ترجمة: شروق السيد
في حوارٍ مع موقع “خبر أونلاين“، يتناول علي لاريجاني، رئيس البرلمان الإيراني السابق ومستشار المرشد الأعلى، تصاعد التوترات بين إيران وإسرائيل، يستعرض لاريجاني رؤية إيران للدفاع عن مصالحها الوطنية، كما يناقش التحليلات حول الأحداث الراهنة، وضمن ذلك التأثيرات المحتملة للاختراقات السيبرانية، وإليكم نص الحوار:
“خبر أونلاين”: سيد لاريجاني، طرح المرشد الأعلى بإيران في الأسابيع القليلة الماضية، ومع تصاعد التوترات في المنطقة وبالتحديد التوتر بين إيران وإسرائيل، جملتين رئيسيتين: “لا نتراخى ولا نتصرف باندفاع”، و”لا نستهين ولا نبالغ”، بالنظر إلى التجارب التي لديك في مجال الدبلوماسية وفي الميدان، كيف تفسر وتحلل هاتين الجملتين؟
لاريجاني: يجب على الجميع أن يقبلوا أننا نعيش من أجل السلام وليس من أجل الحرب، الحرب أيضا ظاهرة تكون ضرورية في بعض الأحيان، لكن الجميع يسعون إلى تقليل الحروب والابتعاد عنها قدر الإمكان وحل القضايا بطرق دبلوماسية، هذا لا يعني أننا غير ملتزمين بما نعتقد، لكن الأهم هو ما إذا كانت البداية حربا أم سلاما.
في هجوم إسرائيل الأخير على إيران، قدم الأمريكيون المعلومات والمعدات
وتابع: يحكم العقل باستخدام الطرق الأقل تكلفة، وإن لم يكن، فقد يلجأون إلى طريقة أخرى، في القضية التي نحن بصددها، يجب أولا أن نقبل أن هذه المغامرة أوجدها الأمريكيون والإسرائيليون، بمعنى أن الأمريكيين هم الفاعلون، والإسرائيليون هم الأداة، في هذا الاعتداء الذي حصل مجددا على إيران، تبين أن الأمريكيين هم من قدموا المعلومات للإسرائيليين وكذلك المعدات.
إسرائيل ليست لديها هذه المعدات، كلها معدات حديثة قدمها الأمريكيون لهم، لذلك، فالطرف الآخر هو الأمريكيون، وهم يقولون صراحة إنهم يقفون إلى جانب إسرائيل، المواجهة مع الأمريكيين كانت موجودة في الماضي، لكن الآن الوضع مختلف.
الدول العربية قلقة من إسرائيل وتقول إنها ستتوجه إلى أماكن أخرى أيضا
وأضاف: النقطة الثانية هي أن التطورات التي تحدث في المنطقة تعكس قسوة شديدة، بمعنى أنه لا يوجد مكان فيه مثل هذه الوحشية، في غزة، يتم قتل 50 ألف شخص، يحتج الناس في العالم، لكن الساسة لا يتخذون خطوات فعلية للسيطرة على الوضع، نحن نواجه تيارا شريرا يسعى إلى إحداث تغييرات جذرية في المنطقة، يقول البعض إن إسرائيل تخوض حربا مع العرب، فلماذا نتورط نحن؟
لا يجب أن نرتكب هذا الخطأ لأننا نسعى لمصالحنا الوطنية، بالطبع، نأخذ في الاعتبار الخصائص الإسلامية والإنسانية، لكن الأصل هو المصلحة الوطنية، إذا كان هناك من يعتقد أن هذه الكيانات الخطيرة التي تقوم بتلك الأفعال حاليا لن تتوجه إلى أماكن أخرى لاحقا، فإن لديه تصورا خاطئا عن المشهد. حاليا، بعض الدول العربية التي عادةً ما تنتقدنا ولها مواقف مختلفة، قلقة من إسرائيل، لأنهم يقولون إن إسرائيل إذا أنهت أعمالها هناك، فستتوجه إلى أماكن أخرى.
لقد أظهرت إسرائيل أنها ترغب في إنشاء هيمنة عميقة في المنطقة، وإذا نجحت في ذلك، فلن تترك للعديد من الأماكن الأخرى الفرصة للتنفس، وهذا سيكون ضارا بالتأكيد لكل من الدول في المنطقة ولنا أيضا.
الدفاع عن الأمن الوطني خارج أراضيك ليس ضعفا، بل هو قوتك
وتابع: إن قيامك بالدفاع عن الأمن الوطني خارج أراضيك ليس علامة على الضعف، بل هو علامة على القوة، بالطبع، له تبعات، يجب عليك أيضا أن تقبل أنك ستتحمل تكاليف، وفي المقابل ستحصل على الفوائد.
نقطة أخرى تبدو مهمة في الظروف الحالية هي أن الغرب لديه نزاعات أخرى في المنطقة، لذلك فهو يرى هذه الصراعات في مجموعة واحدة، في هذه المجموعة، لديهم أيضا توجّه نحو إيران.
الآن، مع كل هذه التصريحات، ماذا يجب أن نفعل؟ تصوري هو أن ما ذكره المرشد حول عدم الاستهانة بالحادثة الأخيرة أو تضخيمها كما يروج الآخرون، هو الحقيقة، الآن، سيقدم المسؤولون العسكريون تفسيراتهم في الوقت المناسب، فكيف يمكننا السير في هذا المسار مع مجموعة الظروف هذه؟
يجب أن نكون مستعدين جيدا في الميدان وأن نستخدم القدرات الدبلوماسية بشكل صحيح
وأضاف: أتصور أنه يجب أن يكون هناك استعداد كافٍ في الميدان، إضافة إلى استخدام فعّال للقدرات الدبلوماسية، هذه الدبلوماسية التي يجب أن تقوم بهذا العمل لا يمكن أن تكون دبلوماسية صورية، بل يجب أن تكون دبلوماسية استراتيجية.
النص الحالي للنزاع في المنطقة جزء من هذا السياق، ولكن تأثيره الاستراتيجي هو ما يهم. لذلك، يجب أن تكون دبلوماسيتنا على المستوى نفسه من الأهمية والعمق، وليس سطحية، ولهذا السبب أعتقد أنه يجب أن تكون هناك استعدادات في كلا المجالين.
بالطبع، ستنتهي هذه الأزمة في النهاية، لكن يجب الانتباه إلى ملحقاتها، من المهم جدا أن يتم فهم العمق الصحيح للأمر، وأن يتم توضيح الموضوع للناس بشكل دقيق؛ حتى لا يشعروا أن إيران مهتمة فعلا بالتصعيد.
إيران ليست مهتمة بالصراع ولكن…
وتابع قائلا إيران ليست مهتمة بالصراع ولكنها مستعدة للدفاع عن نفسها، هذان الأمران مختلفان، أي إننا لا نسعى للمغامرة، بل نريد الدفاع عن مصالحنا الوطنية، وهذا يجب أن يكون مرتبطا بدبلوماسية خاصة، إن شاء الله ستقوم الحكومة بذلك.
في العملية التي شهدناها خلال عام ونصف العام، خاصة في الأشهر الأخيرة، تم استهداف عدد كبير من القادة الرئيسيين والشخصيات المهمة في حماس وحزب الله وحتى المستشارين الرئيسيين في الحرس الثوري، برأيك، هل سيؤدي القضاء على هؤلاء الأفراد من خلال الاغتيال أو القصف إلى إضعاف الهيكل القائم؟
لا يمكن ببساطةٍ ملء مكان الحاج قاسم وحسن نصر الله
نعم، وماذا تعتقد أن هذا سيكون له تأثير على محور المقاومة؟ صحيح أنه يقال إن المشكلة ليست في الأفراد بل في الهيكل، ولكن في النهاية له تأثيرات معينة، ما هو تحليلك ورأيك في هذا؟
وأجاب: بالتأكيد له تأثيرات، لكن يجب التمييز بين مستويين، على المدى القصير، هناك خسارة بلا شك، وفي ما يتعلق ببعض الأفراد، هناك خسارة على المدى الطويل أيضا، عندما تم اغتيال السيد بهشتي، كانت هناك خسارة على المدى القصير، لكن في رأيي، كان اغتيالهم خسارة أيضا على المدى الطويل، الأسماء التي ذكرتها، كان اغتيالهم خسارة على المدى القصير، وبعضها خسارة على المدى الطويل أيضا.
مثل قاسم سليماني
وتابع: مثل قاسم سليماني ومثل السيد نصر الله، اغتيال هؤلاء الأفراد له خسارة على المدى الطويل أيضا، بمعنى أنه لا يمكن ببساطةٍ ملء أماكنهم، لكن ما هو مهم هو أنه يوجد فرق بين الخسارة على المديين القصير والطويل.
الخطأ الذي ترتكبه إسرائيل هو أنها تظن أنه بمقتل بعض الأشخاص ستُحل المشكلة، هؤلاء الذين يقاتلون الآن في غزة ليسوا جميعهم سنوار وهنيّة، بل هم شباب يواصلون الجهاد، هناك نقطة يغفلها الغربيون والإسرائيليون غالبا.
ما هو معنى المقاومة التي نتحدث عنها؟ نقصد بالمقاومة أن العنصر المحوري فيها هو الجهاد، الجهاد مرتبط بمشاعر وإحساسات الناس الدينية، السؤال هو: الآن، عندما تقومون باغتيال هؤلاء، هل ستختفي هذه المشاعر؟ أم ستزداد؟ ستزداد، كما كان الحال طوال هذه الفترة، يعني أن هذه القصة ستستمر على المدى الطويل، وفي حزب الله أيضا الأمر كذلك.
في قضية البيجر، تم استهداف عدد كبير من الأشخاص، لكن تم استبدالهم بأفراد جدد
وأضاف: صحيحٌ أن هؤلاء لا يمتلكون خبرة الأفراد السابقين، لكنهم أكثر شجاعة وجرأة، ويعملون بشغف أكبر، ذلك لأن مشاعرهم تحفزت، لذلك، في المدى القصير، تعرضنا لضرر، ولكن على المدى الطويل، هم سيتعرضون لضربة شديدة.
على سبيل المثال، انظر إلى العراق، عندما استولى الأمريكيون على البلاد، هل كان هناك هذا القدر من المقاومة؟ لا. لماذا نشأت؟ لأن ضغط الاحتلال أدى إلى ظهور المقاومة، كيف تم تأسيس حزب الله؟ تم تأسيسه عندما احتلت إسرائيل بيروت، عندما حدث الاحتلال، قال أفراد شجعان ومستقلون إنه يجب علينا إنشاء تيار جهادي لإنقاذ لبنان، بداية هذا الأمر كانت من هنا، هذا التيار الجهادي هو الذي أدى إلى انسحاب الصهاينة، والآن، عندما توسع هذا التيار بشكل كبير، يقولون إن إيران هي التي أنشأته.
إيران لم تنشئ التيار الجهادي في لبنان، لكنها ساعدته
وتابع قائلا: إيران لم تنشئ التيار الجهادي في لبنان، لكنها ساعدت في دعمه، فقد أنشأه شعب لبنان بأنفسهم، وكما هو الحال في اليمن، عندما بدأت السعودية قصف اليمن، نما تيار الحوثيين، وأصبح الشعب الآن متحدا، هم بأنفسهم يقومون بهذا العمل، لا يوجد بلد أو أمة ترغب في أن تكون تحت هيمنة دولة أخرى، سواء كانت الولايات المتحدة أو السعودية.
الآن، تقول إسرائيل: سأسيطر على لبنان لأنني أمتلك القوة، هذا فرض بالقوة، ولا يقبله أي لبناني سواء كان مسيحيا أو شيعيا أو سنيا.
نحن نفكر بالتأكيد في وقف إطلاق النار، وهو أمر مفيد
“خبر أونلاين”: سيد لاريجاني، هل كان تأخر إيران في الرد على اغتيال هنية في أراضيها بسبب موضوع وقف إطلاق النار، الذي أكده المسؤولون الرسميون، لكن لم يحدث وقف لإطلاق النار وشهدنا الأحداث اللاحقة؟ هل يمكن فهم من كلامكم أن الهدنة لا تزال خيارا متاحا لإيران؟ أم أن ما حدث في الأسابيع الأخيرة قد أدى إلى خروج الهدنة من قائمة الخيارات الإيرانية؟
الهدنة ليست أمرا يمكن تجاهله بهذه السهولة، على أي حال، كلما تم حل هذه المسائل بتكاليف أقل كان ذلك في صالح المسلمين والمظلومين، يعني نحن هنا علينا أن ننتبه إلى أنهم تحت القصف، ويجب علينا أن نبذل الجهد لحمايتهم، سواء في الميدان أو في الدبلوماسية.
لذلك، الهدنة بالتأكيد شيء نفكر فيه، وهي مفيدة. ووزير خارجيتنا الذي زار عدة دول كان يسعى لهذا الهدف؛ حتى لا تتسع دائرة النزاع. لكن يجب أن نكون مستعدين من جميع النواحي، ولكن الأولوية هي أن يتم حل الموضوع بطرق أبسط.
قضية الاختراق في إيران خطيرة
سيد لاريجاني، ما مدى جديّة موضوع الاختراق السيبراني في إيران وأيضا في لبنان وعلى مستوى محور المقاومة عموما، خاصة في الأحداث الأخيرة؟
وأجاب: عموما، قضية الاختراق في إيران خلال السنوات الأخيرة جدية، برأيي، كانت هناك بعض الغفلات منذ سنوات، وعلى الرغم من أن الأجهزة الأمنية قد وجهت ضربات لهذه الجهات، فإنها لم تتمكن من منع جميع حالات الاختراق، على أي حال، هذا أمر هام يجري العمل عليه الآن، وهناك تدابير يجري اتخاذها.
أظهرت حوادث مثل اغتيال علماء النووي حدوث اختراق
هل يعني هذا وجود اختراق في الهيكل السياسي والأمني للدولة؟ أم عسكري؟
وأجاب: لا أستطيع أن أحدد القسم تحديدا، لكنني أعلم أن هناك أحداثا مثل الاغتيالات التي وقعت، سواء لعلماء النووي أو غيرهم، والتي أظهرت وجود اختراق، اكتشافه أمر بالغ الأهمية، سواء من حيث العدد أو من حيث النوعية، لذلك يجب أن نكون على وعي شديد بهذه المسألة وتتبع خيوطها، وقد أصبحت هذه الحساسية موجودة الآن.
في لبنان، وبالنظر إلى الأحداث التي طالت حسن نصر الله وغيره من القادة، هل تعتقد أن الاختراق كان موجودا؟
وأجاب: لا أعلم إن كان ذلك فعلا بسبب الاختراق أو بسبب تصرفاتهم، على سبيل المثال، في قضية البيجر لا يمكننا القول بأن هناك نفوذا، ولكن كان هناك تدبير طويل الأمد، أحد الأمور التي تُقال هذه الأيام هو أن إيران بسبب دعمها لـ”حماس” في الأزمة الأخيرة، أدى ذلك إلى جذبهم نحو إيران، لكن الحقيقة ليست كذلك.
عملت إسرائيل على قضية البيجر نحو 15 عاما
وتابع: انظروا، في ما يتعلق بالبيجر، فقد عملوا عليه لمدة تقارب 15 عاما، لم يكن شيئا حديثا؛ فقد كانت لديهم خطة لإنشاء هذا البيجر، وتأسيس شركات في 4 دول، وطريقة التسويق حتى يصل إلى حزب الله، ومن ثم في لحظة معينة يتم استهداف 3 آلاف شخص، لقد كانت خطة مدروسة منذ سنوات، إذن، لدينا خصم يفكر لسنوات، وفي لحظة يوجّه ضربة مؤثرة، ولم تكن هذه القضية وليدة العام الأخير.
“خبر أونلاين”: السيد لاريجاني، لقد كنت خلال فترة ما، أمينا عاما للمجلس الأعلى للأمن القومي، وخلال تلك الفترة مررتم بأزمات عديدة، وقد وقعت حرب 33 يوما أيضا خلال إدارتكم.
وأيضا حرب 22 يوما (عملية عسكرية ممتدة شنها الجيش الإسرائيلي على قطاع غزة في فلسطين من يوم 27 ديسمبر/كانون الأول 2008 إلى 18 يناير/كانون الثاني 2009)
ما أوجه التشابه بين بداية هذه التوترات وإدارتها ونهايتها وتلك الحروب؟ ما أوجه التشابه والاختلاف بشكل محدد؟
وأجاب: من حيث شدة العمليات العسكرية في لبنان، فإن الوضع مشابه للسابق، كانت الهجمات حينها أيضا شديدة للغاية، خاصة خلال الأسبوعين الأولين، في ذلك الوقت، كنا نجتمع في الأمانة العامة للمجلس، وبعد أسبوع من بدء الحرب جاء سليماني إلينا وقدم لنا تقريرا، وذهبنا معا إلى مشهد للقاء السيد القائد، وقد أظهرت التقارير بوضوح مدى ضراوة الهجوم، أما الاستراتيجية فكانت نفسها التي وضعها القائد.
الوضع في غزة يختلف إلى حد ما عن لبنان لأن…
واستدرك: لكن من حيث كيفية سير ساحة المواجهات في الزمن الحالي، هناك بعض الاختلافات، فقد كانت لدينا حرب 22 يوما في غزة، والآن لدينا حرب استمرت لمدة عام، إذا، الخصم قد توصّل إلى استنتاج بأن الزمن ليس مهما بالنسبة له، ولا يهمه إن فقد هيبته في العالم.
فالجميع الآن يتحدث ضد إسرائيل، لكن ذلك لا يسبب له أي مشكلة، يقول: “سأواصل” هذا الاستمرار ليس في صالحه، لكن علينا أن نفهم ما الذي يهدف إليه، في المرة السابقة، جاء بعض الوسطاء، وبمجرد أن شعرت إسرائيل بأنها تتجه نحو الهزيمة في حرب الـ33 يوما، قررت الذهاب نحو التهدئة، خلال الأسابيع الثلاثة الأولى لم يسعوا للتهدئة، لكن عندما أدركوا أن الأمور لن تصل إلى النتيجة المرجوة، توجهوا نحو وقف إطلاق النار، وكانت لديهم مجموعة من الوسطاء في المنطقة الذين بدؤوا في التواصل لحل المشكلة، الأمر مختلف في هذا الصدد.
هذه المرة، جاءوا بخطط تغطي نقاط ضعفهم السابقة، قائلين إنهم سيوجهون ضربة كبيرة تجعل حزب الله عاجزا، لكن هذه الفكرة الآن فشلت، فقد كانوا يتوقعون أن تُحسم الحرب في غضون أسبوعين، لكنهم رأوا أن حزب الله وجد من يحل محله ويواصل العمليات، الآن، أصبحت هذه النظرية مكلفة لهم.
هل لديهم القدرة على الاستمرار؟ يقولون: “نستطيع”، لكن لا أدري إن كانوا قادرين فعلا، من تصريحات بعض الغربيين، كالأمريكيين والفرنسيين، يبدو أنهم يريدون الوصول إلى هدنة، لبنان هو ساحة للسياسات المتنوعة، لذلك هناك بعض الاختلاف بين وضع غزة ولبنان.
غزة جزء من فلسطين، وإسرائيل دائما لديها أطماع فيها، لكن لبنان ليس كذلك، لبنان بلد توجد فيه تيارات سياسية متعددة وناشطة، أما بشأن المستقبل، فيبدو أن الإسرائيليين، بناء على تجربتهم، يضغطون قائلين: “دعونا نتقدم في الأمر”. وهذا ما يظهر من تصريحات نتنياهو، حيث يقول: “نحن من يقرر الآن وليس أمريكا”، لكن هذا غير صحيح، لأنه إن رفعت أمريكا دعمها عن إسرائيل، فلن يتمكنوا من فعل شيء مهم.
المعدات التي يستخدمونها كلها أمريكية، ليست لديهم طائرات إف-35 بأنفسهم، وحتى صواريخهم يتم تزويدها لهم. إذن، يتحدثون، لكن كيف يخططون لإنهاء الأمور؟ كل قوة كبرى لها نظرية خاصة بها، يجب أن نرى كيف ستتطور الأمور.
سليماني كان ذكيا ويفهم النقطة المحورية بسرعة في المناقشات الدبلوماسية
في حرب الـ33 يوما، (الحرب الإسرائيلية على لبنان 2006) والتي كنتم قريبين من تفاصيلها، ما هي الإجراءات التي تم اتخاذها للوصول إلى وقف إطلاق النار؟ وهل تعتقدون أنه لو كان سليماني على قيد الحياة، لكان حدث 7 أكتوبر سيقع أم لا؟
كان لسليماني دور كبير، لقد كان إنسانا ذكيا، وعندما كان النقاش دبلوماسيا لحل القضية، كان يفهم بسرعةٍ النقطة المحورية ويشارك برؤية، وكان نصرالله يمتلك الصفة نفسها، إذ كان يقظا، وهذه اليقظة جعلت منهما قائدين قويين.
في ذلك الوقت، كنا نعقد اجتماعا يوميا بعد الظهر في الأمانة العامة حول حرب الـ33 يوما، كان اللواء رشيد من هيئة الأركان العامة يحضر، وأحيانا اللواء باقري، ووزير الخارجية والمسؤولين الآخرين كانوا يشاركون، وكانت تجرى دراسة لما يجب فعله.
نقطة التحول في حرب الـ33 يوما كانت عندما قرر القائد استراتيجية المقاومة الجادة
تلك الحرب كانت لها نقطة تحول، وذلك عندما عاد سليماني بعد الأسبوع الأول من الاشتباكات من لبنان وقدّم تقريرا، كان المرشد في ذلك الوقت في مشهد، فذهبنا معا، وشرح سليماني الأوضاع له. وهناك، حدد القائد استراتيجية المقاومة الجادة، وعندما وصلت رسالته إلى نصر الله والآخرين، تشكّلت لديهم عزيمة قوية، وكانت هذه النقطة التي غيّرت مسار الأحداث بعد أسبوع.
بعد ثلاثة أسابيع، بدأت الوساطات الإقليمية بالتحرك، لأنهم كانوا يدركون أن الأوضاع ليست في صالحهم، فاتجهوا نحو إيران لإثناء حزب الله عن مواصلة القتال، في الأسبوع الأول، عقدوا اجتماعا في روما بحضور السيدة رايس التي قالت هناك: “لن نقبل بوقف إطلاق النار حتى ينتهي حزب الله”.
لكن بعد ثلاثة أسابيع، بدأوا بتحريك الوسطاء الإقليميين للتواصل معهم لوقف إطلاق النار، القرار الذي تم تقديمه كان يحمل نقاط قوة وضعف، لكن حزب الله قبله ووافق عليه، كان السيد ظريف ممثل إيران في الأمم المتحدة، واتصلت به في منتصف الليل ليتابع هذا العمل، والحمد لله، هدأت الأوضاع.
اللواء سليماني كان يدرك متى يجب الاستفادة من المجال الدبلوماسي ومتى ينبغي العمل ميدانيا
النقطة الأساسية كانت في فكر السيد سليماني؛ فقد كان يدرك متى يجب الاستفادة من المجال الدبلوماسي ومتى يجب عليه التحرك في الميدان، نصر الله أيضا كان شخصا ذكيا، وإضافة إلى مكانته الروحية، كان يمتلك صفات سياسية كبيرة وذكاء سياسيا.
ذات مرة زرت سوريا، وكان نصر الله مهتما برؤيتنا، فرتّبنا لقاء ليليا، وتحدثنا هناك في أمور معنوية، لقد استمتعت كثيرا برفقته، عادةً ما يمتلك السياسيون روحا صارمة، لكن نصر الله كان له قلب رقيق ومشاعر لطيفة، كان يقول لي: “أحيانا أجلس مع نفسي لأرى ما أحمله معي للآخرة، وأبكي”.
كانت له حالات روحية جذابة جدا، ولم يُصرّح بها علنا، كان شخصية متعددة الأبعاد؛ فقد امتلك فهما سياسيا عميقا، وفهما ميدانيا، وكان له ميول صوفية عميقة، رحمهم الله، لقد كانوا كنوزا عظيمة، ونسأل الله أن يزداد عددهم.
العميد قاآني يشبه كثيرا سليماني / لم يتم التشاور مع إيران بشأن 7 أكتوبر
ما هو تحليلكم بناء على تجربتكم؟
وأجاب: العميد قاآني يشبه كثيرا سليماني من حيث نقاء الروح ورصانة الشخصية، كان خليفته وكانا مترافقين بشكل كبير. أما بشأن 7 أكتوبر، فلم يتم التشاور مع إيران، بل اتخذوا قرارهم بأنفسهم، وهذا ما أشار إليه المرشد أيضا، لم يكن الأمر مطروحا مع إيران، وعندما حدثت العملية كانت إيران قد علمت بها.
نحن لا نقول إنه يجب أخذ الإذن منّا، لأنهم يتخذون قراراتهم بأنفسهم، ليس لدى إيران آلية أن يتعين على الآخرين أن يستأذنوها، وإن كان تصور الخارج مختلفا، فالحقيقة ليست كذلك، نحن لا نتبع سلوك الهيمنة، هؤلاء أفراد مجاهدون ويتخذون قراراتهم بأنفسهم، قد يتشاورون معنا أحيانا، لكن في هذه الحالة لم يتم التشاور.
وبالتالي لم يكن هناك ما يمكن فعله، لكن كيف تابعنا الأمر، أعتقد أن الدعم في إيران لهذه الأمور يتم وفق هيكلية معينة؛ أي إنه عمل مُخطط، وانطباعي أن إيران تتعامل عموما بشكل جيد في القضايا الإقليمية؛ فهم يجلسون ويتفكرون، ولديهم تجربة جيدة في القضايا الأمنية.
بالطبع، هذه الأمور لها منحنيات وتعرجات، قد يقول البعض إن الوضع حاليا قد تأزم، نعم، فميادين القتال ليست ثابتة أو تسير في اتجاه واحد دائما، لكن في المجمل، فإن اتخاذ القرار في هذا المجال له إطار ونظام.
الأمريكيون في المنطقة يسيرون بالسرعة القصوى
هل تعتقد أن نتيجة الانتخابات الأمريكية ستؤثر على التوترات الأخيرة في المنطقة؟
على ما يبدو، هذا صحيح، أي إن بعض هذه الاتجاهات أكثر تطرفا بكثير في أمريكا، وعموما، فإن الأمريكيين يلعبون الدور الرئيسي في هذه القضية، لكن هناك بعضهم أكثر تشددا، لا أعرف مدى التأثير، لأنهم الآن يسيرون في المنطقة بأقصى سرعة.
الوضع الآن في أكثر حالاته ازدحاما، ولا أعتقد أن الجيل القادم من الأمريكيين الذي سيتولى السلطة سيكون قادرا على التقدم أكثر من هذا، فقد قدموا كل أنواع الدعم العسكري وغير العسكري، ماذا يمكن أن يضيفوا بعد ذلك؟ لكن قد تأتي الظروف لتدفعهم إلى الحكمة فيكون سلوكهم أكثر توازنا.