كتب: محمد بركات
تعاني سماء العاصمة طهران من ضعف الرؤية بسبب ظاهرة التلوث التي تعصف بحياة المواطنين، ظاهرة لا يمر يوم أو يومان لنجدها على الصفحات الأولى وفي العناوين الرئيسية للصحف الإيرانية، وسط عجز حكومي متواصل أمام تلك الأزمة.
فقد بلغ متوسط جودة هواء العاصمة السبت 1 فبراير/شباط 2025، 137 نقطة، مما يجعله في نطاق غير صحي للفئات الحساسة، ويأتي ذلك في حين وصل التلوث إلى مستوى غير صحي لجميع الفئات في 16 منطقة أخرى بالعاصمة.
كذلك فقد سجل تلوث الهواء في طهران، أمس الجمعة 31 يناير/كانون الثاني 2025، مستوى غير صحي، وذلك للمرة الخامسة خلال الأسابيع الأخيرة، بعد أن وصل إلى الوضع الأحمر، بينما شهدت مدينة مشهد والبرز مستويات هواء خطرة على مرضى الحساسية.
يأتي هذا في الوقت الذي صرحت فيه هيئة مراقبة جودة الهواء في طهران السبت 1 فبراير/شباط 2025، بأنه خلال العام الماضي 2024، لم يحظ سكان العاصمة البالغ عددهم 18 مليون نسمة، إلا بخمسة أيام من الهواء النقي، و187 يوما من الهواء المقبول، فيما كان هناك 109 أيام من الهواء غير الصحي للفئات الحساسة، و18 يوما من الهواء غير الصحي لجميع الفئات، كما أشارت الهيئة إلى أنه خلال الفترة نفسها من العام 2023، سجلت طهران 9 أيام من الهواء النقي، و208 أيام من الهواء المقبول، و90 يوما من الهواء غير الصحي للفئات الحساسة، و12 يوما من الهواء غير الصحي لجميع الفئات.
وبهذا الشأن، فقد نشر موقع طومسون رويترز، الخميس 30 يناير/كانون الثاني 2025، تقريرا يتناول حالة الجو السيئة في العاصمة طهران، حيث ذكر الموقع أن المدينة قد احتلت بشكل متكرر، مراتب متقدمة بين أكثر المدن تلوثا في العالم، بحسب شركة IQAir السويسرية لمراقبة جودة الهواء.
كذلك، فقد عرض التقرير شهادات أطباء وأولياء أمور تعليقا على أزمة التلوث، حيث ذكر التقرير: “قالت طبيبة مختصة في أمراض الرئة تبلغ من العمر 47 عاما من طهران، إن مرضاها عانوا من زيادة كبيرة في أمراض الجهاز التنفسي، مثل الربو ومرض الانسداد الرئوي المزمن، مع تفاقم التلوث هذا الشتاء”، مضيفة: “لقد شهدنا أيضا مزيدا من حالات التهاب الشعب الهوائية، وردود الفعل التحسسية، والمضاعفات القلبية الوعائية المرتبطة بالتعرض الطويل للهواء الملوث، إذا ما لم يتم اتخاذ تدابير لحل المشكلة، فسنستمر في رؤية المرضى يعانون”.
كما عرض التقرير شهادة أحد أولياء الأمور، حيث ذكر التقرير: “قالت أم تبلغ من العمر 32 عاما من طهران، إنها لم تستطع إرسال أطفالها إلى المدرسة لعدة أيام واضطرت إلى إبقاء النوافذ مغلقة في المنزل، ورغم ذلك كان الهواء خانقا، حيث صرحت: كنت لا أزال أشعر بحرقة في عيني وحلقي، وكان من الصعب أحيانا التنفس، وكنت مرعوبة، أنا محطمة نفسيا، وأشعر كأن صحة وحياة أطفالي وصحتي لا تهم المسؤولين”.
جدير بالذكر أنه في ديسمبر/كانون الأول 2024، صرح وزير الصحة الإيراني، محمد رضا زفرغندي، بأن تلوث الهواء يتسبب في وفاة أكثر من 50.000 إيراني سنويا، من بينهم 15% من الأطفال دون سن الخامسة.
أسباب تلوث الهواء
هناك أسباب متعددة لظاهرة تلوث الهواء في العاصمة طهران، يأتي على رأسها ما صرحت به فاطمة كريمي، مدير شركة مراقبة جودة هواء طهران، السبت 1 فبراير/شباط 2025، من أن الصناعات ومحطات توليد الطاقة تلعب دورا كبيرا في إنتاج الجسيمات العالقة وتلوث الهواء، حيث تسهم الصناعات بنسبة 18.7%، ومحطات الطاقة بنسبة 12%، ومصافي طهران بنسبة 4.4%، مما يجعلها من بين المصادر الرئيسية للملوثات
ومع ذلك، فقد أرجعت كريمي المصدر الأساسي لهذا التلوث للمركبات القديمة، إذ تشير إلى أن نحو 83% من الغازات الملوثة و61% من الجسيمات العالقة ناتجة عن حركة السيارات في طهران، ويُعدّ الأسطول المتهالك لوسائل النقل العام، إلى جانب استهلاك الوقود الأحفوري، من أهم العوامل المسببة للتلوث.
بجانب ذلك، تشمل ملوثات الهواء الرئيسية عددا من العناصر الأخرى، كالجسيمات العالقة، التي تشمل بدورها الجسيمات المعدنية، والغبار، والسيليكا، والجسيمات العضوية، التي تنتج عن مصادر متعددة مثل الصناعات، والوقود الأحفوري، والمركبات، وأعمال البناء.
كذلك، تسهم الغازات الملوثة في تلوث الهواء بطهران، وتتضمن الغازات السامة والضارة مثل ثاني أكسيد الكربون، وثاني أكسيد النيتروجين، وثاني أكسيد الكبريت، والمواد الكيميائية المختلفة، التي تنبعث من الصناعات، ومحطات الطاقة، والمركبات، والأنشطة الزراعية والصناعية.
أيضا تحتل الملوثات البيولوجية مرتبة متقدمة في مسببات التلوث، فتشمل ملوثات ناتجة عن مصادر حيوية مثل الفطريات، والبكتيريا، والفيروسات، والتلوث الإشعاعي، والعوامل البيولوجية الأخرى.
بجانب ذلك، هناك ملوثات جانبية تشارك بنسبتها في هذه الظاهرة، وتشمل المواد الكيميائية مثل الهيدروكربونات الملوثة، والمواد المشعة، والمركبات الكيميائية المستنفدة للأوزون وغيرها من الملوثات المنبعثة من مصادر متعددة.
ما السبل أمام طهران للتخلص من الأزمة؟
وحول طرق حل الأزمة، فقد صرّحت شينا أنصاري، نائب رئيس الجمهورية الإيراني لشؤون البيئة ورئيس منظمة حماية البيئة، في مقابلة صحفية، السبت 18 يناير/كانون الثاني 2025، بأن حل الأزمة يتلخص في القضاء على أكبر مسبباتها، فعندما تشكل المصادر المتحركة القديمة كالسيارات والدراجات أكبر نسبة من التلوث، فيجب ضرورة التركيز بشكل خاص على التخلص من السيارات المتهالكة، وتحديث أسطول النقل العام، وتعزيز نظام المواصلات كإجراءات أساسية للحد من التلوث في العاصمة، مضيفةً أنه حتى الآن لم يُتخذ أي إجراء بشأن إيقاف الدراجات النارية المتهالكة، والتي قد تنتج تلوثا يفوق أحيانا ما تسببه السيارات.
وبالشأن نفسه، أوصى محمد درويش، الناشط والخبير البيئي، خلال تصريحات له 7 يناير/كانون الثاني 2025، بضرورة زيادة الاستثمارات في تطوير وسائل النقل العام، وتوسيع خطوط المترو، وتحسين جودة المركبات الكهربائية، مؤكدا أن زيادة عدد عربات المترو والحافلات الكهربائية، إلى جانب توفير مسارات آمنة للدراجات والمشي، يمكن أن يسهم في خفض التلوث البيئي ويتيح للمواطنين فرصة استخدام وسائل النقل العام والنظيف بدلا من السيارات الخاصة.
إلى جانب ذلك، يرى الخبراء أن هناك عددا من الطرق التي يمكن أن تنتهجها الحكومة لتقليل تلك الظاهر بشكل عام، أهمها استخدام وقود أنظف، حيث يرى الخبراء أن التحول من الوقود الأحفوري الملوث إلى أنواع وقود أنظف مثل الغاز الطبيعي، والكهرباء، والوقود منخفض الانبعاثات، ومصادر الطاقة المتجددة، كالغاز، والكهرباء، والطاقة الشمسية، يمكن أن يُحدث تحسنا ملحوظا في جودة الهواء.
وبشأن التلوث الناجم عن المركبات، فإن هناك عدة طرق لتقليل التلوث الناتج عنها، كاعتماد سياسات تشجع على استخدام المركبات الصديقة للبيئة والمشاركة في وسائل النقل، وتعزيز الاعتماد على وسائل النقل العام، وفرض معايير أكثر صرامة على المركبات الجديدة، وإخراج السيارات القديمة والمسببة للتلوث من الخدمة.
كما ينصح الخبراء بتقليل التلوث الناتج عن قطاع الصناعة، وذلك عن طريق تنفيذ القوانين واللوائح البيئية لضبط انبعاثات المصانع والمنشآت الملوِّثة، والاعتماد على تقنيات نظيفة وأكثر تطورا في عمليات الإنتاج ومعالجة الملوثات، وتشجيع إعادة النظر في أساليب الإنتاج، إضافةً إلى فرض رقابة بيئية صارمة.
هذا وتكمن أحد طرق الحل الهامة لحل الأزمة، في التشجيع على استخدام مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، كذلك تطوير تقنيات الطاقة النظيفة، وتعزيز كفاءة استخدام الطاقة، إضافة إلى فرض سياسات مالية وضريبية تحفّز على استخدام الطاقة النظيفة.
كذلك، فإن نشر الوعي حول تلوث الهواء، وتأثيراته الصحية، وطرق الحد منه، ودور كل فرد في هذه العملية يمكن أن يُسهم في تحسين جودة الهواء.