ترجمة: علي زين العابدين برهام
نشرت صحيفة “فرهيختگان“، الجمعة 21 فبراير/شباط 2025، تقريرا حول السيناريوهات المطروحة أمام أحمد الشرع “الجولاني”، رئيس سوريا المؤقت، وحكومته للحكم في سوريا، إذ طرحت ثلاثة سيناريوهات محتملة حول هذا الأمر.
السيناريو الأول: تعزيز السلطة عبر التحالف مع فصائل المعارضة الأخرى
ذكرت الصحيفة أن الجولاني وهيئة تحرير الشام في هذا السيناريو يسعيان إلى ترسيخ حكمهما من خلال إقامة تحالف واسع مع فصائل المعارضة المتنوعة في سوريا، وقد يشمل هذا التحالف جماعات مسلحة أخرى، وفصائل معتدلة، إضافة إلى بعض العشائر والقوى المحلية. من المحتمل أن يبدأ جولاني بالتحالف مع الجماعات السلفية المتناغمة معه فكريا، مثل بقايا جبهة أو جماعات سلفية-جهادية أخرى.
وأضافت أن هذه الجماعات تتقارب أيديولوجيا، مما يتيح لها إمكانية تشكيل جبهة قوية وموحدة. يمكن أن يشمل هذا التحالف تقاسم السلطة والمسؤوليات الحكومية والعسكرية، مما يعزز نفوذهما المشترك. ومن أجل توسيع قاعدته الشعبية، قد يسعى الجولاني إلى استقطاب فصائل أكثر اعتدالا، أو حتى بعض الجماعات المعارضة غير السلفية، عبر تقديم ضمانات بالمشاركة في الحكم وتوفير الأمن.
وأشارت إلى أن بعض هذه الجماعات قد تجد أن التعاون مع الجولاني خيار تكتيكي أو وسيلة لتجنب العزلة، فنجاحه في ذلك سيمنحه شرعية أكبر، سواء داخل سوريا أو على المستوى الدولي.
واستدركت قائلة: “لكن الخلافات بينهم قد تؤدي إلى صراعات داخلية، وقد يواجه تحالف الجولاني تحديات تتعلق بتقاسم السلطة، حيث قد تشعر بعض الفصائل بالتهميش، مما يهدد بتفكيك التحالف أو إشعال صراعات داخلية”.
وأشارت إلى أن هناك عدة سيناريوهات محتملة لمستقبل هذا التحالف:
- تحقيق استقرار نسبي: إذا نجح الجولاني في تشكيل تحالف متماسك وإدارة الخلافات الداخلية بفعالية، فقد يتمكن من فرض درجة من الاستقرار في سوريا، مما قد يسهم في إعادة إعمار بعض المناطق وتحسين الأوضاع المعيشية للسكان.
- تصاعد الصراعات الداخلية: في حال فشل في احتواء الخلافات، قد يصبح التحالف هشا، مما يؤدي إلى تفككه واندلاع صراعات جديدة تدفع سوريا إلى مزيد من الفوضى.
- ردود فعل دولية: قد يواجه حكم الجولاني رفضا دوليا، خاصة إذا لم يتمكن من التخلي عن الأيديولوجيا المتطرفة. قد يؤدي ذلك إلى فرض عقوبات أو حتى تدخلات عسكرية ضد سلطته.
وأوضحت أن تثبيت حكم الجولاني في سوريا مرهون بقدرته على إدارة التوازنات الداخلية، واستقطاب الفصائل المختلفة، والتعامل مع الضغوط الخارجية. فإن نجح، فقد يتمكن من فرض نوع من الاستقرار، وإن فشل، فقد تجد سوريا نفسها أمام موجة جديدة من الأزمات.
السيناريو الثاني: قمع المعارضين وإقامة حكم مركزي
ذكرت الصحيفة أنه في هذا السيناريو، يتجه الجولاني وهيئة تحرير الشام نحو نهج استبدادي قائم على القمع بدلا من بناء تحالفات مع الفصائل الأخرى. يهدف هذا النهج إلى ترسيخ حكم مركزي صارم يقوم على أيديولوجيا سلفية-جهادية، حيث يسعى الجولاني إلى القضاء على أي معارضة داخلية.
وأضافت أن الأجهزة الأمنية والعسكرية تلعب دورا حاسما في هذا النموذج، حيث تعتمد على الاعتقالات الجماعية، والإعدامات خارج نطاق القضاء، وسياسات الترهيب لضمان السيطرة الكاملة. ومن خلال فرض قبضته الحديدية، يسعى الجولاني إلى القضاء على أي مساحة للمعارضة، مما يؤدي إلى تكريس بيئة قمعية يحكمها الخوف والقوة العسكرية.
وأشارت إلى أن الجولاني، في هذا السيناريو، يسعى إلى تأسيس نظام حكم مركزي يحتكر السلطة بين يديه ودائرته المقربة. قد يتجسد هذا النموذج في تشكيل مجلس قيادي صغير يخضع لسيطرته المطلقة، حيث تُتخذ جميع القرارات المصيرية. في ظل هذا النظام، تُدمج المؤسسات الحكومية والعسكرية والأمنية تحت سلطته المباشرة، مما يقضي على أي شكل من أشكال الاستقلالية أو الحكم الذاتي.
وتابعت أن الجولاني قد يفرض قوانين صارمة مستمدة من تفسير متشدد للأيديولوجيا السلفية-الجهادية تشمل قيودا شديدة على الحريات الفردية، وتطبيق عقوبات قاسية مثل الإعدام، وقطع الأطراف، والجلد، مع فرض نمط حياة ديني متشدد على المجتمع. في حين قد يحظى هذا النهج بتأييد بعض أنصاره، فإنه من المرجح أن يثير مقاومة واسعة من شرائح المجتمع الأخرى.
وأردفت أنه ولتثبيت حكمه، قد يفرض الجولاني رقابة صارمة على وسائل الإعلام، فيحظر الأصوات المعارضة، وينشر دعاية مكثفة تمجّد نظامه وتبرر قبضته الحديدية. يمكنه استغلال الإعلام لترسيخ أيديولوجيته، وإضفاء شرعية على حكمه، وإقناع السكان بأن استمراره في السلطة هو السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار.
وذكرت النتائج المحتملة لهذا السيناريو وهي:
- استقرار قصير الأمد: قد ينجح القمع في إسكات المعارضة العلنية مؤقتا، مما يؤدي إلى استقرار ظاهري، لكن ذلك قد يكون مجرد هدوء يسبق العاصفة، إذ إن القمع يولّد بطبيعته مقاومة خفية.
- تصاعد الاضطرابات على المدى البعيد: كلما زادت سياسات القمع، تفاقم الاستياء الشعبي، مما قد يعزز نشاط الحركات المناهضة ويؤدي إلى تفجير صراعات داخلية تُهدد استقرار حكمه.
- عزلة دولية وخسائر سياسية: من المرجح أن يواجه نظام الجولاني رفضا دوليا متزايدا بسبب انتهاكاته لحقوق الإنسان، مما قد يؤدي إلى فرض عقوبات اقتصادية وضغوط سياسية تُضعف سلطته.
وأوضحت أنه قد يكون هذا السيناريو أحد الخيارات المتاحة للجولاني لترسيخ حكمه في سوريا، لكنه محفوف بالمخاطر، إذ يتطلب قمعا مستمرا للحفاظ على السيطرة، مما يجعله عرضة للمقاومة الداخلية والضغوط الخارجية. وعلى الرغم من أنه قد يوفر استقرارا مؤقتا، فإن تداعياته طويلة الأمد قد تؤدي إلى تفاقم الأزمات، وربما تسرّع من انهيار نظامه.
السيناريو الثالث: التدخل الخارجي وحرب الوكالة
ذكرت الصحيفة أنه في هذا السيناريو، يؤدي استمرار حكم الجولاني وهيئة تحرير الشام إلى تحفيز القوى الإقليمية والدولية على التدخل بشكل أكثر فاعلية في سوريا لحماية مصالحها، وقد تتخذ هذه التدخلات أشكالا مختلفة، مثل دعم الفصائل المعارضة للجولاني، وفرض عقوبات اقتصادية، أو حتى تنفيذ عمليات عسكرية مباشرة.
وأوضحت أن هذه التدخلات تكون على النحو التالي:
التدخلات الإقليمية: الحسابات والمصالح
- إيران ومحور المقاومة: نظرا إلى الدور المحوري لمحور المقاومة في السياسة الإقليمية الإيرانية، فمن المتوقع أن تستمر طهران في دعم الجماعات الشيعية والقوات الموالية لها في سوريا، خاصة بعد دورها الطويل في دعم نظام الأسد.
- تركيا: قد تسعى أنقرة إلى احتواء نفوذ الجولاني من خلال دعم الجماعات السلفية المعتدلة أو الفصائل الكردية المعارضة له. كما قد تلجأ إلى عمليات عسكرية شمال سوريا؛ لمنع قيام كيان متطرف على حدودها؛ حفاظا على أمنها القومي.
- السعودية والإمارات: من المرجح أن تقتصر سياستهما على تقديم دعم مالي لبعض الجماعات المعارضة، بهدف منع ظهور حكومة متطرفة بقيادة الجولاني دون الانخراط المباشر في النزاع.
التدخلات الدولية: تغيير موازين القوى
- روسيا: بعد أكثر من عقد من دعم نظام الأسد، من المرجح أن تستمر موسكو في تعزيز نفوذها في سوريا من خلال العمليات الجوية، والدعم العسكري، والمساندة الدبلوماسية. كما قد تسعى للحفاظ على قواعدها العسكرية في البلاد، مما يجعلها لاعبا رئيسيا في إدارة الصراع.
- الولايات المتحدة: قد تدعم واشنطن الفصائل المعارضة للجولاني، لا سيما القوات الكردية والجماعات المعتدلة، عبر توفير الأسلحة، والتدريب العسكري، والدعم الجوي. كما قد تلجأ إلى فرض عقوبات اقتصادية خانقة؛ لإضعاف حكومة الجولاني والحد من قدرته على إدارة الحكم.
وأشارت إلى النتائج المحتملة لهذا السيناريو وهي:
- إطالة أمد الحرب الداخلية: قد تؤدي التدخلات الخارجية إلى استمرار النزاع المسلح، مما يزيد من حالة عدم الاستقرار ويضاعف معاناة الشعب السوري.
- تقسيم فعلي للأراضي السورية: مع تصاعد القتال، قد تنقسم سوريا إلى مناطق نفوذ متعددة تخضع لسيطرة قوى مختلفة، مما يؤدي إلى حالة طويلة الأمد من عدم الاستقرار، وربما يمهد الطريق أمام تفكك البلاد.
- إعادة رسم التوازنات الإقليمية: قد تؤدي التدخلات الخارجية إلى تغييرات في ميزان القوى، مع تراجع نفوذ بعض الدول لصالح دول أخرى، مما ينعكس على المشهد السياسي في سوريا والمنطقة.
وتابعت أن سيناريو التدخل الخارجي وحرب الوكالة يعتبران أحد أكثر السيناريوهات المحتملة في حال استمرار حكم الجولاني، فهو قد يؤدي إلى تصعيد القتال، وخلق مزيد من الفوضى، وربما تمهيد الطريق أمام تفكك سوريا. يعتمد نجاح الجولاني في هذا السياق على قدرته على مواجهة الضغوط الداخلية والخارجية، وإدارة تداعيات التدخلات الأجنبية. ومع ذلك، فإن هذا السيناريو لا يحمل أي بوادر للاستقرار، بل قد يطيل أمد الأزمة السورية ويجعل معاناة الشعب السوري أكثر عمقا وتعقيدا.
واختتمت الصحيفة التقرير بالإشارة إلى أن حكم الجولاني في سوريا يواجه تحديات معقدة على المستويات الداخلية والإقليمية والدولية. قدرته على ترسيخ سلطته تعتمد على مهارته في إدارة هذه التحديات وتحقيق توازن دقيق بين القوى المتنافسة. في أفضل السيناريوهات، قد يتمكن من فرض نوع من الاستقرار النسبي، لكنه سيظل هشّا ومعرضا للاضطرابات. أما في أسوأ الحالات، فقد تنزلق سوريا إلى حالة من الفوضى المستمرة أو حتى خطر التفكك. في جميع الأحوال، يبدو أن مستقبل سوريا تحت حكم الجولاني محفوف بالمخاطر، يفتقر إلى الاستقرار، ويظل رهينة صراعات داخلية وخارجية لا يمكن التنبؤ بمآلاتها.