ترجمة: شروق السيد
سلطت الصحيفة الإيرانية “هم ميهن”، الضوء على وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، واصفةً إياه بأنه يختبئ خلف كواليس السياسة الدولية، تاركا بصماته في كل زاوية من العالم.
كتبت الصحيفة الإيرانية “هم ميهن” يوم الخميس 26 ديسمبر/كانون الأول 2024:
منذ عام تقريبا، تولى هاكان فيدان قيادة السياسة الخارجية لتركيا، كدولة تلعب دورا حيويا على الساحة العالمية وتعتبر جسرا بين الشرق والغرب، منذ فوز رجب طيب أردوغان في الانتخابات الرئاسية في مايو/أيار 2023، ظهر فيدان، الذي كان أصغر ضابط استخبارات سابق وله نفوذ كبير وراء كواليس صنع السياسات في تركيا، ليقود جهاز الدبلوماسية في البلاد.
وتابعت: قبل ذلك، كان فيدان رئيسا للمخابرات الوطنية التركية (MIT) حتى عام 2010، وكان لديه بعض الخبرة في المجال الدبلوماسي، في السنوات الأخيرة، رافق أردوغان ووزير الخارجية التركي السابق مولود جاويش أوغلو في عدة رحلات خارجية، لا سيما إلى واشنطن وموسكو، وكان يتعامل كضابط استخبارات في الدبلوماسية خلف الكواليس مع حلفاء وأعداء تركيا في جميع أنحاء العالم.
وأضافت: يُعرف فيدان بعلاقاته الدولية الواسعة، ويعتبر المصمم الأول للبرنامج الاستراتيجي لتركيا في عالم السياسات العالمية المعقدة والحساسة.
فيدان، البالغ من العمر 54 عاما، هو أحد الموثوقين القلائل لدى الرئيس التركي، ومنذ أن أصبح أردوغان رئيسا للوزراء في عام 2003، شغل فيدان عدة مناصب بالحكومة التركية، قبل أن يصبح رئيسا للمخابرات التركية، جذب فيدان الأنظار عندما عمل ممثلا خاصا لأردوغان، رئيس الوزراء آنذاك، في عملية السلام بين حزب العمال الكردستاني (PKK) والحكومة التركية.
وأضافت: على الرغم من أن فيدان ينحدر من والد كردي، فإنه لعب دورا أساسيا في محاربة الجماعات الكردية السورية. في عام 2009، شارك مع أمره تانر، سلفه في جهاز المخابرات التركية، ومسؤولين آخرين في مفاوضات مع قادة حزب العمال الكردستاني، استمرت مفاوضات السلام حتى عام 2015 وكان الهدف منها إيجاد حل للنزاع المستمر منذ عقود، مع الأكراد ونزع سلاح هذه الجماعات التي تقاتل ضد الحكومة التركية من أجل تحقيق الحكم الذاتي.
وتابعت: لم يتوانَ فيدان قط عن بذل أي جهد لملاحقة قادة حزب العمال الكردستاني (PKK) وأنصار فتح الله غولن، بعد انهيار مفاوضات السلام في عام 2015، أصبح نهج أنقرة تجاه القضية الكردية أكثر هجومية، وبدأت المواجهات مع المتمردين الأكراد في جنوب شرقي تركيا وكذلك في شمال العراق وشمال شرقي سوريا.
وأضافت الصحيفة: بدأت فترة رئاسة فيدان لجهاز المخابرات التركية بتقلبات كبيرة، فقد نشرت مجموعة من التقارير في وسائل الإعلام الغربية والإسرائيلية التي شككت في ولائه لشركاء تركيا التقليديين مثل الولايات المتحدة وإسرائيل.
في ما بعد، رد وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك، إيهود باراك، بشكل علني على تعيين فيدان على رأس جهاز المخابرات التركي، وأشار باراك إلى دور فيدان في مجلس إدارة الوكالة الدولية للطاقة الذرية منذ عام 2008 حتى توليه رئاسة جهاز المخابرات، واتهمه بعلاقات وثيقة مع إيران.
ومع ذلك، في السنوات الأخيرة من خدمته، شهد باراك شخصيا كيف أصبح جهاز المخابرات “ميت” القناة الوحيدة للحوار بين تركيا وإسرائيل وبقية القوى الإقليمية.
وأردفت: كما التقى فيدان في عام 2022، عدة مرات مع نظرائه السوريين في إطار المفاوضات السياسية بين كبار المسؤولين الأتراك والسوريين بوساطة روسية، عندما تولى فيدان رئاسة جهاز المخابرات، كان على دراية بنظام المعلومات الاستخباراتية، لديه تعليم عسكري وقد خدم كضابط في الجيش بقيادة العمليات الاستخباراتية لـ”القوات الخاصة لحلف الناتو” في ألمانيا.
وتابعت: أول منصب حكومي لفيدان كان رئاسة وكالة المساعدات الدولية التركية (TIKA) في عام 2003، حيث بقي في هذا المنصب حتى عام 2007 عندما أصبح نائب رئيس الوزراء آنذاك والمبعوث الخاص له.
وأضافت: اليوم، أصبح منصب وزير الخارجية فرصة حيوية لفيدان ليترك بصمته الدائمة على الساحة العالمية، أصبح اسمه يظهر في جميع الصحف، وهو اليوم يدعم علنا جميع العمليات التي بدأها هو شخصيا، بهدف تقليل الفجوة بين جمع المعلومات السرية وصنع السياسات.
وأشارت الصحيفة إلى مقال كتبته غوني يلدز، الباحثة والصحفية في مجلة فوربس، ذكرت فيه أنه خلال فترة عملها صحفية في “بي بي سي نيوز”، ومستشارة خاصة في لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان البريطاني، ومحللة في أحد مراكز الفكر، أتيحت لها الفرصة للتفاعل مع مجموعة من الشخصيات المؤثرة، ورؤساء الدول، وكبار ضباط المخابرات، والوزراء، والسياسيين من جميع أنحاء العالم.
خلال تلك الفترة، لاحظت أن العديد من هؤلاء الأشخاص كانوا يعملون مباشرة مع فيدان أو يتعاملون معه، وكانوا على اتصال به في مناطق مختلفة من باكستان إلى الشرق الأوسط، وأوروبا، وأمريكا.
كتبت يلدز أن موضوع هذه المحادثات كان، لا محالة، يميل نحو السياسة الخارجية التركية وأفعالها التي تمتد إلى ما وراء حدودها. وفقا ليلدز، كان يتم الاعتراف بأهمية جهاز المخابرات التركي كيدٍ خفية توجه مسار الأفعال العالمية لتركيا.
وفي سياق آخر تقول الصحيفة الإيرانية: تعرف تركيا بتقنيتها في مجال الطائرات المسيّرة (الدرونز)، ومع ذلك، فإنَّ نبض هذا النجاح ينبض بتنسيق مع عملاء الاستخبارات، فالمعلومات السرية هي التي يتم جمعها بجدية واجتهاد، وتُطور استراتيجيا مع أشخاص مثل فيدان، مما يعزز القدرة العسكرية التركية.
وتضيف الصحيفة: بصفته رئيسا سابقا لجهاز الاستخبارات التركي، ترك فيدان بصماته في مناطق مختلفة من الشرق الأوسط إلى أوروبا، ومن أفريقيا إلى روسيا، كان جهاز الاستخبارات الذي كان يديره يجمع المعلومات ويعزز نفوذ تركيا في هذه المناطق.
التجارب الدبلوماسية والسياسية والعسكرية
وتابعت: بدأ فيدان عمله في عام 2003، رئيسا لـ”وكالة التعاون والتنسيق التركية”، وهي الهيئة الحكومية الرئيسية التي تقدم المساعدات الإنسانية والتنموية للدول والمجتمعات العالمية، ثم في عام 2007 تولى منصب نائب رئيس الوزراء وكان مسؤولا عن توجيه السياسة الخارجية والأمن الدولي، في هذه الفترة، كان ممثلا لأردوغان، رئيس الوزراء آنذاك، وشارك في اجتماعات حول القضايا النووية وكان يمثل تركيا في مجلس إدارة الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وأضافت الصحيفة: في عام 2009، وبينما كانت أنقرة تسعى لتقريب العلاقات بين الغرب وطهران في قضية البرنامج النووي الإيراني، لعب هاکان فيدان دورا مهما في هذه الوساطة ودافع عن حق إيران في امتلاك برنامج نووي للأغراض السلمية، في عام 2013، بعد نشر مقال بصحيفة واشنطن بوست، أصبح هاکان فيدان موضوعا مثيرا للجدل في تركيا.
وتابعت الصحيفة في سياق آخر: تحصيلات هاکان فیدان الأكاديمية لافتة للنظر أيضا، لقد درس في مجال العلوم السياسية والحكم بجامعة ماريلاند في الولايات المتحدة، وحصل على درجة الماجستير من جامعة بيلكنت في أنقرة، وقدّم أطروحة بعنوان “دور المعلومات السرية في السياسة الخارجية”، كما خصص أطروحة الدكتوراه لـ”الدبلوماسية في عصر المعلومات: استخدام تكنولوجيا المعلومات في التحقق من المعاهدات”.
وتابعت الصحيفة: بعد إتمام دراسته، تابع فیدان دراساته الأكاديمية في مجال الأمن الدولي والتنمية الدولية والسياسة الخارجية لتركيا، قدم محاضرات بالجامعات في مجال العلاقات الدولية.
فیدان.. خليفة أردوغان؟
وأضافت قائلة: يتمتع فیدان في سن الـ54 بميزة نادرة في تركيا: فهو لا يعرف الجيش فقط بشكل جيد، بل أيضا الأسرار والتفاصيل الدقيقة للحكومة والإدارة.
ظل هاکان فیدان في الظل لمدة 13 عاما، وكان دائما حاضرا في الاجتماعات والمفاوضات السرية والصور الرسمية، ولكن مع الحفاظ على مسافة آمنة، عندما كان رجب طيب أردوغان يزور الخارج برفقة مولود جاويش أوغلو، وزير الخارجية آنذاك، كان فیدان أحد الشخصيات المرافقة في الوفد الدبلوماسي التركي؛ كان “سلطان السياسة في الظل” بتركيا والذي كان غير مرئي وفعالا في الوقت ذاته.
وأردفت الصحيفة: يمكن اعتبار فیدان من أقرب الأشخاص إلى أردوغان، ومن الممكن القول إن فیدان يعد ثاني أقوى سياسي في تركيا بعد أردوغان، فیدان هو أكثر الأشخاص وفاء لأردوغان، وقد أدار العمليات السرية لتركيا، ويمكن اعتباره خليفة محتملا لأردوغان في انتخابات 2028، كان فیدان يُقدّم التقارير المباشرة لأردوغان عن القضايا الحساسة، وقد وصفه أردوغان ذات مرة بـ”الصندوق الأسود” الخاص به.
في تصريحات أخيرة لافتة، تصدرت الصحف التركية وأثارت دهشة العواصم الغربية، قال فیدان إن الأنشطة الإنسانية التي تقودها الولايات المتحدة في غزة والتي تم تأسيسها في قبرص، هي في الواقع تغطية لعمليات عسكرية. وفي مقابلة أخرى، حذر قائلا: “في تلك المنطقة، تُجرى الأنشطة العسكرية بجدية، وعندما تصبح جزءا من الحروب المستمرة في الشرق الأوسط، فإنك تلعب بالنار، وهذه النار ستصيبك”.
وتابعت الصحيفة: لطالما كانت الاتهامات الحادة من العوامل التي ساعدت رجب طيب أردوغان في الحفاظ على السلطة، ولكن بعد عام من وصول فیدان إلى السلطة، يبدو أن الرئيس التركي قد تبنّى موقفا أكثر جرأة.
وأضافت: فقد زادت واشنطن من تعاونها العسكري مع قبرص واليونان، ومن ثم كانت الاتهامات التي أطلقها فیدان بمثابة إشارة كبيرة إلى حلفاء تركيا في الناتو، جاءت هذه التصريحات بعد فترة وجيزة من زيارة فیدان لمنطقة شينجيانغ الصينية، حيث ناقش “الثقافات التركية والإسلامية القديمة”، وهي آراء تتعارض مع الموقف الصيني الذي ينفي أن يكون الأويغور من الأتراك ويعتبرهم ذوي جذور صينية عميقة.
وتابعت الصحيفة قائلة: في أطروحته التي تناول فيها تأثير المعلومات على السياسة الخارجية، أشار إلى وكالة الاستخبارات الأمريكية (CIA) والمخابرات البريطانية (MI6) كنماذج لتركيا، ومع ذلك، يمكن الجدال بأن فِيدان، بصفته رئيس جهاز المخابرات التركي منذ عام 2010 حتى منتصف عام 2023، كان جزءا من السبب وراء تحول تركيا بعيدا عن الغرب وحلفائها.
في فترة رئاسته، تعاون جهاز الاستخبارات التركي (MIT) مع المعارضة المسلحة السورية، تحت إشرافه، ابتعدت أنقرة عن التعاون العسكري مع الولايات المتحدة وإسرائيل ووضعت علاقات أقوى مع إيران.
وخلال 13 عاما، حول فِيدان جهاز المخابرات إلى مؤسسة قوية وموثوقة ومرنة، وهو أمر نادر في حكومة تركيا. في العام الماضي، سعى لتنفيذ هذه الاستراتيجية نفسها في وزارة الخارجية بهدف تعزيز مكانة تركيا كلاعب قوة في عالم متعدد الأقطاب.
وتابعت الصحيفة: وفقا للتقارير، يشجع فِيدان الدبلوماسيين الأتراك على تجنب الزواج من مواطنين أجانب بحجة أن ذلك قد يشكل تهديدا أمنيا، عمل على تعزيز وإصلاح مكانة المتحدث باسم وزارة الخارجية وجهاز الاتصال الحكومي، وضم جميع فروع السياسة الخارجية، وضمن ذلك الجيش والدفاع الداخلي، تحت مظلة هذه الوزارة.
كما قام بتأميم خدمات تأشيرات تركيا في جميع أنحاء العالم لزيادة إيرادات الوزارة. في النهاية، أسس فِيدان قسما جديدا للأمن والاستخبارات وعيّن سفيرا لشؤون آسيا الوسطى والتركمان، في تأكيد لجهود أنقرة لتوسيع نفوذها في البلدان الناطقة بالتركية.
خارج تركيا، هناك إنجازان مهمان لفِيدان؛ الأول هو موافقة تركيا على انضمام السويد إلى حلف الناتو مقابل الحصول على طائرات مقاتلة من طراز إف-16 والحصول على امتيازات من ستوكهولم، والثاني هو مواصلة خلق التوازن بين روسيا وأوكرانيا وإيجاد طريقة لاستمرار صادرات الحبوب الأوكرانية.
في الأشهر الأخيرة، كان الحديث عن رئاسة فِيدان موضوعا مثيرا للجدل، من المؤكد أنه قادر على تولي هذا المنصب، ويبدو أن الأتراك راضون عن أداء وزير خارجيتهم.
واختتمت الصحيفة: على الرغم من ذلك، فقد حاول فقط مرة واحدة في بداية عام 2005 الترشح لمناصب انتخابية، وبعد أن قال أردوغان بشكل صريح، إنه يجب أن يبقى في منصب رئيس جهاز المخابرات، أنهى حملته الانتخابية. وفي العام الماضي، أصبح فِيدان أكثر ظهورا، واستمرار هذا المسار قد يجعله شخصية معروفة بين الشعب في انتخابات 2028.