كتب: ربيع السعدني
أعلن الرئیس الإيراني مسعود بزشكیان، أن “مشروع قرار مجموعة العمل المالي” (FATF)، سيتم إعادة النظر فيه لدى مجمع تشخيص مصلحة النظام، وفي يوم 31 ديسمبر/كانون الأول 2024 نقل وزير الاقتصاد الإيراني، عبد الناصر همتي، عن خامنئي عبر منصة “X“، أنه وافق على “إعادة صياغة مشروعي قانون باليرمو والاتفاقية الدولية لقمع تمويل الإرهاب (CFT)”.
وأضاف بزشكیان، في تصريحٍ يوم الثلاثاء 31 ديسمبر/كانون الأول 2024، خلال لقائه مع أعضاء غرفة التجارة الإيرانية والذي نشرته وكالة أنباء”إيرنا” الرسمية، أن “الحكومة عازمة على إنشاء المنصات اللازمة لتسهيل أنشطة القطاع الخاص، ونعتقد أننا نستطيع التغلب على العقبات والمشاكل المقبلة”.
وظلت مسألة انضمام إيران إلى مجموعة العمل المالي دون حسم في مجلس تشخيص مصلحة النظام لسنوات عديدة، وقال وزير الاقتصاد همتي في تصريح لتلفزيون إيران عبر “قناة 18 آزار” الرسمية: “حتى لو قبلنا ذلك، ليس من الواضح أنه سيتم إزالتنا من القائمة السوداء لمجموعة العمل المالي، وهذا سوف يقلل من ذرائع العدو”.
كما علق رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام صادق لاريجاني، يوم 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، على الانضمام إلى مجموعة العمل المالي (FATF): “الانضمام إلى المجموعة مسألة فنية، إذا وصل الأمر إلى الجمعية، فسوف نتحقق من ذلك، ولكن ينبغي تحديد مقدار الفائدة التي نحصل عليها من خلال قبولها”.
وأضاف لاريجاني حسبما نقل موقع “ميدل إيست نيوز” الإخباري : “في ظل ظروف العقوبات التي خلقت مشاكل كثيرة لرجال الأعمال الإيرانيين، وضمن ذلك تحويلات العملة، هل سترفع أمريكا قيودها بقبول مجموعة العمل المالي؟”.
بينما يعد مجلس تشخيص مصلحة النظام في إيران أهم عائق أمام الموافقة على مشاريع قوانين مجموعة العمل المالي (FATF)، قال رئيس المجلس إنه ليس من الواضح أن يكون الانضمام إلى مجموعة العمل المالي بهذه الفعالية مع العقوبات المفروضة على البلاد.
وقال صادق لاريجاني في لقاء مع نشطاء اقتصاديين من القطاع الخاص يوم 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2024: “لنفترض أننا حللنا مشكلة مجموعة العمل المالي ونظام سويفت أيضا، ماذا نفعل للعقوبات المفروض على الدولار؟”.
وفي وقت سابق يوم 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، عارض عدد آخر من أعضاء المجلس الذين تم تعيينهم جميعا من قبل المرشد الأعلى الإيراني، بشدةٍ الموافقة على مشاريع قوانين مجموعة العمل المالي.
وتُعد مجموعة العمل المعنية بالإجراءات المالية، آلية توفر مبادئ توجيهية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، والتي يجب على الدول الالتزام بها في المعاملات المالية الدولية.
ومنذ عام 2007، بدأت هذه المجموعة في إدراج اسم إيران ضمن “القائمة السوداء”، وأصبحت هذه القضية عائقا خطيرا أمام التبادلات المالية الدولية لإيران.
وقد تم تجميد مشروعي قانونين نظرتهما مجموعة العمل المالي (مشروع القانون المتعلق بانضمام إيران إلى اتفاقية باليرمو، ومشروع القانون المتعلق بانضمام إيران إلى اتفاقية تمويل الإرهاب) في مجلس تشخيص مصلحة النظام لسنوات.
وقال صادق لاريجاني إنه سواء كانت موافقة مجموعة العمل المالي ستساعد كثيرا أم لا، فيجب علينا “تقييم المصالح” و”إذا كانت مفيدة حقا، فلن يعارضها السادة في المجلس بالتأكيد”.
وقد ذكر الرئيس مسعود بزشكيان هذا الموقف أيضا في الأسابيع الأخيرة، وقال في حفل يوم الطالب في أثناء تجمع طلاب وأساتذة جامعة شريف طهران يوم 17 ديسمبر/كانون الأول 2024: “عندما نتمكن من التحدث معا، لا يوجد قتال.. إنهم لا يقبلون(FATF) يقولون: لماذا لا نقبل؟ دعونا نجلس ونناقش، يمكننا أن نستنتج.. اسأل جميع رجال الأعمال عن المشاكل التي سببها غياب مجموعة العمل المالي، اذهب واسأل.. الواقع مرير، ولكن يجب قبوله”.
وأشار بزشكیان يوم 11 ديسمبر/كانون الأول 2024، إلى موضوع مجموعة العمل المالي الذي أثاره أحد الطلاب، فقال: “دعونا ننفذ مجموعة العمل المالي معا، الولايات المتحدة تجلس هناك وتفهم ما هي المشكلة التي نسببها لأموالنا، تعلم جيدا وجهة سفينة وبضائع، ولكن لأنه ليس لدينا فريق عمل داخلي، إذا فُقدت سفينة بسبب المطر، فإننا لا نعرف حيث ذهبت”.
كما كانت خطة الانضمام الكامل إلى مجموعة العمل المالي أحد أبرز موضوعات مناظرة المرشحين للانتخابات الرئاسية لعام 2024.
“ضرورية، لكنها غير كافية“.. هذا ما صرح به بهرانج تاجدين، المراسل الاقتصادي لـ”بي بي سي الفارسية“، يوم 31 ديسمبر/كانون الأول 2024: “كاتشي إلى لا شيء” أو “الماء الذي خرج من الرأس، هل هو شيء واحد أم مائة شيء”؟ وهذا المثل قد يشير إلى أن القضية أو المشكلة قد تكون معقدة ومتعددة الأوجه، وقد يختلف الناس في تفسيرها أو في تحديد حجمها، ويمكن تلخيص وجهة نظر المؤيدين والمعارضين لمحاولة الخروج مما يسمى “القائمة السوداء” لمجموعة العمل المالي في هذين المثلين.
هذا النقاش يعكس التحديات والتعقيدات التي تواجهها الدول أو الكيانات التي تحاول تحسين وضعها في القوائم الدولية مثل قائمة (FATF)، حيث تكون الجهود المبذولة محل جدل بين من يرونها خطوة إيجابية حتى ولو كانت غير ملموسة ومن يرونها غير كافية ولن تؤدي إلى تغيير حقيقي.
ولا تمنع مجموعة العمل المالي الدول أو المؤسسات المالية من التعامل مع إيران، بل تخبرهم بوجود خطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب في جميع المعاملات المالية مع الشركات والمؤسسات الإيرانية؛ ولذلك يجب عليهم التحقق بعناية من مصدر ووجهة الأموال وأطراف المعاملة؛ حتى لا يكون هناك احتمال لغسل الأموال أو تحويل الأموال إلى الجماعات الإرهابية.
ويقول أعضاء معسكر “كاتشي إلى لا شيء”، ومن بينهم المسؤولون الحكوميون في حكومة بزشكيان، إن هذا الوضع جعل بعض البنوك والدول التي أبدت استعدادها للعمل مع إيران رغم العقوبات الأمريكية، تشعر بأن هذا يزيد من حجم الأزمة، الأوراق وقبول مخاطر الغرامات والملاحقة القضائية لا تستحق كل هذا العناء.
وتحصل تلك البنوك التي لا تزال تعمل مع إيران على رسوم أعلى وتستغرق وقتا أطول، ومن وجهة نظر هذا المعسكر، إذا تمكنت إيران من تلبية مطالب مجموعة العمل المالي، فإن تكاليف ومتاعب تجارتها الخارجية ستنخفض قليلا.
بينما أعضاء معسكر«المياه التي مرت، سواء كانت جزءا أو مائة جزء»، يرون أن المشكلة الأساسية هي عقوبات أمريكا وحلفائها، وأن الخروج من القائمة السوداء لمجموعة العمل المالي لن يحل المشكلة؛ لأنه على الرغم من كل المشاكل، استمرت صادرات إيران ووارداتها.
إن حجج كلا المعسكرين -حسبما نشر “بي بي سي بالفارسية” يوم 31 ديسمبر/كانون الثاني 2024- صحيحة إلى حد ما، لكن الاختلاف الأساسي يدور حول شيء آخر، يريد أحد الطرفين إظهار استعداد إيران للمصالحة والتعاون من خلال محاولة إرضاء فريق العمل المالي إذا كان الطرف الآخر يؤمن إيمانا راسخا بالمقاومة وعدم التراجع؛ بغض النظر عن التكاليف والعواقب.
وهذا الاختلاف في وجهات النظر والأيديولوجية السياسية يختبئ وراء الكلمات القانونية والاقتصادية الطنانة. إن الخروج من القائمة السوداء لمجموعة العمل المالي ليس حلا سحريا للاقتصاد الإيراني، أما إذا لم يكن الربح منه مفيدا، فهو ليس مضرا من الناحية الاقتصادية.
ما هي مجموعة العمل المالي؟
فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية (FATF) هي هيئة دولية أُنشئت لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وانتشار أسلحة الدمار الشامل، يقع مقرها الرئيسي في باريس، ما يعزز الأمن المالي والاستقرار الداخلي، لقد أظهرت مجموعة العمل المالي، لكنها لا تزال تعاني من عيوب خطيرة في تحقيق النتيجة المرجوة.
تضم مجموعة العمل المالي37 دولة عضوا إلى جانب المفوضية الأوروبية ومجلس التعاون الخليجي مع تعليق عضوية روسيا.
وتقوم الهيئة بالتحقيق في كيفية تنفيذ عمليات غسيل الأموال وتمويل الإرهاب وتضع معايير دولية للحد من هذه المخاطر، وكذلك ما إذا كانت الدول تتخذ إجراءات فعالة لمكافحتها.
أهمية الانضمام الكامل إلى (FATF)
الانضمام الكامل إلى (FATF) يعزز ثقة المجتمع الدولي بالنظام المالي للدولة، مما يمكن أن يؤدي إلى جذب الاستثمارات الأجنبية، وييسر المعاملات المالية، فالدول التي تلتزم بمعايير مجموعة العمل المالي تواجه عقبات أقل في التعاملات المالية الدولية مثل تحويل الأموال والحصول على القروض.
كما تمت الموافقة على عضوية إيران في البرلمان في إطار مشاريع القوانين التي أعدتها حكومة حسن روحاني، لكن قرارات البرلمان أحيلت إلى مجلس تشخيص مصلحة النظام في نوفمبر/تشرين الثاني 2017 بمعارضة مجلس صيانة الدستور.
وبدأت إعادة النظر في هذه القرارات بموافقة قائد الجمهورية الإسلامية في يناير/كانون الثاني 2019 في مجلس الاعتراف، لكنها ظلت حتى الآن مترددة.
ويقول المعارضون إن قبول مشروعي قانون باليرمو و(CFT) يمكن أن يحد بشدة من الدعم المالي والعسكري الذي تقدمه إيران للجماعات الإقليمية الوكيلة مثل حزب الله اللبناني، وهو ما يتعارض مع المصالح الاستراتيجية للبلاد.
في المقابل، يرى المؤيدون أن عدم عضوية إيران في مجموعة العمل المالي يشكل عائقا خطيرا أمام جذب الاستثمارات الأجنبية وإزالة العوائق الاقتصادية التي تواجه البلاد.
وفي ذلك الوقت، كان انسحاب الولايات المتحدة من جانب واحد من خطة العمل الشاملة المشتركة أحد أسباب رفض قرارات البرلمان في مجلس صيانة الدستور.