كتب: محمد بركات
أثار الحوار الذي أجراه محمد جواد ظريف، نائب الرئيس الإيراني للشؤون الاستراتيجية، الأربعاء 22 يناير/كانون الثاني 2025، مع شبكة “سي إن إن” الأمريكية على هامش أعمال منتدى دافوس الاقتصادي، جدلا واسعا لعدة أسباب، فبينما انتقد البعض تصريحاته واصفا إياها بأنها مخالفة لسياسات إيران، فقد انتقدها البعض الآخر؛ لما وصفوه بتصفية الحسابات التي تعمدها ظريف خلال تصريحاته، وبينما حاول البعض الدفاع عنه، إلا أن صوت الانتقادات كانت أعلى.
أفضل من يمثل إيران
حول هذا الموضوع، نشرت صحيفة شرق في عددها الخميس 23 يناير/كانون الثاني 2025، تقريرا تناولت فيه آراء الخبراء في مسألة حضور إيران للمنتدى وتصريحات ظريف خلال لقائه، حيث كتبت: “أكد الدكتور ساسان كريمي، الأستاذ بجامعة طهران، والذي يشارك حاليا في منتدى دافوس برفقة، أن التيارات الأصولية والمعارضة الخارجية لا ترى أي مصلحة لها في التفاوض، أو التفاعل أو الدبلوماسية أو تحسين العلاقات مع إيران، ولذلك فهي تعارض بشدةٍ أي حوار، سواء من خلال مفاوضات وزارة الخارجية أو مشاركة ممثلي الجمهورية الإيرانية في اجتماعات مثل منتدى دافوس، وتشن هجمات واسعة ضدها”.
ويضيف التقرير: “وأضاف كريمي أن المشاركة الفاعلة لإيران في منتدى دافوس، والمنتدى الاقتصادي العالمي، ومؤتمر ميونيخ الأمني، واجتماع الدوحة، وغيرها من الفعاليات المشابهة، ضرورة لتجنب العزلة السياسية والدبلوماسية لإيران، وفي الوقت نفسه تعزز دورها وفقا لمكانتها الحقيقية في العمليات الإقليمية والدولية”.
وفي ما يتعلق بشرح مواقف إيران بشكل صحيح عبر منصة منتدى دافوس، أكد كريمي، الذي أجرى لقاءات عديدة ومتكررة مع الدكتور ظريف بصفته نائبا استراتيجيا للرئيس: “إن الدكتور ظريف، نظرا إلى موقعه الرسمي وشخصيته المتميزة، يعد شخصية معروفة بين المشاركين في منتدى دافوس، وقد لاقى ترحيبا واسعا من المسؤولين الحاضرين”، مضيفا: “إن قدرات الدكتور ظريف توفر فرصة استثنائية لتوضيح وضع ومكانة إيران بشكل صحيح، إضافة إلى شرح رؤية الحكومة الرابعة عشرة والمواقف العامة للجمهورية الإسلامية الإيرانية”. لذلك، يرى كريمي أن “الدور الفاعل للدكتور ظريف في منتدى دافوس سيعطل جميع التحركات التخريبية للتيارات المعارضة للنظام التي تسعى إلى تحويل صورة إيران إلى صورة (أمنية) ودفعها نحو العزلة الإقليمية والدولية”.
ويتابع التقرير: “في السياق ذاته، أوضح علي نصري، محلل سياسي، أسباب الهجمات الأخيرة ضد حضور محمد جواد ظريف في منتدى دافوس، سواء من الأصوليين المحليين أو المعارضة الخارجية، قائلا: “إن الدكتور ظريف يقدم رواية عن إيران تراها التيارات الداخلية والخارجية- لأسباب وأهداف مختلفة تماما- تهديدا لمصالحها. وبالتالي، من الطبيعي أن يشعروا بالقلق من حضوره في دافوس”، مضيفا أن “رواية الدكتور ظريف تقدم إيران كدولة قوية وموثوقة لا تخشى التفاوض مع القوى العالمية”.
كما أوضح نصري أن منتدى دافوس يشكل فرصة ذهبية للدكتور ظريف لتفنيد الأفكار الخاطئة، ودحض الروايات الكاذبة، ووقف الحملات المغرضة التي تهدف إلى تحويل إيران إلى دولة أمنية ودفعها نحو العزلة وزيادة التوترات العسكرية، كما أن هذا المنتدى يمكنه أن يعكس الرواية الأقرب للواقع عن مكانة إيران في المنطقة والعالم، مما يعزز فرص السلام والاستقرار.
مشاهد من مسرحية ظريف
على الجانب الآخر، انتقدت صحيفة كيهان في عددها الخميس 23 يناير/كانون الثاني 2025، تصريحات ظريف خلال المنتدى، حيث قالت: “أثار ظريف، الذي يشغل منصب نائب الرئيس للشؤون الاستراتيجية بشكل غير قانوني وفقا للقوانين الإيرانية، مجددا، الجدل خلال مشاركته في المنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس، ففي مقابلة مع الإعلامي فريد زكريا، أشار ظريف إلى محاولات داخلية للإطاحة به، وضمن ذلك مزاعم حول جنسية أبنائه المولودين في الولايات المتحدة، مدافعا عن قانونية هذا الأمر، لكنه لم يكتفِ بذلك، بل انتقد شخصيات سياسية إيرانية علنا، مثل سعيد جليلي، زاعما أن وجوده بدلا من الرئيس الحالي، مسعود بزشكيان، كان سيؤدي إلى إشعال حروب كبيرة في المنطقة”.
ويكمل التقرير: “كذلك، فلم يتردد ظريف في مهاجمة المقاومة الفلسطينية واللبنانية، متهما إياها بأنها لم تعمل لصالح إيران، بل عرقلت جهود إعادة إحياء الاتفاق النووي، مما يعكس وجهة نظره التي تعتبر الاتفاق معيارا للنجاح حتى على حساب قضايا أخرى. وفي الوقت ذاته، قدم سردا حول فترة إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، مشيرا إلى وجود فرصة للتفاهم معه لولا تأثير مستشاريه، مثل جون بولتون ومايك بومبيو”. وأوضح أن “انسحاب ترامب من الاتفاق النووي كان نتيجة تخطيط دقيق لإضعاف إيران عبر تقديم ادعاءات، مثل الوثائق التي كشفها بنيامين نتنياهو. هذا الموقف أثار تساؤلات حول تحولات مواقفه تجاه ترامب، حيث بدا كأنه يخفف من حدة الانتقادات السابقة له”.
ويتابع التقرير: “إضافةً إلى ذلك، تعرض ظريف للانتقاد بسبب تفسيره الخاص للقوانين المحلية، حيث دافع عن تعيينه في منصب نائب الرئيس للشؤون الاستراتيجية رغم اعتراض البرلمان الإيراني ورئيسه محمد باقر قاليباف”، معتبرا أن الخلاف بشأن قانونية تعيينه هو مجرد اختلاف في التفسيرات. هذه التصريحات عززت الاتهامات بتماديه في تجاوز القوانين وتحدي سلطة المؤسسات الحاكمة، وهو ما وصفه البعض بأنه محاولة لتبرير ممارسات غير قانونية.
ويخلص التقرير إلى أن “تصرفات ظريف على الساحة الدولية ليست جديدة، ففي مناسبات عديدة، استخدم منابر خارجية للهجوم على خصومه من السياسيين الداخليين، كما حدث في لقاء سابق مع محمد البرادعي عام 2005، عندما تحدث عن تأثير الانتخابات الرئاسية الإيرانية على المفاوضات النووية. وفي فترة لاحقة، خلال حكومة الرئيس حسن روحاني، انتقد رؤساء سابقين وسياسات داخلية، مما أتاح فرصة لوسائل إعلام دولية لاستغلال هذه الخلافات”.
ويختتم التقرير بأن “تكرار هذه السلوكيات من ظريف، سواء عبر تقديم القضايا الداخلية كوسيلة للهجوم على منافسيه أو تبنيه مواقف تثير الجدل حول السياسة الخارجية لإيران، أدى إلى تداعيات سلبية. فمن جهة، زاد ذلك من الانقسامات الداخلية، ومن جهة أخرى، منح الأطراف الخارجية فرصة لاستغلال الخلافات الإيرانية على المستوى الدولي، مما أضعف صورة إيران ووحدتها في مواجهة التحديات. ظريف، ورغم خبرته السياسية، أظهر عجزا عن تعديل هذا النهج الجدلي، ما يجعله موضع انتقاد دائم داخل الأوساط السياسية والإعلامية الإيرانية”.
الكذب وإثارة الفتنة من منبر دافوس
وعلى خطاها، كتبت صحيفة جوان في عددها الصادر الخميس 23 يناير/كانون الثاني 2025، تقول: “حمل ظريف معه دعاواه وأحقاده ضد خصومه الداخليين إلى دافوس، وهناك تغنى أمام الأعداء بنغمة نشاز عن الخلافات الداخلية والصراع على المناصب، في خسارة صعبة لن تُعوضها كلمات ولا تصريحات مصححة، إن هذا النوع من التصريحات يخالف أمن إيران ويفتح المجال أمام الأعداء، لطالما التصق وصف متطرف بخصوم ظريف، وهو وصف يحظى بقبول في الخارج، بينما يبدو أن ظريف يكنُّ ولاء وودا للخارج أكثر من الداخل، لكن الحقيقة أن لا أحد أكثر تطرفا من ظريف. لا فرق بينه وبين أحمدي نجاد من حيث الخسائر التي يتسببان بها عبر خطاباتهما”.
ويكمل التقرير: “كان الأجدر بظريف أن يتحلى ببعض الإبداع في صياغة أكاذيبه ونسب التهم إلى خصومه الذين حازوا 13 مليون صوت من الشعب الإيراني، إنه يكرر نفس مزاعم رئيسه السابق، الذي ادعى أن الخصوم سيبنون جدرانا في شوارع طهران إذا وصلوا للحكم، فظريف، الذي يُعد أكبر كذاب في الحكومة، استغل منصبه ضد الدين والشعب والوطن، وكرر أكذوبته الدائمة بأن وجود خصمه بدلا من بزشكيان كان سيؤدي إلى اندلاع حرب كبرى في المنطقة، والسؤال هنا: هل لديكم أصلا القدرة على إدارة أو التأثير في أمور الحرب والسلام لتضعوا الابتعاد عن الحرب ضمن إنجازاتكم؟”.
ويضيف: “والسؤال الجاد الذي يطرح نفسه: لماذا يجب على إيران وشعبها دفع ثمن أحقاد ظريف التي يُفرغها على المنصات الأجنبية؟ أن يقول ظريف إن غيابه كان سيؤدي إلى الحرب وعدم الأمان الداخلي، وإنه هو فقط من يملك الجرأة للمشي في الشوارع، كيف يتوافق هذا مع دعوات الرئيس إلى الوحدة والتآلف ونبذ الأحقاد؟ لقد قضيتم سنوات في الحكومة، وكانت النتيجة الوحيدة التي تركتموها هي تعميق الانقسامات، وتشجيع الأعداء الخارجيين على استغلال ضعف إيران، وإفقار الشعب. خلال السنوات الثماني التي كنت فيها وزير الخارجية، دمرتَ الاقتصاد، وحتى الأمس أشار قائد الثورة إلى هذا التراجع الاقتصادي في العقد التسعينات كتأكيد على هذه الحقيقة”.
ويوضح: “ومن المثير للسخرية أنه في الوقت الذي كان فيه ظريف في دافوس، قام الرئيس، رغم عدم قانونية وجوده في الحكومة، بتعيينه عضوا في المجلس الأعلى للتخطيط الإقليمي، لكن أداء ظريف في دافوس أظهر أنه يصلح أكثر للمجلس الأعلى لانهيار الوطن، لو أمكننا حساب خسائر ظريف في قضية الاتفاق النووي وتصريحاته التي تزرع الفتنة والأكاذيب ضد الوحدة الوطنية، لكان علينا إدراجه ضمن أكثر الشخصيات تدميرا في التاريخ المعاصر”.
وقد توجهت بطلب إلى رئيس الجمهورية، حيث قالت: “نطالب الآن الرئيس بأن يوضح للشعب، في بضع جمل، مدى تطابق تصريحات ظريف في دافوس مع الاستراتيجية العامة لحكومته”.
الباسيج الطلابي: تجب إقالة ظريف
هذا وقد نقلت وكالة تسنيم الإخبارية أخبارا الخميس 23 يناير/كانون الثاني 2025، تفيد بأن عددا من مكاتب الباسيج الطلابي في جامعات طهران، التابعة لقوات الباسيج التي تقع تحت الهيكل التنظيمي للحرس الثوري، كانت لها ردود فعل سلبية بشأن حضور ظريف وكلماته في منتدى دافوس باعتباره منتدى دوليا، الأمر الذي ظهر عبر منشورات على صفحاتها في وسائل التواصل الاجتماعي.
فقد جاء على الموقع الرسمي للباسيج الطلابي بجامعة طهران الخميس 23 يناير/كانون الثاني 2025: “يا سيد ظريف! أنت شخص في منصب غير قانوني بالحكومة، ولا تملك الصلاحية لتمثيل الجمهورية الإيرانية في منتدى دولي، فضلاً عن استخدام منبر خارجي لتصفية حساباتك الشخصية والحزبية، لقد انتهت الانتخابات، الآن هو وقت المساءلة”.
كما أصدر مكتب الباسيج الطلابي بجامعة العلامة طباطبائي رسالة، الخميس 23 يناير/كانون الثاني 2025، مخاطبين فيها غلام حسين محسني إيجه أي، رئيس السلطة القضائية في إيران، جاء فيها: “يا سيد إيجه أي، هل أنت مستيقظ؟ لقد مرت أشهر على تعيين غير قانوني لشخص يجلس على مقعد مهم في الجمهورية الإيرانية، وذهب لتمثيل إيران في منتدى دافوس، وأرسل رسالة ضعف وتسوية عبر استخدام السياسة الداخلية لمصلحته الشخصية، ومن جهة أخرى، يتهم مدير منظمة الخصخصة الحالي بإحداث خلل في النظام الاقتصادي للبلاد. من المسؤول عن هذا الوضع في دولة حماية القانون؟”.
كذلك، فقد أعلن الباسيج الطلابي بجامعة شريف الصناعية في تغريدة على حسابه الرسمي عبر منصة إكس 23 يناير/كانون الثاني 2025: “بينما يتحدث رئيس الجمهورية عن تجنب الخلافات التي تفرح الأعداء، بأي منطق سياسي يتحدث معاونه الاستراتيجي بشكل أخرق عن قضايا داخلية في محافل دولي، إن إقالة المساعد غير القانوني المثير للجدل هي الرد الوحيد المناسب على هذا الانتقاص من الكرامة الوطنية، وهي في المقام الأول لصالح الحكومة نفسها”.