كتب: محمد بركات
استمرارا لهجومها الشديد على مسؤولي حكومة مسعود بزشكيان، الرئيس الإيراني، بسبب رغبتهم في الانضمام لمجموعة العمل المالي المشترك، كتبت صحيفة كيهان ذات التوجهات الأصولية في مقالها الافتتاحي تحت عنوان “لم لا تنتبهوا”، والذي تحدث عن أثر الإعلام والحرب النفسية في وقت الأزمات، تنتقد بشدةٍ دعاة الانضمام إلى تلك المنظمة والذين وصفتهم بأنهم مساعدو النظام الصهيوني، حيث قالت إنه “في الوقت الذي نقف فيه الآن وسط أكبر معركة بين الحق والباطل والتي يعتقد كثيرون أنها ستحدد مصير أمور عديدة، وضمن ذلك مصير المنطقة، أعاد البعض طرح موضوع مجموعة العمل المالي، وهو موضوع لم يتوقف عن التردد على ألسنتهم وأقلامهم منذ أيام، حتى إن بعضهم قد كتب أن الوفاق الوطني لن يتحقق من دونه، فدائما يقولون إنه يجب حل هذه المشكلة للتغلب على عديد من المشاكل الاقتصادية، وحتى غير الاقتصادية، التي تواجه البلاد.
من جهة أخرى، يعد أحد أهم أسباب معارضي FATF أن تعريف مجموعة العمل المالي للإرهاب يختلف عن تعريفنا له؛ فوفقا لتعريفهم، يعتبرون أن الحرس الثوري الإيراني، وحزب الله اللبناني، والمقاتلين الفلسطينيين إرهابيون! إضافة إلى أن الولايات المتحدة والكيان الصهيوني لهما نفوذ كبير في هذه المجموعة، في حين أن مارشال بيلينغسلي، الرئيس السابق للمجموعة، اعترف بشكل واضح خلال جلسة استماع في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي، بأن “لدينا تعاونا وثيقا مع إسرائيل والسعودية لمواجهة إيران”. كما أكد ماثيو ليفيت، مدير برنامج مكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لشؤون الشرق الأدنى مؤخرا أنه “يجب تعزيز الرقابة التي تفرضها المجموعة على الأنشطة الدولية لإيران، وإحدى طرق إضعاف المجموعات التابعة لإيران، محاور المقاومة، وتعزيز الحروب بالوكالة، هي زيادة الرقابة على الأنشطة المصرفية لإيران”، وذلك وفقا للمقال المنشور في الصحيفة بتاريخ 8 أكتوبر/تشرين الأول.
ويكمل المقال: “هل من الصدفة أن يتم طرح موضوع مجموعة العمل المالي، الذي عندما تم تنفيذ 39 مطلبا من إجمالي 41 من مطالبه في عهد حكومة روحاني تعرضت البلاد لأضرار آثارها باقية حتى الآن، في خضم حرب كبيرة ومصيرية؟ بعض الأشخاص في إيران، سواء بسبب الجهل أو لأي سبب آخر، بدأوا محاولات مشبوهة لإحياء هذا الموضوع الميت، الذي هدفه الأول والأخير، سواء كانوا يدركون ذلك أم لا، هو إضعاف محور المقاومة في وسط المعركة. هل هناك خدمة أوضح من هذه للكيان الصهيوني؟!”.
وفي عددها السابق، انتقدت الصحيفة تصريحات عبد الناصر همتي، وزير الاقتصاد الإيراني، وذلك بعد أن كتب تغريدة على حسابه بمنصة إكس، قال فيها: “نظرا إلى الجهود المتكررة التي يبذلها أعداء البلاد لفرض قيود مالية على إيران، والتي تُعدّ أحد العوامل المؤثرة في فرض العقوبات على إيران، قدمتُ صباح 5 أكتوبر/تشرين الأول، تقريرا إلى رئيس الجمهورية حول الوضع الحالي والإجراءات الضرورية لتطبيع ملف إيران في منظمة العمل المالي المشترك”، حيث قالت: “إن وزير الاقتصاد، ورغم يقينه بأن مشكلاتنا الاقتصادية نابعة من الاحتكار والجمود الداخلي في الاقتصاد، وفي الوقت الذي تمر فيه البلاد بمرحلة حساسة للغاية لتثبيت موقعها في النظام العالمي الجديد، قد ترك القضايا الأساسية وركز على موضوع جانبي وفاشل وهو الانضمام إلى مجموعة العمل المالي، ومن الجدير بالذكر أنه منذ بداية عمل الحكومة الرابعة عشرة، حكومة بزشكيان، تزايد الحديث في وسائل الإعلام، عن حل قضية مجموعة العمل المالي والانضمام إليها، ومؤخرا أصدر رئيس الجمهورية توجيهاته بمتابعة هذا الموضوع”، وذلك وفقا لمقال الصحيفة المنشور في 7 أكتوبر/تشرين الأول.
ويكمل المقال: “بحسب رأي الخبراء، فإن نظامنا المصرفي غير قادر على التعاون مع النظام المصرفي العالمي بسبب مشكلات أكبر من مجرد الانضمام لمؤسسة، فقد صرح ولي الله سيف، رئيس البنك المركزي بحكومة حسن روحاني، في هذا السياق قائلا: “لنفترض أن العقوبات قد رفعت بين ليلة وضحاها وتم حل قضية FATF، فإننا بسبب عدم مراعاة معايير الحوكمة المؤسسية ونسبنا المالية، لن نكون قادرين على التعاون مع النظام المصرفي العالمي، والمشكلات الداخلية ستكون عائقا، إن إعادة فتح موضوع الانضمام إلى FATF وحل القضايا مع العالم، رغم أنه قد يبدو صحيحا وجميلا، فإنه قد يعيد البلاد مرة أخرى إلى معوقات التسعينيات، ولذلك فإن دروس الماضي يمكن أن تكون مرشدا كبيرا لنا اليوم”. وقد شرح العديد من المسؤولين ذوي الخبرة الكبيرة في ساحة الاقتصاد المشاكل الأساسية والفرعية للاقتصاد في البلاد، من ضمنه كان علي فكري، رئيس منظمة الاستثمار والمساعدات الاقتصادية والفنية في إيران، حيث صرح مؤخرا: “بالنظر إلى الاستراتيجيات التي تم اختيارها خلال السنوات الثلاث الماضية، فقد تضاعفت الاستثمارات الأجنبية في إيران، على أن هناك بعض القضايا التي تطرح بشكل غريب وليس في محله، من بينها موضوع FATF”.
وجاء في التقرير: “جدير بالذكر أن الحكومة الرابعة عشرة كانت قد أكدت أنها ستلجأ إلى الخبراء لحل المشاكل، ولكن اتضح الآن أن بعض المديرين والخبراء الذين تم الاستعانة بهم قد وصلوا إلى طريق مسدود، وبدأوا في طرح خطط مكررة، قديمة وفاشلة، وعلى الحكومة أن تكف عن الدوران في تلك الدائرة المفرغة. إن الحكومات الإصلاحية لم تكن لتجرؤ على مواجهة الأفراد والتيارات النافذة التي تتضارب مصالحها مع مصالح الوطن، بل كانت في بعض الأحيان جزءا من تلك التيارات، وانخرطت في طرح قضايا جانبية مثل الاتفاق النووي ومجموعة العمل لخدمة تلك التيارات، لذلك، يجب على الجهات الرقابية والأمنية والقضائية، بصفتها المدعي العام، أن تتخذ إجراءات لإزالة العقبات في الاقتصاد، حتى تتحقق سياسة الخصخصة وتنفيذ سياسات المادة 44 والاقتصاد المقاوم، ويصبح الاقتصاد أكثر شعبية ويُحلَ مشاكلُه. من جهة أخرى، يجب التذكير بأنه في ظل الظروف الحساسة والاضطرابات الإقليمية، ينبغي أن يكون اهتمام جميع المسؤولين، وضمن ذلك الحكومة التي جاءت بشعار الوحدة، منصبّا على تعزيز التعاون وتقوية محور المقاومة. ولا يجب على الحكومة وشخص الرئيس أن يسمحا بأن تتحول بعض الأفكار الفاشلة والمواضيع الجانبية التي تستهدف محور المقاومة إلى قضية أساسية للحكومة في هذه الظروف الحساسة”.
هل سيكمل بزشكيان طريق الانضمام لمجوعة العمل أم لا؟
كان بزشكيان قد صرح خلال أول لقاء صحفي له مع الإعلام الإيراني، بأنه لا مفر من حل موضوع مجموعة العمل المشترك، حيث قال: “ليس لدينا خيار سوى حل قضية مجموعة العمل المالي المشترك، سأكتب بالتأكيد رسالة إلى مجمع تشخيص مصلحة النظام ليتم إدراج هذا الموضوع مرة أخرى ضمن جدول أعماله؛ حتى نتمكن من حله، ويجب علينا حله..”، وذلك وفقا لتقرير وكالة بارسينه الإخبارية الإيرانية بتاريخ 16 سبتمبر/أيلول. وهو الأمر الذي أكده محمد جعفر قائم بناه، النائب الأول لرئيس الجمهورية، حيث قال إنه “سيتم إرسال رسالة تنسيق لتفعيل عضوية إيران في مجموعة العمل المالي إلى مجمع تشخيص مصلحة النظام، ويبدو أنه سيتم التوصل إلى توافق داخلي في هذا الصدد”، وذلك وفقا لما أفادت به وكالة جماران الإخبارية الإيرانية بتاريخ 2 أكتوبر/تشرين الأول.
وعلى الجانب الآخر، صرح قربان علي آبادي، عضو مجمع تشخيص مصلحة النظام، بأنه لا يعلم شيئا بخصوص رسالة رئيس الجمهورية إلى المجمع بشأن إعادة النظر في مجموعة العمل المالي، وفي الإطار نفسه أعلن علي رضا سليمي، المتحدث باسم هيئة رئاسة البرلمان، أن مشاريع مثل باليرمو وCFT يجب أن تُرسل إلى البرلمان؛ للبحث والدراسة قبل البت في أي شيء، وذلك وفقا لتقرير موقع فرا رو الإخباري الإيراني الصادر بتاريخ 7 أكتوبر/تشرين الأول.
وفقا للدستور الإيراني، فإن الانضمام إلى مجموعة العمل المالي أو أي منظمة دولية ليس قرارا يُتخذ من قبل الحكومة وحدها فحسب، وإنما يتطلب تعاونا من مختلف المؤسسات التشريعية والتنفيذية في إيران، وعلى هذا، فلا يمكن الجزم بما إذا كان بزشكيان سيستطيع أن يكمل مسار الانضمام لتلك المؤسسة أم لا.