كتب: محمد بركات
هاجمت صحيفة كيهان الأصولية في عددها الصادر بتاريخ السبت 9 نوفمبر/تشرين الثاني، دولة الإمارات العربية المتحدة؛ وذلك بسبب دعوة الأخيرة الرئيس السوري بشار الأسد، إلى الابتعاد عن إيران ومحور المقاومة في مقابل إعادة إعمار سوريا، وذلك على حد زعمها، حيث ذكرت الصحيفة: “طلبت الإمارات والأردن من الرئيس السوري بشار الأسد، الالتزام بمنع أي دعم مادي أو عسكري من سوريا إلى لبنان، كما قدمت الإمارات عروضا مالية كبيرة للأسد، وأعلنت استعدادها لإعادة بناء سوريا بالكامل إذا ابتعدت عن محور إيران”. وتعلق الصحيفة: “لولا خيانة بعض الدول العربية، لكان الكيان الإسرائيلي قاتل الأطفال قد دُمر منذ زمن طويل”، وذلك وفقا لتقرير الصحيفة.
وقد جاء هذا الهجوم عقب انتشار أخبار، مفادها أن إسرائيل طلبت من سوريا الابتعاد عن إيران وحزب الله، الأمر الذي أيدته صحيفة إسرائيل هيوم الإسرائيلية حين نشرت أن الكيان الصهيوني قد أرسل رسالة تهديدية إلى بشار الأسد، جاء فيها: “إذا لم تمنع نقل السلاح من الأراضي السورية إلى لبنان، فستلقى نفس مصير حسن نصر الله”، وذلك في محاولة من إسرائيل إقصاء الطرف السوري عن معادلة الحرب في الشرق الأوسط وإخراج قوات الحرس الثوري وحزب الله من سوريا، واعدين بشار بالمشاركة في إعمار سوريا بعد الخراب الذي شهدته منذ العام 2011، وذلك وفقا لتقرير صحيفة جوان أونلاين الصادر بتاريخ 10 نوفمبر/تشرين الثاني.
الخلاف بين إيران والإمارات حول ملف سوريا:
تعيد هذه الأخبار وهذا الهجوم من قبل “كيهان” إلى الأذهان الخلافات التي وقعت بين إيران والإمارات بشأن ملف سوريا والحرب الدائرة فيها، فقد شهدت العلاقات الإيرانية الإماراتية توترات وتعقيدات عديدة منذ عدة عقود بشأن ملفات كثيرة، خاصة في ما يتعلق بالسياسات الإقليمية والدور الإيراني في المنطقة العربية، ولكن تلك التوترات قد تزايدت بوضوح منذ اندلاع الأزمة السورية عام 2011، ما حوّل الملف السوري إلى أبرز ملفات الخلاف بين البلدين، حيث إن لكل منهما رؤية وأهدافا مختلفة في ما يخص حل الأزمة ودور القوى الإقليمية في سوريا.
فمنذ بداية الأزمة السورية، قدمت إيران كل أنواع الدعم اللازم للنظام السوري بشكل صريح، من الدعم المالي إلى الدعم العسكري واللوجستي، إلى جانب حشد ميليشيات تابعة لها وإرسال مستشارين عسكريين، وذلك لعدة أسباب، أهمها أن سوريا تمثل البوابة الأمامية لإيران في المنطقة العربية، وتربطها مع حزب الله في لبنان ضمن ما يعرف بـالهلال الشيعي، ولذلك تسعى إيران للحفاظ على نفوذها الإقليمي من خلال وجود حلفاء موثوقين في دول محورية مثل سوريا، كذلك فإن إيران تستخدم ورقة سوريا للضغط على إسرائيل وأمريكا في أي أحداث إقليمية ضخمة، وهو ما يفسر إصرارها على دعم الحكومة السورية حتى في أحلك مراحل الحرب، وذلك وفقا لتقرير موقع دنياي اقتصاد بتاريخ 29 مايو/أيار.
في المقابل، تبنت الإمارات سياسة مغايرة، فقد دعمت المعارضة السورية في البداية مع عدة دول عربية، في خطوة تهدف إلى الحد من نفوذ إيران المتنامي بالمنطقة، فقد كانت الإمارات، إلى جانب دول خليجية أخرى، ترى أن إضعاف النظام السوري قد يحد من النفوذ الإيراني ويقلل من تأثيره في الإقليم. ومع ذلك، تختلف سياسة الإمارات عن بعض الدول الخليجية الأخرى، حيث تبنت الإمارات منذ عام 2018 سياسة توازن، وبدأت بإعادة التواصل مع النظام السوري، خاصة بعد أن اتضح أن المعارضة السورية ليست قادرة على الإطاحة بالنظام أو خلق استقرار جديد في البلاد. وفي عام 2018، أعادت الإمارات فتح سفارتها في دمشق، وهو ما اعتبر خطوة ذات أبعاد استراتيجية لتعميق العلاقات مع دمشق، ووفقا للمحللين فإن الإمارات قد غيرت من نهجها الدبلوماسي تجاه سوريا لعدة أسباب، أهمها التكلفة المنخفضة للعودة إلى سوريا في ظل وضعها الاقتصادي المتدهور، حيث تسعى الإمارات إلى العودة للساحة السورية واستعادة نفوذها السابق بتكلفة قليلة، مستغلةً تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في سوريا، فيمكن للإمارات أن تساهم في إعادة الإعمار من خلال استثمارات صغيرة أو تقديم مساعدات إنسانية، مما يسهم في ترميم العلاقات بين البلدين، ومثال ذلك كان عرض ولي عهد أبوظبي تقديم مساعدات بقيمة ثلاثة مليارات دولار للحكومة السورية في أبريل/نيسان عام 2020، وكذلك يعتبر مواجهة نفوذ إيران في المنطقة، فتسعى الإمارات إلى تقليص النفوذ الإيراني داخل الاقتصاد السوري، ما يعزز موقعها المستقبلي في سوريا، ويرى بعض المحللين أن الإمارات تحاول، من خلال استعادة نفوذها في سوريا، أن تكون في موقع يسمح لها بتنفيذ انقلاب على النفوذ الإيراني وحلفائه داخل النظام السوري عندما تتاح الفرصة المناسبة، وذلك وفقا لتقرير وكالة مشرق الإخبارية بتاريخ 24 مارس/آذار.
ومن هنا تتباين استراتيجيات الدولتين في هذا الملف؛ فبينما تعمل إيران على تعزيز وجودها العسكري في سوريا، مما يمكنها من تشكيل قوة ضغط على إسرائيل وضمان وجود مستمر لها في هذا البلد المهم استراتيجيا، تسعى الإمارات إلى إعادة بناء العلاقات مع النظام السوري دون تشجيع التدخل العسكري المباشر، حيث تعتبر الإمارات أن محاولة تطبيع العلاقات مع دمشق وفتح قنوات الحوار معها قد تؤدي إلى توازن القوى في المنطقة، وهو ما قد يضعف النفوذ الإيراني بشكل غير مباشر، وذلك وفقا لتقرير موقع دبلوماسي إيراني المنشور في 18 نوفمبر/تشرين الثاني.
من جهة أخرى، تواجه الإمارات تحديات بسبب هذه السياسة. فتقاربها مع النظام السوري يقابَل بانتقادات من بعض الأطراف الإقليمية والدولية التي ترى في هذا التقارب تطبيعا مع حكومة متهمة بانتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، كما أن هذه السياسة تضع الإمارات في مواجهة غير مباشرة مع إيران، التي ترى في أي محاولة للتقارب العربي مع النظام السوري كخطوة لانتزاع أحد حلفائها الأساسيين. ورغم محاولات الإمارات إعادة تفعيل دورها السياسي والدبلوماسي في سوريا، فإنها لا تزال حذرة من تجاوز خطوط حمراء قد تثير حساسيات مع الجانب الإيراني، وذلك وفقا لتقرير وكالة إيسنا الإخبارية بتاريخ 29 أكتوبر/تشرين الأول.