كتب: سبهر هاشمي
ترجمة: شروق السيد
السينما ليست فقط داخل حدود هذا البلد وجغرافيته، بل أيضا في جميع أنحاء العالم، وحتى في الدول التي تطورت فيها هذه الصناعة الفنية بشكل ملحوظ ومتزايد أو التي وصلت إلى قمة تطورها، أصبحت الآن مجرد أداة لجني الثروة ومصدر دخل للشركات والمؤسسات الكبرى متعددة الجنسيات، ولتحقيق أهدافها المختلفة.
منذ فترة طويلة، أصبحت مخرجات الإنتاجات الحديثة لعالم الصورة ذات طابع ربحي وتوجهات سياسية، وتهدف إلى خلق أو حتى إعادة تشكيل فكر صُنَّاعها وضخ أفكارهم، سواء كانت هذه الأفكار صحيحة أو خاطئة، فهذا ليس مجال النقاش هنا، ولكن النقطة الهامة هي:
إن عالم الصورة، ووسائل الإعلام الجماهيرية بشكل عام، أصبح في الوقت الحاضر أداة ومنصة لتشكيل الرأي العام، سواء كان ذلك بوعي أو دون وعي.
لطالما كانت هذه المهمة على عاتق وسائل الإعلام المرئية، خاصةً السينما، سواء في أثناء الحرب العالمية الثانية، عندما وقفت السينما الألمانية في مواجهة السينما الأمريكية، وكل منهما سعى بطريقته الخاصة إلى خلق صور مرعبة أمام أنظار العالم وإقناع جنوده بانتصار وشيك، أو خلال فترة الحرب الباردة، وحتى بالعودة إلى التاريخ المعاصر لإيران، خلال سنوات حرب إيران والعراق، وكانت السينما حينها أداة وذراعا إعلامية بارزة يمكنها أن تلعب دورا كبيرا في توحيد الصفوف أو حتى تبرير قرارات السلطة الحاكمة.
السينما، وهي وسيلة ترفيه عامة، أصبحت اليوم وسيلة مهمة للتفاعل ومشاركة أفكار أصحاب السلطة مع الناس، وقد أثبتت قدرتها على أداء هذا الدور مرارا وتكرارا.
مع تطور هذه الصناعة في جميع أنحاء العالم، وبطبيعة الحال في إيران، التي لا تزال لم تصل فيها السينما إلى مرحلة الصناعة الحقيقية، حيث أدى تدخل الحكومة وقلة دور القطاع الخاص في الإنتاج السينمائي إلى بقاء صناعة الفن هذه في حالة ناشئة نوعا ما، ومع إقامة مهرجانات الأفلام المختلفة في كل زاوية من العالم، والتي غالبا ما أصبحت مناسبات تنافسية بين الأقران، تطور أيضا مفهوم الأسلوب الفني.
الأسلوب الفني الذي لم يعد من الممكن تحديده أو حصره، أصبح إطارا يستخدمه صُنَّاع الأعمال لتقديم إنتاجاتهم ضمنه للوصول إلى بصمة شخصية خاصة بهم.
أما أسلوب “الدفاع المقدس”، فهو أسلوب محلي إيراني، حديث نسبيا ومعاصر ومميز لإيران فقط، أسلوب يمكن أن يظل لسنوات طويلة يقدم مواضيع وقضايا جديدة لجمهور السينما الإيرانية، ويمكنه أن يبني تفاعلا جادا وبناءً مع جمهوره في كل فترة زمنية من زوايا متعددة.
أسلوب يمكنه الاستفادة من أحداث الحرب التي استمرت لثماني سنوات وأيضا من زمن ما بعد الحرب، مما يوفر مادة خاما لصناع السينما الإيرانيين، لكن، للأسف، هذا الأمر لم يكن محور اهتمام القائمين على إدارة السينما حتى الآن، ولم يصل هذا النوع إلى المكانة التي يستحقها رغم إمكاناته الكبيرة.
عُرض فيلم “باغ كيانوش” (حديقة كيانوش)، من إخراج وكتابة رضا كشاورز -وإن كان سيناريو الفيلم مقتبسا- في الدورة الثانية والأربعين من مهرجان فجر السينمائي.
وهو فيلم، بحسب رأي كاتب هذا المقال، لم ينل حقه في المهرجان، وكان بإمكانه أن يترك بصمة قوية في مجالات متعددة، خاصة في الإخراج والسيناريو، مقارنة بمنافسيه.
الفيلم ينتمي إلى نوع “الدفاع المقدس” وموجه للفئة العمرية للمراهقين. إنه فيلم سردي وحكائي ليس فقط قادرا على جذب الجمهور المراهق؛ بل حتى الجمهور البالغ، بفضل إخراجه وقصته الجيدين.
فيلم حيوي ومبهج يمكنه أن يخلق تشويقا، ويبدع مواقف كوميدية متقنة ومتوازنة، رغم وجود بعض العيوب في أداء الممثلين الشباب المشاركين فيه، لكنه يصل إلى وحدة شاملة في السرد وصناعة القصة.
إنه فيلم مهم لا ينبغي التغافل عنه بسهولة وسط زحمة الأفلام التجارية التي تهيمن على دور العرض.
فيلم “حديقة كيانوش” هو في الواقع مُحيي لِنوع “الدفاع المقدس” بين المراهقين، فيلم يعرض من خلال مؤثراته البصرية التي تشبه ألعاب الفيديو، ويخلق مواقف فكاهية ومزاحا بين المراهقين، ويعكس فهما دقيقا لاهتماماتهم أو حتى جهلهم وشيطنتهم في تلك الفترة العمرية، خلال فترة هامة من تاريخ بلادنا، وقد نجح الفيلم في رسم الرابط الدقيق بين هذين الفضاءين.
المراهقون الكسالى، الجبناء، الشجعان، الأذكياء، المتعنتون، الشرهون… جميعهم يعملون معا بهدف تحقيق أمور تعتبر سامية وحلوة في عالم المراهقة، وفي مواجهة مشكلة “العدو” المعتدي على الأرض، ليصلوا إلى مفاهيم كبيرة مثل السيادة الوطنية، والشجاعة، والتضحية.
هذه الرحلة من “جزيرة” المشاغبات والمخالفات في سن المراهقة إلى “جزيرة” الفهم العميق للتضحية والشجاعة في حالات الطوارئ، لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال سينما جيدة وسرد محكم.
أن نتمكن من اختبار شخصيات مراهقينا الخام من خلال وضعهم في مواقف مختلفة، وتحويل عدم النضج إلى نضج في سير القصة، ومن ثم بناء مشاهد مليئة بالفخر والوطنية، ليس بالأمر السهل، ومع ذلك، تمكن هذا العمل، بكل ما فيه من تعثرات في التمثيل وأحيانا في الإخراج، من تحقيق هذا الهدف الكبير.
“باغ كيانوش” (حديقة كيانوش) هو فيلم عصري تماما، يمكن للجيل اليوم أن يرتبط به حتى في شكله وطريقة عرضه، الفيلم ينتمي إلى مراهقي اليوم، وقضيته هي إعادة إحياء القيم التي تم التضحية بكثير من الأرواح من أجلها خلال سنوات الدفاع المقدس؛ القيم والمعتقدات التي لا يعرفها المراهقون اليوم في إيران بشكل كامل بسبب الهجوم الإعلامي من مختلف الدول، والتي حتى قد أصبحت في طريقها إلى النسيان.
يمكن لفيلم مثل “باغ كيانوش” (حديقة كيانوش) أن يكون طريقا صحيحا لإعادة توجيه الجيل الحالي نحو المبادئ والمعتقدات الأصيلة لمجتمع إيراني-إسلامي.
الدفاع المقدس هو كنز عظيم لصناع الأعمال الفنية، خاصة لعالم السينما، مصدر لا نهائي يمكن أن يكون مصدر رزق للمشتغلين في الإعلام السردي ليتمكنوا من تجديد قيم المجتمع وحقنها في شرايين الحياة للأجيال المختلفة.
باغ كيانوش “حديقة كيانوش” وأمثاله من الأفلام تحمل الأمل في أنهم يمكن أن يكونوا روادا لإحياء خطاب الثورة بطريقة تتماشى مع العصر الحديث وباللغة التي يفهمها جيل الشباب والمراهقين في عصر هيمنة الإعلام، خاصةً السينما والتلفزيون.