كتبت: شروق السيد – حسن قاسم
على مدار يومين، عقد البرلمان الإيراني جلسات سرية لمناقشة التطورات على الأراضي السورية، عسكرياً ودبلوماسياً، وعلاقة الأحداث هناك بالشأن الإيراني وتأثيرها عليه، ومستقبل العلاقات بين دمشق وطهران، بعد سقوط نظام الأسد وسيطرة فصائل المعارضة السورية.
عقدت جلسات البرلمان الإيراني السرية خلال يومي 9 و10 ديسمبر/كانون الأول 2024، وذلك بعد أن طالب عدد من النواب بعقدها بشكل عاجل مع تصاعد الأحداث في سوريا، للوقوف على معلومات دقيقة ومحدثة، بحضور مسؤولين وقادة عسكريين ومسؤولين بوزارة الخارجية الإيرانية.
وبناء على ذلك الطلب حضر إلى البرلمان كل من وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، واللواء حسين سلامي، قائد الحرس الثوري الإيراني، والتقوا الأعضاء البرلمانيين في جلستين سريتين منفصلتين، رغم أن قواعد البرلمان الإيراني لم تكن تسمح بعقد الجلستين.
حيث كانت تتم مناقشة الموازنة الجديدة للدولة، وخلال تلك الفترة لا يسمح للبرلمان بعقد جلسات أخرى، لكن تم استثناء القاعدة بسبب تصاعد الأحداث في سوريا واشتباكها مع العديد من الملفات الإيرانية.
التطورات العسكرية
الجلسة السرية الأحدث عقدت صباح الثلاثاء 10 ديسمبر/كانون الأول 2024 للوقوف على الأوضاع العسكرية وكان من المفترض أن يحضرها مسؤول من فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، لكن بسبب بعض المشكلات، لم يتمكن من الحضور، وتم استبداله باللواء حسين سلامي قائد الحرس الثوري الإيراني، حسبما ذكر مجتبى يوسفي، عضو هيئة رئاسة البرلمان الإيراني، دون أن يوضح ما هي المشكلات التي منعت قائد فيلق القدس من الحضور للبرلمان.
وخصصت الجلسة غير العلنية حضور القائد العام للحرس الثوري، لاستعراض التطورات السورية والوضع الأمني والاستخباراتي والعسكري الحالي في المنطقة، حسبما ذكر عضو البرلمان الإيراني محمد بهرامي.
وخلال الجلسة أشار سلامي إلى أنه حتى اللحظات الأخيرة قبل سقوط حكومة بشار الأسد، كان المستشارون العسكريون والقوات الإيرانية موجودين في سوريا، لكنه أكد أن أياً من قوات الحرس الثوري أو أي قوات تابعة لإيران لم تعد متواجدة على الأراضي السورية، في الوقت الحالي.
وبحسب سلامي، فإن الظروف الإقليمية قد تم تحليلها بدقة من قبل الحرس الثوري ، مؤكدًا أن إيران لم تضعف ولم تفقد يوماً شيئاً من قوتها بعد سقوط الأسد.
كما أكد أن إسقاط “الكيان الصهيوني” – بحسب وصفه – لا يزال على جدول الأعمال الإيراني ولن يتم التخلي عنه بعد ما حدث في سوريا.
وتناول سلامي الأحداث والتطورات التي شهدتها سوريا خلال السنوات الخمس عشرة الماضية، مسلطًا الضوء على ما وصفه بالدور الهام الذي قام به القائد السابق لـ فيلق القدس، قاسم سليماني، في القضاء على داعش والجماعات الإرهابية، بحسب نص حديث سلامي.
التطورات الدبلوماسية
سبق جلسة مناقشة الأوضاع العسكرية في سوريا، جلسة أخرى الاثنين 9 ديسمبر/كانون الأول 2024، لمناقشة الوضع السياسي السوري واشتباكه مع الملف الإيراني وتحركات الدبلوماسية السورية بهذا الصدد، وكذلك أسباب سقوط حكومة بشار الأسد، إضافة إلى دراسة التطورات في المنطقة عموماً.
وصرح وزير الخارجية خلال اجتماعه المغلق مع البرلمانيين بعد أن قدم تقريراً عن الأنشطة الدبلوماسية المتعلقة بالتطورات في سوريا، قائلاً: “إن مصير أستانة مرهون بالتطورات في سوريا، وقرار الدول الثلاثة، إيران، وروسيا وتركيا”.
ورداً على سؤال حول ما إذا كان سيتم الاعتراف بالمجموعات المعارضة لبشار الأسد وحضورها في الجولة الجديدة من اجتماع أستانا، قال “عراقجي”: “لم تحضر الحكومة السورية اجتماع مسار أستانا قط، وكان مسار أستانا بين إيران وتركيا وروسيا، وإن استمرار هذه العملية في المستقبل يعتمد على تطورات وقرارات الدول الثلاث، ولم تكن الدول العربية الأخرى موضوع أستانا قط”.
وعقب الجلسة صرح عضو هيئة البرلمان الإيراني أحمد نادري، بأن نهج إيران المستقبلي تجاه الحكومة السورية الجديدة، وفق القضايا التي أثيرت خلال هذا الاجتماع، سيعتمد على سلوك أولئك الذين تولوا السلطة في سوريا، مؤكداً أن إيران ستقوم بتعديل سلوكها بناء على سلوكهم في المستقبل.
وحول زيارات عراقجي قبل سقوط نظام بشار الأسد إلى عدة دول لمحاولة إنقاذ الأسد من السقوط ولماذا لم تنجح.. صرح عضو البرلمان الإيراني “محمد رشيدي“، بناء على ما دار في الجلسة المغلقة: “شهد الاجتماع في الدوحة حضور ثلاث دول هي: إيران، وتركيا وروسيا، وتمت إضافة 5 دول أخرى من الدول العربية في المنطقة إلى هذه المجموعة.
وأضاف: “كانت تتخذ مجموعة هذه الدول الثمانی القرارات بشكل جيد. ولكن في النهاية، كانت وتيرة التطورات عالية لدرجة أن اجتماع قطر لم يكن فعالاً، وسقطت الحكومة السورية”.
وتجدر الإشارة إلى أن وزارة الخارجية الإيرانية أصدرت بياناً يوم الأحد 8 ديسمبر/كانون الأول 2024 بشأن التطورات الأخيرة في سوريا، تؤكد فيه على استمرار دعم إيران لسوريا من أجل إحلال الأمن والاستقرار في سوريا، مشيرة إلى استمرار مشاوراتها مع جميع الأطراف المؤثرة، وخاصة في المنطقة.
وصية إيران الأخيرة للأسد
وصرح عراقجي، خلال حوار خاص أجري بعد سقوط الأسد بساعات، بحسب تقرير صحيفة “دنیای اقتصاد” الإيرانية، بأنه خلال لقائه الأخير بالأسد، كانت لديه العديد من التوصيات، خاصة فيما يتعلق بالجيش السوري، ونصحه بالتفاعل بشكل أكثر إيجابية مع الشعب السوري؛ لأن الذي يحدد مصير الحكومة هو الشعب، بحسب قوله.
وأشار إلى أنه كان هناك حوار مع المعارضين للحكومة السورية، وأن إيران قامت بدورها من دعم سياسي، وأكد أنه لم يكن من المقرر أن تحارب إيران المعارضين للنظام السوري بدلاً من الجيش السوري نفسه.
لماذا فشل مسار أستانا؟
وفي سياق آخر، أكد عراقجي فيما يتعلق بأسباب فشل مسار أستانا، إيران وروسيا وتركيا قد اتفقوا على وقف الهجمات، وضمنوا السلام والهدوء، وأن هذا المسار قد نجح خلال السنوات العشرة الماضية، ونجح كذلك في تهدئة الأوضاع في سوريا.
بينما أوضح أن الهجمات الأخيرة كانت مخالفة لمسار أستانا، وكان من المفترض أن تكون شيئاً آخر. وأشار إلى أن أحد أهداف أستانا كان يتضمن مساعدة الدول الثلاث للحكومة والمعارضة من أجل تشكيل حوار، ولكنهم تحركوا ببطء في هذا المسار، ولم تكن الأمور على ما يرام، فضلاً عن مرونة حكومة الأسد.
مستقبل محور المقاومة بعد الأسد
وأشار عراقجي، فيما يتعلق بالتنبؤ بمستقبل جبهة المقاومة بعد سقوط بشار الأسد، إلى أن المقاومة ستتأثر بذلك، واصفا الجبهة بأنها قد مرت بوقت عصيب، وأوضح أنه لم يكن أحد يصدق أن المحاربين الفلسطينيين في حصار شامل، وعلى الرغم من الدمار في كل مكان إلا أنهم ما زالوا يقاومون ويحتفظون بالأسرى.
وأضاف أن حزب الله تمكن من استعادة نفسه وإجبار النظام الإسرائيلي على وقف إطلاق النار رغم الضربات التي تعرض لها، مؤكداً أنه لم يكن هناك سوى المقاومة لإجبار النظام الإسرائيلي على وقف إطلاق النار.
ووصف وزير الخارجية الإيراني المقاومة بأنها فكرة ومدرسة، وشهدت العديد من التقلبات، مشيراً إلى أن فلسفة المقاومة تتمثل في الصمود.
وأكد عراقجي أن المقاومة ستجد طريقها على أي حال، وأنها غاية مقدسة لتحرير أراضيها، وأنها ينبغي أن تستأنف طريقها ولا تفكر في التطورات الأخيرة التي أغلقت الطرق.
المعارضة السورية وإيران
وأشار عراقجي فيما يتعلق نهج إيران تجاه المعارضة والمناقشات التي أثيرت في وسائل الإعلام حول مصطلح “المعارضين الشرعيين”، أنه تم بالفعل مناقشة مصطلح “المعارضة الشرعية” في مناقشات مسار أستانا؛ لأن بعض جماعات المعارضة للحكومة السورية مدرجة في قائمة الأمم المتحدة للجماعات الإرهابية.
وفي إشارة إلى حقيقة أن المعارضة من أطياف مختلفة، أضاف أنهم خلال مسار أستانا، حثوا الحكومة الثورية على الحوار مع المعارضة وتمت إضافة مصطلح “المعارضة المشروعة”، مما يعني أنهم ليسوا إرهابيين، مؤكداً موقف أعضاء أستانا فيما يتعلق بهذا الصدد.
تواجد إيران في سوريا
وفيما يتعلق بدعم إيران للحكومة السورية، قال “عراقجي” إن إيران كانت تربطها علاقات قوية مع سوريا على مدى الأربعين سنة الماضية، واصفاً إياها بأنها عضو مهم في محور المقاومة ووقفت بجسارة على هذا الطريق، وأكد على استمرار دعم إيران لسوريا حتى بعد سقوط الأسد.
ووصف عراقجي الوجود الإيراني الثاني في سوريا بأنه كان مرتبطاً بالقتال ضد داعش، مضيفاً أن داعش ظهرت وخلقت قلقاً دولياً، وأن إيران لعبت دوراً رائداً في التعامل مع داعش، وكانت القوات الإيرانية منتشرة في سوريا لتأمين إيران بشكل أساسي.
وأكد على نجاح إيران في هزيمة داعش، وأسند هذا النصر والإنجاز لقاسم سليماني، وأشار إلى أنه عندما هُزم داعش، انسحبت القوات الإيرانية بناء على طلب سوريا، وبقي بعضها وتولت مسؤولية استشارية.
وقال وزير الخارجية الإيراني إن القضية الثالثة من دعم إيران لسوريا تتعلق بالحكومة السورية وشعبها وجماعات المعارضة، مشيراً إلى أن إيران قامت بدورها الاستشاري على أكمل وجه، وكثيراً ما طالبت الحكومة السورية بالحوار مع المعارضين، وهو الهدف الأساسي من تشكيل مسار أستانا الذي يتمثل في المساعدة السياسية.