كتب: محمد بركات
سافر عباس عراقجي، وزير الخارجية الإيراني، إلى العاصمة الأفغانية كابل، الأحد 26 يناير/كانون الثاني 2025، في زيارة تمتد ليوم واحد وهي الأولى له منذ توليه مهام منصبه، وذلك في إطار الحوار مع الحكومة المؤقتة بأفغانستان.
وقد استقبله عند وصوله إلى مطار كابل عبد اللطيف نظري، نائب وزير الاقتصاد الأفغاني، مع عدد من مسؤولي وزارة الخارجية الأفغانية، كذلك فقد كان في استقباله علي رضا بیجدلي، القائم بأعمال السفارة الإيرانية في أفغانستان، وعدد آخر من أعضاء سفارة إيران، وقد رافق عراقجي في هذه الزيارة ممثلون من وزارات مختلفة إلى جانب وفد اقتصادي وتجاري.
وبهذا الشأن، كتب إسماعيل بقائي، المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، الأحد 26 يناير/ كانون الثاني 2025 في منشور عبر حسابه على منصة إكس ذلك “نحن في طريقنا إلى كابل، تأتي زيارة وزير الخارجية في إطار سياسة الجوار وفي سياق المهمة الأساسية لوزارة الخارجية المتمثلة في متابعة المصالح الوطنية لبلدنا من خلال التفاعل ووضع الحلول المناسبة للقضايا والاهتمامات المشتركة”، مضيفا “هذه الزيارة قد تكون نقطة تحول في الاستفادة من الروابط العديدة بين الشعبين لتحقيق المصالح المشتركة للبلدين”.
لقاءات عراقجي في كابل
وخلال زيارته، التقى عراقجي بمولوي أمير خان متقي، القائم بأعمال وزارة الخارجية في الحكومة المؤقتة بأفغانستان، في لقاء عقد بمقر وزارة الخارجية الأفغانية.
وفي بداية الاجتماع، متقي بالوفد الإيراني، قائلا “نأمل أن تسهم هذه الزيارة في رفع مستوى العلاقات بيننا وبينكم، فإيران وأفغانستان دولتان جارتان ومسلمتان، وهما دائما شريكتان في الأحزان والأفراح، ونأمل أن تكون زيارتكم مثمرة”.
من جانبه، قال عراقجي” إيران وأفغانستان تربطهما علاقات تاريخية وثقافية عميقة جدا، وقد حافظتا على علاقات طيبة عبر التاريخ، كذلك فالعلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين في مستوى جيد جدا، ونأمل من خلال هذه الزيارة تعزيز العلاقات بما يخدم المصالح الوطنية للبلدين والشعبين، وإن شاء الله، ستُبنى المزيد من العلاقات الاقتصادية والثقافية بين البلدين، وسنشهد توسعًا مستمرًا في هذه العلاقات يومًا بعد يوم”.
ومن حيث القضايا التي تناولها اللقاء فقد صرح محمد حسين رنجبران، أن اللقاء قد تناول عدد من القضايا على رأسها مسألة اللاجئين الأفغان وحقوق إيران المائية من نهر هيرمند.
فقد أوضح رنجيران أن متقي قد أكد خلال لقائه على مسألة اللاجئين الأفغان وضرورة تنظيم أوضاعهم وعودتهم إلى وطنهم بكرامة، كذلك فقد أوضح لوزير الخارجية الإيراني أن حكومة طالبان قد قامت بتعبئة جميع إمكانياته الفنية لضمان تدفق المياه نحو إيران ومنع هدرها.
بعدها التقى عراقجي بالملا محمد حسن آخند، رئيس وزراء الحكومة المؤقتة في أفغانستان، وأجرا الطرفين مشاورات بخصوص القضايا المشتركة.
وخلال اللقاء أشار عراقجي إلى قضية المهاجرين غير القانونيين في إيران، داعيا إلى إعداد خطة شاملة لتنظيم عودة هؤلاء المهاجرين غير الشرعيين، حيث صرح “يجب على كل مواطن أفغاني يرغب في القدوم إلى إيران أن يسافر إليها بشكل قانوني”، مضيفا ” إن الشعب الإيراني استضاف المهاجرين واللاجئين الأفغان لمدة خمسة عقود، وليس من سياستنا التعامل السيئ مع المهاجرين”.
كما أشار عراقجي إلى معاهدة هيرمند وحقوق إيران المائية من هذا النهر وقال” يجب أن نحول قضية المياه من موضوع خلاف إلى موضوع تعاون”، كما عبر عراقجي عن قلق سكان سيستان وبلوشستان بسبب شح المياه في هذه المنطقة، مشددا على ضرورة تعديل هيكل سد كمال خان لمنع هدر المياه إلى منطقة غود زره، مضيفا “يجب أن يكون هناك تعاون فني لتعديل هيكل السد وضمان حقوقنا المائية”.
من جانبه، عبر آخند عن شكره وتقديره لتعاون الجمهورية الإيرانية في استضافة المهاجرين الأفغان لفترة طويلة، وقال”إن كرم استضافة الشعب الإيراني للمهاجرين واللاجئين الأفغان أمر ذو قيمة كبيرة ونحن ممتنون لذلك”.
وفي خضم حديثه، أشار رئيس وزراء الحكومة المؤقتة الأفغانية إلى حقوق إيران المائية من نهر هيرمند، موضحا “ليس لدى الحكومة المؤقتة الأفغانية سياسة لمنع تدفق المياه إلى إيران، وقد وجهنا وزارة المياه والزراعة بأن المياه يجب أن تتدفق نحو إيران، وإذا كان لدينا قطرة ماء واحدة، فسنقسمها مع أشقائنا الإيرانيين”.
كذلك، فقد اجتمع عراقجي بمحمد يعقوب مجاهد، وزير الدفاع في الحكومة الأفغانية المؤقتة، حيث ناقش الطرفان خلال اللقاء العلاقات بين أفغانستان وإيران، ولا سيما في المجالين الدفاعي والأمني.
وخلال اللقاء أشار عراقجي إلى الترابط الأمني بين الدول المجاورة، مؤكدا أهمية تعزيز التعاون بين الجهات المعنية في البلدين من أجل الحفاظ على الأمن وتحسينه على جانبي الحدود المشتركة، كما استعرض بعض المخاوف والتحديات القائمة، بما في ذلك قضايا تهريب المخدرات والإرهاب والتنقلات غير القانونية عبر الحدود المشتركة، مشددا على أن التصدي الفعّال لهذه التحديات يتطلب تعاونًا وتنسيقًا وثيقًا بين الجهات المختصة في البلدين.
هذا وقد أعرب مجاهد عن تقديره للموقف الإيجابي للجمهورية الإيرانية تجاه الشعب الأفغاني، بما في ذلك استضافة الشعب الإيراني لعدة ملايين من المهاجرين الأفغان خلال مدة 46 عاما مضت، معتبرا العلاقة الجيدة والمتميزة بين أفغانستان وإيران ذات قيمة كبيرة، وأشار أيضا إلى الجهود المستمرة للحكومة المؤقتة الأفغانية لمكافحة انعدام الأمن والإرهاب، داعيا إلى تبادل المعلومات وتنسيق أكبر بين البلدين للوقاية من هذه الظاهرة الخطيرة والتصدي لها.
وفي محطته الأخير خلال الزيارة، فقد التقى عراقجي بمجموعة من أعضاء مجلس علماء الشيعة في أفغانستان، والذين أعربوا عن سعادتهم بتوسع العلاقات بين إيران وأفغانستان، واعتبروا تعزيز العلاقات الثنائية يخدم مصالح الشعبين.
كذلك، فقد شدد أعضاء المجلس على أهمية توسيع التواصل العلمي والثقافي والحوار بين علماء البلدين من السنة والشيعة، معتبرين أن هذا الأمر يسهم بشكل كبير في تعزيز الوحدة الإسلامية.
ومن جانبه، أشار عراقجي إلى الدور المهم الذي يلعبه علماء الشيعة والمجتمع الشيعي في أفغانستان في تعزيز التقدم العلمي والثقافي والديني في البلاد، واعتبر العلاقة الودية والأخوية بين مختلف القوميات والمذاهب المكونة للمجتمع الأفغاني ضرورة أساسية لمجتمع آمن ومزدهر، كما أكد على أهمية تعزيز الألفة والصداقة بين أتباع مختلف القوميات والمذاهب في أفغانستان.
الملفات العالقة بين البلدين
لطالما كان هناك ملفات أساسية على الطاولة بين حكومتي إيران وأفغانستان، كان ولا يزال أبرزها حقوق إيران المائية من نهر هيرمند ومسألة بناء السدود على مجاري المياه التي تصب في إيران، فعلى الرغم من وجود معاهدة مائية موقعة عام 1973 بشأن الحصص المائية لكل دولة، إلا أن إيران تعاني من نقص كبير في تدفق المياه بسبب بناء سد كمال خان في أفغانستان، وبينما تطالب طهران بتنفيذ بنود الاتفاقية وضمان حصتها المائية، تشير الحكومة الأفغانية المؤقتة إلى أن سياساتها لا تهدف لمنع تدفق المياه، لكنها تواجه تحديات تقنية وبنية تحتية تعيق الحلول السريعة.
وعلى صعيد اللاجئين، فقد استضافت إيران ملايين الأفغان على مدى عقود، مما شكل عبئا اقتصاديا واجتماعيا كبيرا، خاصة مع زيادة التدفقات السكانية غير المنظمة، وقد طالبت إيران مرارا بتطوير آليات لتنظيم عودة اللاجئين بشكل تدريجي مع الحفاظ على كرامتهم، فيما تؤكد على الحاجة إلى دعم دولي لتخفيف العبء عن مواردها.
كذلك، فالتحديات الأمنية المشتركة تمثل ملفا آخر يثير القلق بين البلدين، خاصة على الحدود الطويلة التي تشهد أنشطة تهريب المخدرات ووجود جماعات مسلحة، يأتي ذلك فيما يشدد الطرفان على ضرورة التنسيق الأمني لمكافحة الإرهاب وضبط الحدود.
هناك أيضا مخاوف ثقافية ودينية تعبر عنها إيران، لا سيما فيما يتعلق بحماية حقوق الشيعة في أفغانستان وضمان استمرار الروابط الثقافية واللغوية، فتعتبر إيران أن ثوابت كالحفاظ على مكانة اللغة الفارسية والعلاقات الثقافية بين البلدين جزءا أساسيا من الترابط التاريخي، وتسعى لتعزيز هذا الجانب رغم التحديات السياسية.
العلاقات الإيرانية الأفغانية
تعود العلاقات الإيرانية-الأفغانية إلى عصور تاريخية قديمة، حيث كانت أفغانستان جزءًا من الإمبراطوريات الإيرانية مثل الأخمينية والساسانية، مما أرسى أسسًا ثقافية وحضارية مشتركة بين البلدين. بعد الفتوحات الإسلامية، أصبحت أفغانستان مركزا هاما للثقافة الفارسية.
وفي العصر الحديث، تأثرت العلاقات بالتغيرات السياسية الإقليمية، خاصة خلال القرن التاسع عشر مع النفوذ البريطاني والروسي في المنطقة، ما أدى إلى إعادة رسم الحدود بين البلدين وتوقيع معاهدة باريس عام 1857.
خلال القرن العشرين، دعمت إيران تحديث أفغانستان في عهد أمان الله خان، واستقبلت موجات كبيرة من اللاجئين عقب الغزو السوفيتي عام 1979. ورغم التعاون في بعض المجالات، شهدت العلاقات توترات بسبب قضايا مثل المياه من نهر هيرمند، اللاجئين، والتحديات الأمنية على الحدود المشتركة.
حاليا، تسعى إيران وأفغانستان لتعزيز التعاون في ظل حكومة طالبان المؤقتة، رغم استمرار التحديات المتعلقة بحقوق المياه، اللاجئين، وقضايا الأمن. الروابط الثقافية والدينية بين البلدين تظل عاملًا مشتركًا يدعم الحوار ويعزز العلاقات رغم الأزمات المتكررة.