ترجمة: علي زين العابدين برهام
امتلأت الصحف ووسائل الإعلام الإيرانية، الأيام الماضية، بالحديث عن الخلافات الشديدة بين سعيد جليلي عضو مجمع تشخيص مصلحة النظام وزعيم حكومة الظل في إيران، ومحمد باقر قاليباف رئيس البرلمان. ذلك الخلاف الذي يراه البعض تصدعا في التيار الأصولي، ما يعكس حالة من التوتر في إيران، إضافة إلى حالات التوتر الموجودة بالفعل.
كشف أنصار سعيد جليلي عن رواية جديدة بشأن الاجتماع الثلاثي الذي عُقد 26 يونيو/حزيران 2024 في مدينة مشهد، بحضور محمد باقر قاليباف، وسعيد جليلي، وإسماعيل قاآني، إلا أن هذه الرواية لا تتطابق مع ما ينقله فريق قاليباف.
نشرت وكالة أنباء “خبر أونلاين“، الأحد 2 مارس/آذار 2025، حوارا مع حميد رضا ترقي، الناشط السياسي الأصولي وعضو حزب مؤتلفة، لاستجلاء حقيقة هذا الخلاف، ودور وسائل الإعلام فيه. وفي ما يلي نص الحوار:
خلال الأيام القليلة الماضية، انتشرت روايات متضاربة حول الخلافات بين جليلي وقاليباف في الاجتماع الانتخابي بمشهد. ففي حين زعم أنصار قاليباف أن الاجتماع شهد طرح رأي السيد حسن نصر الله بضرورة انسحاب جليلي من الانتخابات، نفى الأخير هذا الأمر تماما، مؤكدا أنه لم يحدث شيء من هذا القبيل.
ما الهدف من إثارة هذه الأحاديث؟ شخص أدلى بتصريح، والآن الجميع منشغل به، فما النتيجة؟ هل هذه هي القضية الأهم في البلاد حاليا، حتى تنشغلوا بها أنتم والصحفيون؟
إذا كان الحديث عن الاقتصاد، فإن زملاءنا في القسم الاقتصادي يعملون بالفعل على هذه الملفات. لكنني أتحدث عن مسألة أخرى، وهي أنه بعد رحيل رئيس مجلس خبراء القيادة محمد رضا مهدوي كني، بُذلت جهود من شخصيات مثل حداد عادل، وتشكّلت مجموعات تحت مسميات مختلفة مثل “جمنا” و”شانا” وغيرها. والسؤال المطروح: هل هناك اليوم شخصية قادرة على توحيد صفوف الأصوليين تحت راية واحدة؟
لا، لا يوجد أحد.
ولماذا؟
ربما لا يكون من الضروري الخوض في تفاصيل ذلك الآن، فهي مسألة داخلية تخص الأصوليين وعليهم حلها بأنفسهم.
نعم، ربما من الأفضل أن تُحل القضايا العائلية داخل الأسرة، ولكن عندما تُطرح في وسائل الإعلام، فإنها تتحول إلى قضية عامة.
وسائل الإعلام عادةً لديها هوس بمثل هذه الأمور.
لكن هذه المسألة لم تُثر من قبل الإعلام، بل نُشر مقطع فيديو يظهر فيه سعيد جليلي وهو يتحدث عن هذه الأمور بنفسه.
سعيد جليلي تحدث، على سبيل المثال، لما يقارب أربعة آلاف كلمة، ومن بين كل هذه الكلمات، هناك كلمة واحدة فقط أثارت الجدل. لماذا لا يتم التركيز على بقية حديثه، بل يُسلَّط الضوء على هذه الكلمة وحدها؟ السبب واضح: هناك من يسعى لإثارة الخلافات داخل التيار الأصولي.
على حد قولكم، لو لم يذكر السيد جليلي تلك الكلمة، لما أُثيرت القضية.
لا، القضية ليست في ما قاله، بل في أولئك الذين يتعمدون تضخيم هذه المسائل، فهم من يسعون إلى إثارة الانقسامات.
قبل فترة، عندما اندلع الجدل حول تعليق قانون الحجاب في المجلس الأعلى للأمن القومي، كان أنصار جليلي وقاليباف يدلون بتصريحات متناقضة ضد بعضهم البعض، ومع ذلك، لم تتدخل وسائل الإعلام في الشؤون الداخلية للتيار الأصولي. ومؤخرا، نشرت صحيفة “كيهان” مقالا موجها للطرفين المعنيين. هذه النقاشات التي تثيرونها قد تفتح المجال للاستغلال.
وهذا تحديدا ما نقوله نحن أيضا، إذ يبدو أن إثارة مثل هذه القضايا تؤدي في الغالب إلى استغلالها من قبل الأعداء، ولا تحقق أي فائدة لا للأصوليين ولا للبلاد.
هذا هو سؤالنا بالضبط: لماذا لم تنته الانتخابات بالنسبة لهذين الشخصين، خاصةً جليلي أكثر من قاليباف؟
في النهاية، هناك تصريحات أُدلي بها في ذلك الوقت، والآن يحاول كل طرفٍ الدفاع عن نفسه، وتبرئة نفسه من الاتهامات التي وُجهت إليه.
ألا تعتقد أن هذه التحركات تعكس نظرة إلى المستقبل والانتخابات القادمة؟
بالتأكيد، الأمر مرتبط بالمستقبل، وإلا فالأحداث الماضية قد انتهت، والشعب نسيها ولم يعد مهتما بها كثيرا. مثل هذه القضايا تُطرح أساسا تحضيرا للمستقبل؛ في محاولة لتبرئة أنفسهم من الاتهامات السابقة.
ما ذكرته لكم هو جانب واحد من هذا الجدل، فهناك من يعتقد أن هذه الهجمات على قاليباف تأتي بسبب دعمه للحكومة، وأن الهدف الحقيقي من هذه التفاعلات هو تشويه صورته تمهيدا للانتخابات القادمة.
هذا تحليلكم، لكنني بصراحة لا أرغب في الخوض في هذا الصراع أو الانجرار إلى مخططات العدو.
برأيكم، لماذا لم يتمكن أحد بعد مهدوي كني أو عسكر أولادي من توحيد صفوف التيار الأصولي؟
في النهاية، التيار الأصولي أصبح اليوم أكثر اعتمادا على التنظيمات بدلا من الأفراد. هناك التزام أكبر بمبدأ “الحكمة الجماعية” بدلا من أن يتولى شخص واحد دور القائد لحل القضايا بأسلوب الزعامة التقليدية.
لكن خلال السنوات الماضية، شهدنا تشكيل كيانات مثل جمنا “جبهة قوى الثورة الإسلامية الشعبية” ثم شانا “مجلس تحالف قوى الثورة” وغيرها، لكنها لم تستطع الصمود والاستمرار. ما السبب في ذلك برأيكم؟
في الواقع، الجيل الشاب يمتلك روحا نشطة وحيوية، ويفتقر إلى النزعة المحافظة التي تميز الأجيال السابقة. تطلعاتهم تختلف عن الجيل القديم، وهم يرون أنه ينبغي التحرك بجرأة أكبر ودون تحفظات في العمل السياسي. في المقابل، التيارات السياسية التقليدية تتسم بقدر من الحذر والمحافظة، مما يجعلها غير قادرة على تلبية جميع مطالب الشباب.
هذا الاختلاف أدى إلى بروز نهج يعتمد على الحكمة الجماعية داخل التيار الأصولي، بحيث يكون هناك توازن بين خبرة الأجيال القديمة ورؤية الشباب، مما يتيح للأصوات الجديدة فرصة أكبر للتأثير والتفاعل.
إذن، مع هذا الهيكل والتنظيم الحالي، لم يعد لدور “كبار القوم” والوساطة التقليدية الأهمية نفسها التي كان يحظى بها في الماضي؟
لا، لم يعد له أهمية تُذكر.
لكن هناك محاولات للوساطة، كما ذكرت في مثال صحيفة “كيهان”؛ نظرا إلى أن هذه الخلافات قد تُستغل. لماذا لا يُؤخذ بهذه الوساطات على محمل الجد؟
أعتقد أن جزءا من المشكلة يعود إلى التعصب والأنانية التي تسيطر على بعض الأفراد، مما يمنعهم من تغليب المصلحة العامة على مصالحهم الشخصية.
ذكرت أن التيارات التقليدية أكثر تحفظا، لكن التيار الأصولي ككل يُعرف في المجتمع بأنه تيار محافظ. كيف تميّز بين المحافظين داخله؟
لا أرى من المصلحة التوسع في هذا التوضيح حاليا، لأن هذه ليست القضية الأساسية للبلاد. لقد أشرتُ إلى الفكرة بشكل عام، وأرى أن هذه الخلافات يجب أن تُحل داخليا دون أن تُنقل إلى العلن؛ حتى لا يستغلها الخصوم وتتحول إلى نقطة ضعف للتيار.
عندما يهاجم شخصان من التيار الأصولي بعضهما في وسائل الإعلام، هل يمكن القول إنهما يبتعدان عن “الحكمة الجماعية” التي تحدثتَ عنها؟
نعم، هذا أمر طبيعي. ولذلك، من الخطأ أن يواصل الآخرون الترويج لهذه الخلافات أو تضخيمها.