كتبت: ناهد إمام
لم يمر اعتذار الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان عن حضور القمة العربية الإسلامية، التي انعقدت في الرياض صباح الاثنين 11 نوفمبر/تشرين الثاني، مرور الكرام، إذ أثار جدلا، وتقييمات، ما بين الاستياء والتأييد، على مواقع التواصل الاجتماعي، كما تناولته بعض المواقع والصحف الإيرانية بالتحليل.
وكان الرئيس بزشكيان قد اعتذر عن حضور القمة المشتركة بين جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي في الرياض التي انعقدت الاثنين 11 نوفمبر/تشرين الثاني، متعللا بازدحام جدول أعماله، وفق بيان حكومي، وأناب عنه نائبه الأول محمد رضا عارف، ممثلا لإيران في القمة، وفقا لوكالة أنباء “إيسنا” الإيرانية.
وأعرب بزشكيان، خلال اتصال هاتفي مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، عن تمنياته للقمة الخروج بنتائج فعالة وملموسة في وقف جرائم الكيان الصهيوني، والحرب وسفك الدماء في غزة ولبنان، وإنهاء جرائم النظام الصهيوني.
وفي هذا الاتصال الهاتفي، أعرب الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، عن أمله في أنه وفقا لإرادة رئيسي البلدين، سيتم تعميق العلاقات بين البلدين وتوسيعها في كافة المجالات، كما أعرب ولي عهد المملكة العربية السعودية عن تقديره للمكالمة الهاتفية التي أجراها الرئيس بزشكيان، قال: “إننا نتفهم موقفكم تماما، ونتمنى التوفيق لأشقائنا في إيران”، وتابع: “إن العلاقات بين إيران والسعودية تمر بمنعطف تاريخي، وأتمنى أن ترتقي إلى أعلى المستويات في كافة المجالات، واغتنمنا فرصة وجود النائب الأول لسيادتكم في الرياض وسنتحاور معه في هذا الشأن”، وفقا لـ”إنصاف نيوز” الإيرانية.
ومن جهته، دعا ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، إسرائيل إلى احترام سيادة إيران، والامتناع عن مهاجمة أراضيها، خلال كلمته في افتتاح أعمال القمة.
وكان التقارب السعودي الإيراني قد بدأ بوساطة صينية في مارس/آذار من العام الماضي (2023)، بعد سبع سنوات من القطيعة. وعشية انطلاق أعمال قمة الرياض، زار رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة السعودية، الفريق الركن فيّاض بن حامد الرويلي، طهران، على رأس وفد عسكري رفيع المستوى.
وفي الحادي عشر من نوفمبر/تشرين الثاني 2023، التقى الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي، في أثناء حضوره القمة الطارئة والمشتركة لمنظمة التعاون الإسلامي والجامعة العربية بشأن فلسطين، مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ليصبح أول رئيس إيراني يزور المملكة العربية السعودية بعد أكثر من عقد من العلاقات المضطربة بين طهران والرياض، بحسب “دنياي اقتصاد” الإيرانية.
امتناع الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان عن حضور القمة، أثار عددا من التساؤلات، وردود الفعل، على الرغم من تبريره الأمر بازدحام جدول أعماله.
ففي تقرير نشرته “دنياي اقتصاد”، تساءلت عن عدم ورود أنباء عن سفر الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، إلى الرياض للمشاركة في القمة المتعلقة بالقضية الفلسطينية، التي حضرها العام الماضي “رئيسي”، كما لم يحضر عراقجي اجتماع وزراء الخارجية يوم الأحد، بل شارك في هذا الاجتماع كاظم غريب آبادي وكيل الوزارة للشؤون الدولية، وأضافت: “ورغم إصرار إيران وتأكيدها عقد هذه القمة المهمة التي تجمع ما يقارب 57 دولة عربية وإسلامية، لماذا لم يستغل مسعود بزشكيان، الذي وعد بالسفر إلى الرياض قدر الإمكان، الفرصة للقاء المسؤولين المشاركين، ومن بينهم ولي عهد السعودية، وذاك بعد أيام قليلة من عودة ترامب إلى البيت الأبيض، وأجّلها بشكل مبهم إلى المستقبل البعيد؟”.
وتابعت: “هل يعود هذا الأمر إلى اختلافات سياسية وحزبية، خاصة في ما يتعلق بالملف السعودي، أم أن الأمر يتعلق أكثر بالمجاملات الدبلوماسية بين طهران والرياض بشأن من سيزور عاصمة الدولة الأخرى أولا؟ أم أن الأمر يتعلق بمستوى القادة المشاركين في هذه القمة، أم أن لدى طهران اعتبارات أكثر جدية تعود إلى القضية الفلسطينية، واختلاف وجهات نظر طهران والرياض، حول مستقبل الصراع العربي الإسرائيلي؟”.
وأشارت “دنياي اقتصاد”، عبر تقريرها، إلى احتمالية أن يرتبط الاعتبار الأول لإيران، بعدم فعالية النتائج الملموسة لعقد مثل هذه القمة، التي تكفي عمليا لإصدار بيان عام وغير ملزم، وإحالة حل المشكلة الراهنة في نهاية المطاف إلى حل الدولتين، مضيفةً أنه مسار طرحته الرياض والعديد من الدول العربية والإسلامية على الطاولة منذ سنوات -على الأقل منذ المشروع الذي طرحه الملك عبد الله عام 2002- وخلال هذه السنوات، وعلى الرغم من الفشل في إقامة دولة فلسطينية مستقلة، فقد أقامت تلك الدول علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، على حد قولها.
وتابعت: “وما يؤكد هذا التحليل هو استضافة الرياض الأسبوع الماضي لاجتماع التحالف الدولي لحل الدولتين، والذي حضره ممثلون عن نحو 90 دولة، من بينها أوروبا والصين وروسيا، ما يعني تأكيد دور السعودية ومكانتها في المبادرات السياسية للقضية الفلسطينية، وفي الوقت نفسه تأكيد أن السعودية تسير أو ستكون على طريق تطبيع العلاقات مع إسرائيل، خاصة بعد إعادة انتخاب ترامب”.
وأشارت إلى أن هذين الطرحين، يعكسان جيدا، اختلاف وجهات النظر السياسية بين إيران والسعودية، في ما يتعلق بمنظور القضية الفلسطينية، فبينما تصر إيران على إجراء الاستفتاء بمشاركة كافة أهالي فلسطين المحتلة، وتجمعها مع اعتباراتها العسكرية والأمنية في ما يتعلق بمواجهة إسرائيل، تصر الرياض على حل الدولتين دون اللجوء إلى العداء، والإجراءات العسكرية، وتعتبر إسرائيل جزءا من مشروع التكامل الجديد في الشرق الأوسط، وأضافت: “على الرغم من الاعتبارات السياسية، والأمنية القومية للجمهورية الإسلامية، والتي تعكس تصور وفهم صناع القرار لمصادر التهديد، والتي لا يمكن تجاهلها، فإن الحضور في هذا النموذج من القمم، لا ينبغي أن يعتبر بمثابة موافقة على قراراته وإجراءاته”.
وتابعت الصحيفة في تقريرها بالقول: “على سبيل المثال، وفي وضع أصبح فيه تغير المناخ واقعا دوليا مهما، وطالت آثاره المدمرة العديد من البلدان اليوم، ولكن بسبب وجود رئيس إسرائيل في هذا التجمع الدولي، لن يشارك فيه أي مسؤول من الجمهورية الإسلامية، في حين يعلم كل مراقب أن مجرد حضور الرئيس الإيراني مثلا في هذه اللقاءات، لا يعني الموافقة على جرائم القتل والجرائم الإسرائيلية، ولا يعني الاعتراف بها، ألا يشارك ممثل الجمهورية الإسلامية في اجتماعات الجمعية العامة ومجلس الأمن الدولي في الوقت نفسه الذي يشارك فيه ممثل إسرائيل؟ فهل أدى ذلك إلى تراجع الجمهورية الإسلامية عن نهجها واعتباراتها؟”.
ولفتت الصحيفة إلى ضرورة أن تستغل إيران فرصة المشاركة في الأحداث الإقليمية والدولية والتعبير عن رأيها بقوة، قالت: “ليس من المنطق، ولا من الاعتبارات الاستراتيجية، في ظل الأوضاع الإقليمية والدولية المتشابكة، حتى وإن كانت غير عادلة وغامضة، أن نتطلع إلى التقدم بوجهة نظرنا بمفردنا دون المشاركة في القمم الإقليمية والدولية، فكواليس القمة وهامشها على الأقل كانت فرصة مميزة لحضور بزشكيان في الرياض، إذ كان من الممكن أن تعكس اعتبارات إيران بشأن الاتفاقية الدفاعية المحتملة بين السعودية والولايات المتحدة، والتي طُرحت على الطاولة مرة أخرى في عهد ترامب، لولي العهد السعودي بشكل أكثر وضوحا”.
وبدورها تساءلت وكالة أنباء الطلبة الإيرانية “إيسنا” عبر تقرير لها، عن سبب عدم ذهاب الرئيس الإيراني ووزير خارجيته إلى الرياض، قالت: “إن عدم ذهابهما يطرح سؤالا مهما عن السبب؟ هل هناك مشكلة في العلاقات الثنائية أم أن المشكلة شيء آخر؟”.
وأضافت: “يبدو أن عدم المشاركة لا علاقة له بالعلاقات الثنائية، وبالمناسبة، فإن اتصال الرئيس الإيراني مع بن سلمان الليلة كان على الأرجح يهدف إلى منع سوء التفاهم في هذا الصدد، وفي هذا الاتصال، بحسب الموقع الإلكتروني للرئاسة، تناول الجانبان العلاقات بين البلدين، لكن يبدو أن السبب الرئيسي لعدم مشاركة إيران على مستوى الرئيس ووزير الخارجية يعود إلى وجود قلق معين بشأن احتمال استغلال هذه القمة لطرح الخطط والحلول التي ترفضها سياسة إيران، كحل الدولتين وغيره، فضلًدا عن انعدام الأمل في إثمار القمة عن وقف الحرب؛ وأن عقد قمة لوقف الحرب وهذه المجزرة له الأولوية على اجتماع للاتفاق على حل الدولتين، وبعدها يمكن للرياض متابعة قضايا أخرى”.
وتابعت مستدركة: “لكن تقديم قمة حل الدولتين في حد ذاته، يمكن أن يكشف عن أولوية عمل الرياض في مواجهة هذه الأزمة، والسياسة التي تنتهجها في هذا الصدد، خاصة مع عودة ترامب إلى السلطة، وهو الأمر الذي لم يكن للمصالحة مع طهران أي تأثير عليه”.
واختتمت تقريرها بالقول: “وفي كل الأحوال علينا أن ننتظر ونرى هل سيكون الاجتماع الجديد لرؤساء الدول العربية والإسلامية، مختلفا عن الاجتماع السابق لرؤساء (التعاون الإسلامي)، وهل ستكون نتائجه خطوة فعالة وجماعية نحو وقف الحرب؟ أم أنها لن تختلف كثيرا عنها؟”.
ماذا قالت وسائل التواصل الاجتماعي؟
ولم يتوقف الأمر عند تقارير صحفية على مواقع وصحف إيرانية، إذ حفلت مواقع التواصل الاجتماعي بالعديد من التعليقات وردود الفعل.
فعلى حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي “إكس”، كتب “أكبر أعلمي”، وهو خبير اقتصادي، وعضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية للفترتين السادسة والسابعة للمجلس، يقول: “إن غياب بزشكيان عن اجتماع الرياض الذي تشارك فيه نحو 57 دولة، نوع من الفرصة الضائعة، وربما هم أنفسهم الذين يملون أي سياسة جيدة أو من يجب أن يكون في مجلس الوزراء أم لا، بسبب افتقارهم إلى العلم والوساوس في #السياسة منعوه من حضور هذا اللقاء المهم”.

أما “عباس آخوندي”، الأكاديمي والسياسي البارز ووزير الإسكان والتنمية الحضارية الأسبق، فقد كتب على حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي “إكس”، يقول: “انعقد الاجتماع الطارئ الثاني لمنظمة التعاون الإسلامي، والجامعة العربية في السعودية، الاثنين 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، ولم تشارك فيه إيران على مستوى الرئيس. إن عدم مشاركة إيران على مستوى رئيس #الأطباء أمر يستحق الاهتمام حقا. وهل هناك قضية أهم بالنسبة لإيران من أمن المنطقة وإيران؟”.

أما الكاتب الصحفي حسن أسدي زيد آبادي، فقد كتب على حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي “إكس” متندرا، لتحجج بزشكيان بازدحام جدول أعماله، بينما سمح هذا الجدول المزدحم بلقاء يونس تبريزلي أحد الشخصيات الانفصالية في أذربيجان، ناشرا صورة له مع الرئيس الإيراني، قال: “ولا تتاح لرئيس العلوم الطبية فرصة حضور اجتماع منظمة المؤتمر الإسلامي في المملكة العربية السعودية بسبب جدول أعماله المزدحم!”.

وقال حساب باسم سعید سلطانپور: “بداية المؤتمر العربي الإسلامي في السعودية طالب بوقف العدوان الإسرائيلي. بزشكيان على حق في أنه لم يشارك في هذا الحدث، فابن سلمان كان يسعى لجمع النقاط لصالحه ولم يدن إسرائيل بشكل حقيقي”.
