كتب: ربيع السعدني
أثار تسريب مقطع فيديو لـ”نرجس محمدي”، 3 يناير/كانون الثاني 2025، وهي ترقص رفقة مجموعة من السجينات في سجن إيفين للنساء بطهران، ضجة وانتقادات واسعة للناشطة الإيرانية البارزة في مجال حقوق الإنسان، والحائزة على جائزة نوبل للسلام لعام 2023 من الإصلاحيين إلى المحافظين عبر الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي.
التركيز الرئيسي للنقد بين الطرفين كان عن حالة السجون، ويرى الأصوليون هذا الفيديو نموذجاً لما يقال عن أوضاع السجون ومعاملة السجناء، بحسب ما نقلت صحيفة “إطلاعات” التي ترصد أبرز ما ورد بالصحف الإيرانية اليومية ويعتقد البعض أن هذه الصور ساعدت في تبييض سُمعة السجون في طهران، مما يدل على أن هذا السجن يتمتع بمرافق جيدة، على عكس ما يقال في وسائل الإعلام فإن حالة السجينات ليست سيئة.
وليس من الواضح كيف خرجت مقاطع الفيديو هذه من السجن، لكنها نُشرت على الفور على قنوات إخبارية ومواقع ومنصات وصفحات إلكترونية قريبة من المؤسسات الأمنية الإيرانية.
ماذا يقول إعلام الأصوليين؟
وفي افتتاحية اليوم، اعتبرت صحيفة “جوان” هذه الحادثة أيضًا بمثابة “فضيحة” وأطلقت عليها اسم “حفلة إيفين”.
هذه الصحيفة الأصولية، حسبما نقلت عنها صحيفة “إطلاعات” في الرابع من يناير/كانون الثاني 2025 تكرر ما قالته وسائل إعلام أخرى تابعة لهذا التيار عن حالة نرجس محمدي في السجن وحالتها الجسدية، نقلت عن محكوم أمني سابق لم يذكر اسمه، وكتبت: “كان ينبغي للسيدة نرجس محمدي أن تحصل على جائزة الأوسكار بدلاً من جائزة نوبل للسلام، لأنها أظهرت أنه ممثل جيد”.
كما نقلت صحيفة “همشهري آنلاین” المستقلة عن صحيفة كيهان التي تنتمي لتيار المحافظين يوم 4 يناير/كانون الثاني 2025: “نرجس محمدي كانت تحاول القول إن السجناء في إيران يتعرضون للتعذيب، ولكن ماذا الآن بعد أن تم نشر مقطع فيديو لـ”نرجس محمدي” في مختلف وسائل الإعلام، التي ترفض تماماً ادعاءاتها السخيفة؟”.
واتهمت وسائل إعلام مقربة من المؤسسات الأمنية الإيرانية، الناشطة نرجس محمدي بالكذب بشأن حالتها الجسدية والصحية، وكذلك تصريحاتها حول الضغط على السجناء والتنكيل بهم.
وكتبت وكالة أنباء فارس 4 يناير/كانون الثاني 2025: “لقد تم الكشف عن كذبة أخرى فيما يتعلق بالتعرض للأذى في السجن والقمع، وهذا الفيلم يظهر بوضوح حالة سجون النساء، خاصة عنبر الأمن ليس فقط أنهن لا يعانين من مشاكل ولا يتعرضن للانتهاكات للضغط والتعذيب، ولكن حتى هناك أيضاً أجواء سعيدة بالنسبة لهم”.
وبطبيعة الحال، حسب تقرير وكالة أنباء “فارس” الرسمية: “هناك احتمال أن يكون المحافظون قد خلطوا بين سجون اليوم وسجون ما قبل الثورة (عام 1979)؛ لأنه لا يخفى على أحد أن السجناء تعرضوا في سجون النظام البهلوي لتعذيب شديد (نسبة إلى شاه إيران السابق رضا بهلوي).
فيما وصف الناشط السياسي تقي رحماني، زوج نرجس محمدي، هذه الحجج بأنها “أحكام أشخاص لم يدخلوا السجن” ووقعوا في فخ “لعبة الحكومة”.
ودوَّن أحد المواطنين في إيران على حسابه الخاص “بهنام عبدالله” عبر “منصة X”، في الأول من يناير/كانون الثاني الجاري، متسائلاً: “قالت إنني لم أتمكن من التحدث مع أطفالي عبر الهاتف لسنوات عديدة.. فماذا يفعل هذا الهاتف المحمول هناك؟!”.
وكتب المدون “إلياس سيل” يوم 2 يناير/كانون الثاني 2025: “لقد خرج فيلم نرجس محمدي ليثبت أن سجون إيران ليست كما يقولون، تعذيباً وبتر أطراف واغتصاباً وفقأ عيون، الآن يقولون لماذا لا تبث هذا على الإطلاق.. فلننشر أكاذيبنا وافتراءاتنا ونستفز بها الناس!”.
وكتب أحد المدونين بحساب يُدعى “آدم” ساخراً: “الفيلم المسرب للتعذيب الفظيع الذي تعرضت له نرجس محمدي في سجون إيران الرهيبة: هل فهمت الآن لماذا دخلت السجن بـ 40 كيلو ورجعت بـ 120 كيلو؟”.
على “منصة إكس”، كتبت الناشطة الاجتماعية الإيرانية إلهام اميدواري في تغريدة بتاريخ 3 يناير/كانون الثاني 2025: “في الفيديو الذي تم نشره لرقصة السجينات السياسيات في سجن إيفين تظهر محبوبة رضائي بجانب نرجس محمدي”.
وعلقت ردًا على تغريدة الصحفي سعيد حفيظي، “رقصة الذئاب”، فكتبت: “إن عنبر النساء في سجن إيفين هو الخط الأمامي لحركة المرأة، الحياة، الحرية، ويجب أن نتعلم منهن أن نقف معاً لمحاربة عدونا المشترك، الجمهورية الإسلامية، على الرغم من كل خلافاتنا في الرأي”.
من هي نرجس محمدي؟
وُلدت نرجس محمدي عام 1972، بحسب تقرير “تابناك” في مدينة زنجان شمال غرب إيران، ونشأت في مدينتَي كرج (شمال) وقوره (غرب) وبعد إتمام الثانوية العامة تابعت دراستها في مجال الفيزياء التطبيقية في جامعة قزوين في شمال البلاد.
في أثناء دراستها بالجامعة، شاركت في تأسيس “منظمة الطلاب المنورين”، واعتُقلت بعد ذلك مرتين وخلال إقامة اجتماعات طلابية في الجامعة، وفي أيام دراستها كانت تشارك بانتظام في رحلات تسلّق أعلى قمم إيران، لكنها مُنعت من ذلك العمل أيضاً بسبب نشاطها السياسي.
رحلة محمدي في الصحافة
ووفقاً لموقع “تابناك” فقد بدأت محمدي العمل الصحفي في مجلة “بيام هاجر” عام 1996، وحينها نشرت مقالات حول قضايا المرأة وقضايا الطلاب وحقوق الإنسان في تلك المجلة وغيرها من المجلات والصحف وبعد ذلك تزوجت عام 1999 من الكاتب والأستاذ الجامعي والناشط والسجين السياسي تقي رحماني، وأنجبت منه طفلين.
بعد مرور فترة وجيزة أصبحت عضوةً في جمعية “المدافعين عن حقوق الإنسان”، وتوسع عملها في هذه الجمعية، حتى صارت نائبة رئيسة الجمعية ورئيسة اللجنة النسائية فيما بعد، وترأست هذا المركز القاضية السابقة والحائزة كذلك على جائزة نوبل للسلام “شيرين عبادي”.
في السادس من أكتوبر/تشرين الأول 2023 أعلنت لجنة نوبل فوز نرجس محمدي بجائزة نوبل للسلام، وذلك تكريماً لنضالها السلمي ضد اضطهاد المرأة ومطالباتها بتعزيز حقوق الإنسان والحرية في إيران، وقد دفعت هذه الناشطة أثماناً باهظةً بسبب مواقفها الشجاعة ضد انتهاكات حقوق الإنسان في إيران، وتعرضت للسجن والملاحقة بسبب نشاطها.
إطلاق سراح مؤقت
اعتقلت نرجس محمدي للمرة الأولى في عام 2009 بصفتها نائبة الرئيس والمتحدثة الرسمية لمركز المدافعين عن حقوق الإنسان، وبعد ذلك تم اعتقالها خمس مرات أخرى على الأقل وحكم عليها بالسجن لأكثر من 16 عامًا.
وأُطلق سراح محمدي مؤقتًا من السجن يوم 4 ديسمبر/كانون الأول 2024 بعد خضوعها لعملية جراحية معقدة في إيران.
وقد أعلن مصطفى نيلي، المحامي الخاص بالناشطة الحقوقية نرجس محمدي، الحائزة على جائزة نوبل للسلام أن موكلته عادت إلى سجن إيفين مرة أخرى بعد أن تم تعليق مدة عقوبتها من النيابة العامة لمدة 21 يوماً تخضع خلالها للجراحة الطبية.
وكان قد دوَّن نيلي في وقت سابق عبر حسابه الخاص على “منصة X” خضوعها لعملية جراحية في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني 2024 لإزالة “ورم عظمي في الجزء العلوي من الساق وترقيع عظمي”، مضيفاً: “كان الورم الذي أزيل حميداً، لكن (محمدي) تحتاج إلى مراجعة طبية كل 3 أشهر”.
تكريم خلف القضبان
جائزة نوبل للسلام، ليست الجائزة الوحيدة التي تحصل عليها الناشطة الحقوقية البارزة نرجس محمدي وهي في السجن، لكنها حازت على جوائز دوليةً عديدة أبرزها، “جائزة الأمم المتحدة لحرية الصحافة” في 13 مايو/أيار 2023.