفغانستان.
وذكرت أنه مؤخرا تم إغلاق المياه المتدفقة إلى إيران في الأيام الأخيرة، بسبب ملء أفغانستان سدها الجديد. يأتي إغلاق نهر هري في وقت ترفض فيه أفغانستان منذ سنوات، إطلاق الحصة المائية لإيران من نهر هيرمند الحدودي، ويمكن القول إن أفغانستان الآن قد أغلقت مياه النهرين المشتركين.
تخزين 54 مليون متر مكعب من المياه
تابعت الصحيفة مبينةً أنه قد بدأ العمل في بناء سد باشدان عام 2011، واستغرق نحو 13 عاما. في السنوات الأخيرة، ومع هجوم طالبان، توقف بناء السد فعليا؛ لكنه الآن في مرحلة التشغيل. بدأت عمليات استكمال مشروع سد باشدان، الذي يُعد أحد أكبر السدود في أفغانستان على الحدود مع إيران وعلى مسار نهر هري، بحضور ملا عبد الغني برادر، النائب الأول لرئيس الوزراء، وعبد اللطيف منصور، القائم بأعمال وزارة المياه والطاقة بـ”طالبان”، في هراة.
وأفادت بأنه تم بناء هذا السد في محافظة هراة بغرب أفغانستان، ووفقا لمصادر رسمية أفغانية، تم الانتهاء من نحو 80 إلى 95% من السد، ومن المتوقع أن يتم الانتهاء من العمل في السد خلال الأشهر الخمسة القادمة. ومن الجدير بالذكر أن هذا السد ينتج حتى 2 ميغاوات من الكهرباء ويوفر مياه الري لأكثر من 13 هكتارا من الأراضي الزراعية، ويمكن لخزان السد تخزين ما يصل إلى 54 مليون متر مكعب من المياه.
أهمية سد باشدان
ذكرت الصحيفة أنه خلال السنوات الأخيرة، رفضت أفغانستان إطلاق الحصة المائية لإيران من نهر هيرمند الحدودي. تعتبر السلطات الأفغانية أن إطلاق الحصة المائية لهذا النهر مشروط بهطول الأمطار المناسبة في البلاد؛ ولكن على الرغم من هطول الأمطار فوق الطبيعية في أفغانستان، لم يتم إطلاق الحصة المائية لإيران من نهر هيرمند فحسب، بل إن أفغانستان تستخدم سدودا متعددة وصغيرة لمنع تدفق النهر إلى المناطق السفلى من حوض هيرمند.
وأشارت إلى أنه في الوقت الحالي، أدى تخزين 2.5 مليون متر مكعب من المياه خلف 4 سدود تم بناؤها في أفغانستان إلى تعريض حياة سكان محافظات سيستان وبلوشستان، وخراسان رضوي، وخراسان الشمالية للخطر. من ناحية أخرى، فإن بناء السدود من قبل طالبان سيؤدي إلى عطش بيولوجي لإيران وسيخلق ظروفا صعبة.
الحق الذي حُرِم منه الشعب!
تابعت الصحيفة أنه في الوقت الحالي، تمنع طالبان يوميا دخول 2.247 مليون متر مكعب من الحصة المائية لإيران من نهر هيرمند، والآن مع إغلاق السد الجديد على نهر هري، انخفضت كمية المياه المتدفقة إلى إيران بشكل كبير. الجدير بالذكر أن المسؤولين لم يظهروا رد فعل قويا تجاه هذا الأمر، ويبدو أن الحكومة قد دخلت في مسار تفاوضي مع طالبان!
وأضافت أنه أمام إيران طريقان فقط للوصول إلى حصتها المائية القانونية: الأول هو المتابعة بانضباط عمل دون انقطاع ووفقا لما نصت عليه معاهدة عام 1972، والثاني هو ممارسة الضغط على حكومة طالبان غير المعترف بها عبر الدبلوماسية ومن خلال المسارات التجارية وناقلات الطاقة.
وأشارت الصحيفة إلى ما قاله محمد أميني، الخبير الدبلوماسي، بأن السد هو أداة ترفع من موقف أفغانستان، والدبلوماسية يجب أن تفكر في حق الشعب الإيراني ليس بعد ملء السد، بل قبل ذلك.
وذكرت قول رسول مير آئيني، الخبير في العلاقات السياسية، إن الحصة المائية لإيران من الأنهار المشتركة يمكن تحقيقها فقط من خلال برنامج دبلوماسي قوي.
حصة إيران في الحصص المائية للمنطقة
تابعت الصحيفة مبينةً أنه وفقا لما قاله علي عباسيان، الخبير الاقتصادي، فإنه قد بدأ بناء سد باشدان في عام 2011، وكان من المتوقع أن ينتهي في غضون ثلاث سنوات، ولكن بسبب انعدام الأمن، استغرق بناؤه 13 عاما. تم تشغيل هذا السد بهدف توليد الكهرباء وري 13 هكتارا من الأراضي الزراعية بسعة 45 مليون متر مكعب. ومع ذلك، رافق هذا المشروع عدد من القضايا الخطيرة.
وأضافت قوله إن أهم قضية هي توفير مياه الشرب لنحو مليوني شخص من سكان محافظة خراسان رضوي. قبل ذلك، كانت مياه الشرب في هذه المنطقة تُؤمن من الأنهار التي تحتوي على مياه عذبة، ولكن مع بناء هذا السد، تم نقل المياه المالحة إلى هذه المنطقة، مما تسبب في مشاكل في توفير مياه الشرب وألحق أضرارا جسيمة بالبيئة. إضافة إلى ذلك، فإن الاستغلال الأحادي لهذا السد دون مراعاة حقوق الطرفين يمكن أن يؤدي إلى خلافات خطيرة بين البلدين.
وأشارت إلى قوله إن بناء السدود وعدم الالتزام بالالتزامات المائية أصبحا أداة للضغط السياسي والجيوسياسي على إيران. في كل مرة تنشأ توترات في المنطقة، نشهد عدم دفع الحصة المائية لإيران وإغلاق السدود. هذا الموضوع يوضح أن القضية تتجاوز مسائل المياه وتوفير مياه الشرب، بل أصبحت ذات بعد سياسي.
وأوضحت رأيه بأن “هذه القضية لم تعد مجرد مشكلة مائية، بل أصبحت مشكلة سياسية، ويجب متابعتها حتما من خلال وزارة الخارجية. لسوء الحظ، لم نصل إلى اتفاق رسمي ودائم مع أفغانستان في هذا الشأن، وكنا دائما نشهد مشاكل. نأمل أن يتم حل هذه المشاكل قريبا من خلال المتابعات الدبلوماسية، وأن نشهد دفع الحصص المائية لإيران وحل مشاكل مواطنينا”.
منع الحصص المائية
ذكرت الصحيفة ما قاله علي رضا سروي نجاد، خبير حماية التربة، بأن التحدي بين إيران وأفغانستان بدأ عمليا منذ 170 عاما، أي منذ انفصال هراة عن إيران، وبعد ذلك بدأت قضية النزاع حول المياه ونهر هيرمند، حيث تم تبادل اتفاقيات بين إيران وأفغانستان بشأن نهر هيرمند بوساطة بريطانية.
وأضافت قوله إنه في حوض هلمند، هناك خمسة أو ستة أنهار مهمة، جميعها تصب في الأهوار الثلاثة، والتي تشمل أهوار هيرمند، وأهوار بوزك، وأهوار صابوري. هذه الأهوار، التي تم تسجيلها كمحمية طبيعية عالمية في عام 2015، تواجه تحديات بيئية خطيرة، بسبب الإدارة السيئة للموارد المائية.
وأوضحت ما بينه بأن هذه الأزمة لم تعرض حياة سكان المنطقة للخطر فحسب، بل تأثرت الأهوار بشدة. في السنوات الأخيرة، خاصة في الربيع والصيف، شهدت سيستان عواصف شديدة وموجات من الغبار تستمر لمدة 180 يوما تقريبا بسبب جفاف هذه الأهوار؛ لدرجة أن هذه المنطقة تُعتبر واحدة من أكثر المناطق تلوثا في العالم.
وأشارت إلى تأكيد أنه “يجب على إخواننا في أفغانستان أن ينتبهوا إلى أن الشعب والأراضي الأفغانية أكثر عرضة لهذه التهديدات من إيران. هذه الأراضي، التي يمكن أن تتحول إلى موارد قابلة للاستخدام لصالح الشعب الأفغاني، تواجه تحديا خطيرا من الرواسب التي مصدرها سيستان”.
جدير بالذكر أن هناك ما لا يقل عن 6 ملايين شخص بشكل رسمي، وربما حتى 10 ملايين شخص بشكل غير رسمي، من الأفغان موجودون في إيران، وهؤلاء الـ6 إلى 10 ملايين شخص يشكلون ثُمن سكان إيران، وهم يستخدمون موارد إيران المائية منذ 5 عقود.
واختتمت الصحيفة التقرير بتأكيد أنه يجب على الإخوة في أفغانستان مراعاة مبدأ حسن الجوار والأخوة والنوايا الحسنة مع إيران في قضية المياه.