كتب: محمد بركات
في إطار فعاليات المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، أجرى محمد جواد ظريف، مستشار رئيس الجمهورية الإيراني للشؤون الاستراتيجية، حديثا تلفزيونيا مع شبكة “سي إن إن”، تطرق فيه إلى العديد من المواضيع الحساسة المتعلقة بالملف الإيراني، كموقع إيران ودورها من دعم المقاومة والعلاقات مع أمريكا الأمريكية وتأثيرها على المنطقة، لقاء ربما لا يقتصر على كونه حوارا بين سياسي ومذيع، لكنه قد يحمل الخريطة الدبلوماسية الإيرانية في الفترة المقبلة.
“المقاومة باقية ما دام الاحتلال باقيا”
فخلال لقائه مع فريد زكريا، المذيع والمحلل في شبكة “سي إن إن” الأمريكية، الأربعاء 22 يناير/كانون الثاني 2025، صرح ظريف، في معرض إجابته عن سؤال حول قدرة إيران الإقليمية التي وصفها المحاور بالضعيفة والحرجة بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2025، والضربات التي وجهتها إسرائيل إلى حزب الله وحماس، قائلا: “في العام 1982، احتلّت إسرائيل بيروت خلال حربها ضد لبنان بهدف القضاء نهائيا على المقاومة الفلسطينية، ولكن في الفترة بين 1981 و1987، ظهرت حركات مثل الجهاد الإسلامي، وحزب الله، وحماس. لذلك، أدعو الجميع إلى عدم التوهم أو الابتهاج بفكرة القضاء على حماس أو حزب الله أو تقليص نفوذ إيران في المنطقة، لأن المقاومة ستبقى ما دام الاحتلال موجودا”.
كما أكد أن المقاومة ضد الإبادة الجماعية، والاحتلال، ونظام الفصل العنصري الإسرائيلي كانت موجودة حتى قبل الثورة بإيران في العام 1979، فالمقاومة قد اكتسبت قوة في اللحظة التي اعتقدت فيها إسرائيل أنها قضت عليها، مضيفا: “انظروا الآن إلى غزة، فحماس لا تزال موجودة، ونتنياهو لم يحقق أيا من أهدافه، ومن جهة أخرى، فقد اضطرت إسرائيل إلى قبول وقف إطلاق نار مؤقت”.
“لم تكن لدينا معلومات حول السابع من أكتوبر”
وخلال حديثه، أكد ظريف أن حماس لم تتلقَّ يوما أمرا من إيران، ولم تكن لدى طهران أي معلومات عن أحداث السابع من أكتوبر، وقال: “كنا مصدومين مثل الجميع، لأننا كنا نستعد للقاء مع الأمريكيين حول الاتفاق النووي في التاسع من أكتوبر/تشرين الأول، لكن اللقاء لم يتم بسبب عملية طوفان الأقصى”.
وحول تسليح إيران لقوى لحماس وحزب الله، قال: “دعونا لا نتحدث عن هذا الموضوع، فهناك العديد من الأطراف والدول قامت بتسليح وتجهيز الآخرين، لكنها لم تحقق النجاح. لنكن واضحين، نحن دائما دافعنا عن حقوق الإنسان”.
كما قال ظريف: “إن أفعال إسرائيل في ما يتعلق بحقوق الإنسان تخضع لمراقبة المحكمة الجنائية الدولية، وبسبب أحكام المحكمة ضد نتنياهو ووزير الدفاع الإسرائيلي السابق، يوآف غالانت، لم يتمكنا من السفر إلى دافوس. أما رئيس إسرائيل فقد حضر إلى دافوس لأنه، بحسب اعترافه، لا يتمتع بأي منصب حقيقي”، مضيفا: “إذا أردتم حل قضية فلسطين، فلا يجب أن تركزوا على إيران، بل عليكم أن تتوجهوا إلى جوهر القضية الفلسطينية وجذورها. طالما أن قضية فلسطين قائمة، ستبقى المقاومة موجودة”.
“تعرضنا لخسائر.. لكننا لم ندمَّر”
هذا وقد وصف ظريف تدمير الدفاعات الجوية الإيرانية خلال الحرب مع إسرائيل بالادعاء، موضحا: “لقد حاربنا ضد العراق بدون أي دفاعات جوية أو أسلحة متطورة، في وقت كانت الولايات المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، وبريطانيا، والاتحاد السوفيتي، والصين تدعم العراق، وخضنا الحرب لمدة ثماني سنوات دون أي شيء، ولم نتنازل عن شبر واحد من أرض إيران”.
وأضاف: “إن الحديث عن تدمير الدفاعات الجوية الإيرانية مجرد قصة مختلقة، وهناك أسباب وراء هذا الاختلاق. نعم، تعرضنا لبعض الأضرار، لكن لم يتم تدمير أي دفاع جوي”، مؤكدا أن “الجمهورية الإيرانية بعد الثورة هي أول حكومة في إيران خلال السنوات الـ250 الماضية التي لم تخسر ذرة واحدة من أراضيها. لذا، نحن لا نتحدث عن حكومة ضعيفة”.
“إيران لم تعد ضعيفة كما في الماضي”
وحول قوة إيران، قال ظريف: “كم مرة امتثلت قوى المقاومة أو ما تسمونه وكلاء إيران لأوامر إيران؟ في مثل هذه الظروف، عندما لم يتبعوا أوامر إيران مطلقا، كيف يمكن للضربات المفترضة التي تعرضوا لها أن تؤثر على قوة إيران؟ إذا قلتم إننا قمنا بدور دبلوماسي لصالح محور المقاومة، فإنني أؤكد أننا لم نضعف دورنا في المنطقة قط”.
وأضاف: “تقولون إن استثمار إيران في محور المقاومة قرار غير حكيم، لكنني أعتقد أننا نؤمن بالقوى الأيديولوجية، فقدرة إيران الأيديولوجية على تحريك مواطني دول متعددة في العالم للخروج إلى الشوارع تمنحنا القوة، ولا تزال لدينا هذه القوة، ويمكننا أن نلهم الناس حول العالم، تماما كما فعلنا في أوائل الثورة”.
كما أكد ظريف: “بالطبع ارتكبنا أخطاء داخلية، ونحتاج إلى العمل على تصحيحها، والآن لدينا فرصة للتقدم. بسبب تاريخ إيران، كنا ننظر دائما إلى الدول الأجنبية كتهديد. في العقود الأخيرة، أظهرنا أننا لن نكون فريسة للآخرين. كنا في الماضي فريسة سهلة، احتل البريطانيون والروس بلادنا، وبعد الحرب العالمية الثانية فرضوا مجاعة علينا. لكن الآن، لم تعد الدول تنظر إلى إيران كدولة ضعيفة”.
“ليس لدينا قوات بالوكالة”
وفي معرض رده على سؤال حول رغبة بعض الأطراف بواشنطن في التوصل إلى اتفاق شامل مع إيران يشمل وقف دعم القوات الوكيلة لإيران، قال ظريف: “لم يكن لدينا يوما قوات وكيلة في المنطقة”، مضيفا: “كانت الولايات المتحدة دائما ما تؤكد ضرورة وجود اتفاق إقليمي، والآن لدينا الآن اتفاق إقليمي، وعلاقات إيران مع دول المنطقة، وضمن ذلك السعودية والإمارات ودول أخرى، جيدة. وقد أكدتُ في مذكرة، ضرورة إنشاء منظمة في المنطقة لتعزيز الحوار الإقليمي”.
وذكر أنه “على مدى العقود الأخيرة، مارست الولايات المتحدة وإسرائيل ضغوطا على إيران؛ لإجبارها على نسيان القضية الفلسطينية. لكن جذور القضية ليست في إيران. الحل الوحيد لقضية فلسطين هو إنشاء دولة فلسطينية مستقلة. سواء دعمتها إيران أم لا، فإن المقاومة ضد الاحتلال ستستمر حتى تحقيق دولة فلسطينية مستقلة”.
إيران لا تشكل تهديدا أمنيا
وحول التقارير التي وردت من مصادر استخباراتية أمريكية بشأن امتلاك إيران فرصة لبضعة أسابيع لتطوير سلاح نووي، علق ظريف: “لو كنا نرغب في بناء سلاح نووي، لكنا قد فعلنا ذلك بالفعل، إن البرامج النووية المصممة لصناعة أسلحة نووية لا تُشبه البرنامج النووي الإيراني، فهذه البرامج تُدار بشكل سري تماما”.
وأضاف: “إن الأطراف مثل الإسرائيليين الذين يبدون قلقهم من برنامجنا النووي ويدّعون أن إيران تستطيع بناء سلاح نووي خلال أيام، هم أنفسهم الذين لم يرحبوا بالاتفاق النووي، وكان يمكن للاتفاق أن يُبعد إيران عن السلاح النووي لمدة 15 عاما، فأشخاص مثل نتنياهو، الذي زعم في التسعينيات أن إيران ستبني سلاحا نوويا خلال 6 أشهر، مضى على مزاعمه نحو 30 عاما، وهم الآن يدعون أن إيران قادرة على تطوير سلاح نووي خلال أيام”.
“مستشارو ترامب مخطئون”
وحول احتمالية وجود فرصة لعقد اتفاق نووي بين إيران وترامب، قال ظريف: “نأمل أن يختار الآخرون المنطق والعقلانية، ولكن دعني أوضح هذا الأمر، لقد قام جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق، بزيارة فرنسا في فبراير/شباط 2017، وكان قبلها قد كتب تقريرا يشرح فيه كيفية انسحاب ترامب من الاتفاق النووي”.
وأضاف: “حصل بولتون على رشوة تبلغ نحو 40 ألف دولار من جماعة مجاهدي خلق، إحدى الجماعات المعارضة للنظام الإيراني، وخلال خطابه في اجتماع هذه الجماعة، قال إنه سيحتفل في طهران العام المقبل، وفي أبريل/نيسان من العام 2018، تم تعيينه مستشارا للأمن القومي لترامب، أما بومبيو، فبعد يومين من تصديق الكونغرس على تعيينه وزيرا للخارجية، زار إسرائيل وطلب من نتنياهو تنفيذ عرض مصطنع يتعلق بوثائق سرية مسروقة من إيران”.
وأكمل: “في الثامن من مايو/أيار من العام 2018، انسحب ترامب من الاتفاق النووي. بالنظر إلى هذه التطورات والحديث مع قادة الدول، يتبين أن مستشاري ترامب أقنعوه بأن إيران على وشك السقوط، وأن الانسحاب المفاجئ من الاتفاق سيكون الضربة القاضية لها. أما المرحلة الثانية، فقد جاءت بعرض الوثائق المزعومة من قبل نتنياهو، مما أدى إلى تأييد عالمي لانسحاب أمريكا من الاتفاق. هذان الأمران يعكسان سوء فهم مستشاري ترامب، وليس ترامب نفسه”.
وذكر ظريف أنه “في هذه المرة، قام ترامب بإخراج بولتون، وبرايان هوك، وبومبيو وغيرهم من إدارته، وحتى دعمه لبولتون في مزاعم إيران بمحاولة اغتياله قد انتهى. هذه المزاعم كانت دائما غير صحيحة. ونأمل أن يكون ترامب في ولايته الثانية أكثر حزما وواقعية ووعيا، ويدرك أن انسحابه من الاتفاق النووي، الذي أقر بأنه جاء بناءً على طلب إسرائيل، أدى إلى توسع كبير في برنامج إيران النووي”.
بزشكيان يفي بوعوده
وحول تنفيذ الوعود الانتخابية للرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وتولي النساء والأقليات للمناصب الحكومية، أوضح ظريف: “أفخر بأنني شاركت في تشكيل حكومة إيران، وفيها أربع نساء في المناصب العليا، وعندما تمشي في شوارع طهران، ترى أن بعض النساء لا يلتزمن بالحجاب رغم القوانين، ولكن الحكومة قررت ألا تمارس الضغط عليهن. والرئيس أوفى بوعوده”.
وأضاف: “إن الأقليات في إيران أصبحت حكاما وتولت مناصب قيادية، ففي الحكومة الحالية، هناك شخص من الأقليات، والرئيس يفتخر بهذه الإنجازات، ومع أنها غير كافية، فهي خطوة في الاتجاه الصحي”، مؤكدا: “فعكس دول أخرى بالمنطقة، فإن جميع الأصوات تسمع في إيران، ولدينا أحزاب سياسية متنوعة، وكل الأصوات نشطة، سواء المؤيدة أو المعارضة”.
“نعم، يريدون عزلي”
كذلك، فقد علق ظريف خلال رده على سؤال حول ما إذا كان بعض الأشخاص يريدون عزله ورفع دعوى ضده بسبب حصول أبنائه على الجنسية الأمريكية، قائلا: “نعم، هذا صحيح، أبنائي وُلدوا في أمريكا، ولكن يجب أن أقول إنهم ولدوا في أثناء دراستي بأمريكا”.
وتعليقا على قول المحاور إن ما يهم ليس ما يقوله ظريف في دافوس، لأن الأصوليين هم من يحددون السياسة الأمنية، رد ظريف قائلا: “هذا ليس صحيحا. لو كان الأصوليون على رأس السلطة في إيران الآن، لما استطعت أن أمشي في شوارع طهران، إنهم يريدون عزلي عن تولي أي منصب في الحكومة”، مضيفا: “المجتمع الإيراني ليس مجتمعا ذا صوت واحد، هناك آراء مختلفة بين الناس. نحن لا نريد قمع الأصوات المعارضة. خسرنا في الانتخابات السابقة، لكننا فزنا في الانتخابات الأخيرة”.