ترجمة: شروق السيد
انتقدت صحيفة “كيهان” الإيرانية الأصولية الناطقة بلسان حال المرشد الإيراني، في تقرير لها يوم الثلاثاء 31 ديسمبر/كانون الأول 2024، ما وصفته بغياب الاستراتيجيات طويلة الأمد في السياسة الخارجية الإيرانية، معتبرةً أن تغيّر السياسات مع تغيّر الحكومات أدى إلى تراجع كفاءة الدبلوماسية الإيرانية.
وذكرت الصحيفة في تقريرها: “تركز بعض وسائل الإعلام الإيرانية، وبعض الشخصيات الشهيرة في التيار الإصلاحي المتأثر بالغرب، على كسر التابوهات بشأن التفاوض مع ترامب، يأتي ذلك في ظل وجود تراكم من التجارب الفاشلة للتفاوض وحسن النية تجاه الأطراف الغربية وخداعهم ونقضهم للعهود، وهو أمر يواجه أي صانع قرار سياسي”.
وأضافت أن هذا التيار يحاول فرض رؤية وسياسة الاتفاق النووي (برجام) على مسار اتخاذ القرار في الحكومة الرابعة عشرة (الحكومة الحالية لمسعود بزشكيان)، في وقت أكد فيه المرشد مرارا، في خطبه خلال السنوات الأخيرة من حكومة حسن روحاني، وفي مناسبات أخرى، ضرورة أخذ العبر من التاريخ والتعلم من الدروس السابقة.
وتابعت أنه بعيدا عن أن داعمي الدبلوماسية المرتبطة بالاتفاق النووي يتجنبون الإجابة عن السؤال الأساسي حول ضمان عدم تكرار نهج نقض العهود من جانب الولايات المتحدة، هناك انتقاد كبير يُوجّه إلى السياسة الخارجية لإيران وهو غياب وجود مسارات وخطوط سياسات واضحة وتحديد آفاق طويلة الأمد يمكنها، إلى جانب تحقيق المصالح الوطنية، أن تعزز القوة الدولية.
وأردفت الصحيفة: “في الأساس، النظر إلى النهج المختلف والمتضارب للحكومات الإيرانية خلال العقود الأربعة الماضية، وتغيير السياسات الكبرى مع تغير الحكومات في مجال السياسة الخارجية، يُعتبر أحد الأسباب الرئيسية لعدم كفاءة الدبلوماسية والسياسة الخارجية لإيران”.
وأوضحت الصحيفة: “يكفي إلقاء نظرة سريعة على نهج الحكومات من السابعة حتى الرابعة عشرة (من حكومة الرئيس الأسبق محمد خاتمي إلى الحكومة الحالية لمسعود بزشكيان) وآراء آخر 5 رؤساء في إيران (محمد خاتمي، أحمدي نجاد، حسن روحاني، إبراهيم رئيسي، ومسعود بزشكيان)، لندرك التحولات الكبيرة في مجال السياسة الخارجية الشاملة، هذه المراجعة تُظهر انقطاعا في متابعة المسارات الأساسية المستندة إلى الثورة الإسلامية، بسبب تغيّر مواقف الحكومات بمقدار 180 درجة.
كما حدث خلال الحكومتين الحادية عشرة والثانية عشرة (حكومة حسن روحاني)، عندما تم تجاهل العديد من استراتيجيات إيران الأساسية في مجال السياسة الخارجية بسبب سياسات الاتفاق النووي (برجام)، واليوم يُخشى بشكل أكبر، من هيمنة الفكر المرتبط بالاتفاق النووي على الحكومة الرابعة عشرة (الحكومة الحالية لمسعود بزشكيان).
وأضافت: “يُخشى اليوم، أكثر من أي وقت مضى، أن تُضحي مسارات تعزيز التعاون مع القوى العالمية الناشئة والجبهة الجديدة للقدرة في تحالفات مثل (بريكس) و(شنغهاي) وغيرها من مسارات التعاون غير الغربية، بفرص ضئيلة وشاقة لإقامة علاقات مع الغرب، على الرغم من النظرة الإيجابية إلى بزشكيان تجاه الفرص الواسعة للعالم غير الغربي، بسبب الهجمة الإعلامية والوجود المكثف للتيار المؤيد للغرب داخل الحكومة”.
وتابعت الصحيفة: “تكمن أهمية هذا الموضوع في أن العديد من الدول التي كانت تقدم نفسها ضمن المعسكر الغربي والمتحالفة مع سياسات الكتلة الغربية، باتت اليوم تسعى بشغف للانضمام إلى التحالفات غير الغربية واستغلال الفرص المتنامية للتعاون ضمن الجبهة الجديدة للقوة العالمية”.
والنظر إلى تجارب الدول الأخرى، واستراتيجياتها طويلة الأمد، وتعريفها العملي لأهدافها ومخاطرها وتهديداتها وتوجهات سياستها الخارجية الشاملة، يُظهر أن السياسات طويلة الأمد قد ساهمت بشكل كبير في تعزيز القوة الوطنية لتلك الدول.
وواصلت الصحيفة: “هذه الدول، من خلال تحديد وثائق الرؤية المستقبلية للسياسة الخارجية ووثائق الأمن الوطني للعقود والقرون المقبلة، حددت سياساتها العامة تجاه قضايا العلاقات الدولية الكبرى، والأهم من ذلك، أنها صممت وثائق وخطط طريق تتميز بتعريف تشغيلي دقيق يقلل من الإشراف على المسؤولين التنفيذيين إلى أدنى حد”.
هذا التخطيط طويل الأمد له علاقة مباشرة بتقدم هذه الدول واكتسابها القوة على المستويين الإقليمي والعالمي.
وتابعت: “على هذا النحو، يجب تصميم وتحديد الأهداف الرئيسية، ووجهات النظر، والمخاطر، ونقاط التهديد، والأدوات، وغيرها من القضايا المرتبطة بصياغة السياسات العامة في مجال السياسة الخارجية، على أن تصبح ملزمة لكل حكومة بغض النظر عن وجهة نظرها التنفيذية”.
وبعيدا عن غياب مثل هذه الوثائق في السياسات العامة للدولة، فإن الوثائق الموجودة حاليا لم تتمكن أيضا من توفير مكونات سياسة دقيقة وعملية بشكل واضح.
وأردفت الصحيفة: “أحد الإجراءات التي يمكن أن تسهم بشكل كبير في تطوير السياسات العامة في مختلف المجالات، خاصةً السياسة الخارجية، هو إنشاء تخصصات جامعية مثل (السياسة الدولية) لتزويد الأجهزة التنفيذية المعنية بالسياسة الخارجية بالأفكار والأطر اللازمة للعمل، إضافة إلى تعزيز الارتباط بين المؤسسات الأكاديمية والأجهزة التنفيذية بهدف زيادة المصالح والقوة الوطنية”.
واستطردت: “في هذا الإطار، يمكن أيضا أن تُكلَّف الجامعات والطلاب والأساتذة بمهام محددة من قبل المؤسسات التنفيذية المعنية بالسياسة الخارجية لتطوير تعريفات عملية وسياسات عامة، ومن خلال هذا التفاعل، ليس فقط يمكن توفير الأفكار اللازمة للحكم وإدارة مؤسسات مثل وزارة الخارجية والمؤسسات الأخرى المعنية بالسياسة الخارجية، ولكن أيضا تحديد الكوادر التنفيذية لهذه المؤسسات واستخدامها”.
واختتمت الصحيفة تقريرها مؤكدةً أن التغافل عن صياغة استراتيجيات طويلة الأمد يُخرج البلاد من مرحلة الفعل والتأثير في صياغة قواعد اللعبة بمجال العلاقات الدولية إلى موقف رد الفعل أمام سيل الأحداث، مما يستهلك موارد البلاد في التعامل مع هياكل وقواعد يضعها لاعبون آخرون.