كتب: محمد بركات
قاطع عدد من طلاب جامعة طهران كلمة مسعود بزشكيان، الرئيس الإيراني، السبت 12 أكتوبر/تشرين الأول، والتي ألقاها في حفل بدء العام الدراسي بجامعة طهران، مطالبين رئيس الجمهورية بالاستماع إليهم بعدما رفض طلبهم إلقاء كلمة على غرار كل عام، مما سبب فوضى خلال الحفل، وذلك وفقا لتقرير موقع فرا رو الإخباري الإيراني بتاريخ 12 أكتوبر/تشرين الأول.
ووفقا للتقرير، فبمجرد صعود بزشكيان إلى المنصة لإلقاء كلمته، همَّ عدد من الطلاب بالقيام من أماكنهم وطلبوا الكلمة من رئيس الجمهورية وقالوا: “لم لا يستمع رئيس الجمهورية إلى الطلاب؟”، ليخاطبهم بزشكيان مهددا بترك الحفل قائلا: “إذا كنتم تريدون تعطيل الاجتماع، فسأغادر حالا، كم شخصا يريد التحدث؟ اختاروا شخصا واحدا ليأتي ويتحدث، ولا تتشاجروا”.
وبعد طلب بزشكيان، صعد سجاد صفار، مسؤول الباسيج في جامعة طهران، الباسيج هو إحدى الهيئات التابعة للحرس الثوري الإيراني، إلى المنصة، وشكر رئيس الجمهورية على الوقت الذي خصصه لهم لإلقاء كلمتهم، وقال: “لقد كتبنا، نحن التنظيمات الطلابية في جامعة طهران، رسالة إليكم، ونتابع منذ أسبوع ليتاح الفرصة للتنظيمات الطلابية للتحدث في هذا البرنامج، ولكن للأسف لم يُسمع صوت الطلاب”.
وأضاف: “أنا لست ممثلا عن الطلاب في هذا المنبر؛ لكن دعوني أقرأ اللافتة التي وُضعت اليوم على بوابة الجامعة، وهي تقول: (لعنة الله على الأيدي التي سعت وتسعى لجعل شبابنا وجامعاتنا غير سياسية)”، وقد استخدم صفاري تصريح الخميني السابق للإشارة إلى تضييق الحكومة على النشاط الطلابي لطلاب الجامعات.
كما أكد هذا الناشط الطلابي: “للأسف، مضى شهر ونحن، التنظيمات الطلابية، نسعى لعقد اجتماع مع وزير العلوم، ولم تتحقق هذه الإمكانية حتى الآن. وفي حفل اليوم أيضا، لم يمنحنا فريق رئيس الجمهورية فرصة للحديث، ولكن الرئيس بنفسه سمح لنا بذلك. لذلك أطلب من الرئيس أولا أن يلتقي الطلاب في ساحة الجامعة بعد الجلسة، وثانيا أن يحضر في احتفال يوم 16 ديسمبر/كانون الأول، الموافق يوم الطالب في إيران، هذا العام في جامعة طهران”.
جدير بالذكر أن سجاد صفار، وهو ابن محمد حسين صفار السياسي والعسكري وعضو مجمع تشخيص مصلحة النظام الإيراني، هو أحد الرموز الشبابية بالتيار الأصولي الإيراني وفي حركة بيداري الأصولية الإيرانية، وهو مقرب من سعيد جليلي، المرشح السابق في الانتخابات الرئاسية والذي خسر أمام بزشكيان، وقد شوهد معه في عدة مناسبات.
وبعد أن ألقى صفار كلمته، صعد بزشكيان إلى المنصة مرة أخرى واستأنف خطابه، ليقوم شخص آخر من موظفي الجامعة الحاضرين بعد عدة دقائق ويتحدث بصوت عالٍ طالبا الكلمة من بزشكيان، لينتقده بزشكيان هذه المرة لإخلاله بنظام الجلسة، قائلا: “من فضلك اجلس واتركني أكمل حديثي. لم يكن مقررا أن تتحدث، إن عدم قدرتك على الالتزام بالنظام يعني أننا لم نصل بعد إلى هذا الوعي والفهم لكي نحترم الإطار المحدد، نظموا جلسة للموظفين ليقولوا آراءهم. لقد أفسدت الجلسة وأنت تصرخ. اجلس حتى أكمل حديثي، إذا كان من المقرر لك أن تتحدث فقد تحدثت بما فيه الكفاية”. وبعد الهرج والمرج الذي ساد الحفل، تم إرجاع الشخص المعترض إلى مقعده، واستُعيد النظام في الجلسة، واستأنف بزشكيان خطابه.
تصريحات بزشكيان خلال الحفل:
صرح بزشكيان خلال حفل بدء العام الدراسي 2024-2025 بجامعة طهران، قائلا: “إذا كان لدينا أمل في مستقبل البلاد، فهو معقود على الجامعات وطلابها”، مضيفا: “في مجال الطب، تعلمنا بعض الأطر ونعمل وفقا لها، أنا لست ملتزما بالبروتوكولات بشكل كبير، لذلك أريد أن أعبّر عن وجهة نظري بصراحة، إن وجهة نظري هي أن تضع الجامعات وأساتذتها البلاد في قمة العلم والتكنولوجيا”.
وصرح خلال حديثه: “عندما أستعيد ذكريات شبابي، أتذكر أننا كنا نريد أن نتعلم، وقد لاحظنا أن بعض الأماكن يعاني الناس فيها من أمراض وليس لديهم أطباء، حينها درسنا بأقصى ما نستطيع لنحل مشاكل الناس”.
وتابع: “كنت أعتقد أننا ملزمون بحل آلام الناس بأنفسنا. واليوم، أنا هنا، ليس من أجل منصب أو سلطة، بل لحل مشاكل الناس. لا أحد غيرنا سيتولى حل هذه المشاكل، أنا ومن معي في الحكومة لا نسعى وراء المال أو المناصب أو الشهرة، ما نسعى إليه حقا، وما ننتظره من الطلاب والأساتذة، هو حل المشاكل والمعضلات، من يملك عقلا مبتكرا ودافعا يمكن أن ينجح”.
وأضاف بزشكيان: “علينا أن نصبح الدولة الأولى في المنطقة، فأنا كإيراني، عندما أرى الأجانب في مواقع متقدمة، أشعر بالخجل، وأقول لنفسي: لماذا يجب أن يكونوا هم هناك ونحن هنا؟ إذا كانت لدي القدرة والعلم والمهارة، فهي لخدمة شعبي، ويجب أن أعمل ليصل شعبي إلى مستوى لا يقل عن أحد. نحن لا نقل عن أحد، وهذا ما أقوله عندما أدعو إلى الوحدة، فلماذا نتشاجر؟”.
وأكد بزشكيان خلال كلمته: “علينا أن نتحدث بقوة، أي أن نتحدث بناءً على أدلة علمية. يجب ألا نقول شيئا نغيره بعد مدة قصيرة. الحديث الصحيح ينبع من أسس علمية. سواء أتى الكلام الصحيح من اليمين أو اليسار، من المتدين أو غير المتدين، يجب أن نقبله. نحن ليس لدينا مشكلة. نحن مستعدون للاستماع لحديث أي شخص، في الخارج، هل تمول الحكومة الجامعات أم تقوم الجامعات بتوليد أموالها؟ الجامعة يجب أن تولد أموالها بنفسها”.
وأضاف: “كل أستاذ جامعي يمكنه حل مشكلة في الاقتصاد، أو الزراعة، أو الثقافة، أو علم الاجتماع. لدينا نظام إداري وأستاذ يمكنه حل مشكلة هذا النظام. على الأستاذ أن يبرم عقودا لحل المشكلة”. وتابع: “ذهبنا في فترة إلى أمريكا، وكان معظم طلاب الدكتوراه لديهم مشاريع تساهم في حل مشاكل مجتمعهم، يمكنكم حل مشاكل اقتصادنا وزراعتنا وصناعتنا. خذوا منطقة ما ونبرم معكم عقدا لحل مشكلة صناعية أو اقتصادية أو زراعية”.
وخاطب بزشكيان الطلاب قائلا: “بدلا من الجلوس في الصفوف، اذهبوا واحصلوا على مشاريع وحلوا المشاكل. كلية الزراعة في تبريز لديها 340 ألف هكتار من الأراضي، لكنهم يقولون لي: الأساتذة يعانون من نقص المال. وأنا أقول لهم: أعطوني هذه الأرض وسأجلب لكم بضع مليارات سنويا. نحن نبحث عن أساتذة يخبروننا بكيفية إدارة النظام. بعض المديرين يدرسون الإدارة، لكنهم عندما يتعاملون مع الموارد البشرية يتشاجرون. نعلّم في الصف، لكنهم عندما يخرجون لا يعرفون العمل”.
وأضاف: “نرغب في الحصول على أفضل صف دراسي، وأفضل طريقة تعليمية، وأفضل طريقة تقييم. نحن نسعى لذلك الآن. كانوا يحاولون إقصائي، يحاولون إقصاء أمثالي، في حين أن كل فرد من هؤلاء يمكنه إحداث ثورة في البلاد”.
وأضاف الرئيس الإيراني: “أنا جراح قلب ولم أكن طالبا سيئا، لكنني الآن متأخر عن كثير من الجراحين. يجب أن أحترم الشخص الذي يعمل بشكل أفضل مني. إذا تمكنا من الاهتمام بشبابنا وأساتذتنا، فإن شبابنا سيُشجعون على البقاء. يجب أن نهتم بأولئك الذين بقوا في البلاد ويعملون من أجلها. سنواصل الاهتمام بالأساتذة والنخب. إذا اهتممنا بهم، فسيدرك الجميع أننا نحترم العلم والمعرفة والتميز، وأولئك الذين يرغبون في المغادرة سيبقون”.
وأكد: “سنهتم بالأساتذة ومن يعملون من أجل الوطن. سنفعل كل ما بوسعنا لتحسين وضع هؤلاء الأعزاء. يمكننا أن نكون أفضل من الآخرين، على الأقل ألا نكون أقل منهم. لا أخشى الحوار، أعطوني الفرصة وسأتحدث. نقبل الكلام المنطقي بكل قلبنا، وإذا كان غير منطقي فسنشرح ذلك”.
واختتم بزشكيان كلمته بقول: “نريد أن يصل بلدنا إلى المكانة التي حددها المرشد في الرؤية المستقبلية، ولكن للأسف، باسم المرشد نقوم بأعمال تتعارض مع تلك الرؤية. المرشد يريد الرفعة والعزة للبلاد. يمكننا، مع الأساتذة والطلاب، أن نحل جميع مشاكل البلاد”.
وفي ختام هذا الحفل، صعد علي أكبر قنادي زدي، الحاصل على المرتبة الأولى في امتحان القبول في تخصص العلوم الإنسانية، إلى المنصة، وانتقد قرار المجلس الأعلى للثورة الثقافية بشأن امتحان القبول. وقال: “أطلب من رئيس الجمهورية إعادة النظر في هذا القرار غير العادل وغير الفني، وإلغاء هذا القرار سيكون أفضل هدية لنا نحن النخب. إضافة إلى ذلك، فإن العائلات والناس قلقون بشأن هذا القرار غير العادل، ولا ينبغي أن نتجاهل غضب الناس وقلقهم”.
ماذا تغير ذلك العام وسبب غضب الطلاب؟
تم تنظيم حفل بدء العام الدراسي للجامعات والمراكز البحثية والتكنولوجية هذا العام، والذي أشرف على تنظيمه سيد حسين حسيني، القائم بأعمال رئيس جامعة طهران، والذي جاء متأخرا عن ميعاده الطبيعي بثلاثة أسابيع، بطريقة لم يتم فيها، وعكس السنوات السابقة، تخصيص فرصة رسمية للتنظيمات الطلابية لإلقاء الخطب، مما أثار اعتراض عدد من النشطاء الطلابيين في جامعة طهران، وقد عبر هؤلاء الطلاب عن اعتراضهم قبل بدء الحفل برفع لافتات مكتوب عليها “دخول الطلاب ممنوع”، وذلك وفقا لتقرير وكالة إيسنا الإخبارية الإيرانية بتاريخ 12 أكتوبر/تشرين الأول.
ووفقا للتقرير، فإنه لم تتوافر حتى أية وسائل خارج القاعة للطلاب الذين لم يستطيعوا الدخول، على الرغم من أنه تم توفير إمكانية البث المباشر للحفل بشكل افتراضي داخل الجامعة، إلا أن الطلاب كانوا يتوقعون أن تكون هناك إمكانية لمشاهدة أجواء القاعة بصريا من خارجها وفي ساحة الجامعة.
من هم قوات الباسيج وما دورهم في الجامعات؟
تعتبر قوات الباسيج، أو قوات التعبئة، أحد الأفرع التابعة للحرس الثوري الإيراني، وقد تأسست بأمر من روح الله الخميني، قائد الثورة الإيرانية، في نوفمبر/تشرين الثاني 1979، وقد كان للباسيج دور خلال الحرب الإيرانية العراقية، وهي مجموعات شعبية من المتطوعين تتألف من شباب وإناث تلقت نوعا من التدريب العسكري، وتقوم بتنفيذ تعليمات المرشد الإيراني في ما يتعلق بالمشاركة في الحفاظ على الأمن العام وتوفير الخدمات الاجتماعية وقت الأزمات، وإقامة الاحتفالات الدينية والقومية، والقيام بدور شرطة الأخلاق.
وقد تشعبت الباسيج لتدخل في كل المؤسسات الإيرانية، لتشمل المصالح الحكومية والمؤسسات المدنية، ومن بينها الجامعات تحت اسم الباسيج الطلابي، فكل جامعة إيرانية لديها رابطة الباسيج الخاصة بها، وتحدد أهداف ومهام وشروط عضوية الباسيج الطلابي وفقا للائحة التنفيذية الصادرة عن المجلس الأعلى للثورة الثقافية. ومن بين الأهداف التي وُضعت للباسيج الطلابي، نشر الإسلام في الجامعات ومراكز التعليم العالي، والتمهيد لتحقيق حركة البرمجيات الحرة والنهوض بإنتاج المعرفة المحلية والدينية، والمساعدة في عملية أسلمة الجامعات، وتفسير، ونشر وتطبيق توجيهات وتعليمات قادة إيران السابقين والحاليين، وتعزيز وتوطيد قيم الثورة وتوسيع الثقافة الإسلامية في الجامعات، والدفاع الشامل عن الثورة وإنجازاتها في مختلف المجالات الفكرية والثقافية والعلمية والسياسية والاجتماعية والمهنية، وذلك وفقا لتقرير وكالة تسنيم الإخبارية الإيرانية.
ومن ضمن نشاطات الباسيج الطلابي الأخرى، إقامة المعارض والمؤتمرات، والقيام بالمظاهرات، وأحيانا قمع المظاهرات والاحتجاجات الطلابية، كما حدث في الاحتجاجات التي تلت مقتل الفتاة الكردية مهسا أميني، وذلك وفقا لموقع يورو نيوز الإخباري.