كتب: محمد بركات
شهدت الأشهر الأخيرة تطورات لافتة في ما يتعلق بمشروع تعديل قانون تعيين الأشخاص في المناصب الحساسة، والذي أُثيرت حوله نقاشات حادة داخل البرلمان الإيراني ومختلف الأوساط الحكومية، وفي قلب هذا الجدل تأتي أزمة تعيين محمد جواد ظريف، وزير الخارجية الأسبق، مستشارا للرئيس للشؤون الاستراتيجية، حيث أثار هذا التعيين انقسامات حادة بين الحكومة والبرلمان بسبب جنسية أولاده المزدوجة، ما فتح الباب أمام مطالبات بتعديل القانون لتوفير مرونة أكبر، وسط اتهامات باستحداث مناصب مخالفة للدستور واستغلال القوانين لخدمة أهداف سياسية.
فقد عُقد اجتماع لجنة الشؤون الاجتماعية التابعة للبرلمان الإيراني، الثلاثاء 7 يناير/كانون الثاني 2025؛ وذلك لمناقشة مشروع تعديل قانون تعيين الأشخاص في المناصب الحساسة، وذلك بدعوة ممثلين عن منظمة الإدارة والتوظيف الوطنية، ووزارة الاستخبارات، وجهاز استخبارات الحرس الثوري، والإدارة القانونية والبرلمانية لرئاسة الجمهورية، وهيئة التفتيش العامة، والإدارة التشريعية للبرلمان، ومركز الأبحاث التابع للبرلمان، ومحكمة التدقيق العليا.
وعقب الجلسة، صرح ولي داداشي، النائب البرلماني عن مدينة آستارا والمتحدث باسم لجنة الشؤون الاجتماعية في البرلمان، قائلا: “خلال الاجتماع الذي استمر أكثر من ساعتين، تم تقديم الآراء والمقترحات المتعلقة ببعض بنود هذا المشروع وتمت مناقشتها بين النواب الحاضرين وممثلي الجهات المختلفة”.
وأضاف دادشي: “في مشروع القانون الذي قدمته الحكومة لتعديل هذا القانون، تمت الإشارة إلى استثناء الزوجة والأبناء”.
وتابع: “نظرا إلى عدم وصول اللجنة الإدارية والوظيفية التابعة للجنة الشؤون الاجتماعية، باعتبارها اللجنة المختصة بهذا الموضوع، إلى خلاصات نهائية بخصوص مشروع القانون، وعدم تقديم تقريرها النهائي بعد، كذلك فبسبب تباين آراء النواب في اجتماع اليوم، فقد تمت إحالة المشروع إلى فريق عمل أو لجنة متخصصة لإجراء دراسة دقيقة ومهنية على النص، وتقديم نتائجها إلى اللجنة، ومن المقرر أن يُطرح المشروع مجددا للنقاش واتخاذ القرار في اجتماع اللجنة الأسبوع المقبل”.
قانون شغل المناصب الحساسة والتعديل المقترح
يحدد قانون شغل المناصب الحساسة، الذي تمت المصادقة عليه في البرلمان بتاريخ 2 أكتوبر/تشرين الأول 2022، ويأتي في خمس مواد وأحد عشر بندا، موانع تعيين الأشخاص في المناصب الهامة في الدولة، فبموجبه يُمنع تعيين الأشخاص في المناصب الحساسة إذا كانوا يحملون جنسية ثانية هم أو أبناؤهم أو أزواجهم، أو كانوا غير ملتزمين بالإسلام والنظام والدستور، أو مدانين بجرائم مثل الاحتيال والرشوة والفساد، أو مرتبطين بجماعات معادية، أو أنشطة تخريبية، أو متعاطين للمخدرات والكحول، أو متورطين في تهريب وأعمال تهدد الأمن الوطني.
ومن بين تلك المواد، كانت المادة (أ) والخاصة بازدواج الجنسية مثارا دائما للجدل، حيث إن العديد من النخب في إيران إما يملكون جنسية أخرى أو أحد أولادهم، كما هو الحال مع جواد ظريف، مستشار الرئيس الإيراني للشؤون الاستراتيجية ووزير الخارجية الأسبق، حيث ولد ابن وابنة ظريف خلال فترة عمله الدبلوماسي في الولايات المتحدة الأمريكية.
وخلال الجلسة، فقد ذُكر في مشروع القانون المقدم تعديل للمادة الأولى من هذا القانون، حيث جاء في اقتراح الحكومة: “نظرا إلى أن الجنسية تمثل علاقة سياسية، اجتماعية، قانونية، وروحية بين حكومة دولة معينة والأفراد الخاضعين لسلطتها، فإن حمل فرد لجنسية مزدوجة مع دولتين أو أكثر يؤدي إلى حدوث فجوات في تعامل تلك الدول معه والعكس صحيح، وهذا الأمر يزيد من احتمالية وقوع ثغرات سياسية وأمنية، ولكن هذا لا يعني حرمان الشخص بشكل كامل من تولي المنصب”.
وتكمل لائحة تعديل القانون: “وعليه يستثني المشروع المقدم لتعديل القانون الزوجة والأبناء من نطاق الفقرة (أ) من المادة 2 المذكورة. ومع ذلك، فإن اكتساب الزوجة أو الأبناء جنسية مزدوجة بشكل إرادي واختياري، والذي غالبا ما يتضمن قسم الولاء، يثير تساؤلات ويختلف عن الجنسية القهرية. لذلك، وللحفاظ على الهدف من سن قانون كيفية تعيين الأشخاص في المناصب الحساسة، من الضروري الإبقاء على حظر تعيين الأفراد إذا اكتسبت زوجتهم أو أبناؤهم الجنسية الأخرى بشكل إرادي”.
وتضيف اللائحة: “وبناء عليه، يُقترح تعديل المادة الوحيدة في المشروع الحالي لتصبح (الأشخاص الذين يحملون جنسية مزدوجة، وكذلك الأشخاص الذين اكتسبت زوجاتهم أو أبناؤهم الجنسية الأخرى بشكل إرادي، بدلا من الأفراد الذين يحملون هم أو أبناؤهم أو أزواجهم جنسية مزدوجة”.
أزمة تعيين ظريف
مثلت مسألة تعيين ظريف مستشارا للرئيس الإيراني أزمة منذ تولي مسعود بزشكيان وحتى الآن، حيث بدأت القصة عندما استحدث بزشكيان منصب مستشار الرئيس للشؤون الاستراتيجية ليتولاه ظريف، وذلك في 1 أغسطس/آب 2024.
بعدها تعرض بزشكيان لانتقادات كثيرة بسبب جنسية أولاد ظريف ولكون هذا التعيين منافيا للدستور، ما دفع ظريف في الأخير إلى الاستقالة في 11 أغسطس/آب 2024. جدير بالذكر أنه خلال تلك الفترة كان البرلمان الإيراني يناقش مسألة منح الثقة لوزراء الحكومة الجديدة.
وبعد الموافقة على حكومة بزشكيان في البرلمان، أعلن ظريف في تغريدة على حسابه بمنصة إكس في 27 أغسطس/آب 2024، أنه يتراجع عن استقالته، حيث قال: “بعد المتابعات والمشاورات الحكيمة لرئيس الجمهورية المحترم وبأمر خطي منه، وبتوكل على الله وأمل في دعم وإرشاد الشعب الكريم، سأواصل أداء مهامي في منصب نائب رئيس الجمهورية للشؤون الاستراتيجية”.
أثار هذا الأمر أزمة كبيرة في أروقة السياسة والبرلمان الإيراني، وأشعل موجة من انتقادات نواب البرلمان، كان من ضمنها ما صرح به أحمد راستينه، النائب البرلماني، خلال كلمته في جلسة الأحد 29 سبتمبر/أيلول، حيث قال: “إلى السيد رئيس الجمهورية، إن تعيين محمد جواد ظريف في منصب نائب رئيس الجمهورية للشؤون الاستراتيجية يتعارض بشكل صريح مع المادة 2 من قانون تعيين الأشخاص في المناصب الحساسة، والتي تنص على أن الأشخاص الذين يحملون هم أو أولادهم أو أزواجهم جنسية مزدوجة لا يمكنهم قانونيا شغل مناصب حساسة مثل منصب نائب رئيس الجمهورية. من المتوقع أن يتخذ رئيس الجمهورية إجراءً في هذا الصدد قبل أن يضطر البرلمان إلى تفعيل المادة 234 المتعلقة بالإشراف”.
واستمرت تلك المعارضة إلى أن اضطرت الحكومة إلى إيجاد حل، وقد أتى ذلك عندما قدم مجيد أنصاري، نائب الرئيس للشؤون القانونية في حكومة بزشكيان، طلبا للبرلمان في 17 نوفمبر/تشرين الثاني، للنظر العاجل في مشروع تعديل قانون تعيين الأشخاص في المناصب الحساسة، الأمر الذي قوبل بالرفض من البرلمان بتصويت 207 نواب من نوابه، ويحال قانون المشروع للنظر فيه بعد ذلك.