كتب: ربيع السعدني
في ذكراهم الخامسة، تحدث مسؤولو الهيئة القضائية للقوات المسلحة الإيرانية عن إعادة النظر في قضية إسقاط الطائرة الأوكرانية المنكوبة في الرحلة رقم (PS752) التي وقعت يوم 8 يناير/كانون الثاني 2020، وأسفر عن مصرع جميع ركاب الطائرة وطاقمها البالغ عددهم 176 شخصا، معظمهم إيرانيون من حاملي جنسيات كندية وبريطانية وأوكرانية.
بينما تجمَّع أهالي الضحايا في موقع سقوط أحبائهم في الذكرى الخامسة لسقوط الطائرة، وأحيوا ذكراهم في مراسم بدأت بالوقوف دقيقة صمت حدادا على أرواح ذويهم، كما تم عرض بعض المتعلقات التي تركها الضحايا خلفهم، في إمام زاده صالح قرب مطار الإمام الخميني بطهران، بحضور ذوي الضحايا وبعض المسؤولين، حيث وضعوا أكاليل من الزهر على قبورهم.
أحيا أهالي الضحايا هذه المأساة التي وقعت عام 2020، عندما أسقطت طائرة الخطوط الجوية الأوكرانية الدولية بواسطة (صاروخ أرض-جو) أُطلق عن طريق الخطأ من قبل الحرس الثوري الإيراني بعد وقت قصير من إقلاعها من مطار طهران، وبعد أيام من الغموض والتهرب، أقرَّ قائد القوات الجوية الإيرانية الجنرال حاجي زاده، يوم 11 يناير/كانون الثاني 2020، خلال مؤتمر صحفي نقلته وكالة “خبر أونلاين”، بأن مجموعة من عناصر الحرس الثوري ظنوا الطائرة صاروخا أمريكيا فأسقطوها، وكانت أنظمة الدفاع الجوي التابعة لها في حالة تأهب قصوى حينها؛ تحسبا لهجوم أمريكي مضاد ردا على إطلاق طهران صواريخ على قاعدة عين الأسد العسكرية في العراق، والتي كانت تستخدمها القوات الأمريكية آنذاك، وفقا لتقرير صدر في مارس/آذار 2021 عن منظمة الطيران المدني الإيرانية.
كما أعلنت طهران بعد مرور عامين على الحادث، محاكمة 10 عسكريين من رتب مختلفة من الحرس الثوري، ما فتح العديد من الانتقادات من قبل أهالي الضحايا، لا سيما أولئك الذين يقطنون في كندا، مطالبين بملاحقة المسؤولين الكبار بتهمة الإرهاب.
كندا تطالب إيران بالتعويضات
في الذكرى الخامسة لإسقاط الطائرة الأوكرانية بصواريخ الحرس الثوري الإيراني، أكدت كندا التزامها الحازم بتحقيق العدالة، والمساءلة، والشفافية، والتضامن مع أسر الضحايا.
وطالب المتحدث باسم وزارة الخارجية والكومنولث والتنمية الكندية، في بيان رسمي، يوم 8 يناير/كانون الثاني 2025، طهران بـ”تحمُّل المسؤولية الكاملة عن أفعالها، وضمن ذلك تعويض مواطني المملكة المتحدة عن الأضرار الناجمة عن إسقاط الطائرة”.
وأضاف البيان: “على مدى خمس سنوات، رفضت إيران تحمُّل المسؤولية القانونية الكاملة عن إسقاط الطائرة، على الرغم من اعترافها بإسقاط طائرة الرحلة PS752 جوا، لا يمكن أن يستمر هذا، سنواصل سعينا لتحقيق العدالة من خلال محكمة العدل الدولية ومنظمة الطيران المدني الدولي (الإيكاو)”.
حادث قتل بالخطأ
كان الحادث الأليم قد وقع في خضم توترات إقليمية بعد حادث اغتيال قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني، في غارة جوية أمريكية بالعراق، أقرت إيران لاحقا بأن الحادث كان نتيجة خطأ بشري، حيث تم إطلاق الصاروخ عن طريق الخطأ بسبب توتر الوضع الأمني في المنطقة.
وجرى إسقاط الطائرة بعد إصابتها بصاروخين بعد لحظات من إقلاعها من مطار الخميني باتجاه كييف في الثامن من يناير/كانون الثاني لعام 2020.
انعدام الشفافية
فيما أفاد محمود علي زاده طباطبائي، محامي بعض أسر الضحايا، أمس، بتعطيل نظر القضية بالمحكمة العسكرية لمدة 6 أشهر.
وأشار طباطبائي، في حوار مع موقع “ديدبان إيران” الإخباري المستقل، يوم 7 يناير/كانون الثاني 2025، إلى “المعاملة الخاطئة وانعدام الشفافية في الإجراءات”، مضيفا: “لم يتم التحقيق في شكاوى العائلات بشأن القادة الرئيسيين، وقد أجبر رد فعل النظام القضائي في إيران العديد من أسر الضحايا على سحب شكواهم”.
وفي إشارة إلى الاعتراضات الـ12 الواردة في القرار الصادر، أكد أن “المدعين يريدون ملاحقة المسؤولين الرئيسيين عن هذه الحادثة، ورغم أن المتهمين الرئيسيين ما زالوا طلقاء، فإن المحكمة العسكرية لم تعد النظر في القضية بعد”.
تصحيح القضية
في حين أعلن نائب رئيس الهيئة القضائية للقوات المسلحة الإيرانية أحمد رضا بورخاقان، يوم الخميس 9 يناير/كانون الثاني 2025، أنه ستتم إعادة النظر في قضية الطائرة الأوكرانية وتصحيح أوجه القصور، مشيرا إلى أنه منذ بداية هذه الحادثة والتحقيقُ في القضية كان على جدول أعمال السلطات.
ووفقا لوكالة أنباء الطلبة الإيرانية “إيسنا“، أكد بورخاقان: “كانت لجان الخبراء المحلية والأجنبية، وضمن ذلك ممثلون من أوكرانيا، حاضرة في الإجراءات”، مبينا أن “هذه العملية أحيلت إلى المحكمة العليا مع اعتراض المدعين وطلب إعادة المحاكمة”.
كما أضاف بور خاقان على هامش زيارته للإدارة العامة للجمارك في مدينة أستارا شمالي إيران، أن “الأحكام المتعلقة بقضية إسقاط الطائرة الأوكرانية بصواريخ الحرس الثوري صدرت بعد تحقيقات (كافية وشاملة)، ومع ذلك، تخضع القضية الآن لـ(إعادة النظر) تحت تصرف منظمة القضاء العسكري”.
الآمال المفقودة
وباعتبار أن العديد من ضحايا الحادث كانوا مواطنين أو مقيمين بكندا، فقد أصدرت المحكمة العليا في مقاطعة أونتاريو حكما في 21 مايو/أيار2021، حسبما نشرت شبكة (CBC) الكندية، بأن إسقاط هذه الطائرة كان “متعمدا وعملا إرهابيا“، بموجب قانون حصانة الدولة، وقانون العدالة لضحايا الإرهاب والقانون الجنائي.
وألزمت هذه المحكمة، طهران بدفع تعويضاتٍ قدرها 250 مليون دولار لتسع عائلات من الضحايا، لكن إيران لم تدفع هذا المبلغ ولم ترسل ممثلا للدفاع عن نفسها في المحكمة الكندية.
وقبل نحو عامين، وتحديدا في السابع من مايو/أيار 2023، قدمت كندا إلى جانب أوكرانيا وبريطانيا العظمى والسويد (4 دول تضررت من إسقاط الطائرة الأوكرانية)، شكوى أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي ضد طهران، متهمةً إياها بإسقاط الطائرة عمدا، وتأخر تحمُّل المسؤولية القانونية أو دفع التعويضات لعائلات الضحايا.
<<النص الكامل للشكوى الرباعية ضد إيران أمام محكمة العدل الدولية<<
انتهاك صارخ للقانون الدولي
وفي بيان رسمي، دعت وزارة الخارجية الأوكرانية في ذكرى تحطم الطائرة التابعة للخطوط الجوية الدولية الأوكرانية في المجال الجوي الإيراني، المجتمع الدولي إلى توحيد الجهود من أجل السلام والأمن الدوليين، وضمن ذلك سلامة الطيران المدني الدولي، وتجنب مثل هذه الكوارث في المستقبل.
وأعربت “الخارجية الأوكرانية” عن خالص تعازيها لجميع أقارب وأصدقاء الذين قتلوا على متن الرحلة، وأكدت أن أوكرانيا لن تدخر جهدا لتحقيق العدالة ومقاضاة الجناة.
وجاء في البيان الذي نشرته وزارة الخارجية الأوكرانية يوم 8 يناير/كانون الثاني 2025: “لقد انتهكت إيران بشكل صارخ، عددا من قواعد القانون الدولي: فقد استخدمت الأسلحة ضد طائرة مدنية في أثناء طيرانها، ولم تتخذ جميع التدابير لمنع إسقاطها، ولم توفر تحقيقا شفافا وموضوعيا في ظروف الكارثة، ولم تقدم أي تحقيق مناسب في ملابسات الكارثة”.
أهالي الضحايا: لن ننساكم
وأصدرت رابطة أهالي ضحايا الرحلة (PS752)، يوم الجمعة 3 يناير/كانون الثاني 2025، قبل مع أيام من الذكرى الخامسة لإسقاط هذه الطائرة الأوكرانية المنكوبة، بيانا أكدت فيه دور الحرس الثوري في مقتل 176 راكبا، داعية إلى “توضيح الحقيقة”، و”تنفيذ العدالة” في العملية القانونية لمتابعة هذا الحادث أمام محكمة العدل الدولية ومنظمة الطيران المدني الدولي (الإيكاو).
ودعت هذه الحملة التطوعية، الإيرانيين في جميع أنحاء العالم إلى التجمع عند قبور ضحايا الطائرة المنكوبة في ذكرى إسقاطها الخامسة وتكريمهم بالزهور والشموع، واختتمت الرابطة بيانها بالقول: “في كل مدينة نصب تذكاري، ولكل نصب تذكاري زهرة، ولن نتراجع عن تحقيق العدالة لأحبائنا، ولن ننسى أو نغفر لقتلة أطفال إيران”.