كتب: محمد بركات
أجرى وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، لقاء مع قناة “سي سي تي في” الصينية الرسمية، الجمعة 3 يناير/كانون الثاني 2025، وذلك خلال زيارته الأولى للعاصمة بكين بدعوة رسمية من نظيره الصيني وانغ يي، وخلال تلك المقابلة، تحدث عراقجي عن عدد من القضايا الإقليمية والدولية، ونظرة إيران إلى محيطها الجغرافي وسبل الشراكة والتفاوض مع الدول المختلفة.
العلاقات الصينية الإيرانية
فخلال حديثه عن الشراكة الدولية لإيران، أكد عراقجي أن من أولويات سياسة الحكومة الإيرانية الحالية تعزيز العلاقات مع الدول التي كانت تربطها بها علاقة استراتيجية والتي وقفت إلى جانب إيران في الأوقات الصعبة، مشيرا إلى أن زيارته للصين هي أول زيارة ثنائية له خارج منطقة غرب آسيا، وتم اختيار بكين باعتبارها ذات أهمية كبيرة للعلاقات مع الصين.
وقد أضاف أن إحدى أبرز دلائل العلاقات الجيدة بين البلدين هي التفاعلات الرفيعة بينهما، مشيرا إلى أن أحد أبرز هذه التفاعلات هو اللقاء الذي جمع رئيسي البلدين في الشهر الماضي في قازان بروسيا، وذكر أن التبادلات السياسية بين البلدين تسير بشكل جيد، مع تبادل الوفود في مجالات مختلفة مثل الاقتصاد والتجارة والاستثمار، والثقافة، والشباب، والأمن.
وعند سؤاله عما إذا كان التعاون بين إيران والصين قد ارتقى لمستوى الشراكة الاستراتيجية، قال عراقجي: “نعم، هذا التعبير صحيح، إن إيران والصين، إلى جانب التعاون الثنائي، يتشاوران أيضا بشكل وثيق حول قضايا المنطقة والدولية. في اللقاء الذي جمعني مع وزير الخارجية الصيني خلال هذه الزيارة، ناقشنا القضايا الإقليمية وكيفية التعامل مع هذه المسائل، وكذلك التعاون بيننا في هذا الشأن”.
كذلك، فقد أشار إلى أهمية عضوية إيران في مجموعة بريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون، حيث قال: “من المقرر أن يُعقد اجتماع قمة منظمة شنغهاي في الصين، ويعتزم الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، المشاركة فيه. لدينا أفكار جيدة يمكننا من خلالها دعم منظمة شنغهاي في تحقيق أهدافها”.
جدير بالذكر أن العلاقات بين البلدين أخذت في التطور خلال الفترة الأخيرة، حيث مثلت وثيقة التعاون الاستراتيجي لمدة 25 عاما حجر الأساس لتعزيز التعاون بين البلدين في مختلف المجالات، فتوفر هذه الاتفاقية رؤية شاملة للتعاون الاقتصادي، والسياسي، والثقافي، وتشمل مجالات رئيسية مثل الطاقة، والبنية التحتية، والتكنولوجيا، والاستثمار.
وعلى صعيد التجارة، تعززت العلاقات الاقتصادية الثنائية من خلال توقيع عديد من الاتفاقيات التجارية التي تهدف إلى زيادة حجم التبادل التجاري، مع التركيز على النفط والغاز، الذي يشكل جزءا كبيرا من صادرات إيران إلى الصين، مقابل استثمارات صينية واسعة في مشاريع تنموية داخل إيران.
طريق المفاوضات لم يغلق قط
وحول الاتفاق النووي والمفاوضات المستقبلية، أضاف عراقجي: “نحن مستعدون لاستئناف المفاوضات بشأن برنامجنا النووي. لقد تفاوضنا بصدق لأكثر من عامين مع دول 1+5، ونجحنا في الوصول إلى اتفاق أقره العالم كإنجاز دبلوماسي، لقد نفذنا هذا الاتفاق بحسن نية، لكن الولايات المتحدة هي من قررت الخروج منه دون مبرر، مما أدى إلى الوضع الحالي”.
وأكد أن إيران لا تزال مستعدة للدخول في مفاوضات بناءة دون تأخير حول برنامجها النووي بهدف التوصل إلى اتفاق، مشيرا إلى أن الصيغة التي يقترحها هي نفس صيغة الاتفاق النووي السابق القائمة على بناء الثقة بالبرنامج النووي الإيراني مقابل رفع العقوبات.
كما أشار إلى أن جولات التفاوض مع الدول الأوروبية الثلاث، المملكة المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، قد بدأت في جنيف، وأن الجولة الثانية من هذه المفاوضات ستجري في غضون أقل من أسبوعين، مؤكدا أن الولايات المتحدة يجب أن تحدد سياستها الجديدة بناء على ذلك.
وأضاف عراقجي: “بصفتي دبلوماسيا، أؤمن بأنه يمكن الوصول إلى الحلول الدبلوماسية حتى في أصعب الظروف”، متابعا: “هذا يعتمد على مدى الإرادة السياسية المتوافرة ومدى قدرة الدبلوماسيين على استخدام الإبداع والابتكار لإيجاد حلول جديدة والوصول إلى صيغ جديدة للتوافق”.
وفي ما يتعلق بالعقوبات، صرح عراقجي بأن “العقوبات أداة غير إنسانية، يستخدمها الغرب -خاصةً الولايات المتحدة- بطريقة قسرية وظالمة، هذه الأداة استخدمها الغرب ضد إيران لأكثر من 40 عاما، لكنها أثبتت فشلها، رغم أنها فرضت علينا تكاليف كبيرة، فقد أجبرت إيران على العودة إلى قدراتها الذاتية والاعتماد على نفسها. العديد من التقدمات التي حققناها في إيران، وضمن ذلك في المجالات الدفاعية والنووية، تم تحقيقها رغم العقوبات”.
وأكد أن “العقوبات والضغوطات لها تبعاتها، لكنها لم ولن تستطيع إجبار الشعب الإيراني على الاستسلام أو التراجع عن أهدافه”.
تأتي تلك التصريحات في الوقت الذي تعاني فيه المفاوضات بين الجانبين الإيراني والأوروبي أزمة كبيرة، فمنذ زيارة رفائيل غروسي، الأمين العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، الأخيرة لطهران، والتي كانت في 13 نوفمبر/تشرين الثاني، وكلا الجانبين يتبادل التهديدات، ففي حين يهدد الجانب الأوروبي بتفعيل آلية سناك باك (آلية العقوبات على إيران)، يهدد الجانب الإيراني بزيادة نسبة تخصيب اليورانيوم والشروع في تصنيع سلاح نووي.
عراقجي: مستقبل المقاومة مشرق
وفي ما يتعلق بمستقبل ما سمته إيران بمحور المقاومة، أكد عراقجي أن المستقبل لا يزال واضحا، مشيرا إلى أن حزب الله في لبنان يعمل على إعادة بناء نفسه بشكل منتظم، مضيفا: “هذه ليست المرة الأولى التي يفقد فيها الحزب قائده، ولكن في كل مرة يزداد الحزب قوة وصلابة، فحزب الله في لبنان له حضور سياسي قوي في الساحة اللبنانية وله قاعدة اجتماعية كبيرة”، مؤكدا أن الحزب سيواصل دوره في لبنان.
وفي ما يخص غزة وحماس، قال عراقجي: “إن إسرائيل لم تحقق هدفها من الهجوم على غزة. إسرائيل دخلت غزة بهدف تدمير حماس، لكن اليوم هي مجبرة على التفاوض مع حماس من أجل التوصل إلى هدنة”.
وأضاف: “لقد قلنا مرارا وتكرارا، إن أي هدنة تقبلها حماس والفلسطينيون، ستكون مدعومة من قبل إيران، فأي قرار بشأن قبول الهدنة يعود لحماس وفلسطين، ونحن ندعمهم في أي قرار يتخذونه”.
وفي ما يخص حزب الله في لبنان، فخلال العام الماضي وجهت إسرائيل عددا من الضربات التي استهدفت قادته ومواقعه في لبنان وسوريا، والتي أسفر عنها مقتل حسن نصر، الأمين العام السابق للحزب، في 27 سبتمبر/أيلول 2024، وهاشم صفي الدين، رئيس المجلس التنفيذي للحزب في الخامس من أكتوبر/تشرين الأول 2024.
في الوقت نفسه، فقد هدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، المسؤولين في حركة حماس بشأن عدم إطلاق الأسرى الإسرائيليين، وصرح بأن الثمن سيكون باهظا إذا لم يتم إطلاق سراحهم قبل 20 يناير/كانون الثاني 2025.
“سياستنا مع سوريا ستكون وفق الطرف الآخر”
وفي ما يتعلق بسوريا، أكد عراقجي أن إيران لا تتخذ قراراتها بناءً على تغييرات ظاهرية أو تصريحات وشعارات، وإنما تستند إلى الأفعال والسلوكيات.
وردا على سؤال حول طبيعة تعامل إيران مع سوريا في ظل الوضع الجديد، صرّح قائلا: “نحن ننتظر أن تُعلن الحكومة الانتقالية سياساتها تجاه المنطقة والدول الأخرى وتستقر بشكل كافٍ. قراراتنا تعتمد على الأفعال، وليس على التغيرات الشكلية أو الشعارات”.
وأشار وزير الخارجية الإيراني إلى أن كيفية تعامل إيران مع سوريا تعتمد على سلوك الجانب السوري، مؤكدا أن إيران تتحلى بحسن النية الكاملة وتسعى إلى تحقيق الهدوء في سوريا، كما شدد على ضرورة عدم تحول سوريا إلى ملاذ للإرهابيين أو مصدر تهديد لجيرانها والمنطقة، مشيرا إلى أن هذه المبادئ تحظى بإجماع دول المنطقة.
وأكد أن التدخل الخارجي في الشأن السوري أمر مرفوض، موضحا أن القرار النهائي يعود للشعب السوري، الذي يعتبر الحاكم الفعلي لسوريا.
وفي ما يتعلق بالتحولات الأخيرة في سوريا، قال عراقجي: “كنا على علم منذ عدة أشهر بأن الجماعات المعارضة والمناهضة للحكومة السورية كانت تنظم نفسها للقيام بعمليات عسكرية. وقد نقلنا هذه المعلومات إلى الحكومة السورية.” وأضاف أن روسيا قدمت معلومات مشابهة إلى الرئيس بشار الأسد.
وأردف: “كنا نعلم أن هذه التحركات ستحدث، ولكن أن تتطور الأحداث بهذه السرعة وأن يفشل الجيش السوري في تقديم أي مقاومة تُذكر كان أمرا لم يتوقعه أحد، وضمن ذلك الرئيس بشار الأسد نفسه”.
وتأتي تلك التصريحات في الوقت الذي تشهد فيه العلاقات الإيرانية السورية توترا شديدا، حيث قتل سيد داود بيطرف، وهو أحد عمال السفارة الإيرانية بسوريا، في 8 ديسمبر/كانون الأول، خلال إطلاق نار استهدف مبنى السفارة.
“نحن مستعدون للدفاع عن أرضنا”
وفي ما يتعلق بالتهديدات الإسرائيلية الأخيرة ضد إيران، قال عراقجي: “نحن جاهزون تماما لمواجهة أي تهديدات من قبل هذا النظام، وأتمنى ألا تنفذ إسرائيل هذا الجنون، لأن النتيجة ستكون حربا شاملة في المنطقة”.
واستدرك: “لكننا نستمر في العمل الدبلوماسي، ونحن على اتصال دائم مع الدول في المنطقة وأصدقائنا مثل الصين. نعتقد أن العقلانية ستنتصر في النهاية، وأنه لن يتم السماح بتصعيد قد يؤدي إلى عواقب وخيمة على المنطقة”.
العلاقات الإيرانية السعودية
أما بالنسبة للعلاقات بين إيران والسعودية، فقال عراقجي: “إن العلاقات بين إيران والسعودية تسير في طريق جيد، فكلا الطرفين راضٍ عن استئناف العلاقات، وقد لاحظوا الفوائد التي تحققت من ذلك. بالطبع، لا تزال هناك إمكانيات كبيرة في العلاقات بين البلدين لم يتم استغلالها بعد. أعتقد أن مسار العلاقات بين إيران والسعودية تدريجي، وبطيء، لكن مستمر”.
وبهذا الشأن فقد استدعت وزارة الخارجية الإيرانية، الخميس 2 يناير/كانون الثاني 2025، عبدالله بن سعود العنزي، السفير السعودي في طهران، وذلك على خلفية إعدام السعودية ستة إيرانيين بتهمة تهريب المواد المخدرة، ما اعتبرته إيران خرقا للحقوق القنصلية بين البلدين.