ترجمة: يسرا شمندي
يسعى مستشار المرشد الإيراني، علي لاريجاني، لتحديد مواقفه السياسية من خلال انتقاد سياسات الحكومة ورموزها، ما يعكس تحركاته الاستراتيجية في إعادة صياغة موقفه السياسي سواء مع الحكومة أو مع حلفائه السابقين، في محاولة لبناء صورة نقدية تواكب المتغيرات السياسية الحالية.
وبناء على تقرير نشرته صحيفة فرهيختكان بتاريخ 6 يناير/كانون الثاني 2025،وأثناء جلسة لتكريم المؤرخ الإيراني والأكاديمي المتخصص في التاريخ والفكر الإسلامي رسول جعفريان، فاجأ علي لاريجاني الحضور بالتحول من مناقشة القضايا الثقافية والاجتماعية إلى تناول موضوعات سياسية، حيث قام بانتقاد مسألة “الوفاق” التي تروج لها الحكومة، وقال: “الوفاق يفقد معناه في ظل هذا الارتفاع الكبير في سعر الدولار وغلاء الأسعار”.
وفي هذه الجلسة، أشار لاريجاني إلى وجود مشاكل تتعلق بارتفاع الأسعار وسعر العملة، قائلاً: “في هذه الظروف، يُطرح فجأة موضوع الوفاق الذي لا علاقة له بحياة الناس ولا يشعرون به بشكل ملموس”. كما انتقد كفاءة الحكومة، مؤكدًا: “يجب أن تكون الحكومة محنكة، وهذا يعني أنها يجب أن تختار أفرادًا مَهَرَة من جميع الفئات”.
وأضافت الصحيفة أنه يمكن النظر إلى انتقال لاريجاني المفاجئ إلى نقد الشعار الرئيسي للحكومة من عدة جوانب. ويُحتمل أنه يسعى من خلال ذلك إلى تحديد مسافة مع الحكومة، ومع رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف، والنائب الاستراتيجي لمسعود بزشكيان محمد جواد ظريف، ومع نفسه أيضًا.
1- علي لاريجاني وإعادة تحديد العلاقة مع الحكومة:
ذكرت الصحيفة أن “شعار الوفاق” الذي تبنته الحكومة لإدارة شؤون البلاد يواجه خطر الاندثار باكراُ، لأنه يفتقر إلى القوة اللازمة للتقدم كفكرة رئيسية للحكومة. فالسلطة التنفيذية، التي تتشكل من التحديات والصراعات السياسية المنبثقة عن الانتخابات، لا يمكنها استخدام الوفاق كوسيلة لحل النزاعات السابقة بمجرد توليها السلطة. كما أنها ستواجه تحديات داخل صفوف أنصارها الذين دخلوا في صراع مع الأطراف المنافسة. وبشكل عام، المؤسسات التنافسية غير مهيأة بطبيعتها لخلق بيئة للتوافق. وفي نهاية الأمر، يمكن أن يمثل شعار الوفاق رؤية الرئيس للسياسة الداخلية، لكنه لا يصلح ليكون “خطابًا”.
والآن، بعد مرور عدة أشهر على تشكيل الحكومة السابقة، بدأت آثار ضعف خطابها في الظهور بين صفوف مؤيديها، حيث تجلت في شكل معارضة لبعض التعيينات. كما بدأت شخصيات سياسية، مثل لاريجاني، في انتقاد نهج الحكومة وما يُعرف بـ”إجماع بزشكيان”. ويُعد لاريجاني من بين الشخصيات التي تسعى لتحسين الصورة الاجتماعية للحكومة، في ظل معاناة البلاد من تحديات مثل تراجع قيمة العملة إلى 80 ألف ريال مقابل الدولار، وانقطاع التيار الكهربائي نتيجة خلل في توازن الطاقة. إن هذه التحركات تُفسر على أنها محاولة من لاريجاني لتعزيز موقفه وترسيخ موقعه كأحد منتقدي الحكومة.
2- علي لاريجاني وترسيم الحدود مع محمد باقر قاليباف
أشارت الصحيفة إلى أنه مع تسلم الحكومة الرابعة عشرة زمام السلطة، سعى قاليباف، منافس بزشكيان في الانتخابات، إلى إظهار أقصى درجات التعاون مع الرئيس المنتخب بصفته رئيسًا للبرلمان. وبرز هذا التعاون من خلال منح الثقة الكاملة للحكومة المقترحة. لكن تدريجيًا، بدأ قاليباف في تحديد مسافات معينة مع الحكومة بشأن بعض القضايا، ورغم ذلك، يبقى نجاحه في ترسيخ هذا الفصل موضع تساؤل.
وأكدت أن حكومة بزشكيان تواجه طيفًا متنوعًا من النقاد، فمنهم من يسعى، بأي قضية، حتى إن لم تكن ذات صلة مباشرة بالحكومة الحالية، لإظهار نفسه كمنتقد دائم لما يُعرف بـ”إجماع بزشكيان”. ومنهم من هم مثل قاليباف، الذي يتموضع في مساحة غامضة وغير محددة. هنا، يحاول علي لاريجاني، عبر تصريحاته الأخيرة، أن يرسم خطًا واضحًا بينه وبين قاليباف داخل هذا الطيف من النقاد، مقدمًا نفسه كرمز للنقد المعتدل وغير المتطرف.
وفي إطار مساعيه لإعادة بناء صورته السياسية، يستثمر لاريجاني في الحصاد السياسي للخطوات التي اتخذها في دمشق وزياراته الإقليمية خلال تطورات المنطقة، ليوسع الآن هذا الحضور إلى مجال السياسة الداخلية.
3- علي لاريجاني وترسيم الحدود مع محمد جواد ظريف
أضافت الصحيفة في التقرير أن ظريف يعتزم عقد اجتماع يهدف إلى إطلاق حوار وطني حول الوفاق الوطني، في خطوة تهدف إلى وضع إطار نظري لشعار الوفاق. ولكن وفقًا لبعض الخبراء، يظل هذا الشعار محاطًا بإرباك دلالي يحد من قدرته على إحداث تأثير ملموس في البيئة الاجتماعية.
وأوضحت أنه ربما لهذا السبب يسعى ظريف، بصفته النائب الاستراتيجي للحكومة، إلى إضفاء طابع خطابي على هذا الشعار عبر جمع المفكرين وعلماء الاجتماع. إلا أن تصريحات لاريجاني، التي جاءت قبل يوم واحد فقط من هذا الاجتماع، وهاجمت شعار التوافق، يمكن تفسيرها كنوع من ترسيم الحدود بين لاريجاني ومحمد جواد ظريف، وإشارة إلى وجود اختلافات واضحة في رؤية الطرفين
4- علي لاريجاني وإعادة ترسيم حدوده مع ذاته
ذكرت الصحيفة أنه عندما ينظر لاريجاني إلى وضع البرلمان الثاني عشر والحكومة الرابعة عشرة، يرى انعكاسًا لذاته في مرآة الزمن السياسي. ذلك الزمن الذي شارك فيه، بوعي أو دون قصد، في شراكة سياسية مع حكومة حسن روحاني، وهو ما فُسر حينها باعتباره جزءًا من قدره السياسي.
واختتمت التقرير بأن لاريجاني يُدرك اليوم بشكل أعمق أهمية الترسيم السياسي وفوائده التي تتجاوز مجرد الشراكة مع الخصوم. من هذا المنطلق، يمكن النظر إلى انتقاده الأخير للحكومة على أنه ليس مجرد محاولة لترسيم حدوده معها فحسب، بل هو أيضًا خطوة لترسيم حدود جديدة مع ذاته السياسية القديمة، وإعادة صياغة هويته ضمن المشهد السياسي الحالي.