ترجمة: أسماء رشوان
تناولت وكالة “خبر أونلاين” الإيرانية المحسوبة على مكتب علي لاريجاني، مستشار المرشد الأعلى للثورة الايرانية علي خامنئي، في تقرير لها يوم الجمعة 7 فبراير/شباط 2025، بالتحليل مسيرة المرشح الرئاسي الخاسر سعيد جليلي السياسية خاصةً الانتخابية، منذ دخوله البرلمان إلى ترشحه للرئاسة. وقد أشارت الوكالة في تقريرها، إلى شعبيته مقارنة بغيره من الشخصيات الأصولية.
إذ قالت في تقريرها، إنه عندما دخل سعيد جليلي السباق الرئاسي للمرة الثالثة، أمام الرئيس الحالي مسعود بزشكيان، قبل أن يخسر الانتخابات، بدا أن أنصاره اكتسبوا حماسة خاصة. لكن بعد خسارته مجددا، اعتقد مؤيدوه أن 13.5 مليون صوت التي حصل عليها تعكس قاعدة شعبية يمكن البناء عليها.
إلا أنه بعد هزيمته في انتخابات عام 2024، سعى أتباعه إلى إعادة تفسير الأرقام لصالحه. على سبيل المثال، زعم البعض أن 13.5 مليون صوت التي حصل عليها لا تقل أهمية عن 16 مليون صوت التي حصل عليها إبراهيم رئيسي عام 2017، معتبرين أن هذه القاعدة الانتخابية تمنحه فرصة ليصبح رئيسا مستقبليا للحكومة. لكن ما مدى صحة هذا الادعاء؟
تأييد أهل خراسان لابن محافظتهم
تقرير الوكالة استعرض تحليل الأرقام والإحصائيات الخاصة بسعيد جليلي في انتخابات 2024، ثم قارنها بالانتخابات السابقة. ففي الجولة الثانية من انتخابات 2024، خسر جليلي أمام مسعود بزشكيان بحصوله على 13.5 مليون صوت. ورغم الهزيمة، يرى أنصاره أن هذا الرقم كافٍ ليجعلهم قوة مؤثرة.
وأفادت بأن “البعض قد زعم أن الأصوات التي حصل عليها بزشكيان كانت مدفوعة باعتبارات عرقية، وأن الناطقين بالتركية كان لهم دور بارز في دعمه. وإذا أخذنا هذا الطرح بعين الاعتبار، فمن الضروري أيضا النظر إلى الجانب الآخر: هل كانت محافظة خراسان، مسقط رأس جليلي، داعمة له بشكل خاص؟”.
في خراسان، حصل جليلي على 1,696,060 صوتا من أصل 2,836,745، مقابل 1,080,675 صوتا لمنافسه بزشكيان. وبلغت نسبة المشاركة في المحافظة 58%، مما يعني أن نسبة 60% التي حصل عليها جليلي هناك لا تعني بالضرورة دعما مطلقا من أبناء محافظته له.
وأضافت أن في مدينة مشهد وحدها، حصد جليلي على أكثر من 910 آلاف صوت، وهي المدينة التي تعد قاعدة لجبهة بايداري ومسقط رأس إبراهيم رئيسي. لكن بطرح هذه الأصوات من إجمالي أصواته في خراسان يتبين أن باقي المحافظات لم تكن ميالة له بنفس الدرجة.
وأردفت أنه في الجولة الأولى، فقد أظهرت الإحصائيات أن 52% فقط من المحافظات التي ينتمي إليها جليلي دعمته، مما يشير إلى أن حتى في خراسان، التي تحولت على مدى سنوات إلى قاعدة لأفكار جبهة بايداري بفضل استثماراتهم، إلا أنه لا يزال هناك خوف من توجهات هذا التيار السياسي.
كما ذكرت الوكالة في تقريرها، أن انسحاب سعيد جليلي من السباق الرئاسي عام 2021 لصالح إبراهيم رئيسي، جعل من الصعب قياس شعبيته في ذلك العام. لكن بالنظر إلى قصر الفجوة الزمنية بين ترشحه، وأن أعلى عدد من الأصوات حصل عليه كان في انتخابات 2024، يمكن استنتاج مدى شعبيته من خلال المقارنة.
جليلي أضعف التيار الأصولي
الوكالة قالت أيضا في تقريرها، إنه في انتخابات 2021، خاض رئيسي السباق إلى جانب عدة مرشحين من التيار الأصولي، وكان خصمه الأبرز عبد الناصر همتي. لذلك، يمكن اعتبار تلك الانتخابات معيارا مناسبا للمقارنة، حيث انحصرت أصوات التيار الاعتدالي والإصلاحي في همتي، بينما توزعت بقية الأصوات على التيارات المعارضة له.
وأضافت أنه في النهاية، حصل رئيسي على 18 مليون صوت، مما يعادل 62% من إجمالي الأصوات. ورغم أن عدد الأصوات الباطلة تجاوز مجموع أصوات المرشحين الثلاثة الآخرين، فإن النسبة الإجمالية للأصوات الباطلة وأصوات همتي بلغت 21%. وبذلك، فازت الحركة الأصولية بـ79% من الأصوات، أي نحو 22.3 مليون صوت.
وأوضحت أنه “عند مقارنة ذلك بانتخابات 2024، فسيظهر تراجع كبير. ففي الجولة الأولى، حصل جليلي على 9 ملايين صوت (38%)، وارتفع نصيبه في الجولة الثانية إلى 44%. لكن الحقيقة التي تكشفها الأرقام أن جليلي، بدلا من أن يعزز موقع التيار الأصولي، كان أحد أسباب تراجعه. فقد كان الفارق بين أصوات رئيسي عام 2021 وأصوات جليلي عام 2024 نحو 4.5 ملايين صوت (أي أكثر من 17.5%). أما الفارق بين جليلي ومجموع المرشحين الأصوليين الثلاثة في 2021، فبلغ 9 ملايين صوت (34.5%). وإذا اعتمدنا على 16 مليون صوت التي حصل عليها رئيسي عام 2017 كمعيار لقياس قوة جليلي، فسنجد أن وضعه الانتخابي يبدو أضعف”.
وذكرت أنه من المحتمل أن جليلي أدرك بالفعل في 2021 أنه لا يتمتع بشعبية كافية، ولهذا انسحب من السباق. ولو كان عكس ذلك، لربما تراجع موقفه السياسي بشكل يمنعه من الترشح في 2024. بناء على ذلك، فإن الحديث عن 13.5 مليون صوت كقاعدة انتخابية مستقرة لجليلي أمر غير معقول، حيث إن هذه النتيجة كانت إلى حد كبير نتاج ظروف سياسية خاصة وليست تعبيرا عن قاعدة جماهيرية حقيقية.
حصول جليلي على 11.25% فقط
كما أردفت الوكالة في تقريرها، أنه من الضروري أيضا إلقاء نظرة على أرقام وحقائق انتخابات 2013 لفهم موقع سعيد جليلي بشكل أعمق. رغم مرور 11 عاما، فإن تلك الانتخابات تميزت بتنوع سياسي واسع بين المرشحين، مما يجعل نتائجها ذات دلالة كبيرة. كما أن نسبة المشاركة كانت أعلى بكثير مقارنة بالدورات الانتخابية الأخرى التي خاضها جليلي.
وأوضحت أنه في تلك الانتخابات، حصل جليلي على 4 ملايين صوت، أي ما يعادل 11.5% من إجمالي الأصوات. في المقابل، تمكن محسن رضائي، رغم حصوله على عدد أقل من الأصوات، من الفوز بالمركز الأول في بعض المحافظات. أما جليلي، فلم يحقق مثل هذا الإنجاز، بل حصل في مسقط رأسه على 406 آلاف صوت فقط، أي ما يعادل 13% من أصوات المحافظة.
إحباط الناخبين من بعض التيارات
وأضافت أنه عند النظر إلى نسبة المشاركة، نجد أن معدلات التصويت تراجعت في الانتخابات اللاحقة. ومن المعروف أن انخفاض نسبة المشاركة غالبا ما يعكس حالة من الإحباط بين الناخبين الإصلاحيين والمعتدلين، في حين أن أصوات التيارات الأخرى لا تشهد تغييرات كبيرة.
والأرقام المذكورة في هذا التحليل لم تأخذ نسبة المشاركة في الحسبان. لذا، إذا تمت مقارنة توجهات الناخبين تجاه سعيد جليلي استنادا إلى نسبة المؤهلين للتصويت، فستظهر صورة مختلفة تماما للواقع الانتخابي.
وستكون النتائج على النحو التالي:
انتخابات | عدد المؤهلين للتصويت | عدد أصوات سعيد جليلي | حساب نسبة أصوات جليلي بناء على عدد المؤهلين للتصويت. |
---|---|---|---|
2013 | 50 مليونا و483 ألف و192 | 4 ملايين و168 ألفا و846 | 8.26 |
2024 الجولة الأولى 2024 جولة الإعادة | 61 مليونا و452 ألفا و321 61 مليونا و452 ألفا و321 | 9 ملايين و1473 ألفا و298 13 مليونا و538 ألفا و179 | 15.41 22.03 |
مرشح بلا شعبية
كما قالت الوكالة في تقريرها، إن سعيد جليلي ترشح للبرلمان مرتين، خلال الانتخابات البرلمانية السادسة والسابعة، لكنه لم ينجح في أي منهما. في الانتخابات السادسة، كان المزاج العام يميل إلى الإصلاحيين، مما جعل فرصته ضئيلة. أما في الانتخابات السابعة، ورغم أن مجلس صيانة الدستور حال دون مشاركة العديد من الإصلاحيين، فإن ذلك لم يكن كافيا لتمكين جليلي من دخول البرلمان، مما يعكس ضعف شعبيته حتى في ظل غياب المنافسة القوية.
واختتمت بسؤال: هل سيستمر سعيد جليلي، الذي لم يحظَ بتأييد شعبي يُذكر، في الترشح للانتخابات كما فعل محسن رضائي ومحمد باقر قاليباف، على أمل تحقيق فوز مستقبلي؟ أم أنه سيفضل البقاء في الظل، ملتزما بتعاليم أستاذه، مصباح اليزدي، فيلسوف وعالم دين، الذي لم يكن يعطي أهمية كبيرة لصوت الشعب؟
في الخيار الأول، يخاطر جليلي بمصداقيته السياسية، لكنه على الأقل يظل لاعبا في المشهد الانتخابي. أما في الخيار الثاني، فإن الاعتماد على العمق الاستراتيجي داخل المؤسسات المعينة قد يجعله يواصل سياسات غير متوافقة مع الإرادة الشعبية، خصوصا في الملفات الخارجية والمفاوضات، مما قد يجعله عقبة أمام المصالح الوطنية.