كتب: محمد بركات
تستمر المحادثات بين إيران والدول الأوروبية في ظل تباين وجهات النظر بين الجانبين، حيث كانت الجولة الأولى في نوفمبر/تشرين الثاني 2024 نقطة انطلاق لتحديد إطار الحوار، ولكنها كشفت عن اختلافات واضحة في الملفات الأساسية مثل البرنامج النووي والعقوبات.
وعلى الرغم من هذه الفجوات، تواصل طهران تأكيد استعدادها للمشاركة في حوار بناء مع الدول الأوروبية، بهدف إيجاد حلول توافقية تضمن مصالح الطرفين. مع اقتراب الجولة الثانية من المحادثات في يناير/كانون الثاني 2025، تظل الأسئلة حول كيفية تجاوز تلك الاختلافات قائمة، مما يجعل هذه المحادثات فرصة حاسمة لتقييم مستقبل العلاقات بين إيران وأوروبا قبل دخول دونالد ترامب البيت الأبيض في 20 يناير/كانون الثاني 2025.
فخلال المؤتمر الصحفي الأسبوعي الذي عقد 6 يناير/كانون الثاني 2025، أعلن إسماعيل بقائي، المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، عن موعد جولة المفاوضات الجديدة مع الدول الأوروبية، حيث قال: “ستعقد الجولة الجديدة من المحادثات بين إيران وأوروبا في أيام 13 و14 من شهر يناير/كانون الثاني الحالي في جنيف، وهي استكمال للمحادثات التي أُجريت في ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي”.
وأضاف بقائي: “ستتناول هذه المحادثات مجموعة من الموضوعات، بما في ذلك القضايا الإقليمية، العلاقات الثنائية، الملف النووي، ورفع العقوبات. وكما ذكرت سابقاً، فهذه المحادثات تُعد استمراراً للنهج المتفق عليه سابقاً، وهي خطوة أخرى ضمن إطار الحوار بين إيران وأوروبا”.
وفي خضم حديثه، أكد بقائي: “نحن لم ننسحب يوما من طاولة الحوار ونؤمن بأهمية المفاوضات، فكما أوضح السيد عراقجي، وزير الخارجية، فنحن مستعدون لإجراء مفاوضات عادلة حول رفع العقوبات والبرنامج النووي، وسيُتخذ القرار فيما بعد بشأن الشكل الذي ستُجرى به المفاوضات”.
قبلها، كان قد صرح كاظم غريب آبادي، نائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون القانونية والدولية، خلال الحفل الذي أقيم في الأول من يناير/كانون الثاني 2025 لإحياء ذكرى مقتل قاسم سليماني، قائد فيلق القدس والذي اغتالته أمريكا على الأراضي العراقية في يناير/كانون الثاني 2020، قائلا: “ستعقد الجولة الثانية من المحادثات بين إيران والدول الاوروبية الثلاث في 13 يناير/كانون الثاني 2025، ولا نسعى الآن للتكهن بالنتائج، فكما ذكرنا سابقا، ما يتم حاليا هو محادثات عامة وليس مفاوضات”.
كما أوضح غريب آبادي: “إن الغرض من هذه المحادثات هو توضيح المواضيع ومزيد من التشاور حول كيفية وأطر إجراء المفاوضات المستقبلية، في حال تقررت”.
جدير بالذكر أن الجولة الأولى من المحادثات بين إيران والدول الأوروبية قد جرت الجمعة 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 في جنيف، وذلك بعد أسبوع واحد من اتخاذ مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية قرارا جديدا عقابيا ضد الأنشطة النووية الإيرانية.
وقد شملت المفاوضات حينها العديد من القضايا الخلافية بين الجانبين، على رأسها الملف النووي، وملف العقوبات، والدعم الإيراني لروسيا في حربها ضد أوكرانيا، والحرب الدائرة في غزة.
العلاقات الإيرانية الأوروبية بين دوري المحادثات
تأتي تلك التصريحات، في الوقت الذي تضطرب فيه العلاقات بشدة بين إيران والدول الأوروبية، حيث أبدت الترويكا الأوروبية، فرنسا، ألمانيا، وبريطانيا، عدة مرات منذ المحادثات الأخيرة استعدادها لتفعيل آلية سناب باك، ألية العقوبات الشاملة على إيران، ضمن إطار الاتفاق النووي بهدف إجراء إعادة فورية لجميع العقوبات الدولية المفروضة على إيران.
ففي 9 ديسمبر/كانون الأول 2024، أدانت دول الترويكا، في بيان مشترك نشر على موقع الحكومة البريطانية، زيادة إيران إنتاج اليورانيوم بنسبة 60% في منشأة فوردو النووية، واصفة تلك الخطوة بأنها ذات خطر كبير في توسيع البرنامج النووي الإيراني.
ليرسل في المقابل أمير سعيد إيرواني، المندوب الدائم لإيران في الأمم المتحدة، رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، والرئيسة الدورية لمجلس الأمن ليندا توماس، للرد على هذه الاتهامات واصفا إياه بالكاذبة.
وفي 12 ديسمبر/كانون الأول 2024، أعلن ممثلو دول الترويكا الأوروبية في الأمم المتحدة أمام مجلس الأمن، أنهم مستعدون لاستخدام آلية الزناد وإعادة فرض العقوبات على إيران إذا لزم الأمر، وذلك في إطار سياساتها لمنع إيران من حيازة أسلحة نووية.
ليرسل في المقابل، فاسيلي نيبينزيا، سفير روسيا لدى الأمم المتحدة رسالة إلى الأمين العام وأعضاء مجلس الأمن في التاريخ نفسه معتبراً فيها أن الدول الثلاث الأوروبية وأمريكا هي المسؤولة عن الوضع الحالي للاتفاق النووي وفشل الجهود لإحيائه، واصفاً استغلال آلية الزناد للضغط على إيران بالأمر غير القانوني.
وأخيرا، أبدى الجانب الإيراني استعداده للتفاوض مع الدول الأوروبية حيث صرح عباس عراقجي، وزير الخارجية الإيراني، خلال مقابلة مع شبكة سي سي تي في الصينية، 3 يناير/كانون الثاني 2025 قائلاً: “نحن مستعدون لاستئناف المفاوضات بشأن البرنامج النووي الإيراني. نحن ما زلنا مستعدين للدخول في مفاوضات بناءة ودون تأخير بشأن برنامجنا النووي، والتي تهدف إلى الوصول إلى اتفاق. الصيغة التي نعتبرها هي نفس صيغة برجام السابقة، أي بناء الثقة حول البرنامج النووي الإيراني مقابل رفع العقوبات. ونحن مستعدون للتفاوض على هذا الأساس”.
ما استراتيجية إيران في المحادثات المقبلة؟
على الرغم من أنه لم تصدر أية تصريحات من الدبلوماسيين الإيرانيين حول محاور المحادثات القادمة مع أوروبا، إلا أن صحفية خراسان قد أعطت في عددها الصادر الإثنين 6 يناير/كانون الثاني 2025، الخطوط العامة التي يجب أن تسير عليها الدبلوماسية الإيرانية خلال تلك المحادثات.
وكانت أول تلك الخطوط تصحيح الأخطاء الأوروبية بشأن إيران، فيجب أن يكون تصحيح الأخطاء الأوروبية أولى أولويات الوفد الدبلوماسي الإيراني في المحادثات القادمة، حيث إن الإعلام والمراكز الفكرية الأوروبية حاولت بناء صورة خاطئة عن الهزيمة لإيران بناء على أحداث حديثة في منطقة غرب آسيا. من المؤكد أن الدبلوماسيين الأوروبيين سيحضرون للمفاوضات بهذا التصور الخاطئ.
كذلك فقد ذكر تقرير الصحيفة أنه يجب على الوفد الإيراني أن يتجنب التسرع والعجلة في المفاوضات حتى لا يظن الطرف الآخر أن إيران تعتبر هذه المحادثات حلاً لإدارة شؤونها.
كذلك، فيجب على إيران تقييم الوضع الحالي في أوروبا بشكل دقيق. فأوروبا اليوم ليست كما كانت قبل 6 سنوات أو قبل حرب أوكرانيا، والاقتصاد الأوروبي يعاني من تراجع النمو، التحديات في تأمين الطاقة، انقسامات سياسية، وأزمات في بعض الدول مثل ألمانيا وفرنسا.
كذلك فقد ذكر التقرير أن الهدف الرئيسي من هذه المحادثات يجب أن يكون رفع العقوبات وتحقيق الفوائد الاقتصادية للشعب الإيراني، فالعقوبات التي فرضها الأوروبيون خارج الاتفاق النووي يجب تصحيحها، مع فتح قنوات مالية وتجارية بين إيران وأوروبا.
أيضا فإن التخطيط للعام العاشر من الاتفاق النووي يجب أن يكون على رأس أجندة محادثات 13 يناير/كانون الثاني، فأية مفاوضات تهدف للتفاوض من أجل التلاعب بالوقت أو تأجيل القضايا لتفعيل آلية سناب باك يجب أن تواجه بحزم من الوفد الإيراني، ومع اقتراب نهاية الموعد النهائي لرفع العقوبات، يجب أن يكون لدى إيران سيناريو دقيق لمنع أوروبا من الانضمام للولايات المتحدة في تفعيل هذه الآلية.