ترجمة: علي زين العابدين برهام
نشرت صحيفة “اعتماد” الأربعاء 5 فبراير/ شباط 2025 مقال الكاتب الصحفي والسياسي الإصلاحي عباس عبدي، حول الوعود التي قطعها الرئيس مسعود بزشكيان ولم يف بها، محذرا إياه من تدمير ثقة الشعب به.
وذكر عبدي في مقاله أن الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان وحكومته يواجهون اليوم خطر فقدان ما تبقى من الثقة العامة، وهي الثقة التي لم تكن قوية منذ البداية. يعود هذا الضعف إلى قناعة راسخة لدى شريحة واسعة من الناس بأن البيئة السياسية الحالية لا تسمح بإنجاز تغييرات مؤثرة، وأن تنفيذ سياسات فعّالة أمر يكاد يكون مستحيلا.
وأشار إلى أن البعض يرى أن بزشكيان ليس الرجل القادر على إحداث هذا التحول، ويمكن تفسير عزوف نحو 50% من الناخبين عن المشاركة في الانتخابات كدليل على هذا الاعتقاد. ففقدان الثقة لم يكن موجها ضده شخصيا فحسب، بل تجاوز ذلك ليعكس يأسا أعمق من النظام السياسي برمّته.
وتابع: من الطبيعي بعد الانتخابات أن تمنح الجماهير الفائز هامشا من الأمل والثقة، في انتظار رؤية نتائج ملموسة. هذا ما حدث مع الرئيس الأسبق حسن روحاني عام 2013، فعلى الرغم من فوزه بنسبة 50% فقط من الأصوات، إلا أن شعبيته ارتفعت بعد الانتخابات إلى 77% نتيجة تجدد الأمل بمستقبل أفضل.
وأضاف أن بزشكيان، وفقا لاستطلاع رأي أُجري في نهاية سبتمبر، فقد بلغت نسبة شعبيته (المرتفعة جدا والعالية) 50% فقط. وقد تراجعت هذه النسبة بشكل كبير مؤخرا، وهذا أمر متوقع بالنظر إلى الفجوة الكبيرة بين توقعات الناس ومستوى تنفيذ الوعود التي قُطعت.
وذكر عبدي أنه وبعيدا عن القضايا الاقتصادية الملحة مثل أسعار العملة والطاقة، فإن التقدم في تنفيذ أهم الوعود يكاد يكون غائبًا أو غير كافٍ لإحياء الأمل لدى المواطنين.
وأضاف أن الوقت ليس في صالح بزشكيان، فإذا لم يتم إحراز تقدم حقيقي وفتح آفاق جديدة قبل نهاية العام، فقد يكون من الصعب جدا استعادة الثقة لاحقا. الفرصة لا تزال قائمة، لكنها تضيق مع مرور الوقت.
وأوضح أنه لإعادة بناء الأمل واستعادة ثقة الناس، لا بد من مراجعة خمسة قضايا وتحديات محورية ضمن إطار سياسة التوافق. قبل الخوض في تفاصيل هذه النقاط، يجب الإشارة إلى أن نجاح أو فشل بزشكيان يعتمد بدرجة كبيرة على نتائج هذه السياسة.
السياسة الخارجية، وملف FATF
ذكر عبدي أن الوعد الأبرز للرئيس بزشكيان كان في مجال السياسة الخارجية، خاصة ما يتعلق بإقرار ملف FATF ومعالجة قضية العقوبات، وسواء صرّح بهذا الوعد علنا أم لم يفعل، هناك إجماع واضح بين الإيرانيين على ضرورة رفع العقوبات، ففي استطلاع للرأي أُجري في سبتمبر الماضي، اعتبر 59% من المشاركين أن رفع العقوبات هو الأولوية القصوى التي يجب أن تركز عليها الحكومة، مقارنة بـ48% فقط ممن رأوا أن السيطرة على التضخم وغلاء الأسعار هي الأهم.
وأضاف بأن تحقيق هذا الوعد يستلزم بطبيعة الحال تغييرات جوهرية في السياسات الخارجية. لقد شهدت الأشهر الستة الماضية تطورات إقليمية ودولية قد تعزز فرص الحكومة في هذا الاتجاه. ومع عودة ترامب إلى المشهد السياسي، يبقى السؤال: هل يمتلك بزشكيان الإرادة الكافية لاتخاذ قرارات حاسمة في هذا الملف؟
وأوضح أنه من المؤكد أن الأمر لا يتعلق بإيران وحدها، فالجانب الأمريكي شريك رئيسي في هذه المعادلة. لكن رغم محدودية التأثير على الطرف الآخر، يتوقع الشعب من حكومته أن تتعامل بعقلانية ومرونة. حتى الآن، لم يُحرز أي تقدم ملموس بخصوص FATF، بل يبدو أن الأمور تراوح مكانها، ولا تُبشّر المؤشرات الحالية بنتائج إيجابية. استمرار هذا الوضع يضر بالمصلحة الوطنية ويقوض ثقة الناس بالحكومة، وإطالة أمد هذه القضية باتت عبئًا حقيقيًا على الاقتصاد والمجتمع.
رفع الحجب
ذكر عبدي أن ثاني الوعود المهمة التي قدمها بزشكيان كان رفع الحجب عن الإنترنت، لكن هذا الوعد تحوّل بمرور الوقت إلى مصدر إحباط وسخرية بين الناس. عدم الوفاء بهذا الالتزام ألحق ضررا كبيرا بثقة المواطنين وأملهم في الحكومة.
وتابع بأن الناس ينتظرون من الحكومة أن تتعامل مع هذا الملف ببساطة، فكما فُرض الحجب بقرار بسيط، يمكن إلغاؤه بالطريقة نفسها. ورغم أن أغلب الإيرانيين باتوا يعتمدون على برامج كسر الحجب للوصول إلى المنصات المحجوبة، فإن استمرار هذه السياسة لم يُسفر سوى عن نتائج عكسية، أبرزها فقدان الثقة بالدولة وازدياد السخط الشعبي.
وأشار إلى أنه من المثير للسخرية أن تطبيق Clubhouse، الذي لم يكن محجوبا في السابق، أصبح محجوبا مؤخرا دون أي تفسير منطقي. وحتى الآن، لم يقدم المدافعون عن سياسة الحجب إجابة مقنعة على سؤال بسيط: “لو لم يكن هناك حجب، هل كان الوضع سيكون أسوأ؟”
وأردف: الحقيقة أن استمرار الحجب يعكس العقبات السياسية المفتعلة التي تعترض طريق الحكومة. لا يوجد أي منطق سليم يبرر استمرار هذه السياسة في ظل عالم يتجه نحو حرية المعلومات والانفتاح الرقمي. وعلى الرغم من رفع الحجب عن واتساب، لا يزال المواطنون بحاجة لاستخدام برامج كسر الحجب للوصول إلى تطبيقات مثل تلغرام ويوتيوب وإنستغرام.
وقال إنه مع التطور التكنولوجي السريع، قد لا يحتاج الإيرانيون حتى إلى هذه البرامج مستقبلًا بفضل مشاريع مثل الإنترنت الفضائي الذي يقوده إيلون ماسك. وهنا تكمن المفارقة: إن معارضي رفع الحجب يعارضونه ليس بدافع القلق على الأمن القومي، بل لأنهم يدركون أن استمرار الحجب يُضعف ثقة الناس بالحكومة أكثر من أي شيء آخر.
أوضح عباس عبدي أن استمرار السياسات الحالية دون معالجة هذه التحديات سيؤدي إلى تآكل أكبر في ثقة الناس بالحكومة، وسيدفع المجتمع نحو مزيد من الإحباط واليأس. السيد بزشكيان بحاجة لاتخاذ خطوات جريئة وواضحة، تُظهر إرادة سياسية حقيقية وقدرة على مواجهة الضغوط الداخلية والخارجية.
وذكر أن الأمل لا يزال قائما، لكن الوقت ليس في صالح الحكومة، إذ يجب التحرك الآن قبل أن يُصبح فقدان الثقة أمرا لا رجعة فيه.
قضايا النساء
ذكر عباس عبدي أن المسألة الثالثة تتعلق بالنساء. من المؤكد أن تعليق تنفيذ القرار الغريب والخطير الذي أصدره مجلس النواب، والذي كان من شأنه أن يعرض استقرار المجتمع وأمنه لخطر جدي في حال تنفيذه، يُعدّ من أبرز إنجازات الحكومة في الوفاء بأحد وعودها.
وأضاف أن هذه القضية لم تلقَ الاهتمام الكافي من الناس. لماذا؟ لأن القرار لم ينفذ بعد ليشهد الناس التبعات الخطيرة التي كانت ستترتب عليه. في الواقع، العديد من الناس يجهلون أبعاد القضية. وحتى لو تم تنفيذ القرار، كانت الحكومة ستنهار بالكامل ولن يبقى شيء يمكن إعادة بنائه. بالإضافة إلى ذلك، فإن الإجراءات غير القانونية، خصوصا في التعامل مع النساء والسيارات، ما زالت مستمرة دون أي مساءلة، ويظن الناس أنه لم يتم فعل شيء.
الإعلام
تابع بذكر الوعود وقال إن المسألة الرابعة تتعلق بالإعلام، إذ يمكن القول بكل يقين أنه لم يتحسن، بل على العكس، تشير الأدلة والشواهد العامة إلى تراجع ملحوظ في أدائه. لا يمكن للحكومة تجاهل مسؤوليتها في هذا المجال. فالإعلام هو أداة للدولة ويجب أن يكون في خدمة المصالح الوطنية وآمال الشعب، لا في خدمة مجموعة فكرية ضيقة، خاصة عندما يكون هناك تراجع واضح في أعداد المتابعين وتأثيره، مما يفتح المجال أمام وسائل الإعلام الأجنبية وغير الرسمية للتأثير.
اختيار المسؤولين
ذكر عبدي أن النقطة الأخيرة تتعلق بعملية اختيار المسؤولين واستبعاد المعايير الأمنية وغير المهنية في هذا الاختيار. هذه العملية التي تم تشديدها في الحكومة السابقة وتم توسيع نطاقها إلى أقصى حد! حتى الآن، كانت إجراءات حكومة الطبيب في هذا المجال محدودة نسبيا، رغم أنها قادرة على التحرك بشكل أكثر حزمًا وسرعة. ربما لا توجد فرصة للخوض في تفاصيل هذا الموضوع، لكن الحكومة في هذا الوضع ستتدهور يومًا بعد يوم.
وأشار إلى أنه على مدار الأشهر الستة الماضية، تم تسجيل أحداث أخرى ساهمت في تقليص الرصيد الاجتماعي للحكومة وأثرت على مستوى الثقة بها. قضايا مثل الطاقة والكهرباء، تلوث الهواء، العلطلات المتكررة، والتأثيرات السلبية المحتملة على النمو الاقتصادي، بجانب ارتفاع أسعار العملات والتضخم، أسهمت في تآكل الثقة الاجتماعية بشكل أكبر.
وأوضح أنه خلال هذه الفترة، أصبح نشر المعلومات العامة واستطلاعات الرأي مشابها لما كان عليه في حكومة إبراهيم رئيسي، حيث القيود على ذلك أصبحت أكثر شدة. يعتقد البعض أنه إذا لم يتم نشر هذه المعلومات، فلن يعلم بها أحد، وهذا أمر خاطئ. الحل الوحيد لإصلاح الأوضاع وتغيير مسار السياسة هو نشر المعلومات وتحويل الوعي الفردي إلى وعي جماعي. إن سرية نتائج الاستطلاعات ليس فقط خيانة للمجتمع، بل هو مخالف للأخلاق والقانون، ويُدخل الحكومة في حالة من الوهم والاعتقاد بأن الأوضاع تحت السيطرة.
وتابع بأن إحدى الاستطلاعات التي أُجريت من قبل معهد “شناخت” أظهرت أن الأمل والثقة في بداية عمل هذه الحكومة قد انخفضت بما يقارب الثلث أو أكثر. ورغم ذلك، لا يزال الناس لم يفقدوا الأمل في الحكومة، وهم مستعدون لمنحها الفرصة. في اعتقادي، في الخمسين يوما المقبلة، يجب على الحكومة أن تتخذ إجراءات جادة وسريعة.
واختتم عباس عبدي المقال بنصيحة الحكومة مؤكدا على ضرورة تنفيذ الوعود التي قُدمت للشعب، محذرا إياها بأنها قد تقع في خطأ جسيم إذا اعتبرت حل مشاكل المجتمع الإيراني مسألة بيروقراطية بحتة. هذا خطأ كبير، فالانغماس في الشؤون اليومية والإدارية هو نفسه فقدان الثقة والأمل من قبل الشعب.