كتبت: زينب بيه
قدّمت الحكومة الإيرانية لائحة إصلاحية لتعديل “قانون توظيف الشخصيات في المناصب الحساسة” إلى البرلمان، وهو قانون صيغ بوضوح لإقصاء محمد جواد ظريف، نائب الرئيس للشؤون الاستراتيجية، وربما أيضا لإبعاد علي لاريجاني، رئيس البرلمان السابق، من المؤسسات الرسمية، وذلك وفقا لتقرير صادر عن وكالة أنباء “خبر أونلاين” بتاريخ 10 سبتمبر/أيلول 2024.
وبعد استبعاد علي لاريجاني، الذي شغل منصب رئيس البرلمان لثلاث دورات، من انتخابات الرئاسة لعام 2021، تبادل الرسائل مع مجلس صيانة الدستور الإيراني حول هذا القرار، وفي أحد تصريحاته البارزة بالبرلمان قال: “قولوا بصراحةٍ إننا كنا نخطط لإقصائكم!”.
وأفادت “خبر أونلاين” بأن آلية إقصاء الشخصيات السياسية، التي باتت تُعرف بمصطلح “التصفية” في الأدب السياسي الإيراني، لم تقتصر فقط على مجلس صيانة الدستور وتوجهاته؛ فكما يمكن لهيئات “الرقابة الاستصوابية” رفض أو قبول شخصيات معينة بناءً على تفسيرها، فلماذا لا يُسن قانون يستهدف أفرادا محددين بشكل مباشر؟
ولهذا السبب، بادر البرلمان بصياغة قانون يُظهر بوضوح منذ مراجعته، أنه مصمم لإقصاء شخصيات مثل محمد جواد ظريف وعلي لاريجاني، حيث يُعتبر تعيينهما مخالفا لهذا القانون.
وفي الوقت الراهن، تحاول الحكومة الإيرانية من خلال هذه اللائحة الإصلاحية معالجة مسألة حظر تعيين الأشخاص الذين يحملون، أو يحمل أزواجهم أو أبناؤهم، جنسية مزدوجة، وذلك عبر تقديم استدلالات قانونية. وتهدف هذه اللائحة إلى تعديل نص القانون الذي وضعه المتشددون في البرلمان السابق، للحد من التفسيرات السياسية التي أثارت الجدل حول هذا البند، وتخفيف الضغط عن الحكومة في هذا الشأن.
علام ينص قانون توظيف الشخصيات في المناصب الحساسة؟
في أكتوبر/تشرين الأول عام 2022، أقر البرلمان التابع للحكومة السابقة مشروع قانون لتوظيف الشخصيات في المناصب الحساسة، حيث تمت الموافقة عليه بسهولة من قبل مجلس صيانة الدستور. وتعاون رئيس الحكومة آنذاك مع البرلمان الأصولي، وبعد فترة قصيرة من التصديق على القانون، تم إرساله للتنفيذ إلى السلطة القضائية، ووزارة الاستخبارات، والهيئة الإدارية والتوظيفية للدولة، ووزارة الدفاع ودعم القوات المسلحة، نقلا عن وكالة “خبر أونلاين”.
وفي 8 مايو/أيار 2024، أصدر محمد مخبر، نائب رئيس الجمهورية آنذاك، اللائحة التنفيذية لهذا القانون، وأُرسلت إلى الجهات المعنية. ورغم أن القانون تضمن عدة مواد وبنود، فإن جوهره كان يتمثل في بند رئيسي وهو: “منع توظيف الأفراد الذين يحملون أو يحمل أبناؤهم أو أزواجهم جنسية مزدوجة في المناصب الحساسة”.
وأضافت “خبر أونلاين” أن المواد المتبقية تضمنت قضايا تتعلق بـ”عدم الإيمان أو الالتزام بالإسلام ونظام الجمهورية الإسلامية وولاية الفقيه والدستور”، و”الأشخاص الذين كان لهم دور مؤثر في تعزيز النظام السابق”، و”الأفراد الذين ينتمون إلى أحزاب ومنظمات معارضة وغير قانونية”، إضافة إلى “المشتبه فيهم والمتهمين بالتجسس لصالح الأجانب” وغيرهم.
ومن خلال مراجعة نص القانون المذكور، يتضح أن “الجواسيس” أو “المدانين في قضايا تهريب المخدرات والعقاقير” لم يُوظفوا سابقا في المناصب الحساسة. وكانت القضية الأساسية تستهدف الشخصيات التي تنتمي إلى التيار الأصولي، حيث لم يكن هذا التيار يرغب في رؤية هؤلاء الأفراد يشغلون أي مواقع مؤثرة بهيئات صُنّاع القرار في إيران.
وقد استُخدم هذا البند كأداة للضغط على رئيس الجمهورية الإيرانية، مسعود بزشكيان، حتى قبل تشكيل حكومته؛ خوفا من أن يقوم بتعيين جواد ظريف في منصب حكومي.
مشروع القانون الإصلاحي ضد قانون التصفية
ومع ذلك، تبرز عدة نقاط قانونية هامة في التفسير التوضيحي للائحة الإصلاحية التي قدمتها الحكومة الحالية. أولا، تم تسليط الضوء على مسألة اكتساب الجنسية في الجمهورية الإيرانية، وتأكيد الأسس القانونية المتعلقة بذلك وفقا لمواد القانون المدني، لا سيما قانون “حق الدم وحق الأرض”، بحسب “خبر أونلاين”.
فوفقا للمادة 976 من القانون المدني، يُعتبر سكان إيران، باستثناء من تثبت لهم الجنسية الأجنبية، وأولئك الذين يعود أصل والدهم إلى إيران، مواطنين إيرانيين. كما تُفرض الجنسية الإيرانية على النساء الأجنبيات المتزوجات برجال إيرانيين. وفي العديد من الحالات، قد يحصل الأفراد على جنسية مزدوجة دون إرادتهم، نتيجة للتباين بين قوانين الجنسية في الدول المختلفة.
كما تنص المادة 989 من القانون المدني على أنه “يُمنع الإيرانيون الذين يكتسبون جنسية أجنبية دون الالتزام بالقوانين السارية من تولي المناصب والوظائف الحكومية”. وتشير اللائحة الإصلاحية إلى هذا التناقض بين القانون المدني والقانون الذي أقره البرلمان السابق، بخصوص تعيين الأفراد في المناصب الحساسة.
وتؤكد اللائحة أن هناك العديد من الحالات التي تُفرض فيها الجنسية المزدوجة أو تُكتسب بشكل غير اختياري، ما يجعل تعديل القانون أمرا ضروريا. بناءً على ذلك، اقترحت اللائحة تعديل البند (أ) من المادة الثانية في القانون الحالي، التي تمنع تعيين “الأشخاص الذين يحملون هم أو أبناؤهم أو أزواجهم جنسية مزدوجة”، لتقتصر على “الأشخاص الذين يمتلكون جنسية مزدوجة”. ومن خلال هذه اللائحة، يتم تقديم مُقترح لإصلاح هذا الإشكال.
موقف النواب من الجنسية المزدوجة
أرسلت الحكومة الحالية اللائحة الإصلاحية إلى البرلمان مع طلب الاستعجال، ولكن من المرجح أن البرلمان سيتجاهل مراجعتها إلى أقصى حد ممكن. ولا يمكن إنكار أنه قبل التصديق على هذا القانون، كانت هناك جهود ملموسة من التيار المعارض، وضمن ذلك شخصيات مثل علي لاريجاني ومحمد جواد ظريف وحسن روحاني- الرئيس الإيراني السابق- لإقصاء هؤلاء الأفراد بشكل منهجي، مع التركيز على مسألة الجنسية. والآن، يبدو أن النواب الشرعيين لن يترددوا في مواجهة أي تعديل لهذا القانون، خصوصا بعد أن تمكنت الحكومة الإيرانية، من خلال مشاورات متعددة، من تأكيد استمرار ظريف في الحكومة، مما أثار استياء المدافعين عن هذا القانون، الذين لن يسمحوا بإجراء أي تعديلات عليه بسهولة، نقلا عن وكالة “خبر أونلاين”.
ومن المهم أيضا أن نتذكر أن محمد جواد ظريف استقال بسبب ما وصفه بـ”الضغط على مسعود بزشكيان استنادا إلى هذا القانون”. وقد كتب حميد رسايي، ممثل طهران بالبرلمان وأحد أبرز منتقدي ظريف، في تدوينة على منصة “إكس”: “حضرَ وزير الاستخبارات إلى اللجنة وأجاب عن سؤالي قائلا: كان رأي الرئيس أنه لا حاجة للتحقق عند تعيين النواب، واستقال جواد ظريف بعد إجراء التحريات بسبب جنسية ابنه”. وأكد رسايي أنه تم التحقق من جميع الأشخاص المقترحين لتولي المناصب، ومن المؤكد أنه سيتم الالتزام بقانون تعيين الأشخاص في المناصب الحساسة.
وأضافت “خبر أونلاين”، أنه خلال الجلسة العلنية للبرلمان يوم الأربعاء 9 أكتوبر/تشرين الأول، أبدى رسايي موقفا معارضا لإصلاح هذا القانون، حيث أشار إلى أن “الرئيس، رغم النص الصريح للقانون، قام بتعيين ظريف نائبا للرئيس رغم أن ابنه يحمل الجنسية الأمريكية”. وأضاف: “استقال ظريف بسبب ملاحظات النواب، لكنه عاد إلى عمله مرة أخرى بسبب الضغوطات”.
وأشار رسايي أيضا إلى موضوع إرسال اللائحة الإصلاحية لهذا القانون إلى البرلمان، وهدد بتقديم شكوى قضائية، قائلا: “تم الطلب من الرئيس الالتزام بالقانون، لكنه، من أجل شخص واحد، حذف قيدا من اللائحة وأعادها مرة أخرى إلى البرلمان. وقد طلب 40 نائبا من لجنة الأمن القومي معالجة المسألة، حيث تنتهي المهلة المحددة بـ10 أيام يوم السبت المقبل”، مؤكدا أنه إذا أثبتت الجلسة وجود انتهاك، فسيتم إحالة القضية إلى السلطة القضائية.
تصدي التيار الأصولي للقانون المعارض لظريف
سعى البرلمان الإيراني، رغم حصوله على ثقة كاملة من الحكومة المقترحة لمسعود بزشكیان، إلى تقديم نفسه كحليف للحكومة الحالية. ومع ذلك، عاد إلى موقفه السابق من خلال معارضته استقالة عبد الكريم حسين زاده -نائب الرئيس لشؤون تنمية القرى والمناطق النائية- من البرلمان للانضمام إلى الحكومة”، بحسب “خبر أونلاين”.
ويتحدد مصير اللائحة الإصلاحية في البرلمان بناءً على النزاع بين تيار محمد باقر قاليباف، رئيس البرلمان، إذا ما قرر دعم الحكومة، والقوى المتشددة من التيار الأصولي. ومن المؤكد أن ممثلين في البرلمان، مثل حميد رسايي، وأمير حسين ثابتي، ومحمود نبويان، وغيرهم من الممثلين القريبين من توجهات جبهة الصمود، لن يترددوا في معارضة أي تعديل على القانون الموجه ضد ظريف. ومع ذلك، فإن من الضروري الانتظار ومراقبة تأثير تنظيم هذا التيار في البرلمان وما قد يطرحه من آراء.