كتب: محمد بركات
لم يقتصر حوار عباس عراقجي، وزير الخارجية الإيراني، مع شبكة سكاي نيوز، الاثنين 27 يناير/كانون الثاني 2025، على مناقشة مصير المفاوضات بين إيران وأمريكا، والأزمة مع إسرائيل، بل تطرق كذلك إلى الوضع الإقليمي لإيران والأوضاع الاقتصادية الداخلية، أوضاع ربما يكون لها القول الفصل في السياسة الخارجية الإيرانية.
الوضع الإقليمي لإيران
فخلال المقابلة الصحفية، وردا على سؤال حول وضع إيران الاقليمي في المنطقة، خصوصا بعد مقتل العديد من القادة الموالين لها وسقوط نظام بشار الأسد بسوريا في ديسمبر/كانون الأول 2024، قال عراقجي: “خلال العام الماضي، تعرضت المقاومة في المنطقة لعدة ضربات، لكن الأيديولوجية والمقاومة نفسها لا تنتهيان بموت الأشخاص، فقضية فلسطين، رغم استشهاد عديد من قياداتها، ما زالت حية. كذلك، ورغم الأضرار التي تعرضت لها حماس وحزب الله، فإنهما في طريقهما لإعادة بناء نفسيهما، والناس سيستمرون في دعم حماس وحزب الله. وإذا طلبوا هم أنفسهم الدعم من إيران، فسنفعل بلا شك”.
وعن تخلي إيران عن سياستها التي تهدف إلى التصدي لأمريكا وإسرائيل بعد الهزائم التي منيت بها، رد قائلا: “لقد فشلت إسرائيل في تحقيق أهدافها بغزة ولبنان، وهي الآن في عزلة غير مسبوقة، فرغم الأضرار التي لحقت بحزب الله، فإنها لم تحقق تقدما كما في حرب الـ33 يوما، واضطرت إلى قبول وقف إطلاق النار، يجب على إسرائيل إعادة النظر في سياساتها واستراتيجياتها، وليست إيران، فحزب الله أصبح أقوى بعد فقدان قادته، والأمر نفسه ينطبق على الفلسطينيين”.
وعن الدعم المالي الذي قدمته إيران لمحور المقاومة، وهو ما وصفه المحاور بأنه إهدار للمال العام للشعب الإيراني، أوضح عراقجي أن “آراء الناس مختلفة، لكن المشكلة هي أنه لا يمكنك إصدار حكم عام، بناء على ما يقوله شخص واحد، ولكن من الصحيح أن إيران أنفقت مبالغ كبيرة من أجل أمنها وستستمر في ذلك. كما أننا دعّمنا المقاومة بشكل كبير وسنستمر في ذلك بالمستقبل. في الوقت نفسه، بذلنا جهدا لتحسين الاقتصاد الوطني وقد حققنا إنجازات جيدة”.
تأتي تلك التصريحات، في الوقت الذي أكد فيه علي خامنئي، المرشد الإيراني، في عدة مناسبات، أن إيران ليست لديها قوات بالوكالة، وأن علاقتها بمحور المقاومة، على حد تعبيره، هي المساعدة والنصيحة. كذلك فقد أكد أن إيران لم تفقد قوتها على الساحة الإقليمية، وأن من يردد تلك الأحاديث واهم، وقد أرجع تلك الأفكار لمحاولات البعض التأثير على الداخل الإيراني وبث روح الهزيمة فيه.
الأوضاع الاقتصادية الداخلية
وحول الأداء الاقتصادي للحكومة في ظل تضخم بلغ 50%، وبطالة بنسبة 25% وتراجع شديد للريال الإيراني مقابل العملات الأجنبية، قال عراقجي: “يجب ألا ننسى أننا ما زلنا تحت العقوبات من الولايات المتحدة وبعض الأوروبيين، ونعيش وفق سياسة الضغط الأقصى من الولايات المتحدة والتي بدأها ترامب، وتم اتباعها كذلك خلال حكومة جو بايدن، نعم، فإن جزءا من الأزمة الاقتصادية التي تعيشها إيران يرجع إلى سوء الإدارة، لكننا نحاول إدارة كل هذه الأمور، أنا شخصيا مدرك لوجود كثير من المشاكل والنواقص، لكننا بشكل عام تمكنا من إدارة هذه المشاكل. وكما قلت، هذه إيران وهذه طهران التي عاشت 40 سنة تحت العقوبات الأمريكية، وأنتم ترون كيف هو الوضع في طهران”.
هذا ويعاني الاقتصاد الإيراني في الفترة الأخيرة من تدهور حاد، حيث يواجه تحديات كبيرة تشمل تراجع قيمة العملة الوطنية، الريال الإيراني، باستمرار، ليسجل 80 ألف ريال مقابل الدولار، في زيادة هي الأكبر بتاريخ إيران، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع مستويات التضخم بشكل غير مسبوق. هذا التدهور يأتي نتيجة للضغوط الاقتصادية الناتجة عن العقوبات الغربية المستمرة، خاصة منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في 2018. إضافة إلى ذلك، فإن عدم استقرار الأوضاع الداخلية والنقص في الاستثمارات الأجنبية ساهم في تفاقم الوضع، مما أثر سلبا على القطاعات الإنتاجية والعمالة، ومن جهة أخرى، ازدادت معاناة المواطنين الإيرانيين، حيث أصبحت قدرتهم الشرائية ضعيفة للغاية، مما أدى إلى تراجع في مستوى المعيشة وزيادة في نسبة الفقر”.
الحجاب وحقوق المرأة في إيران
وحول إرجاء تطبيق قانون الحجاب في حكومة بزشكيان، وإذا ما كان ذلك يعتبر اعترافا من الحكومة الحالية بأن الحكومات السابقة قد اساءت إلى المرأة ولم تعطها حقوقها، قال عراقجي: “إن موضوع الحجاب في الرأي العام الإيراني موضوع مثير للجدل، فهناك آراء مختلفة حول الحجاب، لكنه يجب على الجميع الالتزام بالقانون، هناك آراء مختلفة بشأن تعديل القانون، وآلياتنا القانونية في البلد تعالج هذه الآراء؛ مثل البرلمان، ومجمع تشخيص مصلحة النظام، وكذلك المجلس الأعلى للأمن القومي، وغيرها من المؤسسات”.
وتابع: “نحن ملتزمون بالقوانين التي يتم وضعها في هذا الخصوص. في الواقع، هناك بعض الأشخاص الذين يريدون تخفيف القانون، وهناك آخرون يريدون تقويته وجعل تطبيقه أكثر صرامة. ولكن هذا يعود إلى صانعي القرار. لذلك، كل ما يتم إقراره كقانون يجب أن نلتزم به جميعا”.
وتعقيبا على دور المرأة في المجتمع الإيراني، في ظل حكومة ذات أغلبية ذكورية، أوضح أن “الحكومة الحالية في إيران تضم أكبر عدد من النساء في مجلس الوزراء، وقد زادت مشاركة النساء في التجارة، والأنشطة الاجتماعية، والثقافية، والسياسية. رغم أن العدد قد لا يكون كافيا، فإن إيران بدأت هذا المسار مؤخرا، فالمسار الديمقراطي في إيران قد بدأ منذ 45 عاما فقط بعد أن كانت تحت دكتاتورية مدعومة من الولايات المتحدة، وذلك بناء ديمقراطية حقيقية على أساس القيم الإسلامية والدينية، الأمر الذي يتطلب وقتا طويلا، خاصة في ظل الضغوط المستمرة من الحرب والعقوبات، وإذا تُركت إيران لشأنها دون تنظير، فهي قادرة على إدارة مجتمعها بنجاح”.
تأتي تلك التصريحات في الوقت الذي يثير فيه قانون الحجاب جدلا واسعا بإيران منذ تولي الرئيس الإيراني الحالي مسعود بزشكيان، منصب الرئاسة في يوليو/تموز 2024، كانت آخر محطات هذا الجدل ما صرح به، محمد جواد ظريف، نائب الرئيس الإيراني للشؤون الاستراتيجية، على خلفية مشاركته في منتدى دافوس الاقتصادي، الثلاثاء 21 يناير/كانون الثاني 2025، حيث قال: “عندما تمشي في شوارع طهران، سترى أن بعض النساء لا يرتدين الحجاب، ورغم أن هذا الإجراء غير قانوني، فإن الحكومة قررت ألا تفرض ضغوطا على النساء”، الأمر الذي أشعل موجة انتقادات ضده لدفاعه عن أمر غير قانوني وفقا للدستور الإيراني.