ترجمة: شروق السيد
وسط ضغوط متصاعدة وتحديات متشابكة، تقترب إيران من اتخاذ قرار جريء بتغيير عاصمتها للمرة الأولى منذ قرون، فهل تنجح إيران في نقل العاصمة؟
أوردت الصحيفة الإيرانية “شرق“، في تقرير لها يوم الأربعاء 8 يناير/كانون الثاني 2025، أنه من المقرر أن لا تكون طهران العاصمة بعد الآن، المدينة التي كانت مركزا سياسيا وإداريا لإيران منذ العهد القاجاري، ومع تركيز السلطة والثروة، وأيضا السكان، أصبحت مدينة كبيرة على شفير الانفجار، مما جعل نقل العاصمة أمرا لا مفر منه.
واستدركت: ولكن تغيير العاصمة ليس أمرا بسيطا كما يبدو؛ إنها مسألة معقدة تضم أبعادا سياسية وأمنية واجتماعية واقتصادية، وهذه التعقيدات هي التي منعت تنفيذ جميع المقترحات خلال العقود الثلاثة الماضية، فاختيار عاصمة جديدة يتطلب دراسة دقيقة وتحليلات متعددة من حيث الظروف الجغرافية والأمنية.
وأوضحت: رغم ذلك، فإن عارف، النائب الأول للرئيس، قد كشف مؤخرا عن خيار مكران لتكون عاصمة محتملة، وأكد قائلا: “بالتأكيد لن نتردد في نقل العاصمة، وإحدى المناطق التي يمكن أن تُطرح بجدية هي منطقة مكران”.
كما أعلنت فاطمة مهاجراني، المتحدثة باسم الحكومة، عن هذا الاختيار كقرار نهائي، وأضافت: “نحتاج إلى إمكانيات في منطقة مكران، ولهذا نعلن من هنا أننا سنستعين بجميع الأكاديميين، والخبراء والمتخصصين من مهندسين أو علماء اجتماع أو اقتصاديين”.
وذكرت الصحيفة في تقريرها: توجد العديد من الفوائد في نقل العاصمة، ولكن إذا نظرنا إلى بعض العوامل الرئيسية التي يجب أخذها بعين الاعتبار في هذه العملية، وإذا استعرضنا عملية تغيير العواصم في بعض البلدان في السنوات الأخيرة، فسنلاحظ صعوبة تنفيذ هذه الفكرة.
وأضافت الصحيفة: ربما تكون تجربة تركيا في عام 1923، عندما قررت نقل عاصمتها من إسطنبول إلى أنقرة، تجربة مفيدة في هذا السياق، خاصة أن الانتقال تم من مدينة ساحلية إلى حدود البلاد، أي عكس الخيار الذي تتخذه إيران اليوم؛ لأن هذا القرار تم اتخاذه لأسباب عدة وكانت له تأثيرات كبيرة على تطوير البلاد.
و تابعت الصحيفة: من أبرز أسباب نقل العاصمة التركية، كان الموقع الجغرافي المركزي، حيث تقع أنقرة في وسط تركيا، وهذا الموقع ساعد في تعزيز التماسك الجغرافي للبلاد، بينما كانت إسطنبول قريبة من الحدود الغربية لتركيا، مما جعلها أكثر عرضة للتهديدات الدفاعية.
كما أن أنقرة، نظرا إلى موقعها في المناطق الداخلية لتركيا، أكثر أمانا من الناحية الدفاعية، فقد تعرضت إسطنبول عبر التاريخ للعديد من الهجمات والاحتلال من قبل القوى الأجنبية.
أيضا نقل العاصمة إلى أنقرة ساعد في تطوير المناطق الاقتصادية والاجتماعية في الداخل التركي، ووسع التركيز الاقتصادي من إسطنبول إلى مناطق أخرى في البلاد.
وأضافت الصحيفة: اليوم حان وقت إيران لتقرر كيف ستغير عاصمتها، هل سيتم فصل العاصمة الاقتصادية والإدارية عن السياسية، أم سيتم بناء عاصمة موحدة في مكران؟ هذه الأراضي التي هي في طريق التنمية لكنها اليوم لا تملك الظروف لاستضافة العاصمة وتحتاج إلى تحضير في مجالات مختلفة، وأهمها الملف الأمني والسياسي.
فمحافظة مكران منطقة ساحلية وبعيدة عن التنمية بسبب إهمال المسؤولين التنفيذيين في العقود الثلاثة الماضية، لكنها في مسار الممر الشمالي-الجنوبي وتتمتع بإمكانات عالية من حيث الربط المائي مما يجعلها خيارا جيدا لكنه مليء بالتحديات.
وتقع في شِبه جزيرة تشابهار جنوب سيستان وبلوشستان، والتي تعرضت مرارا لتحديات الهجمات الإرهابية، ورغم أنها كانت منطقة آمنة حتى الآن، فإن المخاوف الأمنية بسبب اتساع هذه المحافظة وحدودها مع أفغانستان وباكستان قد أثارت دائما القلق من وجود الجماعات الإرهابية، وفي مثل هذه الظروف، فإنَّ نقل العاصمة إلى أقرب مكان لدول تستضيف الجماعات الإرهابية سيكون تحديا كبيرا.
نقل العاصمة
وذكرت الصحيفة: في هذا السياق، يعتبر أحمد بخشايش أردستاني، عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، أنَّ “نقل العاصمة من طهران إلى سواحل مكران” موضوع سياسي، ويقول: “نقل العاصمة مجرد شعار سياسي لا يمكن تحقيقه على الإطلاق”.
وتساءل: “كيف يمكن نقل طهران بكل هذه البنية التحتية والوزارات إلى مدينة أخرى؟! في كل فترة، يأتي رئيس جمهورية ليطرح مثل هذه الشعارات، لكن لم يتمكن أحد منهم من تنفيذها”.
ويشير أحمد بخشايش أردستاني إلى فشل الحكومات في نقل العاصمة قائلا: “تم طرح مسألة نقل العاصمة خلال فترة رئاسة كل من محمود أحمدي نجاد وحسن روحاني، وحتى في فترة رئاسة إبراهيم رئيسي تم طرح هذه القضية، والآن أيضا طرح الرئيس الحالي مسعود بزشكيان هذه المسألة، لكن لم يكن هناك قط إمكانية عملية لنقل طهران بكل هذه الإمكانيات، الوزارات، البرلمان، الحكومة، وجميع المنظمات والهيئات المهمة مع 15 مليون نسمة إلى مدينة أخرى”.
تكلفة نقل العاصمة
ويقدم أردستاني مثالا لتوضيح صعوبة الفكرة ويقول: “من الأساس، نقل العاصمة من طهران غير ممكن، لأن العاصمة من الناحية الجيوسياسية يجب أن تكون في مركز البلاد؛ لتتحمل أقل قدر من الأضرار في حال وجود تهديدات”.
ويشير إلى أن المدينة التي يتم اختيارها لتكون عاصمة يجب أن يكون لها عدد سكاني كبير، ويضيف: “يحتاج نقل العاصمة من نحو 10 إلى 20 مليار دولار”.
التهديدات الخارجية
وتابعت الصحيفة: لذلك، فإن اختيار مكران له حساسيات أمنية عالية، ولا يمكن للموقع الجغرافي المركزي وحده أن يحدد الخيار النهائي بسبب اتساع الأرض، يجب أن تقع العاصمة في موقع يسهل الوصول إلى مختلف مناطق البلاد.
وأضافت: يمكن أن يساعد الموقع المركزي في توزيع متوازن للموارد والخدمات، صحيحٌ أن الوصول إلى الموارد الطبيعية، مثل قربها من مصادر المياه، والأراضي الزراعية، والموارد الطبيعية الأخرى، يمكن أن يكون له أهمية كبيرة؛ لكن موقع العاصمة بالنسبة للحدود هو الأهم بكثير، حيث يمكن أن يزيد البعد المناسب عن الحدود الدولية من أمان العاصمة ويقلل من التهديدات الخارجية.
كما أن العوامل الأمنية المتعلقة بالظروف الجغرافية لا يمكن التغاضي عنها، على سبيل المثال، من المهم اختيار منطقة أقل عرضة للمخاطر الطبيعية مثل الزلازل، والفيضانات، والعواصف.
إضافة إلى ذلك، يجب أن تكون المنطقة مزودة ببنية تحتية أمنية قوية وقدرة فعالة على السيطرة على التهديدات الداخلية والإرهاب، والأهم من ذلك، يجب أن تكون المنطقة قابلة للحماية دفاعيا وتتمتع بإمكانيات دفاعية مناسبة.
في النهاية، يمكن أن يساعد اختيار منطقة تتمتع بالاستقرار السياسي والاجتماعي في تعزيز أمن العاصمة.
وأضافت الصحيفة: “إن اختيار العاصمة من خلال النظر في هذه العوامل يمكن أن يساعد في إنشاء مدينة ذات أمان عالٍ، وبنية تحتية مناسبة، وتنمية مستدامة؛ لذا يجب أن يتم نقل العاصمة من طهران إلى منطقة مكران أو أي مكان آخر مع الأخذ في الاعتبار العديد من القضايا الرئيسية والمهمة”.