كتبت: شروق السيد
في ظل تصاعد التوترات الدولية والتصريحات المتباينة حول البرنامج النووي الإيراني، أكدت فاطمة مهاجراني، المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية، خلال مؤتمر صحفي، يوم 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، الطبيعة السلمية البحتة لهذا البرنامج والتزام البلاد بحظر أسلحة الدمار الشامل، تأتي هذه التصريحات في وقت تتزايد فيه المطالبات داخل البرلمان وخارجه بمراجعة العقيدة النووية الإيرانية.
إعادة النظر في العقيدة النووية لإيران
كان العميد أحمد حقطلب، قائد قوات الحماية والأمن للمراكز النووية الإيرانية، قد أكد في مايو/أيار 2024، أنه “إذا حاول الكيان الصهيوني المزيف استخدام تهديد الهجوم على المراكز النووية في البلاد كأداة للضغط على إيران، فإن إعادة النظر في العقيدة والسياسات النووية لإيران والتخلي عن التحفظات المعلنة سابقا أمر محتمل ويمكن تصوره”، فقد طالب 40 نائبا في البرلمان، في أكتوبر/تشرين الأول من هذا العام، بإرسال رسالة إلى المجلس الأعلى للأمن القومي تدعو إلى إعادة النظر في العقيدة النووية للبلاد.
كما أكد خامنئي، المرشد الأعلى بإيران، مؤخرا، في لقاء مع مجموعة من الطلاب بمناسبة یوم الطالب، ردا على أحد الطلاب الذين طالبوا بتغيير العقيدة النووية وإصدار فتوى ثانوية بشأن السلاح النووي، قائلا: “سنفعل بالتأكيد كل ما يلزم لمواجهة العدو”. وفي الأيام الأخيرة، دعا أحمد نادري، عضو هيئة رئاسة البرلمان، إلى إجراء اختبار نووي وإعلانه رسميا لتعزيز الردع الوطني، مشيرا إلى أن “القيام بذلك قد تأخر بالفعل”.
فاطمة مهاجراني: البرنامج النووي الإيراني سلمي تماما
سأل مراسل موقع “دیدهبان إيران” خلال المؤتمر الصحفي يوم الثلاثاء 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، فاطمة مهاجراني، المتحدثة باسم الحكومة، أولا: هل تمتلك إيران قنبلة نووية لتجري اختبارا عليها؟ وثانيا: هل ستحدث تغييرات في العقيدة النووية للبلاد بناءً على التصريحات الأخيرة لبعض المسؤولين الرسميين؟
وفي ردها على هذه الأسئلة، قالت المتحدثة باسم الحكومة لمراسل “دیدهبان إيران”: “السلاح النووي هو أحد أسلحة الدمار الشامل، والتاريخ يتذكر كيف دُمّرت أجيال هيروشيما وناغازاكي بالقنبلة النووية التي استخدمتها الولايات المتحدة، لذلك فإن النهج الرسمي والموقف الرسمي للبلاد هو حظر أسلحة الدمار الشامل، وقد أكدت إيران مرارا أنها تسعى فقط للنهج السلمي في برنامجها النووي”.
وأكدت مهاجراني أن “فتوى المرشد بشأن حرمة السلاح النووي صدرت استنادا إلى هذا النهج، حيث إن برنامجنا النووي ذو طبيعة سلمية بحتة”، وأشارت إلى أن إيران تحدد سياساتها وعقيدتها النووية من خلال المجلس الأعلى للأمن القومي، الذي يستند نهجه أيضا إلى منع أسلحة الدمار الشامل، وضمن ذلك السلاح النووي.
وأضافت أن “جميع أهداف البرنامج النووي الإيراني أهداف سلمية، وأن رؤيتنا ترتكز على تعزيز السلام في العالم”، وذلك حسبما ذكر الموقع الإيراني “ديده بان إيران“.
المتحدث باسم وزارة الخارجية: البرنامج النووي الإيراني سلمي
قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، يوم الاثنين 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، عشية زيارة المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية لطهران: “إن بعض أجزاء اتفاقية خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي) بحاجة إلى تحديثات معينة”، وأوضح إسماعيل بقائي يوم الاثنين: “موقفنا من الملف النووي هو ما أكدناه دائما؛ برنامجنا سلمي ولدينا وثيقة محددة تُعرف بخطة العمل الشاملة المشتركة، ورغم أن بعض أجزاء هذه الوثيقة قد تكون تجاوزتها الأحداث، فإنه من الضروري إجراء بعض التحديثات، وهو الأمر الذي تعطل للأسف بسبب بعض التطورات”.
وفي ما يتعلق بزيارة المدير العام للوكالة إلى طهران، أضاف بقائي: “لقد أعلنا دائما أننا نتوقع من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومن شخص المدير العام للوكالة، أن يتصرفا بشكل مستقل ومهني بعيدا عن الضغوط السياسية والدعايات التي يروج لها الآخرون”، وذلك حسبما ذكر الموقع الإيراني “دنياي اقتصاد“.
هل تغير إيران عقيدتها تجاه امتلاك السلاح النووي؟
كتبت صحيفة “شبكة شرق“: “استفسرنا عن رأي رحمان قهرمان بور، الحاصل على الدكتوراه في العلاقات الدولية، حول احتمالية تغيير العقيدة الصاروخية الإيرانية، ويرى أنه (على الرغم من أن هذا الاحتمال ليس مستبعدا)، فإن (زيادة مدى الصواريخ) لا يمكن أن تعتبر (تغييرا في العقيدة الصاروخية الإيرانية)”. ويشرح قهرمان بور في هذا السياق: “لقد استندت الاستراتيجية الدفاعية الإيرانية، لسنوات طويلة، إلى الدفاع الصاروخي، وأي تغيير في العقيدة الدفاعية الإيرانية يعني أننا قد نشهد الانتقال من الاستراتيجية الدفاعية الصاروخية إلى الدفاع البحري أو تغييرا في اختبار الصواريخ الباليستية العابرة للقارات”.
ووفقا لرأيه، “سنشهد هذا التغيير عندما تبدأ إيران اختبار صواريخ بمدى يتراوح بين 4500 و5000 كيلومتر؛ تماما مثلما حدث مؤخرا عندما أجرت الصين اختبارا لصاروخ عابر للقارات”.
يقول قهرمان بور: “وجهة نظري هي أن إيران لا تنوي حاليا تغيير عقيدتها الدفاعية، بمعنى أن العقيدة العسكرية الإيرانية لن تتحول من الدفاع إلى الهجوم، لأن إيران أعلنت منذ البداية أن الصواريخ التي تصنعها ذات طابع دفاعي، لكن قد تحدث تغييرات في نوع الصواريخ أو الطائرات المسيرة أو مدى الصواريخ، في حالة انتقالنا من الصواريخ المتوسطة المدى إلى الصواريخ بعيدة المدى، فمن المحتمل أن يؤدي ذلك إلى تغييرات أكثر أهمية”.
وعندما سُئل عن كون الجمهور المستهدف لزيادة مدى الصواريخ الإيرانية هو الاتحاد الأوروبي، أكد قهرمان بور أن “الأنظمة الدفاعية الموجودة حاليا في تركيا وبولندا، ونظام الدفاع بزاوية 360 درجة، تم إعدادها بناءً على احتمال التهديد الصاروخي الإيراني ضد الاتحاد الأوروبي”.
ومع ذلك، يعتقد أن “أول رسالة لزيادة مدى الصواريخ الإيرانية ستكون موجهة إلى الاتحاد الأوروبي، وأظن أن خلافاتنا الحالية مع أوروبا التي تفاقمت بعد حرب أوكرانيا ستزداد شدة، ومن ثم فإن زيادة مدى الصواريخ الباليستية الإيرانية ستؤدي حتما إلى زيادة عدم الثقة بين إيران وأوروبا، المعنى السياسي لهذا هو أن أوروبا ستقترب من الولايات المتحدة في المجال الدفاعي أكثر من السابق”.
كما يعتقد بور أن زيادة مدى الصواريخ الإيرانية لا يمكن أن تُعتبر أداة لـ”المساومة” في المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي، ويقول: “إذا وصلنا إلى المرحلة التي تشعر فيها أوروبا بعدم وجود إمكانية للتوصل إلى تسوية، فلن تؤدي زيادة مدى الصواريخ إلى دفع الطرف الآخر للجلوس إلى طاولة المفاوضات أو تقديم أي تنازل لإيران”.
كمال الدين خرازي: إذا تعرضت إيران لتهديد وجودي فستغير عقيدتها النووية
صرح كمال خرازي، رئيس المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية، في مقابلة مع قناة الميادين اللبنانية، بأن إيران قد تغير عقيدتها العسكرية في ما يتعلق بتطوير السلاح النووي إذا واجهت تهديدا وجوديا، مشيرا إلى أن إيران تمتلك حاليا القدرة على تصنيع السلاح النووي.
وانتقد خرازي الأوروبيين، مشيرا إلى أن إيران قد أخذت في الماضي حساسيتهم تجاه مدى الصواريخ الإيرانية بعين الاعتبار، لكنه أوضح أنه طالما أن الأوروبيين لا يأخذون حساسيات إيران بعين الاعتبار، فلا ضرورة لأن تراعي إيران حساسياتهم بعد الآن، مما يفتح المجال لاحتمال زيادة مدى الصواريخ الإيرانية.
في سياق المقابلة، طلبت قناة الميادين توضيحا لموقف خرازي بشأن العقيدة العسكرية الإيرانية المتعلقة بتطوير السلاح النووي، وسألت: “كنت أول من تحدث عن تغيير العقيدة النووية في حال تعرض إيران لخطر وجودي، هل يمكن أن توضح ما قصدته، خاصة أن هذا التصريح أثار جدلا واسعا؟”.
فأجاب خرازي: “تلك السياسة لا تزال قائمة، وما قلته بشأن تغيير إيران عقيدتها النووية إذا واجهت تهديدا وجوديا ما زال ساريا، ونحن الآن نمتلك القدرة اللازمة لتصنيع السلاح، لا توجد أي مشكلة، العامل الوحيد الذي يمنعنا هو فتوى المرشد الأعلى التي تحظر ذلك في الوقت الراهن”.