كتبت: سارة محمد علي
توعد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بمزيد من التصعيد حال ، لجوء الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى اتخاذ خطوات من شأنها استهداف المشروع النووي الإيراني.
وحول الزيارة الأخيرة التي قام بها المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي لطهران في 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، ولقائه عددا من المسؤولين الإيرانيين، على رأسهم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان. قال عراقجي، خلال لقاء له مع التلفزيون الإيراني مساء السبت 16 نوفمبر/تشرين الثاني، إن أول ما قاله لغروسي في أثناء لقائه به كان سؤال: هل رحلتك فنية أم سياسية؟
وأجاب غروسي: “إنه سؤال جيد وذو صلة”، ثم أوضح أن الرحلة تقنية تماما، بحسب ما نقله عنه عراقجي.
وأضاف وزير الخارجية الإيراني: “إن سلوكنا مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية سلوك مهني تماما، وعلى غروسي أن يقوم بواجباته في المجال الفني، وليس له الحق في الدخول إلى المجالات السياسية، وطالما قامت الوكالة بواجبها المهني وطالما أن غروسي يتحرك في إطار معاهدة حظر الانتشار النووي، فسوف نتعاون بشكل كامل معه ومع الوكالة “.
وتابع عراقجي مستدركا: “لكن يبدو أن هناك نهجا سياسيا في هذا المجال والغربيون يجبرون المدير العام على إدخاله إلى المجال السياسي، مما يجعل العمل صعبا، وبما أننا واثقون بأن برنامجنا النووي سلمي، فليست لدينا مشكلة في العمل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية لإثبات سلميته.
وقال: “خلال هذه الرحلة قررنا المزيد من التعاون، وقد قال الرئيس الإيراني لغروسي إنه ليست لدينا مشكلة في التعاون مع الوكالة إذا انتهجت فقط العمل على تنفيذ بنود معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية”، مؤكدا أن إيران سوف تفي بكافة التزاماتها في إطار هذه المعاهدة.
وشدد عراقجي على أنه إذا قام مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية باتخاذ قرار ضد إيران فسوف تقوم باتخاذ إجراءات جديدة مختلفة، قائلا: “في كل مرة اصدروا قرارا، أبدينا نحن رد الفعل وكل المسؤولين الإيرانيين يقولون، وأقولها مرة أخرى، إذا حدث هذا الأمر فسنتخذ إجراءات جديدة ولن يكونوا سعداء بها بالتأكيد”.
ضغط أوروبي
يذكر أنه بالتزامن مع زيارة غروسي لإيران، نشرت وكالة رويترز للأنباء في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، تقريرا نقلت فيه عن دبلوماسيين- لم تسمهم- قولهم إن القوى الأوروبية تسعى إلى استصدار قرار جديد ضد إيران من جانب مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية خلال أيام للضغط على طهران بدعوى قلة تعاونها.
وفي اليوم نفسه حذّر محمد إسلامي، رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، في مؤتمر صحفي مشترك مع المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي، في طهران، من أن إيران ستتخذ “تدابير فورية” ضد أي قرار يصدر عن مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية يتعارض مع برنامجها النووي.
وقال إسلامي إن “أي قرار بالتدخل في الشؤون النووية للجمهورية الإيرانية سيقابل بالتأكيد بتدابير مضادة فورية”.
يُذكر أن مشروع القرار الذي سبق أن قدمته القوى الأوروبية الثلاث بريطانيا وألمانيا وفرنسا وتسعى إلى تمريره الأيام القادمة في مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، يلزم المدير العام للوكالة بتقديم تقارير شاملة وفصلية عن البرنامج النووي الإيراني، بينما تعارض إيران هذا المشروع وترى أنه غير ضروري، لأنها تعتقد أنها تتعاون بشكل كاف مع الوكالة، فيما ترى الوكالة أن تعاون إيران وردودها غير كافية.
وذكر متحدث باسم وزارة الخارجية الألمانية في تصريحات صحفية، الاثنين 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، أن ألمانيا وبريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية تعتزم تقديم قرار ضد البرنامج النووي الإيراني في مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وسوف تحاول الحصول على موافقة بالإجماع عليه خلال الأسبوع الجاري.
وقال المتحدث: “زيارة المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى إيران لم تغيّر تقييماتنا”.
تحذيرات إيرانية
وعلى الجبهة المقابلة قال الباحث الإيراني في القضايا الدولية، عبد الرضا فرجيراد، الخبير في القضايا الدولية، في حوار صحفي، الأحد 17 نوفمبر/تشرين الثاني، إن إيران لديها تمتلك كثيرا من أدوات الضغط على الوكالة في حال تم تمرير مشروع القرار ضد إيران.
ومن بين ما يمكن لإيران القيام به ردا على ذلك، الحد من تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وإيقاف تشغيل جميع الكاميرات النشطة التابعة للوكالة والموجودة في المنشآت النووية الإيرانية، كما يمكن منع مزيد من خبراء الوكالة من مواصلة العمل في إيران.
وأضاف: “يمكن لإيران أيضا اتخاذ إجراءات أكثر جذرية، مثل الانسحاب من معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، أو تفعيل جيل جديد من أجهزة الطرد المركزي، أو زيادة تخصيب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 90 بالمائة”.
وسبق أن قامت إيران في يونيو/حزيران 2022 بإغلاق 27 كاميرا تابعة للوكالة الدولية للطاقة الذرية، مثبتة داخل المواقع الإيرانية النووية، ثم أعادت تشغيل عشرة منها خلال عام.
لكن المتحدث باسم الوكالة الإيرانية للطاقة الذرية صرح في يونيو/حزيران 2023، بأن الوكالة الدولية للطاقة الذرية لا يمكنها الاطلاع على بيانات هذه الكاميرات، ولن يحدث ذلك قبل التوصل لاتفاق نهائي بين الوكالة وإيران.
وتزامنا مع تصريحه قامت إيران في الشهر نفسه، سبتمبر/أيلول 2023، بإلغاء تصاريح عدد من مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومنعتهم من دخول أراضيها.
لكن رغم ما يثار حول احتمالات التصعيد ثانية بين إيران والوكالة، صرح المتحدث باسم وزارة الخارجية الايرانية، إسماعيل بقائي، في مؤتمر صحفي الاثنين 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، بأن بلاده تأمل أن تتيح زيارة غروسي “مواصلة محادثات تقنية مع الوكالة بعيدا عن الضغوط والاعتبارات السياسية”.
وأضاف أن الزيارة كانت تهدف “لإفساح المجال أمام الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالقيام بعملها الفني بدون التعرض لضغوط مدمرة ومسيئة من بعض الأطراف”.
المفاوضات النووية
وحول الاتفاق النووي الإيراني المعروف بـ“خطة العمل الشاملة المشتركة”، صرح وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي قائلا: “توقفت التزاماتنا منذ أمد، وكان ذلك ردا على انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية وعلى عدم التزام الجانب الأوروبي”، وأضاف: “نحن لم ننسحب من خطة العمل الشاملة المشتركة، بل أوقفنا التزاماتنا بها”.
وحول المفاوضات النووية قال عراقجي: “في حكومة الرئيس بزشكيان، سعينا من جديد في نيويورك لإحياء المفاوضات النووية التي كانت قد بدأت قبل سنوات، وقد أبدت الأطراف الأوروبية ترحيبها بذلك”.
وكانت هنالك أيضا مفاوضات في مسقط، بدأت في فترة حكومة الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي، وهي مفاوضات غير مباشرة بين إيران والولايات المتحدة بوساطة عمانية، لكنها توقفت بعد ذلك بسبب الأحداث الجارية في المنطقة إضافة لوفاة رئيسي .
وأضاف عراقجي: “من المحتمل أن تبدأ المفاوضات مع الأطراف الأوروبية مرة أخرى قريبا، لكن الحديث عن عملية المفاوضات في مسقط مع الجانب الأمريكي، متوقف لأنه يتعين علينا أن نرى ما هو النهج الذي ستتبعه الحكومة الأمريكية الجديدة وسنتصرف وفقا لذلك”.
وصرح وزير الخارجية الإيراني بأن مطالب الأمريكيين والأوروبيين التي وصفها بالمبالغ فيها، إضافة الى عوامل أخرى حالت دون إحياء الاتفاق النووي، وقال: “حتى الآن لو بدأت المفاوضات النووية فإن خطة العمل الشاملة المشتركة لن تعود لها خصائصها السابقة، ولا يمكن إحياؤها بشكلها الحالي، ولكن يمكن استخدامها كمرجع ومصدر”.
وقال عراقجي: “إذا بدأت مفاوضات جديدة فإن الفرصة ستكون محدودة، لأنه في أكتوبر/تشرين الأول 2025، سيكون نهاية قرار مجلس الأمن رقم 2231، وإذا لم يتم التوصل إلى اتفاق قبل ذلك، فسنواجه وضعا حرجا”.
وأضاف مستدركا: “لكنني لا أريد إصدار حكم بشأن العام المقبل، وحتى الآن لا تزال هناك فرصة للتفاوض، لكنها ليست طويلة، بل محدودة، فبالنسبة لمثل هذه المفاوضات المعقدة، لا تعتبر سنة واحدة وقتا طويلا، خاصةً أننا أمام أزمة في المنطقة تجعل الأمر صعبا”.
وتابع: “نحن على استعداد تام للمفاوضات، وبرأيي أنها ممكنة ويمكن للطرفين العمل في هذا الصدد، وما زلنا نعتبر نافذة الدبلوماسية مفتوحة، بشرط أن تكون هناك إرادة حقيقية من الجانب الآخر”.
واختتم عراقجي حديثه حول المفاوضات بشأن ملف إيران النووي قائلا: “لدينا الاستعداد اللازم لأي مسار، كما أعلنا في قضية (الكيان الصهيوني) أن إيران جاهزة لأي سيناريو، وهنا أقول أيضاً للأطراف الغربية إننا مستعدون لمختلف القضايا والسيناريوهات، وإذا وصلنا إلى نقطة المواجهة فنحن جاهزون للوصول إليها، وإذا وصلنا إلى نقطة التفاعل والاتفاق فنحن جاهزون أيضا” .
خطة العمل الشاملة المشتركة
تمثل خطة العمل المشتركة اتفاقا تم إبرامه عام 2015 في عهد الرئيس الأمريكي باراك أوباما، بين إيران ومجموعة 5+1 التي تمثل الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وهي الصين وفرنسا وروسيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، إضافة إلى ألمانيا. وبموجب هذا الاتفاق، تم الإعلان عن موافقة إيران على تفكيك جزء كبير من برنامجها النووي وفتح منشآتها أمام عمليات تفتيش دولية أوسع من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية مقابل رفع عقوبات بمليارات الدولارات.
واستمرت هذه الاتفاقية حتى انسحب منها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عام 2018، وأعاد فرض عقوبات صارمة على إيران، وصلت إلى 1500 عقوبة.
ومنذ أن انسحب ترامب من خطة العمل الشاملة المشتركة، قامت طهران بتقييد وصول الوكالة الدولية للطاقة الذرية لتفقد منشآتها النووية، وبدأت في التراجع تدريجيا عن معظم التزاماتها بموجب الاتفاق.
وقد حاول الرئيس الأمريكي جو بايدن إعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني عام 2021 لكن محاولاته باءت بالفشل.