ترجمة: شروق السيد
تتناول الصحيفة الإيرانية “شبكه شرق” في تقريرها الأخير، التحولات الممكنة في العقيدة العسكرية الإيرانية، مشيرة إلى عدم تغيير العقيدة النووية التي تركز على الاستخدام السلمي، في حين يُتوقع أن تُدخل إيران تغييرات على مدى صواريخها الباليستية. يتناول التقرير الضغوط الداخلية والخارجية التي تدفع نحو إعادة تقييم هذه العقيدة، ويبرز تصريحات قادة إيران حول التوسع في القدرات الصاروخية الإيرانية.
كتبت وكالة أنباء “شبكه شرق“: عكس طلب تيار راديكالي في إيران تغيير “العقيدة النووية” الإيرانية والتوجه نحو القنبلة النووية كعامل ردع، تشير الأدلة إلى أن العقيدة النووية الإيرانية لن تتغير، لكن من المحتمل جدا أن تخضع العقيدة العسكرية الإيرانية في مجال الصواريخ لبعض التغييرات، هذا التغيير قد يزيد من مدى الصواريخ الإيرانية، بحيث تصبح الصواريخ عابرة للقارات، هذا التوسع في مدى الصواريخ الإيرانية لن يستهدف دول المنطقة أو حتى إسرائيل، ولن يكون موجها نحو الولايات المتحدة غربا أو الصين شرقا، بل سيضع الاتحاد الأوروبي تحديدا تحت مدى الصواريخ الإيرانية، فما الأدلة التي تخبرنا بأن هذا التغيير سيحدث قريبا؟
في هذا السياق، تحدث كمال خرازي، مستشار المرشد علي خامنئي، عن احتمال زيادة مدى الصواريخ، وأضاف: “حتى الآن، كنا نأخذ في الحسبان حساسية الغربيين، خاصةً الأوروبيين، في ما يتعلق بمدى الصواريخ، لكن عندما لا يأخذون حساسياتنا بعين الاعتبار، خاصة في موضوع وحدة الأراضي الإيرانية، فلا داعي لأن نأخذ حساسياتهم في الاعتبار، ومن ثم من المحتمل أن يزيد مدى الصواريخ الإيرانية”.
تغيير العقيدة النووية الإيرانية
منذ فترة طويلة، يسعى تيار داخل إيران للضغط على النظام لإلغاء فتوى القيادة بشأن “حرمة تصنيع أسلحة الدمار الشامل” ودفع إيران نحو تصنيع قنبلة نووية، من وجهة نظر هذا التيار، فإن إيران اليوم تتعرض لضغوط، ومن أجل التخلص من هذه الضغوط يمكنها بناء سلاح نووي لتخفيف الضغط، حتى الآن، لم ينجح هذا التيار، وأهم عقبة أمامه هي فتوى المرشد الأعلى بإيران.
تشير الخطابات الأخيرة للقيادة وتصريحات المسؤولين الحكوميين إلى أنه، إضافة إلى تأكيد استمرار العقيدة النووية الإيرانية في الاستخدام السلمي للبرنامج النووي، ستشهد السياسة الدفاعية الإيرانية في مجال “مدى الصواريخ الباليستية” تغييرا، سياسة تم تثبيتها منذ عام 2017 على مدى يصل إلى ألفي كيلومتر، وقد أشار المتحدث باسم وزارة الخارجية في آخر مؤتمر صحفي له، في 27 أكتوبر/تشرين الأول 2024، إلى فتوى المرشد، مؤكدا استمرار سياسة إيران في المجال النووي، حيث قال: “موقفنا من أسلحة الدمار الشامل واضح، نحن، ووفقا لفتوى أعلى سلطة دينية وسياسية في بلادنا، وبناءً على تقييمات منطقية، لا نؤمن بتوجه البرنامج النووي الإيراني نحو العسكرة، ونظل متمسكين بهذا المبدأ”، لذلك، يمكن القول إن سياسة إيران في هذا المجال لن تتغير. لكن لماذا ستتغير السياسة الدفاعية الإيرانية في ما يتعلق بمدى الصواريخ الباليستية؟”.
القيود الذاتية
كانت المرة الأولى في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2017، في فترة الاتفاق النووي، عندما أشار القائد السابق للحرس الثوري، عزيز جعفري، إلى تقييد إيران الطوعي لنفسها في مجال مدى الصواريخ، حيث قال: “مدى صواريخنا يبلغ ألفي كيلومتر، ويمكن زيادته، لكننا نعتبر أن هذه القدرة والمدى كافيان لإيران، لأن معظم المصالح والقوات الأمريكية تقع في هذا النطاق” منذ ذلك الحين، أصبح موضوع “مدى الصواريخ الإيرانية”، الذي توقف عند حدود الألفي كيلومتر، أحد أهم مواضيع السياسة الدفاعية الإيرانية، في ديسمبر/كانون الأول من العام التالي، أعلن اللواء حاجي زاده، قائد القوة الجوفضائية، أن تقييد مدى الألفي كيلومتر ليس وحيا من السماء، وقابل للتغيير: “نحن قادرون على تصنيع صواريخ بمدى أطول. مدى الألفي كيلومتر ليس مقدسا، لكن ما تم اتخاذه من قرارات حتى الآن يعتمد على احتياجاتنا”.
خلال الحرب الإيرانية العراقية، كان مدى المدفعية الإيرانية لا يتجاوز 35 كيلومترا، بينما كان الجيش العراقي يمتلك صواريخ سكود-بي الباليستية بمدى 300 كيلومتر، والتي استهدفت مدنا إيرانية بعمق، ما خلق توازنا جديدا في العام الأخير من الحرب، هذا الوضع تغير بشكل لا يمكن إنكاره في ما بعد.
في 1 أكتوبر/تشرين الأول 2024، نشرت BBC تقريرا مفصلا عن البرنامج الصاروخي الإيراني بعد هجوم “الوعد الصادق 2” على إسرائيل، ذكرت فيه أن مدى الصواريخ الإيرانية لا يمكن أن يصل إلى أوروبا حاليا، جاء في التقرير: “المدى الأقصى الفعلي للصواريخ التي تمتلكها إيران حاليا يتراوح بين ألفين وألفين وخمسمائة كيلومتر، ولا يمكنها استهداف الدول الأوروبية”.
وربطت “BBC فارسي” هذا التقييد في مدى الصواريخ بإرادة المرشد الإيراني، حيث كتبت: “تقول القوات المسلحة الإيرانية إن توصية المرشد الأعلى بإيران بأن لا يتجاوز مدى الصواريخ الإيرانية ألفي كيلومتر قد منعت إنتاج صواريخ أطول مدى، وقد قال المرشد إن لهذا القرار (سببا)، لكنه لم يُشر إلى السبب”.
تشير BBC إلى مقطع فيديو نُشر في 15 يونيو/حزيران 2021، على موقع المرشدالأعلى، وهو جزء من سلسلة وثائقية بعنوان “غير رسمي”، يتضح أن الفيديو يعود إلى لقاء القائد مع المسؤولين في عام 2017 ، حيث تطرق إلى فترة الحرب والوضع الحالي، وأشار إلى القيود على إنتاج الصواريخ التي يصل مدها إلى ألفي كيلومتر بقوله: “من حيث إنتاج الذخائر، كنا ننتج نوعين من القذائف، أما الآن فصواريخنا الباليستية بعيدة المدى تصل إلى ألفي كيلومتر، وقد قلت هذا الرقم، وإلا كانوا يريدون أن يصل المدى إلى أربعة أو خمسة آلاف كيلومتر، لكنني منعت ذلك وقلت إنه لا ينبغي أن يزيد المدى عن ألفي كيلومتر في الوقت الحالي”. وردا على أحد الحاضرين الذي سأله: “لماذا منعت ذلك؟”، أجاب القائد: “لأسباب معينة”.
زيادة مدى الصواريخ
اختتم تقرير موقع BBC في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2024، بإشارات توحي بانتظار تغيير في السياسة الدفاعية الإيرانية، حيث تساءلت BBC: “هل ستضطر إيران إلى زيادة مدى صواريخها لأجل ما سمته حتى الآن (الدفاع الفعّال والرادع) في برنامجها الصاروخي؟”.
مع هذه المقدمة، ينبغي النظر إلى ما ورد في ثنايا الخطاب الأخير للمرشد في 28 أكتوبر/تشرين الأول 2024.
في جانب من هذا الخطاب، تمت الإشارة إلى الحساسية المتعلقة بـ”مدى الصواريخ”، حيث ورد فيه: “البعض في تحليلاتهم المختلفة، يتوهمون بشكل غريب، أنه إذا أردنا أن يكون البلد في أمان، فيجب أن نتجنب أدوات القوة التي تستفز القوى الأخرى؛ مثلا: (ما الحاجة لأن نمتلك صواريخ بمدى معين بحيث تصبح الأمور حسّاسة؟!)، يظنون أنه بهذه الطريقة يمكن تأمين أمن البلد؛ أي إنهم يعتقدون أنه إذا أردتم أن يكون البلد آمنا، فعليكم أن تكونوا ضعفاء، وألا تجهزوا أنفسكم بأدوات القوة؛ البعض يحكم بهذه الطريقة؛ وهذا خطأ”. (جزء من خطاب المرشد الأعلى بإيران في لقاء مع عائلات شهداء الأمن 28 أكتوبر/تشرين الأول 2024).
في الوقت الذي يسعى فيه كثيرون لتغيير العقيدة النووية الإيرانية المستندة إلى فتوى المرشد حول حرمة تصنيع السلاح النووي، أو لتقديم هذه الفتوى على أنها مسألة شرعية وليست سياسية ودبلوماسية، أثبتت إيران أنها تولي أهمية كبيرة لهذه الفتوى، هذه الأهمية كافية لعدم حدوث أي تغيير في الفتوى من قبل المرشد، وتظل العقيدة النووية الإيرانية غير قابلة للتغيير حتى في مواجهة الضغوط الغربية.
ومع ذلك، فمن الإشارات الواردة في الخطاب الأخير، يمكن فهم أن القيود التي وُضعت على مدى الصواريخ الإيرانية في السنوات الأخيرة قد تتغير، ومن المحتمل أن يكون ذلك ردا على التعاون بين الولايات المتحدة والغرب مع إسرائيل في دعم الهجمات على إيران، وكذلك ردا على ضغوط الاتحاد الأوروبي المتعلقة بالعقوبات المفروضة على الخطوط الجوية الإيرانية.
تغيير في العقيدة الصاروخية
في هذا السياق، استفسرنا عن رأي رحمان قهرمان بور، الحاصل على الدكتوراه في العلاقات الدولية، حول احتمالية تغيير العقيدة الصاروخية الإيرانية، ويرى أنه “على الرغم من أن هذا الاحتمال ليس مستبعدا”، فإن “زيادة مدى الصواريخ” لا يمكن أن تعتبر “تغييرا في العقيدة الصاروخية الإيرانية”. ويشرح قهرمان بور في هذا السياق: “لقد استندت الاستراتيجية الدفاعية الإيرانية، لسنوات طويلة، إلى الدفاع الصاروخي، وأي تغيير في العقيدة الدفاعية الإيرانية يعني أننا قد نشهد الانتقال من الاستراتيجية الدفاعية الصاروخية إلى الدفاع البحري أو تغييرا في اختبار الصواريخ الباليستية العابرة للقارات”.
ووفقا لرأيه، “سنشهد هذا التغيير عندما تبدأ إيران اختبار صواريخ بمدى يتراوح بين 4500 و5000 كيلومتر؛ تماما مثلما حدث مؤخرا عندما أجرت الصين اختبارا لصاروخ عابر للقارات”.
يقول قهرمان بور: “وجهة نظري هي أن إيران لا تنوي حاليا تغيير عقيدتها الدفاعية، بمعنى أن العقيدة العسكرية الإيرانية لن تتحول من الدفاع إلى الهجوم، لأن إيران أعلنت منذ البداية أن الصواريخ التي تصنعها ذات طابع دفاعي، لكن قد تحدث تغييرات في نوع الصواريخ أو الطائرات المسيرة أو مدى الصواريخ، في حالة انتقالنا من الصواريخ المتوسطة المدى إلى الصواريخ بعيدة المدى، فمن المحتمل أن يؤدي ذلك إلى تغييرات أكثر أهمية”.
وعندما سُئل عن كون الجمهور المستهدف لزيادة مدى الصواريخ الإيرانية هو الاتحاد الأوروبي، أكد قهرمان بور أن “الأنظمة الدفاعية الموجودة حاليا في تركيا وبولندا، ونظام الدفاع بزاوية 360 درجة، تم إعدادها بناءً على احتمال التهديد الصاروخي الإيراني ضد الاتحاد الأوروبي”.
ومع ذلك، يعتقد أن “أول رسالة لزيادة مدى الصواريخ الإيرانية ستكون موجهة إلى الاتحاد الأوروبي، وأظن أن خلافاتنا الحالية مع أوروبا التي تفاقمت بعد حرب أوكرانيا ستزداد شدة، ومن ثم فإن زيادة مدى الصواريخ الباليستية الإيرانية ستؤدي حتما إلى زيادة عدم الثقة بين إيران وأوروبا، المعنى السياسي لهذا هو أن أوروبا ستقترب من الولايات المتحدة في المجال الدفاعي أكثر من السابق”.
كما يعتقد بور أن زيادة مدى الصواريخ الإيرانية لا يمكن أن تُعتبر أداة لـ”المساومة” في المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي، ويقول: “إذا وصلنا إلى المرحلة التي تشعر فيها أوروبا بعدم وجود إمكانية للتوصل إلى تسوية، فلن تؤدي زيادة مدى الصواريخ إلى دفع الطرف الآخر للجلوس إلى طاولة المفاوضات أو تقديم أي تنازل لإيران”.