ترجمة: علي زين العابدين برهام
نشرت صحيفة “هم ميهن” الأحد 9 مارس/آذار 2025 مقالها الافتتاحي تحت عنوان “التحولات المتسارعة” لمناقشة التغييرات التي تطرأ في المشهد السياسي والإداري.
استهلت الصحيفة مقالها بالقول أنه إذا أردنا التطرق إلى إحدى القضايا الراهنة، فلا شك أن التغيرات السريعة والمفاجئة في المشهد السياسي والإداري، وسط غياب واضح للانسجام في الإدارة، هي المسألة الأكثر إلحاحا. وبغض النظر عن أي تكهنات، يبدو جليًا أن هناك أطرافًا تعمل على تأجيج هذه التحولات المتسارعة.
وذكرت أنه في اليوم الذي انتشرت فيه أنباء عن رسالة ترامب إلى إيران، تصدّرت مقابلة الصحفي الأمريكي المستقل تاكر كارلسون مع وزير الخارجية القطري عناوين الأخبار. وفي الداخل، تسارعت التطورات، بدءا من استجواب وزير الاقتصاد عبد الناصر همتي، مرورا بعريضة نواب البرلمان المطالبة بتطبيق قانون الحجاب الإلزامي، وصولا إلى استدعاء منظمتين مدنيتين بارزتين بسبب تنظيم لقاءات حضرتها نساء غير محجبات.
وأضافت أنه كما زاد المشهد تعقيدا صدور أحكام قضية “شاي دبش”، التي لم ترض أي طرف، ليُضاف إلى ذلك نشر مقابلة لـ محسن رفيق دوست، وزير الحرس الثوري الإيراني السابق، قدّم فيها نفسه كعرّاب لسياسات غير تقليدية خارج إيران، مما وفّر ذريعة جديدة للهجوم الإعلامي ضد إيران وفتح الباب أمام حملات دعائية موسّعة.
وتابعت أنه في هذا الوقت، يقوم المدّعي العام باستدعاء صُنّاع فيلم تقليدي بتهمة “الترويج ضد النظام”، وكأن بعض القضايا في إيران مكتوب لها أن تبقى مفتوحة إلى الأبد دون أن تُحسم أبدا! من الحجاب إلى السياسة الخارجية، ومن الفساد إلى الطاقة، وصولا إلى الانسجام الداخلي والوفاق الوطني، كلها ملفات يبدو أنها محكومة بالبقاء في دائرة الجدل الدائم.
وأشارت إلى أن اللافت أن كل هذه القضايا الخمس شهدت تصعيدا حادا في الأيام الأخيرة. فقد جاء الحكم الصادر في قضية الفساد البالغة 3.7 مليار دولار بمثابة صدمة للتيار المتشدد، مما دفعهم إلى التبرؤ منه والتأكيد على أن وزراء الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي أبرياء بحكمه، ولم يجنوا أي أموال من هذه الفضيحة.
واستطردت قائلة أن المثير للسخرية هو أن هذه المحاولات الدفاعية قد تكون أكثر إدانة من التهم نفسها. فالأمر لا يتعلق فقط بغياب الفساد المالي، بل بالأخطر من ذلك، وهو الفشل الإداري المجاني الذي أدى إلى هذه الكارثة دون حتى وجود مصلحة شخصية لأحد! من منظور الرأي العام، قد يكون ارتكاب مثل هذه الكارثة بدون دافع مادي أو منفعة شخصية، أكثر مدعاة للقلق من الفساد نفسه.
وذكرت أن منتقدي الأوضاع الراهنة يثيرون تساؤلات جادة حول التفاوت الصارخ في الأحكام الصادرة في قضية الفساد الأخيرة. كيف يمكن لشخصين يواجهان التهمة نفسها أن يُدان أحدهما بأقصى العقوبات، بينما يحصل الآخر على تخفيض بنسبة 80% في العقوبة؟ هذا التباين لا يجد تفسيرا قانونيا واضحا، مما يفاقم الجدل حول شفافية العملية القضائية.
وأضافت أن الإشكال الأهم لا يتعلق بالأحكام وحدها، بل بكيفية دفع هذه المبالغ الضخمة من العملة الصعبة في ظل أزمة مالية خانقة. كيف تم تحويل هذه الأموال الطائلة دون وجود ضمانات كافية أو رقابة صارمة؟ وهل يعقل أن يحدث ذلك دون علم أو على الأقل بصمت كبار المسؤولين؟ حتى الآن، لم يصدر أي توضيح رسمي حول هذه التساؤلات الجوهرية، مما يزيد من حالة الغموض وعدم الثقة.
وتابعت أنه على الصعيد الخارجي، فالأوضاع تزداد اضطرابا. في الاجتماع الاستثنائي لوزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي حول فلسطين في السعودية، بدت إيران في عزلة تامة، حيث قدمت تحفظاتها على أربع نقاط أساسية في البيان الختامي. هذه التحفظات تناقض جوهر القرار الصادر عن القمة، وكان من الأجدر أن ترفض إيران البيان بالكامل وتنسحب من الاجتماع، بدلا من تقديم تحفظات زادت من عزلتها الدبلوماسية.
وأوضحت أن هذا الحدث يعكس تفرد السياسة الإقليمية الإيرانية وابتعادها عن الموقف العام لدول المنطقة. وفي الوقت نفسه، جاءت زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى طهران متزامنة مع تسريبات حول رسالة سرية من ترامب إلى إيران، إضافة إلى مقابلة إعلامية بين صحفي أمريكي ووزير الخارجية القطري. هذه التطورات تشير بوضوح إلى أن الملف الإيراني يقترب من نقطة تحول حاسمة، قد تعيد رسم المشهد السياسي والدبلوماسي في المنطقة.
وذكرت أنه في ظل الأوضاع المتوترة، يبقى رد الفعل الرسمي الإيراني محل انتظار، وسط أزمات تتفاقم يوما بعد يوم. فقد أثارت قضية الحجاب جدلا واسعا، عقب استدعاء مسؤولي منظمتين مدنيتين إلى نيابة الثقافة والإعلام، بسبب تنظيم اجتماع شاركت فيه نساء غير محجبات.
وأضافت أنه في سياق متصل، جاء تنفيذ عقوبة الجلد بحق المغني المعارض مهدي يراحي ليعزز الجدل الدائر حول طبيعة العقوبات الجزائية في النظام القضائي الإيراني. لم تعد المسألة محصورة في قضية الحجاب، بل تحوّلت إلى نقاش أوسع حول تصاعد نهج العقوبات التشديدية.
وأفادت بأن الوفاق الوطني، جرح متقيح لم يلتئم رغم محاولات عديدة لمعالجته. وقد كان شعار الوفاق الذي رفعه الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان بمثابة أوضح طرح سياسي لحل هذا المأزق المتجذر، إلا أن خصومه المتشددين، الذين أقسموا على إفشاله، لا يرغبون في رؤية هذا الشعار يتحقق.
وذكرت أن استجواب وزير الاقتصاد عبد الناصر همتي كان نقطة تحوّل في هذا الصراع، حيث اتخذ المعارضون منه أداة لكبح مشروع الوفاق الوطني. واليوم، يبدو أن قضية الحجاب باتت سلاحا آخر في هذه المواجهة السياسية.
وأوضحت أنه ورغم أن بعض هذه الأزمات يمكن حلّها بإرادة سياسية حاسمة، إلا أن هناك ملفات شائكة لا يمكن تسويتها سريعًا، إذ تتطلب رؤية طويلة الأمد وإصلاحات جذرية لمعالجتها بفعالية.
وأضافت أن تصريحات الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان كشفت خلال مراسم توقيع عقد زيادة ضغط مكامن الغاز أن النهج الحالي لن يحقق الوعود المتعلقة بحل أزمة الطاقة في المستقبل القريب، مما يضعف الآمال في أي انفراج وشيك.
وتابعت أنه إذا كانت أزمة الطاقة والكهرباء تمثل تحديا حاليا، فإن الشهور القادمة قد تحمل أزمة جديدة أكثر تعقيدا، تتمثل في نقص المياه، نتيجة تراجع معدلات الأمطار في مختلف أنحاء البلاد، بما في ذلك طهران. إن التغيرات المتسارعة في حد ذاتها تشكل خطرا، لكن حين تقترن بغياب الانسجام الإداري، تصبح تداعياتها أكثر حدة وتعقيدا.
واختتمت الصحيفة بالقول أن المسؤولية الآن تقع على عاتق صناع القرار، الذين ينبغي أن يُدركوا خطورة الوضع الراهن ويتحركوا بشكل فوري وجاد. التصرف يجب أن يكون اليوم، لأن الغد قد يكون متأخرا جدا.