ترجمة: علي زين العابدين برهام
في السنوات الأخيرة، ازدهرت تجارة تهريب الطيور الجارحة من إيران إلى دول الخليج، خاصة خلال فصل الشتاء، حيث يكون الموسم المثالي لصيد وتهريب الطيور النادرة والمهاجرة، ورغم أنباء عن ضبط ومصادرة شحنات من الطيور الجارحة والزينة، فإن الواقع يشير إلى أن الوضع خرج عن سيطرة السلطات البيئية، حيث أصبحت المجتمعات المحلية تمارس الصيد والتجارة بهذه الطيور دون أدنى مسؤولية تجاه البيئة.
نشرت صحيفة “فرهيختگان” الأحد 23 فبراير/شباط 2025، تقريرا عن صيد الصقور في إيران وتهريبها إلى بعض الدول العربية، وتهريب بعض النباتات النادرة، مما يشكل كارثة تهدد البيئة بشكل كبير في إيران.
تساءلت الصحيفة عن السبب في تورط المجتمعات المحلية في صيد وتهريب الطيور، وأفادت بأن هذا هو السؤال الجوهري الذي نحاول الإجابة عنه في هذا التقرير، عبر استعراض مختلف جوانب هذه القضية، من البيئية إلى الاقتصادية والاجتماعية.
مقامرات الأثرياء على الصقور
وذكرت أنه يجب التمييز بين نوعين من تجارة الطيور: صيد الطيور الجارحة وبيعها للسماسرة، وصيد الطيور العادية وبيعها في الأسواق المحلية.
وأضافت أن الفرق بينهما ليس فقط بيئيا، بل يمتد إلى الجوانب الثقافية والاقتصادية، فصيد الطيور الجارحة أكثر ربحية، حيث إن السوق الرئيس لها هو دول الخليج، حيث يستخدمها الأثرياء العرب في مسابقات صيد بمراهنات مالية ضخمة.
وأوضحت أنه لذلك، يقضي الصيادون في مناطق مثل محافظات كلستان، وفارس، وأصفهان أياما في تعقب الصقور مثل الشاهين، والباز، والبحري، حتى يتمكنوا من اصطيادها وبيعها بأسعار باهظة. وبما أن طائر الحبارى يُستخدم كطُعم للصقور، فإنه أيضا يُصطاد ليُصدَّر مع الصقور إلى الخارج، مما يخلق سوقا مربحة بالدولار.
مأساة التهريب: الصقور تُباع بأعين مخيطة!
وتابعت أن الجانب الأكثر وحشية في هذه التجارة هو طريقة التعامل مع الطيور الجارحة بعد صيدها، حيث تُخاط عيون الطائر؛ حتى لا يشعر بتغير محيطه، مما يمنعه من إيذاء نفسه، ويتم لصق ريش جناحيه أو تغطيته بغطاء جلدي؛ لمنع محاولاته للهروب.
وأضافت أن هذه الطيور المهربة تُباع للسماسرة بأسعار تتراوح بين مليارين وثلاثة مليارات ريال، لكن السمسار يحقق أرباحا أكبر ببيعها إلى دول الخليج بالدولار. إضافة إلى ذلك، تمر بعض الطيور عبر إيران قادمة من دول مثل أفغانستان وباكستان، ثم تُهرب إلى الخليج عبر بوشهر.
صيد الطيور المهاجرة: تقليد قديم أم احتجاج اجتماعي؟
وذكرت أن صيد الطيور المهاجرة مثل الإوز البري والطاووس البري، ظاهرة مختلفة لها أبعاد اجتماعية واقتصادية، حيث إن بعض السكان المحليين يفقدون مصادر دخلهم التقليدية، فيلجؤون إلى صيد الطيور لكسب قوتهم.
وأضافت أن البعض الآخر يصطاد الطيور بدافع العادات الغذائية، حيث يُعتبر لحم بعض الطيور جزءا من النظام الغذائي الموسمي في الشمال والجنوب الغربي لإيران، وهناك نقص في التوعية حول أهمية حماية البيئة والطيور المهاجرة، مما يؤدي إلى استمرار الطلب على لحوم هذه الطيور.
وأشارت إلى أنه في بعض المناطق، يعتبر السكان المحليون أن لهم حقّا في صيد الطيور التي تهاجر إلى منطقتهم، ولا يرون في ذلك جريمة بيئية.
وذكرت الصحيفة أنه في بعض الحالات، يُستخدم الصيد كأداة للاحتجاج ضد التغيرات الاقتصادية والبيئية، فعلى سبيل المثال، في بعض أجزاء الهور العظيم، حيث لم تصل عمليات التنقيب عن النفط، يقوم السكان المحليون بصيد الطيور المرقمة القادمة من سيبيريا، مثل اللقلق، في اعتراض غير مباشر على فقدان وظائفهم وجفاف أراضيهم.
تهريب الطيور والحيوانات: مشكلة أمنية قبل أن تكون بيئية
تابعت الصحيفة أنه رغم جهود السلطات البيئية في تعقب المهربين، فإن غياب التشريعات الصارمة وقلة الرقابة الأمنية جعلا من تهريب الطيور والحيوانات سوقا مزدهرة. ووفقا للتقديرات، يُعد تهريب الحياة البرية ثالث أكثر أنشطة التهريب ربحا عالميا بعد المخدرات والأسلحة، بعائدات سنوية تتراوح بين 7 و10 مليارات دولار، ومع ذلك، لا يزال التعامل مع هذه الجريمة في إيران دون المستوى المطلوب.
وأشارت إلى قول رضا ساکي، الناشط البيئي، إن مشكلة الصيد والتهريب لا يمكن حلها بقرارات بيئية فقط، بل تحتاج إلى إصلاحات اقتصادية واجتماعية.
وأضاف ساكي أنه “كلما زاد التضخم والبطالة، زادت الأنشطة غير القانونية مثل تهريب الحيوانات والصيد الجائر. إذا أردنا إنهاء هذه الظاهرة، فعلينا توفير مصادر دخل مستدامة للسكان المحليين”.
وأوضحت الصحيفة أن التهريب لا يقتصر على الحيوانات فقط، بل يشمل النباتات النادرة التي تُستخدم في صناعات الأدوية والعطور، خاصة في خراسان، حيث يتم تهريب النباتات الطبية إلى أوروبا.
التهريب الداخلي: مشكلة أخرى!
وتابعت أنه إلى جانب التهريب الخارجي، هناك سوق داخلي غير قانوني للطيور والحيوانات، حيث يتم نقل بعض الأنواع من مناطقها الأصلية وبيعها في المدن الكبرى، كما هو الحال مع السمندر اللورستاني، الذي يتم تهريبه إلى طهران لبيعه كهواية.
ونقلت عن الخبير البيئي عبد الرضا باقري، قوله إن إيران ليست فقط مصدِّرا للحيوانات المهربة، بل أصبحت ممرا للحيوانات المهربة من دول مثل باكستان وأفغانستان نحو تركيا وأوروبا.
وأشارت باقري إلى أن أكثر الطيور التي تُهرب من إيران هي الصقور، لكنها ليست وحدها. هناك تقارير عن تهريب الغزلان والحيوانات البرية الأخرى، كما أن أكبر مراكز صيد الطيور الجارحة بإيران هي في أصفهان وفارس، حيث تهاجر الطيور الجارحة إلى هذه المناطق في الشتاء، ما يجعلها أهدافا سهلة للصيادين.
ما الحل؟
ذكرت الصحيفة عددا من الحلول يمكن اتباعها للحد من هذه الظاهرة وهي:
- تعزيز القوانين والعقوبات على صيد وتهريب الطيور.
- إيجاد بدائل اقتصادية للمجتمعات المحلية، مثل السياحة البيئية ومراقبة الطيور بدلا من صيدها.
- زيادة الوعي البيئي بين السكان حول خطورة هذه الممارسات على التنوع البيولوجي.
- تعزيز التعاون الأمني بين الشرطة والسلطات البيئية لتعقب شبكات التهريب.
- استغلال الطبيعة بدلا من تدميرها
واختتمت التقرير، بالإشارة إلى أنه “إذا استمر الحال على ما هو عليه، فقد نشهد في المستقبل القريب اختفاء العديد من الطيور الجارحة والمهاجرة من إيران، مما سيؤثر ليس فقط على البيئة، ولكن أيضا على التوازن البيئي والاقتصاد المحلي. الحل ليس في القمع وحده، بل في التوعية وإيجاد بدائل مستدامة للصيادين والتجار المحليين”.