كتبت: شروق السيد
يُعد علي السيستاني، المرجع الشيعي البارز في النجف، شخصية مؤثرة في الشأن العراقي، وعلى الرغم من أنه يُعرف بعدم التدخل المباشر في القضايا السياسية اليومية، فإنَّ تدخله في القضايا الاستراتيجية، مثل صياغة الدستور العراقي وفتواه بالجهاد ضد داعش، جعله مرجعا بارزا. مؤخرا، وضعت إسرائيل السيستاني ضمن قائمة الاغتيالات، مما أثار كثيرا من التساؤلات وردود الفعل.
يُشار إلى علی حسیني السيستاني، الذي يُعد أكبر مرجع للشيعة المقيمين بالنجف، بأنه شخصية غير سياسية، لكنه مرجع ذو نفوذ واسع، خاصة في العراق، ولا يتدخل السيستاني في القضايا السياسية الصغیرة، لكنه قام بعدة تدخلات استراتيجية كبرى في القضايا العراقية، والتي كانت ذات تأثير كبير.
من بين هذه القضايا، معارضة السيستاني كتابة الدستور العراقي من قِبَل الأمريكيين في أثناء الاحتلال، وإصراره على إجراء انتخابات وصياغة الدستور من قِبَل ممثلي الشعب في عام 2005، مثال آخر هو فتواه بحماية أهل السنة في ذروة النزاعات الطائفية بين الشيعة والسنة في عام 2007، وأكثرها شهرةً فتواه بالجهاد الكفائي ضد تنظيم داعش في عام 2014، والتي أدت إلى تعبئة الحشد الشعبي.
السيستاني في قائمة الاغتيالات الإسرائيلية
قامت قناة 14 الإسرائيلية، في برنامج بثته مؤخرا، بوضع صورة علي السيستاني إلى جانب قادة المقاومة المدرجين على قائمة الاغتيالات للكيان الصهيوني، وقد انتشرت صورة من هذا البرنامج على وسائل التواصل الاجتماعي، تُظهر قادة التنظيمات في مختلف الدول، من إيران إلى اليمن ولبنان وفلسطين، وهو أمر لم يكن جديدا، وهذا التهديد كان موجودا من قبل، حيث سبق أن نفذ الكيان الإسرائيلي جزءا من تلك التهديدات.
قناة 14 الإسرائيلية
ويُعد الملياردير الصهيوني الروسي إسحاق ميريلاشفيلي، المساهم الرئيسي في قناة 14 الإسرائيلية، وهو أيضا أحد مالكي شبكة التواصل الاجتماعي VK الروسية التي تعتبر الأكثر شعبية بين المتحدثين بالروسية، وتُدار من قِبَل بافيل دوروف، مدير منصة تليغرام.
حياة السيستاني
السيستاني هو المرجع الشيعي الأعلى في العراق، وتقوم الحكومة العراقية بحمايته، لكنه لا يعيش حياة خفية، مكان إقامته في النجف، حيث إن عامة الناس والعديد من الزوار غير العراقيين على علم بموقعه، مما يعني أن هذا الأمر ليس خافيا على أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية والأمريكية أيضا.
السيستاني والحشد الشعبي
إن ما يُعرف اليوم بالحشد الشعبي قد تأسس على أساس فتواه عام 2014، هذه الفتوى وخلال السنة الماضية، شاركت الجماعات العراقية بجدية في استهداف الأهداف العسكرية في إسرائيل، لا سيما باستخدام الطائرات المسيرة.
وفي شهر أبریل/نيسان عام 2024، قصفت إسرائيل قاعدة تابعة للحشد الشعبي، ويُعد السيستاني الزعيم الروحي لتنظيمات العراقية، وقد اتخذ موقفا مناهضا لإسرائيل، كما أقيمت مراسم تأبينية لحسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، في النجف بحضور أبنائه، وفي الثاني من شهر أكتوبر/تشرين الأول هذا العام، أصدر بيانا أدان فيه جرائم إسرائيل، ودعا إلى تقديم المساعدة للشعب اللبناني ولللاجئين، وذلك حسبما ذكر الموقع الإيراني “ترفند باز“.
ردّ إيران على تهديد إسرائيل باغتيال السيستاني
فقد ردَّ إسماعيل بقائي، المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، على وضع إسرائيل “علي السيستاني”، على قائمة الاغتيالات، وكتب على شبكة التواصل الاجتماعي “إكس” قائلا: “إن القنوات التلفزيونية التابعة للكيان المحتل، التي تعمل كذراع إعلامية للنظام في حملة الإبادة الجماعية للفلسطينيين، تعرض بوقاحةٍ صور قادة وعلماء بارزين في العالم الإسلامي كأهداف لعمليات إرهابية وتُهددهم بالقتل”.
وأضاف بقائي قائلا: “إن وقاحة الصهاينة في تهديد السيستاني، العالم الكبير، بالاغتيال لا تؤدي إلا إلى إشعال نيران الغضب والكراهية تجاه الصهاينة لدى المسلمين”، وذلك وفقاً لتقرير الموقع الإيراني “همشهري أونلاين“.
مرجعية النجف وقم
حوزتا النجف وقُم هما المركزان الرئيسيان لرجال الدين الشيعة؛ إحداهما في العراق والأخرى في إيران، العلاقة بين هاتين الحوزتين تقليدية ومستمرّة منذ عقود، حيث تؤثر كل منهما في الأخرى وتتأثر بها.
من حيث القِدم، تُعرف حوزة النجف بأنها حوزةٌ عمرها ألف عام، أما حوزة قم فهي أحدث، وقد ازدهرت خلال فترة حكم رضا شاه بهلوي في إيران، رغم أن قم كانت قبل ذلك أيضا مركزا للدروس الدينية.
سبب إنشاء حوزة قُم يعود جزئيا إلى هجرة علماء الدين من النجف ومدن أخرى إليها، وعلى مدى السنوات، تبادل العلماء الإيرانيون والعراقيون الهجرة إلى النجف وقم لأسباب علمية أو سياسية واجتماعية. خلال فترة الثورة الدستورية في إيران، كانت النجف تستضيف عددا من العلماء الإيرانيين، وقد أثّرت آراء بعض العلماء الإيرانيين المقيمين بالنجف في تشكيل التحولات النظرية والسياسية بإيران. وفي أثناء حكم رضا شاه بهلوي، حينما اشتدّت الضغوط على رجال الدين، ذهب عدد من العلماء الإيرانيين إلى العراق، وذلك حسبما ذكر الموقع الإيراني “رويداد 24“.
المنافسة بين مرجعيتي النجف وقم
في عام 2017، قامت مؤسسة كونراد أديناور الألمانية بنشر تقرير تناولت فيه المنافسة بين النجف وقم في مسألة المرجعية الشيعية. ووفقا لهذا التقرير، فإن العامل الأساسي الذي قد يؤدي إلى تحول ولاء الناس من النجف نحو قم هو “الحشد الشعبي”، فاعتمادا على ما سيحدث في المستقبل، إذا ازدادت شعبية الحشد الشعبي في العراق، فقد يتمكن هذا الفصيل من تحويل اهتمام الشيعة العراقيين من مرجعية العراق الشيعية إلى مرجعية إيران الشيعية.
وفي تقرير لصحيفة “واشنطن بوست”، تم تقييم الدور الروحي لإيران في المنطقة، وأشارت إلى أن إيران تعمل على تعزيز نفوذها الديني في العراق وتوطيد دورها في هذا البلد ضمن منافسة مع النفوذ الأمريكي، وذلك حسبما ذكر الموقع الإيراني “رويداد 24”.
العلاقة بين مرجعيتي النجف وقم
كتبت مجلة “الإيكونوميست” في افتتاحيتها: “حتى الآن، بدا أن رجال الدين في قم سيحددون مستقبل النجف، لكن مع المشكلات الأخيرة التي تواجهها إيران، ربما يكون على العراق أن يحدد ذلك”.
وأضافت “الإيكونوميست” أن بعض رجال الدين زادوا من مسافة ابتعادهم عن السلطة. لسنوات، كانت علاقة النجف بقم ضئيلة، حيث ضعف الشيعة في عهد صدام حسين وتقلصت الحوزات الشيعية إلى أقل من مئة حوزة، لكن إيران قامت بتدريب 110 آلاف طالب من خلال تمويل هذه المدارس. منذ سقوط صدام، ازدادت مكانة النجف بين الشيعة، وقد حافظت حوزات النجف على استقلالها في وجه تدخُّل السلطة، لكن هذا الاستقلال لم يُحفظ تماماً من نفوذ قم.