ترجمة: يسرا شمندي
تواجه عملية شراء عربات القطارات في طهران مجموعة من التحديات المعقدة؛ حيث إن الحكومة الإيرانية لم تلتزم بإتمام الدفعات المالية المتفق عليها مع الشركات الصينية، مما أدى إلى تأجيل تسليم العربات الجديدة رغم الحاجة الملحة لتجديد أسطول النقل العام. هذه الخلافات المالية، بالإضافة إلى التأخيرات والتأثيرات الخارجية، تثير تساؤلات حول مصير هذا المشروع .
ووفقا لتقرير نشرته صحيفة فرهيختكان الإيرانية بتاريخ 5 يناير/كانون الثاني 2025، قدم رئيس لجنة النقل في مجلس مدينة طهران هاشمي تشكري، تفاصيل جديدة حول عملية شراء عربات القطار من الصين حيث صرَّح في مؤتمر صحفي بتاريخ 4 يناير/كانون الثاني 2025، بأن بلدية طهران دفعت فقط حوالي 9.5% من مستحقات الدفعة المقدمة البالغة 15%، وهناك 5% لم يتم دفعها بعد، وأضاف أن الحكومة لم تسدد حصتها من الاتفاقية حتى الآن رغم تقديم وعود بذلك، إلا أن هذه الوعود لم تُنفذ.
كما أشار تشكري إلى وجود مماطلة واضحة من الجانب الصيني، حيث أفادوا بعدم التزامهم بتنفيذ تعهداتهم. كما أوضح أنه من المحتمل أن يتأخر تسليم القطارين الجديدين، اللذين كان من المفترض أن يتم افتتاحهما في فبراير/شباط 2025، عن الموعد المحدد، رغم متابعة الحكومة والبلدية للموضوع.
وأفاد تشكري بأن أسباب التعثر في الاتفاق مع الصين غير واضحة تماماً، ولكنَّ هناك قلقاً كبيراً من عدم وفاء الجانب الصيني بالتزاماته. ونوَّه بأن مسؤولي البلدية قاموا مؤخراً برحلة إلى الصين بالتزامن مع زيارة فريق من وزارة الخارجية، وتم الاتفاق على متابعة هذا الملف بشكل مشترك
وأضاف التقرير أن موعد وصول القطارات الجديدة إلى البلاد، التي كان من المفترض دخولها في فبراير/شباط 2025، أصبح غامضاً، ولا يزال من غير المعروف متى سيتجدد نشاط أسطول النقل العام في العاصمة. ولكن ما هي خلفية القضية التي أثارها عضو مجلس مدينة طهران؟ وما سبب عدم تعاون الحكومة في تنفيذ هذا الاتفاق؟ وما السبب وراء تباطؤ الطرف الصيني في التنفيذ وفقًا لتصريح شكري؟
وبموجب المادة 58 من خطة التنمية الخمسية السادسة، كان من المتوقع أن تُكلف الحكومة في عام 2017 بتأمين 2000 عربة مترو لمدينة طهران والمدن الكبرى الأخرى، حيث كانت حصة طهران منها 630 عربة. وكان من المفترض أن تقوم الحكومة بإنتاج هذه العربات وتسلمها للمدن الكبرى قبل نهاية عام 2021. ولكن للأسف، لم تُنفذ هذه الخطة حتى اليوم.
وتابع التقرير: في عام 2017، تم تنظيم مناقصة دولية لبناء هذه العربات. وفي النهاية، تم إعلان فوز شركة صناعة العربات وشركائها الصينيين بالمناقصة لبناء 630 عربة مصنوعة من الألومنيوم. ومع ذلك، استغرق الأمر عدة سنوات حتى تم إصدار العقد، ومن ثم استغرقت عملية الإنتاج وقتاً طويلاً.
لتأمين التكلفة اللازمة لهذه المناقصة، وتم منح الحكومة بموجب الفقرة (ج) من البند 4 في ميزانية عام 2020 إذناً بعد توقيع العقد مع الجهة التمويلية الخارجية باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لتأمين حصة الـ 15% من التمويل الأجنبي (التمويل الخارجي) من خلال موارد صندوق التنمية الوطنية، على أن يتم إنفاقها على المشاريع المتعلقة بالسكك الحديدية. أما باقي مبلغ العقد، وهو 85% أو ما يعادل 850 مليون يورو، فكان من المقرر أن يتم تأمينه من الأموال المجمدة لإيران في الصين.
وفي سياق متصل نشأ خلاف طويل بين بلدية طهران والحكومة حول الدفعة المقدمة البالغة 150 مليون يورو، أي الـ 15% الأولى. فالحكومة في عهد الرئيس الإيراني السابق روحاني لم توافق على دفعها، كما أن البلدية لم تتمكن من دفعها، حتى انتهت ولاية الحكومة الثانية عشرة. ومع بداية الحكومة الثالثة عشرة وتولي الإدارة الجديدة في البلدية، وبمتابعة من عمدة طهران عباس علي زاكاني، وافقت حكومة الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي على تخصيص العملة اللازمة للـ 15% من الدفعة. وبالتالي، يتم دفع جزء من حصة الـ 15% من قبل بلدية زاكاني، وفي مقابل ذلك تخصص الحكومة العملة عن المبلغ المدفوع. وطبقاً لمعلومات صحيفة “فرهيختكان”، يتم سداد دفعة المقدمة البالغة 15% للشركة الصينية بهذه الطريقة، حيث تقدم البلدية في فترة زاكاني 9.7% من الـ 15% كقرض للحكومة، ويستلم بنك المدينة المبلغ المخصص لهذا الجزء (9.7%) ويقوم بتحويله إلى الشركة الصينية. ومن ناحية أخرى، لأجل تقدم العقد، تقوم الحكومة بتوفير العملة المحلية مقابل هذا المبلغ للبلدية. وحتى الآن، لم يتم دفع نحو 45 مليون يورو، أي 5.3% من الـ 15% المقررة من إجمالي الدفعة المقدمة لعقد بناء المترو ووصول القطارات الأولى للشركة الصينية.
وذكر التقرير أنه وبسبب المشاكل المالية التي نشأت مع الحكومة الرابعة، تم إبلاغ بلدية طهران بأن الحكومة غير قادرة على تخصيص العملة للـ 5% المتبقية. ومن جانب آخر، أعلنت بلدية طهران أنها على استعداد للتعاون مع الحكومة لدفع الـ 5% المتبقية، بنفس الطريقة التي تم اتباعها في الحكومة السابقة، حيث سيتم دفع المبلغ بالريال مقابل الحصول على العملة. ومع ذلك، لم توافق الحكومة على المضي قدمًا في هذه الصفقة مع البلدية، وأصبح عقد الاتفاق مع الشركة الصينية مهددًا بالإلغاء بسبب عدم استلام الـ 45 مليون يورو المتبقية من الـ 15%
لماذا يرغب الصينيون في إلغاء العقد ؟
استناداً لمعلومات صحيفة “فرهيختكان”، فقد أوضحت الشركة الصينية أن العقد تم توقيعه في عام 2017، ومنذ تلك الفترة وحتى الآن، أي بعد 7 سنوات، كانت إيران تحاول سداد الـ 150 مليون يورو. كما أشارت إلى أن المبلغ لم يتم سداده كاملاً.
ومن جهة أخرى، يشكل الأمريكيون جزءًا من المساهمين الرئيسيين في هذه الشركة الصينية، ومع وجود تحولات مرتبطة بالعقوبات والمواقف العدائية من قبل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب تجاه إيران. كما يوضح الصينيون أنه بعد تولي ترامب الحكم، أصبح من المحتمل أن تتغير مواقف المساهمين الأمريكيين، وإذا وقع أي تأخير من المسؤولين الإيرانيين، قد يتم إلغاء العقد كليًا.
وأشار التقرير إلى أن عقد شراء 791 عربة من الشركة الصينية يعد أكبر عقد تم توقيعه بين إيران والحكومة الصينية. ومع ذلك، فإن الحكومة على وشك فقدان هذا العقد بسهولة بسبب عدم تحصيل الـ 45 مليون يورو، وهو المبلغ الذي أبدت بلدية طهران استعدادها لتأمينه وتحصيله، بينما ستكتفي الحكومة بدفع المبلغ المكافئ له بالعملة المحلية.
وأورد التقرير: بينما يُعزى عدم وصول باقي الـ 15٪ من دفعة المقدمة لشراء 791 عربة مترو إلى نقص العملة والمشاكل المالية. أفاد رئيس مجلس الشورى الإسلامي في الإعلام الوطني بأنه “حتى نوفمبر/تشرين الثاني 2024، تم توفير 6.2 مليار دولار لتزويد شركات السيارات بالمكونات اللازمة.” وفي الوقت نفسه، تسعى المدن الكبرى في العالم إلى تطوير شبكات النقل العام من أجل حل قضايا البيئة، كتلوث الهواء، والازدحام، في حين أن العراقيل التي يضعها البنك المركزي الإيراني هي التي منعت وصول الـ 45 مليون يورو المطلوبة لشراء 791 عربة مترو من أجل طهران والمدن الكبرى.
علاوة على ذلك، فإن عقد شراء 2500 حافلة كهربائية و27500 سيارة أجرة كهربائية، الذي من شأنه أن يضاعف قدرة أسطول الحافلات وسيارات الأجرة في طهران، يتطلب 125 مليون يورو. في الوقت الذي يعد فيه تحديث المترو وتحسين وسائل النقل العامة استثماراً مهماً للمستقبل ولأجيال قادمة، وتُعتبر هذه الأولوية سمة للعديد من الحكومات في أنحاء العالم، فإن العقود الكبيرة في هذا القطاع، وخاصة في طهران، لا تزال معطلة بسبب تأخير سداد 45 مليون يورو لشراء القطارات و125 مليون يورو لشراء الحافلات وسيارات الأجرة الكهربائية. إن هذا الوضع يعرض العقود للخطر وقد يؤدي إلى إلغائها بسبب عدم الوفاء بالالتزامات من قبل الحكومة الإيرانية.
وفي النهاية أكد التقرير أنه خلال خريف وشتاء هذا العام، شهدت البلاد حالة من التلوث الهوائي التي تسببت في تعطيل مستمر وغير مريح. ووفقًا لمعظم الخبراء البيئيين، يُعتبر الحل الرئيسي للحد من تلوث الهواء في طهران هو تحسين وتعزيز وسائل النقل العامة، حيث يُعد المصدر الرئيسي للتلوث هو المركبات المتحركة، وخاصة السيارات الخاصة التي عادة ما تكون محمَّلة بسائق واحد. وفي هذا الإطار، رغم أهمية تنفيذ قانون الهواء النقي والتركيز على تحسين وسائل النقل العامة من أجل خدمة المواطنين وتحسين الهواء في العاصمة، إلا أن البنك المركزي لم يوفر العملة المطلوبة لدعم تطوير النقل العام.